الرئيسيةمختاراتمقالاتأنا.. من شمس حيفا ورمل بحرها

أنا.. من شمس حيفا ورمل بحرها

بقلم: موفق مطر

تعلمت ان مفتاح العودة الى جنة الوطن هو عقل الانسان.. فأبي «السوري الحموي، الفلسطيني الحيفاوي، تعلم القراءة والكتابة في حيفا دونما معلم ولا كُتَّاب!.. فمن ذا الذي لا يقدسك يا وطن؟!

بعد تسعة وستين عاما في مسيرة العودة الى فلسطين اليه هذه الكلمات:

إلى اللقاء أيها المولود في زمن الحرب.. قبل أن تجوع أمك في “سفر برلك” العثمانية، في سنة النار المنتشرة في هشيم أوروبا.

إلى اللقاء أيها الباحث عن العزة في كنف الحموي مصطفى في حيفا، بعد رحيل المطر.. قاسم حياتك ما بين الشقاء والألم.

كما حدثتنا.. وعندما كانت النواعير تعن اشتياقاً، للشباب الغاطسين في “جغل” العاصي، كنت تحن وتبحث عن “الشيخ الجبلاوي عز الدين القسام”، وتحشو رصاصات “التومنكان” للمجاهدين، إلى اللقاء يا عاشق عروس البحر حيفا.

أيها المسافر إلى المدن العربية إلى بيروت..حماة..والعائد إلى حيفا، قبل دق “خوازيق سايكس بيكو” وأسلاكها الشائكة المفرقة حولنا!!.

سيدي يا من وهبتني روح الشباب، أتذكر؟..

كنت دائماً تحدثنا أنك من صنف صخور جبل الكرمل، وكيف نعرف من طيفك الضوئي المسجل “صورة” أنك من شمس حيفا، من سماء حيفا.. من ملح بحر حيفا..ورمل شاطئ حيفا.. فهنيئا لك انك صرت فلسطينياً، وهنيئا لي ولأولادي من بعدي.

يا ابن بلاد الشام..ألست أنت الغارف عذب الماء من نبع في سفوح الكرمل؟

سأحتفظ يا “محمد تركي” باسمك المحبب عند أصدقائك في حيفا، يا بطل فلسطين في “الملاكمة”، فكأس البطولة الفضي ما زال يلمع ومحفور عليه إسم حيفا والبطولة.

سأحتفظ بعقال “الكشافة العربية” وأخلاق أن تكون مستعداً دائماً لفعل الخير من أجل الوطن.

إلى اللقاء أيها المقاوم على طريقتك “للهاغاناه” وعصابات الغزاة..

سأروي ما كانوا يقولونه عن حبيبتك الفلسطينية السامرية “وردة” وكم أمطروا أهلها من السباب والشتائم العنصرية! وسأذكر كم أحرقوا قلبك وإياها من نار كراهيتهم للعرب، سأحتفظ باسمك الفلسطيني المحبب “محمد تركي”.

وأحتفظ باسم بدوية إبنة مصطفى الحموي فأنا يا والدي من صلبك والترائب وطهر رحمها.

إلى اللقاء أيها المسافر من الدنيا إلى الآخرة في الربيع.. إلى اللقاء أيها الراحل وفي كل مرة أكلمك عبر الفضاء كنت تذكرني بفلسطين وأنا الحي فيها، وكيف كان الغزاة يلتهمون فلسطيننا القرية من وراء الجبل.

ما زلت أذكر حكايات البطولة عن القاوقجي وعبد القادر الحسيني، أعرف أنك قاتلت مدافعا عن بيتك الحموي في حيفا، وفضلت مدينة السور عكا التي هزمت نابليون كان لكما شهر العسل.. ولكن تحت نيران الغزاة الذين لا يعرفون الحب!

سبعة وخمسون عاما وأنت ترمم الأمل بالعودة إلى حيفا، فأنا أعلم أنك لم تشأ مغادرة فلسطين..لكن انت الآن فيها بعد نصف قرن، هنا على مرمى نظر من القدس، على مرمى نظر من حيفا. فأنا انت، وروحك الممتد ظلها في بلاد الشام بي أنا؟

الى اللقاء يا من تشع روحك على شاطئ فلسطين، فهنا الضياء وهنا الياسمين أحفاد المطر.؟ فهنا وذات صبح القريب سنرجع الى حيفا.

ها أنا أحمل آمال والدي الحموي السوري ووالدتي ابنة خاله المولودة في حيفا للعيش في فلسطين التي ظلت قصة حبهما وعشقهما وزواجهما، وشبابهما، وكفاحه، والسيرة الأجمل على لسانه حتى آخر يوم من عمره.

مفتاح ذاكرتنا، لن يصدأ ولن يأكله اكسيد الحوامض المرة السامة القاتلة، لن يضيع، لن ينكسر، فمفاتيح الأوطان عندنا حب وعشق خالد، ليست معدنية كما يتخيل المطروقة ذاكرتهم في المصانع.

قال ابي وهو يشارف على نيل ميدالية التسعين عاما: «والله يا ابني لو يسمحون لي لرجعت غدا الى فلسطين».

ما سمعته – رحمه الله – يتحدث عن ربيع عمره إلا وكانت حيفا، عروس البحر، ورائدة المعالم الثقافية، والرياضية، والصناعية المسرح الحقيقي لرواياته الشفهية الأجمل عن فلسطين.

بعد خمس او ست سنوات من ولادته في العام 1914، عاش في كنف اخواله «الحمويين» السوريين التجار المقيمين في حيفا، الذين لقبهم اهلها الطيبون «بآل الحموي» نسبة لأصولهم، فهم من مدينة «حماة» التاريخية، توأم اريحا كأقدم المدن التاريخية المأهولة في العالم.

تخيلته قائدا او منظرا في حركة أو حزب يعبئ ويثقف الجمهور، حتى اني احببت فلسطين من روايات ابي قبل ان اعيشها مع روايات اهلها في المدارس الابتدائية والإعدادية لوكالة غوث اللاجئين في مخيمي اليرموك في دمشق، والعائدين في مدينة حماة. فأنا لم اسمعه يتحدث عن موضوع أو قضية أو تجربة الا وكانت فلسطين وحيفا بالذات مركزها.

ما كنا بحاجة لنشرات حزبية، ولا لوسائل اعلام، ولا خطابات عنترية، ولا احلاف مقاومة وممانعة، ولا تيارات وقوى وجماعات السياسة ومشتقاتها، متعددة الأشكال والألوان والأجناس والمشارب، لنحب حيفا، ونرث عشقها، فروايات ابي كانت اصدق وأخلص وأوفى، فلكثرة ما حدثنا والدي عن جبل الكرمل ظننت انه الجبل المقدس في فلسطين.

أخبار ذات علاقة

ترك الرد

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

أهم الأخبار

اخترنا لكم

المكتب الإعلامي الفلسطيني في أوروبا