الرئيسيةمختاراتمقالاتالتطرف والارهاب .. أسباب فكرية وايديولوجية !! كتب د. حنا عيسى

التطرف والارهاب .. أسباب فكرية وايديولوجية !! كتب د. حنا عيسى

تُعدّ مشكلة التطرف، من أكثر القضايا إثارة للجدل والاهتمام من قبل النخب الفكرية فنمو الظاهرة وانتقالها إلى أطوار وأشكال جديدة، ربما لم تكن موجودة من قبل، والتطرف لغة مشتق من “الطـَّرَف” أي “الناحية”، أو “منتهى كل شيء”. وتطرّف “أتى الطرف”، و”جاوز حد الاعتدال ولم يتوسط”. وكلمة “التطرف” تستدعي للخاطر كلمة “الغلوّ” التي تعني تجاوز الحد. وهو من “غلا” “زاد وارتفع وجاوز الحد”.

والتطرّف تعبير يستعمل لوصف أفكار أو أعمال ينظر إليها من قبل مطلقي هذا التعبير بأنها غير مبرّرة. من ناحية الأفكار، ويستعمل هذا التعبير لوصم الأيديولوجية السياسية التي تعتبر بعيدة عن التوجه السياسي للمجتمع. من ناحية الأعمال، يستعمل هذا التعبير في أغلب الأحيان لوصم المنهجيات العنيفة المستعملة في محاولة تغير سياسية أو اجتماعية. وقد يعني التعبير استعمال وسائل غير مقبولة من المجتمع مثل التخريب أو العنف للترويج لجدول أعمال معين.

وتتعدد خصائص التطرف لتشمل كل تصرف يخرج عن حد الاعتدال وذلك في كافة صور السلوك ومنها تعصب المتطرفين لرأي بحيث لا يتم السماح للآخرين بمجرد إبداء الرأي، أي الإيمان الراسخ بأنهم على صواب والآخرين في ضلال عن الحقيقة، لأنهم وحدهم على حق والآخرون في متاهات وضلالات. ومنها العنف في التعامل والخشونة والغلظة في الدعوة والشذوذ في المظهر. والنظرة التشاؤمية والتقليل من أعمال الآخرين والاستهتار بها. والاندفاع وعدم ضبط النفس. والخروج عن القصد الحسن والتسيير المعتدل.

وهناك بعض من العقائد التي تصنّف بأنها متطرّفة وهي النازية والفاشية وحملات التكفير الاسلامية والحملات الصليبية والتفرقة بين الشخص الابيض والملون.

والتفريق بين الإرهاب والتطرف مسألة شائكة، وذلك لشيوع التطرف والإرهاب كوجهين لعملة واحدة، ومع ذلك فالتفرقة ضرورية، ويمكن رسم أوجه الاختلاف بينهما من خلال عدة نقاط، منها التطرف يرتبط بالفكر والإرهاب يرتبط بالفعل. والتطرف يرتبط بمعتقدات وأفكار بعيدة عما هو معتاد ومتعارف عليه سياسيا واجتماعيا ودينيا دون أن ترتبط تلك المعتقدات والأفكار بسلوكيات مادية عنيفة في مواجهة المجتمع أو الدولة، أما إذا ارتبط التطرف بالعنف المادي أو التهديد بالعنف فإنه يتحول إلى إرهاب، فالتطرف دائما في دائرة الفكر أما عندما يتحول الفكر المتطرف إلى أنماط عنيفة من السلوك من اعتداءات على الحريات أو الممتلكات أو الأرواح أو تشكيل التنظيمات المسلحة التي تستخدم في مواجهة المجتمع والدولة فهو عندئذ يتحول إلى إرهاب.

والتطرف لا يعاقب عليه القانون ولا يعتبر جريمة بينما الإرهاب هو جريمة يعاقب عليها القانون، فالتطرف هو حركة اتجاه القاعدة الاجتماعية والقانونية ومن تم يصعب تجريمه، فتطرف الفكر لا يعاقب عليه القانون باعتبار هذا الأخير لا يعاقب على النوايا والأفكار، في حين أن السلوك الإرهابي المجرم هو حركة عكس القاعدة القانونية ومن ثم يتم تجريمه.

ويختلف التطرف عن الإرهاب أيضا من خلال طرق معالجته فالتطرف في الفكر، تكون وسيلة علاجه هي الفكر والحوار أما إذا تحول التطرف إلى تصادم فهو يخرج عن حدود الفكر إلى نطاق الجريمة مما يستلزم تغيير مدخل المعاملة وأسلوبها.

إن اسباب مشكلة التطرف والارهاب في مراحلها الاربع معا هي اسباب اقتصادية واجتماعية وسياسية وثقافية وفكرية وايديولوجية. فاعداد كبيرة من شباب العرب والمسلمين هم فقراء عاطلون عن العمل يعيشون في فراغ كبير ولا تتاح لهم اي فرص للمساهمة في معالجة مشاكل الخدمات والمرافق العامة المحلية المحيطة بهم، ويتعرضون بنفس الوقت لخطاب ديني متطرف ولثقافة ترفض التسامح فيجدون انفسهم في حالة تدفعهم دفعا نحو التطرف والعنف.

فثقافة عدم التسامح التي يتم اكتسابها احيانا في المجتمعات العربية الاسلامية في المنزل والمدرسة واجهزة الاعلام والمسجد والشلة تتفاعل مع وجود خطاب ديني مسيس ومتطرف يقدمه بعض الوسطاء في المجتمع ويتبنى رؤية خاصة وتفسيرا خاصا للمشاكل الداخلية والخارجية في المجتمعات العربية والاسلامية ويساعد على تنمية التطرف والعنف والارهاب بين الشباب.

والوسطاء الذين يقومون بنشر الخطاب الايديولوجي والديني المسيس الذي يحض بشكل مباشر وغير مباشر على التطرف والارهاب هم عديدون ويوجدون في مواقع كثيرة في المجتمع. ومن امثلتهم بعض العلماء وأئمة المساجد، وبعض الاساتذة والاداريين ومسؤولي النشاط الرياضي والاجتماعي والثقافي في المدارس والنوادي واصحاب الديوانيات والمجالس والمكتبات والمتخصصين في فن الكلام وزعماء بعض النقابات والجمعيات المهنية والفنية والتعاونية والخيرية وزعماء الشلل الثقافية وبعض الكتاب والمفكرين وخاصة انصاف المثقفين وبعض الاعيان واصحاب الوجاهة والنفوذ الفكري في الاحياء والقرى.

أما الآثار الإجتماعية للتطرف فتكمن بالتدهور في الإنتاج، حيث أن أهم عنصر في قوى الإنتاج هو الإنسان العامل الذي لا بد – لكي يطور إنتاجه – من أن تتطور قدراته العقلية، بحيث يكون قادراً على الإبداع والإبتكار والتجديد. فإذا ما كان أسيراً لأفكار جامدة وعاجزاً عن التفكير وإعمال العقل، فإن ذلك يجعله متمسكاً بالأساليب البالية العتيقة في الإنتاج، بل بتنظيم العمليات الإنتاجية ذاتها كذلك.

كما يمثل التطرف دائماً حنيناً إلى الماضي والعودة إلى الوراء، أي أنه يكون دائماً ذا منحى رجعي أو محافظ على أحسن الأحوال، وبالتالي فإنه يجر العلاقات الأجتماعية إلى أوضاع بالية لا تلائم تقدم العصر، ويرتبط التطرف بالتعصب الأعمى والعنف، الأمر الذي يؤدي في النهاية إلى صراعات مدمرة داخل المجتمع، ويرتبط بالتدهور الثقافي والفكري والعلمي والفني، إنه قتل للإنسان باعتباره كائناً مبدعاً وخلاقاً. ويعطل التطرف الطاقات الإنسانية كافة ويستخدمها في الصراعات والعداءات، ويحول دون تكامل المجتمع. ويحاول المتطرفون إضفاء القداسة الدينية على مشروعهم السياسي والآيديولوجي، وما يترتب على ذلك من ممارسات إرهابية، فإن نطاق خطر الإرهاب يتسع ليشمل الإنسان والدين والعقل والحياة.

د. حنا عيسى – استاذ القانون الدولي

أخبار ذات علاقة

ترك الرد

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

أهم الأخبار

اخترنا لكم

المكتب الإعلامي الفلسطيني في أوروبا