الرئيسيةمتفرقاتالموقفافتتاحية مجلة القدس: حركة "فتح" والسلطة الوطنية

افتتاحية مجلة القدس: حركة “فتح” والسلطة الوطنية

افتتاحية مجلة القدس العدد 338 حزيران  2017

بقلم الحاج: رفعت شناعة

يدورُ الجدل في مختلف الأُطُر والأوساط حول طبيعة العلاقة بين حركة “فتح” والسلطة الوطنية الفلسطينية. فهل هي علاقة جدلية، أو علاقة تكاملية، أو هي علاقة أدوار مرحلية؟ وبالتالي ما هو الثابت فيها، وما هو المتغيِّر، وما هو المتحوِّل؟
إنَّ طرح مثل هذا السؤال، وإثارة مثل هذا التساؤل سواء أكان ذلك سراً أم علناً يأتي في إطار الوعي الوطني، ومحاولة فهم الواقع السياسي، واستيعاب طبيعة المرحلة التي نعيشها، ودراسة التعقيدات والأزمات التي أصبحت جزءاً من واقعنا، وتعرقل مسيرتنا، خاصةً أنَّ الاحتلال الإسرائيلي خرج عن كلِّ الاتفاقات، وأصبح يُمارِس ما يحلو له من أعمال العنف، والتدمير، والقتل، والتهجير، والاعتقال، والإجرام، وتوسيع الاستيطان. هذا الواقع المرُّ الذي يعيشه أهلنا في الداخل، بما في ذلك تدنيس المقدسات، وانتهاك الحرمات، يجعلنا نتساءل ماذا تبقَّى من اتفاق أوسلو؟ وما الذي تستطيع السلطة فعله أمام هذه التحديات التي أوجعت عظام الوطن؟!
بدايةً لا بدَّ من التوضيح بأنَّ السلطة الوطنية هي حالة تعاقدية مع الجانب الإسرائيلي، وفق اتفاق إعلان المبادئ الموقَّع في واشنطن في 13/9/1993، والذي بدأ العمل به عملياً في العام 1994، وكان المفترض أن تُطبَّق بنود الاتفاق كاملةً، وأن تنتهي عملية التفاوض بين الطرفين بانسحاب الاحتلال، وإقامة الدولة الفلسطينية، ووضع الحلول التطبيقية والعملية لكافة القضايا النهائية، وذلك في العام 1999.

وهذه الترتيبات التي نتحدَّث عنها واضحة في اتفاق إعلان المبادئ وهي كما يلي:
إنَّ اتفاق إعلان المبادئ تضمَّن سبع عشرة مادة.
المادة الأولى: منها خاصة بتحديد “هدف المفاوضات”، الذي حدَّدته بأنَّه من بين أمور أخرى إقامة سلطة حكومة ذاتية انتقالية فلسطينية- المجلس المنتخب للشعب الفلسطيني في الضفة الغربية وقطاع غزة لفترة انتقالية لا تتجاوز الخمس سنوات، وتؤدِّي إلى تسوية دائمة تقوم على أساس قرارَي مجلس الأمن “242، و338”.
كما أنَّ المادة (4) خاصة بالولاية، وتضمَّنت النصَّ على أنَّ الطرفَين يعتبران الضفة الغربية وقطاع غزة وحدة ترابية واحدة، يجب المحافظة على وحدتها وسلامتها خلال الفترة الانتقالية.

أَّما المادة (5) فهي.. بعنوان “الفترة الانتقالية ومفاوضات الوضع الدائم ونصَّت على ما يلي:
– تبدأ فترة السنوات الخمس الانتقالية فور الانسحاب من قطاع غزة ومنطقة أريحا.
– سوف تبدأ مفاوضات الوضع الدائم بين حكومة إسرائيل ومُمثِّلي الشعب الفلسطيني في أقرب وقت ممكن، ولكن بما لا يتعدَّى بداية السنة الثالثة من الفترة الانتقالية.
– من المفهوم أنَّ هذه المفاوضات سوف تغطي القضايا المتبقية بما فيها: القدس، واللاجئون، والمستوطنات، والترتيبات الأمنية، والحدود والعلاقات، والتعاون مع جيران آخرين، والمسائل الأخرى ذات الاهتمام المشترك.
– يتَّفق الطرفان على ألّا تُجحفَ أو تُخلَّ اتفاقيات المرحلة الانتقالية بمفاوضات الوضع الدائم بعد انتهاء العام 1999، والعرقلة الإسرائيلية المتواصلة من أجل عدم تنفيذ ما تمَّ الاتفاق عليه، وحرمان الشعب الفلسطيني من نيل حقوقه، وبالتالي توجيه ضربة قاسية لقرارات الشرعية الدولية، وللمرجعيات الدولية، وإعادة الأمور إلى أسوأ ممَّا كانت عليه. في مثل هذه الحالة من حقِّ أي طرف من الطرفين إبلاغ الطرف الآخر والجهات الدولية المعنية بأنَّه سيفك هذا التعاقد بعد الفشل الذريع الذي وصلت إليه الأمور، وهذا حقٌّ قانوني وطبيعي، لكن الواضح أنَّ الطرف الفلسطيني وهي “م.ت.ف”، وبالتالي السلطة الوطنية، ارتأت أن تستمر بالعمل والالتزام بهذا الاتفاق لأنَّها لا تريد نسفه، ولا يوجد خيار بديل حالياً يكون مقبولاً وأكثر فعالية. وهذا يعني أنَّ السلطة لا تريد أن تعيش في فراغ، وإنَّما تريد تحميل الجانب الإسرائيلي الفشل الكامل والمُتعمَّد.
الجانب الإسرائيلي من طرفه لن يفك هذا التعاقد مع الفلسطينيين حتى لا يُلام دولياً، ويُتَّهمَ بأنَّه عدوٌ للسلام. وأصبح خياره الاستمرار في تنفيذ مشروعه الاستيطاني، والتهجيري، والمراهنة على مزيد من الوقت لتعزيز وجود الاحتلال. إضافةً إلى ذلك، فالاحتلال مستفيدٌ من ربط الاقتصاد الفلسطيني بالاقتصاد الإسرائيلي، وهو يحقِّق الأرباح الاقتصادية. كما أنَّه سرَّع في بناء المستوطنات في الأراضي الفلسطينية، وأصبحت هذه النسبة العالية من الاستيطان في مختلف الأراضي الفلسطينية وخاصة منطقة القدس، ومنطقة الأغوار، ومنطقة (C) أو (ج)، وهذه النسبة العالية والمتفاقمة من الاستيطان أصبحت تشكِّل عائقاً حقيقياً أمام تطبيق حل الدولتين، أي إقامة الدولة الفلسطينية وعاصمتها القدس.
وما يُمارسه الاحتلال بعد العام 1999 واضح المعالم والمشروع الصهيوني الذي تتم حلقاته، وتتضح معالمه هو مشروع التطهير العرقي، والاستيطان المكثَّف، والاستيلاء على المقدسات، وانتهاك أماكن العبادة، ودعم المستوطنين علناً لممارسة القتل والإرهاب بحق الفلسطينيين، ومحاصرة الفلسطينيين في محافظاتهم، وقتل أطفالهم وشبابهم، ونسائهم.
باختصار المشروع الصهيوني على الأراضي الفلسطينية يسير بخطى متسارعة، والمشروع الوطني الفلسطيني يتراجع ميدانياً، رغم الخطوات السياسية المهمّة التي تحقَّقت دولياً لصالح القضية الفلسطينية، سواء كان القرار الدولي 2334، أو كان الاعتراف الدولي بالدولة الفلسطينية تحت الاحتلال، أو قرارات “اليونسكو” التي صبَّت في إطار دعم ومساندة نضال الشعب الفلسطيني.
إلَّا أنَّ استمرار نتنياهو وحكومته الإرهابية في التصعيد ضدَّ السلطة، والإسراع باتجاه رسم الخرائط الجديدة المستقبلية تمهيداً لتصفية القضية الفلسطينية كقضية سياسية، والتعامل معها اقتصادياً، أي تأمين الجانب المعيشي، وليس المستقبل السياسي كدولة لها كيان وطني.
أمام هذا الواقع أصبحت السلطة في مأزق، وكذلك المنظمة، وليس هناك ما يبشِّر بمعطيات جديدة. أيضاً فإنَّ الرئيس الأميركي الجديد ترامب رغم الهالة الإعلامية التي أوجدها حول تحركاته السياسية، ووعوده بأنَّه يبحث عن صفقة للحل السياسي للصراع الفلسطيني الإسرائيلي، إلَّا أنَّ صفقته لا تحمل أية بشائر، لأنَّه لم يُشِر في خطاباته السياسية إلى حل الدولتين، ولا هو طالب إسرائيل بوقف الاستيطان، ولا تطرَّق إلى القدس كعاصمة دولة فلسطين، ولم تصدر عنه أيّة إشارة تتعلَّق بموضوع اللاجئين والقرار 194.
أضف إلى ذلك، فإنَّ الوضع العربي مُضعضَع بسبب ما يعتريه من مخاطر عسكرية، وأمنية، وسياسية، خاصةً موضوع التطبيع المطمئِن للعدو الإسرائيلي.
من هنا تبرز أهمية تفعيل الخيارات الرديفة والمسانِدة حتى لا يستمرَّ الابتزاز الإسرائيلي لنا، وتفريغ ثوابتنا من مضمونها، مستفيداً من الرئاسة الأميركية الصهيونية الحريصة على المصالح الإسرائيلية ومستقبلها في المنطقة.
من هنا تأتي أهمية وجود، وتطلُّعات، ورؤية حركة “فتح” أمام هذا الموقف الإقليمي البائس، والموقف الدولي العاجز عن إرغام الاحتلال الإسرائيلي على الانسحاب من الأراضي الفلسطينية المحتلة.
لا شكَّ أن السلطة الوطنية تحمَّلت مسؤولياتها خلال الفترة السابقة، وما زالت، وأدَّت دوراً مهماً خاصة على الصعيد الأمني، وحافظت على أمن الوطن والمواطن في أعقد الظروف، ونظراً لالتزامات السلطة الدقيقة، ونظراً للابتزاز الإسرائيلي، والتضييق المتواصل، ونظراً لأنَّ الأحزاب الإسرائيلية اليمينية هي التي تقود السياسة الإسرائيلية، وتدفع بها باتجاه التأزيم، فقد بات واضحاً أنَّ هناك ضرورة مُلحة لإعادة النظر في طريقة وأساليب التعاطي حتى لا نصل إلى مرحلة الإحباط واليأس، ولابد من إعداد العدة، وأخذ التطورات كافةً بعين الاعتبار.
من هنا تأتي أهمية الدور الذي تستطيع حركة “فتح” أن تؤديه أمام هذا المنعطف الخطير. فحركة “فتح” هي القادرة على تعبئة الجماهير، وتوعيتها، واستنفارها، وإعدادها، لتُشكِّل الحالة الشعبية المطلوبة، وإنجاز الخطط والبرامج لتصعيد المقاومة الشعبية، وتفعيل الدور الجماهيري، والنخبوي، وحشر الاحتلال في زاوية إعادة النظر في سياساته وخياراته العنصرية، ومن الضروري أن يشعر الاحتلال بأنّ الشعب الفلسطيني لديه الكثير من الخيارات، وأنَّه قادر على قلب السحر على الساحر.
في مثل هذه المآزق والتعقيدات فإنَّ حركة “فتح” الحركة التاريخية الوطنية هي الأقدر على إنقاذ الموقف، والخروج من الأزمات، والحراك الفتحاوي السياسي، والتنظيمي، والجماهيري، والخلفية الميدانية لديها تستطيع أن تُغيِّر المعادلات، وأن تضع الخطوط الحمر أمام العدو الإسرائيلي، وأن تُفهمه بأن حركة “فتح” ومسيرتها الوطنية التاريخية ما زالت هي العمود الفقري للمنظمة، وللثورة  الفلسطينية العملاقة، وهي التي رسَّخت الثوابت الوطنية، وزرعتها في عقول الأجيال المستعدة لمواصلة كفاحها مهما طال الزمن، ومهما قست الظروف.
نُذكِّر العدو الإسرائيلي بأنَّ حركة “فتح” في الظروف الصعبة دائماً تقول كلمتها دون تردد، فقد قالتها بوجه الاجتياح الإسرائيلي العام 1982، وقالت كلمتها في الانتفاضة الأولى، وقالتها في الانتفاضة الثانية، وقالها ياسر عرفات العام 2000 في كامب ديفيد عندما رفض التنازل، ثمَّ عاد وقالها عند الهجوم على المقاطعة ومحاولة تدمير غرفته الوحيدة على من فيها. وقالها الرئيس أبو مازن بوجه الرئاسة الأميركية، عندما حاولت الضغط عليه حتى لا يُقدِّم مشروع القرار الفلسطيني المُطالِب بإقامة الدولة الفلسطينية تحت الاحتلال.
وعلى الاحتلال أن يضع في حسبانه بأنَّ رجال الأمن الوطني، وكافة الأجهزة والمكوِّنات الحكومية مُلتزمةٌ بقيادتها احتراماً، لكن الاحتلال يعرف أيضاً أنَّ الدم الفلسطيني العربي الذي يغلي في عروق وقلوب رجالنا وأبطالنا هو الأنقى والأطهر، وهو دائماً يتدفَّق عندما تتطلَّب الضرورة، وعندما ينادي الوطن أبناءه، وحراسَ مقدَّساته.
إنَّ حركة “فتح” التي تُمثِّل الأصالة الثورية والوطنية، هي حركة التحرر التي فجَّرت الثورة، وخاضت الكفاح الوطني، وما زالت وستظل هي التي تحمي الخيارات الوطنية المطلوبة. هي انطلقت من أجل تحرير الأرض، وما زالت بالمرصاد، حركة “فتح” في كل المراحل تحمَّلت مسؤولياتها بأمانة، وهي اليوم الأصلب إرادةً، والأعمق إيماناً، والأشد قسوةً على من يعادينا، والأنضج وعياً بوجه كل من يريد اختبارنا. ونقول للجميع بأنَّ حركة “فتح” ليست هي السلطة، وإنما هي فصيل وطني مؤسِّس تربَّت قياداتها على أيدي عظماء القادة التاريخيين: الرمز ياسر عرفات، وأبو جهاد الوزير، ومحمود عبّاس، وأبو علي إياد، وصلاح خلف، وخالد الحسن، وأبو الهول، وممدوح صيدم، وكمال عدوان، وأبو يوسف النّجار، وأبو الأديب، وأبو ماهر غنيم، وماجد أبو شرار، وسعد صايل، وصبحي أبو كرش، وفاروق القدومي، وهاني الحسن، وعبدالفتاح حمود، وصخر حبش، وعثمان أبو غربيّة، وفيصل الحسيني مسؤول ملف القدس، والقافلة تطول. وعلى الجانب الإسرائيلي أن يقرأ جيِّداً هؤلاء الأبطال وسيرتهم، حتى يُدرك بأنَّه ذاهبٌ إلى الهاوية.
حركة “فتح” ليست السلطة، لكنّها هي السند والحامي لكلِّ الأُطُر التي تنتجها منظمة التحرير الفلسطينية، لأنَّها هي بيت الشعب الفلسطيني. و”فتح” هي صاحبة المشروع الوطني.

أخبار ذات علاقة

ترك الرد

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

أهم الأخبار

اخترنا لكم

المكتب الإعلامي الفلسطيني في أوروبا