الرئيسيةمختاراتمقالاتالفلسطينيون والمأساة السورية التي تشبههم

الفلسطينيون والمأساة السورية التي تشبههم

بقلم: سمير الزبن

شكلت الحياة في سورية نموذجاً مقبولاً لحياة المنفى الفلسطيني، قياساً بحالات أخرى أكثر تطرفاً في إذلالهم، بخاصة في لبنان. فقد وجدوا حالة احتضان شعبية سورية عالية التضامن، وصلت في الكثير من الحالات الى الاندماج في الحياة السياسية الفلسطينية، فهناك الكثيرون من السوريين اختاروا الانضمام إلى الفصائل الفلسطينية، وقدموا حياتهم من أجل فلسطين في صفوفها. كذلك هناك فلسطينيون اختاروا الانخراط في الحياة السياسية السورية، منهم من انضم إلى حزب البعث وحصل على امتيازات، ومنهم من انتمى لأحزاب المعارضة ودفع ثمن ذلك سنوات طويلة في السجن.

وفي الحالتين لم يكن الانتماء الفلسطيني الى قوى سورية ظاهرة تهدد العمل السياسي الفلسطيني وفاعليته في الأوساط الفلسطينية، ولا كان الانتماء السوري إلى الفصائل الفلسطينية، يدفع هذه القوى للتدخل في الشأن السوري، على رغم التدخل السوري المستمر في الشأن الفلسطيني، ولا كان العمل السياسي الفلسطيني في صفوف المعارضة السورية، يعطيهم وزناً في تقرير السياسة السورية، التي يقررها رجل واحد.

عانى الفلسطينيون في سورية ما عاناه المواطن السوري، سواء على مستوى الحياة والمتاعب الاقتصادية، أو على مستوى القبضة الأمنية التي حكمت المجتمع، والتي شملت المخيمات في شكل طبيعي. فالمخيمات في سورية لم تكن معازل أمنية كما هي المخيمات الفلسطينية في الجنوب اللبناني التي لا تخضع للأمن اللبناني. في سورية الموضوع مختلف، كل شيء تحت القبضة الأمنية، وما يخضع السوريون له من تدقيقات أمنية، يخضع الفلسطينيون له بالقدر ذاته.

لم يشعر الفلسطينيون بتهديد الاقتلاع من سورية، على رغم تحرك هذا الشعور أحياناً، عندما تعرضت تجمعات فلسطينية لهذا التهديد. كان الاستقرار السمة البارزة لحياة الفلسطينيين في سورية، وكانوا يعتقدون أن مساراً واحداً يمكن أن يجعلهم يغادرون سورية، وهو مسار العودة الى فلسطين.

فجأة، تبين أن الثابت يهتز، فلا يمكن لوضع اللاجئ أن يبقى ثابتاً، في الوقت الذي يهتز البلد الذي يقيم فيه، ولم يكن من الممكن أن يبقى الوجود الفلسطيني على حاله، في الوقت الذي تشهد سورية صداماً دامياً في كل المناطق بفعل الاحتجاجات التي اجتاحت البلد وقمعها النظام بوحشية.

يكتشف اللاجئ في حالة التهديد المباشر والداهم، أنه لا ينتمي إلى المكان المقيم فيه، أو أن هناك من يُفهمه ذلك، ومن يُذكره بأن المكان ليس مكانه، ويطلب منه أن لا يتدخل، وأن ليس له الحق في التعبير عن رأيه في قضايا لا تخصه، وكل طرف يتهمه بالعمالة للطرف الآخر! عند ذلك، يكتشف من جديد هشاشة وجوده في المنفى. وأن الثبات وهم، وأن الاستقرار قناع مزيف لكارثة تنتظره في أول انعطافة، أو في أول صدام. لذلك، كان الفلسطينيون أول من اتهمهم النظام بأنهم يفتعلون الصراع في سورية.

وبتمزيق المخيمات وتدميرها سكانياً وعمرانياً، فإن الوجود السابق للمخيم لم يعد موجوداً، ولن يعود في المستقبل الى ما كان عليه. كما أن سورية التي كانت قائمة قبل 2011 لم تعد موجودة، ولن تكون في المستقبل. شكلت المأساة السورية فصلاً جديداً من فصول الدراما الفلسطينية، لكنها هذه المرة مجدولة مع مأساة سورية أوسع تستعيد محطات التجربة الفلسطينية في الكثير من التفاصيل، ليس أولها التهجير والمذابح، وليس آخرها منافي احتضنتهم وسرعان ما انقلبت عليهم.

إن التاريخ السوري الراهن في جانب من جوانبه تكثيف حداثي وسريع للمأساة الفلسطينية. ما اختبره الفلسطينيون خلال أكثر من ستة عقود، جربه السوريون في أقل من ست سنوات، إنهم في جانب من مأساتهم ضحايا لعنة التاريخ السريع.

* كاتب فلسطيني

جريدة الحياة اللندنية

أخبار ذات علاقة

ترك الرد

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

أهم الأخبار

اخترنا لكم

المكتب الإعلامي الفلسطيني في أوروبا