الرئيسيةمختاراتمقالاتوعاء الرسول ووعاء الآلهة:نظرات في فكر الاسلامويين ح7 (النظرية) كتب بكر أبوبكر

وعاء الرسول ووعاء الآلهة:نظرات في فكر الاسلامويين ح7 (النظرية) كتب بكر أبوبكر

نعرض في هذه الحلقة في فكر الاسلامويين لنظرية أو فكرة”وعاء الآلهة” [1] ونبدأ حيث”يقول الإمام محمد الغزالي “أنا لا أخشى على الإنسان الذى يفكّر وإن ضلّ، لأنّه سيعود إلى الحق، ولكني أخشي على الإنسان الذي لا يفكّر وإن اهتدى، لأنّه سيكون كالقشة في مهب الريح”[2]

مرت تجربة الفكر الإسلامي بمراحل متعددة، وإن كانت البداية في شأن التعددية قد ارتبطت بالخلاف على السلطة والحكم والسياسة، فإنها سرعان ما مزجت بينها-كتجربة صراع سياسي فكري- وبين العقيدة فيما ينتج عنها الفتنة الكبرى في التاريخ الاسلامي.

ورغم أن التوزّع والاضطراب والاحتراب أصبح سمة المختلفين إلا أنه وبالاتجاه الآخر نشأت مجموعة من الأفكار والصراعات والحوارات التي جعلت من العقل الاسلامي عقلا متحركا مستنيرا لا يقبل بالقليل ولا يرضى بالمسلمات دون نقدها.

كانت فكرة العقيدة وفكرة القِيم وفكرة السياسة تشير في محاولة جادة لمفكري المسلمين لتحقيق الربط بينها الا أن الربط لم يتحقق، إذ سرعان ما أصبح لكل منها أي العقيدة والسياسة والقيم مسارا ليس بالضرورة مرتبطا بالآخر، فحيث أصبحت العقيدة تعني القداسة والمطلق ويتم التعبير عنها بالعبادات والمعاملات وقواعد الإيمان، فان أخلاق التعامل لم تخضع بالضرورة لطبيعة الإيمان.

أما عن الشأن الدنيوي السلطوي السياسي فأبحر في محيط الإستثمار أوالاستغلال للعقيدة أو للقيم بما يوطّد السلطان والحكم إلا من رحم ربي.

توزعت تيارات الأمة الإسلامية على قاعدة الخلافات الثلاثة (العقدية،القيمية/الأخلاقية،السياسية) وما كان بينها من تقاطع أو تنافر أواستغلال، فنشأت الطوائف التي حملت عقيدتها على سيف السلطان (السياسة) وجيّرت (العقيدة) لمصلحة السلطان ، وحاولت أن تتحلى بقيم وأخلاق جاذبة تؤهلها لموقع الإمارة أوالسيادة.

الانشقاق الأول في التاريخ العربي الاسلامي لم يكن سهلا، إذ كانت أصعب فتراته في رحاب الخلافة الراشدة ما أنتج على مدار زمني طويل كل من السنّة والشيعة بفرقها أو مذاهبها المختلفة ، كما أنتج مذاهب أخرى لم يكتب لها الاستمرار مثل الخوارج والمرجئة والقدرية…..

إلا أن الحوار الفكري ظلّ متصلا ولم يتوقف بين الأئمة والمجتهدين والفلاسفة والمفكرين، واستطاعوا أن يحققوا تلاقحا في التجارب والأفكار ما أنتج أفكارا مستنيرة واجتهادات، كان للعقل فيها دور رئيسي حتى أطلت عصور الظلام ببشاعتها على الأمة فحط العقل رِحالهُ ليسود خطاب (الستارة السوداء) ممثلا بتقديس ما لا يمكن الوصول إليه (الفكرة السامية) أو (الدولة/الجماعة/المجتمع النموذجي)،وصيغت بناء على ذالك مجموعة من الافتراضات حُمّلت على عبء الموروث وألصقت بسيرة سيد الخلق أوصحابته أو آله رضوان الله عليهم أجمعين.

ساد التمجيد والتنزيه والتقديس للتاريخ سواء للأفراد أو للمحتوى التاريخي، كما ساد لمجموعة من الوقائع والاستنتاجات التي أصبحت مسلّمات! وصلت في مراحل متعددة لدرجة أنها أعتبرت جزء من الإيمان لا ينفصل عنه مطلقا، مثل أفكار آخر الزمان ، وافتقاد العدالة التي تحتاج لنبي أو “من يحمل عصاه” ليعيدها، في استلاب للآيات القرآنية التي ألقت العبء على الإنسان ليصنع يومه ومستقبله وحضارته بفكر ودعوة الرسالة المحمدية المهدية.

الصراع في الأمة، وما زال حتى اليوم، ينبثق من مدرسة العقل الناقد المجدد والمستنير والمتطور، ومدرسة النقل الماضوية التقديسية النصوصية، وثالثهما مدرسة الإفراط والمغالاة التي أنتجت اليوم العقل الماضوي المتطرف الذي مزج بين الماضوية والتطرف والعنف وكأن هذا يؤدي الى ذالك .

كان يمكن للعقل الماضوي أن يعيش أمجاده في مجتمع منعزل، أوعلى الأقل في بوتقة (إناء) ما يُفكّر به (خيال أو واقع افتراضي) أو في وعاء المنقول النصي دون تمحيص وتطوير عقلي،[3] وحاول هذا العقل أن يجعل من المصالحة الشكلية بين فِكرِهِ المبوتق (المقولب الموضوع في إناء محدد) والفكر السائد حالة من التعايش، ولكن بجدران صنعها، لا تسمح للفكرالسائد في المجتمعات أن يخترقها.

رغم رفض التيارات الماضوية النقليّة للسائد في المجتمع ،إلا أن منطق مصالحتها وتعايشها مع المجتمع بما فيه، لم يكن يعني منها الإقرار للسائد في المجتمع بصحة عقيدته أو ممارساته، وإن شدد على عدم القضاء على الفكر الآخر المختلف (بتكفيره أو قتله) رغم رفضه له.

حديثا ومع ظهور فرصة قوية لخلق “مجتمع موازي” أو مجتمعات أصبحت الأمكانية أفضل لينتقل المجتمع المحلوم به من الواقع الافتراضي لدى التيارات الماضوية إلى الواقع المعاش عبر3 أشكال، الشكل الأول من خلال (العزلة المكانية الجغرافية أوالهجرة) أو من خلال المجتمع الموازي ممثلا (بالجماعة) أو (التنظيم)، أو من خلال (الواقع الالكتروني/الحياة الافتراضية)،.

سعت التنظيمات الإسلاموية منذ القرن العشرين وعلى أثر صدمة سقوط “الخلافة” أو السلطة العثمانية لإعادة مجد الأمة -كما تنظّر لها-، إلا أنها توقفت عن الإشعاع العقلي والعلمي والفكري الثري لتخترع أو تتعامل بدلا من ذلك مع مجموعة من “الأعداء” المفترضين كعامل استقطاب، دون أن تحصّن ذاتها في المسارات الحقيقية للنهضة، وهي العلم والاقتصاد والوحدة.

قادت التنظيمات المتطرفة والفكرالمُغالي عملية ابتدأت برفض المجتمع القائم باعتباره ليس مسلما بشكل كامل (جاهلي)، إلى أن أصبحت التهمة بالرِّدة أو التكفير لازمة عند هذه الجماعات ، وما كان من التبلور لديها لفكرة (الخلافة) أو (المهدوية) الخدّاعة ، أو فكرة “الجهاد” بمعنى القتال الهجومي فقط، أو فكرة الأمة المقدسة إلا برهانا على خروجها في حقيقة الأمر عن سماحة الإسلام ورحابته وحقيقة دعوته للعالمين.

جاء الإسلام الحنيف للعالمين، ولم يأت للمسلمين لوحدهم، فكان أن أصبح سيف السلطان (الخلافة/الإمامة) لدى هذه التيارات بتّارا أكثر من (القيم والاخلاق) والإنسانية السامية التي تمدّد وانتشر لسببها الإسلام العظيم، حيث تنتشر الدعوة بالقلوب والعقول، وتتمدد الامبراطوريات بالحرب والقدرة العسكرية والاقتصادية، والفرق بين قوة الرسالة والإمبراطورية، هو فرق بين البندقية وزراعة الأشجار المثمرة.

———————————————————————–

[1] دراسة للكاتب استنادا لفكرة من حلقة خاصة لحوار مع الكاتب في فضائية عودة حول التيارات المتطرفة وتأثيرها على الأمة والقضية ، والرابط التالي للشريط على (يوتيوب)-المعهد الوطني لتدريب الكوادر

[2] الشيخ محمد الغزالي (1917-1996م) عالم ومفكر إسلامي مصري، يعد أحد دعاة الفكر الإسلامي في العصر الحديث، عُرف عنه تجديده في الفكر الإسلامي وكونه من “المناهضين للتشدد والغلو في الدين” كما يقول أبو العلا ماضي-عن الموسوعة الحرة.

[3] حين ذم بعض المتصوفة العقل، أجابهم الإمام أبوحامد الغزالي بأن العقل” نور البصيرة التي بها يعرف الله ويعرف صدق رسله، فكيف يتصور ذمه وقد أثنى الله تعالى عليه. وإن ذم فما الذي بعده يُحمد؟

وعاء الرسول ووعاء الآلهة:نظرات في فكر الاسلامويين ح6 (قطب ومشهور) كتب بكر أبوبكر‎

أخبار ذات علاقة

ترك الرد

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

أهم الأخبار

اخترنا لكم

المكتب الإعلامي الفلسطيني في أوروبا