الرئيسيةمختاراتمقالاتالإرهاب يزداد وحشية وبشاعة!

الإرهاب يزداد وحشية وبشاعة!

بقلم: جواد البشيتي

مع أنَّني لستُ مِنَ المعتقدين بجدوى محاربة الإرهاب في “داخل العقول والنفوس والنصوص”، وكأننا نسعى لإزالة الشيء مِنْ خلال إزالة صورته في المرآة، فإنَّني أُؤيِّد الدعوة إلى حملة مِنْ أجل “بتر واقتلاع الفكر التكفيري”؛ فمن هذا الفكر يَخْرج الإرهاب والإرهابيون، وآخر أنواعهم “داهسو المارة بالشاحنات”!
الإرهاب إنَّما يستمد بعضًا مِنْ “طبيعة هدفه”؛ ويستمد بعضًا آخر من عواقب وتبعات الحرب عليه؛ وكأنَّ هذه الحرب لا يمكن المضي فيها قدمًا، وتشديدها، والزج بمزيد مِنَ القوى فيها، مِنْ غير أنْ تمده بمزيد مِنْ أسباب القوة والنماء والحياة، وأنْ تجعل مكافحته أشد صعوبة مِنْ ذي قبل.
إنَّهما منطقان متضادان؛ فمنطق “الإرهاب” هو “الضرب حيث تستطيع الضرب”، وليس “حيث ينبغي لك الضرب”، ومنطق “الحرب على الإرهاب” هو “الضرب حيث يضر ولا يفيد الضرب”.
الإرهاب لا يستطيع أنْ يضرب حيث يجب أنْ يضرب، أي حيث يصيب مقتلًا مِنَ الخصم أو العدو، فــ”الأهداف” هنا ليست في متناول اليد، إنَّها في حصن حصين، وفي بروج مشيَّدة، وتستطيع الدول والحكومات أنْ تحمي تلك الأهداف بقليل مِنَ الجهد.
والإرهاب الذي يَضْرِب ويُضْرَب يستمد قوَّة ليس مِنْ “طبيعة الهدف” فحسب، وإنَّما مِنْ وسائله وأساليبه، التي تسمح له بأنْ “يعيل نفسه بنفسه”، فبضعة أفراد، وبقليل مِنَ الجهد والمال يستطيعون اقتناء وسائل ومواد للقتل والتدمير، واستعمالها، مِنْ ثمَّ، في ضرب مدنيين أبرياء في هذا الموضع الذي يحتشدون فيه أو ذاك؛ ويسمَّى هؤلاء الآن “الذئاب المنفردة”.
ولجعل “الهدف”، الذي في متناوَل الأيدي، في متناول العقول والنفوس أيضًا، يُصوَّر قتل المدنيين الأبرياء على أنَّه عمل مُبرَّر حتى مِنَ الوجهة الدينية والأخلاقية، فالبشر يخترعون مِنَ الأخلاق والعقائد كل ما يُبرِّر لهم ارتكاب الجرائم، فالسائح الغربي الذي جاء إلى ديارنا، مثلًا، إنَّما جاء لنشر الفسق والفجور؛ ويكفي أنْ يُفسَّر وجوده ومجيئه على هذا النحو حتى يصبح قتله هدفًا في حدِّ ذاته!
وما يكسب الإرهاب مزيدًا مِنَ “الجاذبية” أنَّ ما يلحقه مِنْ خسائر بالمجتمعات يَقِلُّ كثيرًا، وكثيرًا جدًّا، عن الخسائر التي تتكبدها المجتمعات في مكافحته ومحاربته!
وينبغي لنا ألا نضرب صفحًا عن حقيقة أنَّ ثمَّة “أيادي خفية” في كثير مِنَ الأعمال الإرهابية، فالإرهابيون كثيرًا ما “يحالفهم الحظ”، الذي ليس بـ”حظ”، في أعمالهم الإرهابية، إعدادًا وتخطيطًا وتنفيذًا، فلا يرون مِنَ “الأيدي” سوى ما ظَهَرَ منها، أي أيديهم فحسب، فـ”التسهيلات” لا يحصلون عليها، دائمًا، بكدِّهم وعرق جبينهم وذكائهم، وأحسب أنَّ ضرباتهم في كثير من الأماكن لم يوفقَّوا فيها إلَّا بفضل “الأيدي الخفية”!
في “مكان عام” في قَلْب عاصمة أو مدينة أوروبية، تُفجَّر قنبلة أو يُرْتَكَب عمل إرهابي عشوائي، فيُقْتَل العشرات، ويُجْرَح المئات، مِنَ المدنيين، الذين مِنْهُم أطفال ونساء. وربَّما كان بعضهم مِنَ المسلمين، هؤلاء هم الضحايا، أو الضحية الأولى والكبرى.
إنَّ هذا الذي قام بهذا العمل (ولا أُريدُ هنا تسمية أو وصف هذا العمل فهو يُسمِّي ويصف نفسه بنفسه) قد أراد ضَرْب “العدو”، فهو، وهنا تكمن المصيبة الكبرى، يرى في هؤلاء الضحايا “العدو” الذي ينبغي له ضربه وقتله، أو يرى في قتلهم وإيذائهم “وسيلة” يَضْرِبُ بها “العدو” المحمي في حصن حصين ولا يستطيع، من ثمَّ، الوصول إليه وضربه مباشَرةً.
هذا “التصوُّر” سأُضَمِّنهُ “فرضية” هي أنَّ القائم بـ”العمل” كان مسلما، وأنَّ لديه مِنْ قوَّة “التزمُّت الديني” ما يُسوِّل له قتل “الآخر”، ولو كان مدنيًّا.. ولو كان طفلًا أو امرأةً، وهذا الذي قام بهذا “العمل” لا بدَّ أنَّه قد توقَّع أنْ يكون “مسلمون” بين ضحاياه، فكيف يمكنه، في هذه الحال، أنْ يكون راضيًا عن نفسه؟ ربَّما أنَّه اعتقد بـ”فتوى” مماثِلة لتلك التي أصدرها الزرقاوي، والتي جاء فيها أنَّ مثل هذا المسلم الضحية يُحتَسبُ عند الله شهيدًا، فهو لم يُقْتَل على يديِّ مسلم إلَّا لأنَّه كان مقيما بين “أعداء” لا بدَّ مِنْ ضربهم، ولكن لا يمكن ضربهم مِنْ دون قتله أو إيذائه!
وتَعْظُم “المصيبة” مع الانتقال إلى ما يشبه “التبرير السياسي”، فهذا “العمل” يفهمه القائمون به، ومؤيِّدوهم، على أنَّه تجريعٌ لـ”العدو” مِنَ العذاب ذاته الذي يُذيقنا في بلادنا، فهو يرتكب الجرائم في حق مدنيينا الأبرياء العُزَّل مِنْ أطفال ونساء وشيوخ، ولا بدَّ لنا، من ثمَّ، مِنْ أنْ نُذيقه العذاب ذاته لعلَّه يرعوي!
إنَّه “الإرهاب الأعمى” الذي لا ينال مِنْ قوَّة “العدو”، وإنَّما يزيده قوَّة؛ وهو لن يؤدِّي إلَّا إلى مجتمعٍ زُرِعَ فيه مِنَ الخوف ما يكفي لجعله في مَيْلٍ أشد إلى التضحية بكل تلك القيم والمبادئ التي لنا مصلحة حقيقية في بقائه مستمسكًا بها، فهذا “الإرهاب الأعمى” إنَّما يزرع مع “الخوف” أسباب “النازية” و”العنصرية” في المجتمعات والدول الغربية التي كانت هدفًا له.
ثمة “إرهاب”، وثمة “استثمار في الإرهاب”؛ وأعتقد أنَّ “المستثمرين في الإرهاب”، أي الذين لهم مصلحة في “بث الخوف من الإرهاب”، هُمْ فئة لا تقل خطرًا عن الإرهابيين أنفسهم؛ فالمستثمرون في الإرهاب هُمْ من ذوي المصالح التي تسوِّل لهم أنْ يرتكبوا جرائم إرهابية؛ ولكن بأيدي غيرهم!
ويكفي أنْ تكون لهم مصلحة في أنْ يبثُّوا “الخوف من الإرهاب” حتى يشتد الميل لديهم إلى أنْ يزاولوا بعضًا من الإرهاب من وراء الستار.
“التكفير” جريمة تَلِد جريمة الإرهاب؛ فمَنْ ذا الذي في مجتمعاتنا العربية (الإسلامية) يحقُّ له “تكفير” شخص أو جماعة؟ لو أنَّ “المُكفِّرين”، مِنْ أفراد وجماعات، سمحوا لعقلهم الديني بأنْ يتغلغل في معنى “التكفير” لأدركوا أنَّ التكفير مِنَ الكُفر، وأنَّه جريمة لا تعدلها جريمة، فالله هو وحده الذي في مقدوره أنْ يحكم على شخص أو جماعة بالمروق من الدين والكفر، وأنْ يعاقب الكافر، من ثمَّ، على كفره العقاب الذي يستحق، حتى أولئك المؤمنون الذين من فرط إيمانهم نظن أنَّ الجنَّة مثواهم ربما لن يذهبوا إلى الجنَّة إلا بسبب رحمته، فالله، وليس أي إنسان أو جماعة، هو الذي يميِّز الكافر من المؤمن، وهو الذي يأتينا ثواب الدنيا وحسن ثواب الآخرة.
قد تنظر إلى قول أو عمل أو سلوك لشخص (أو لجماعة) على أنَّه كفر. هذا حقٌّ لك، ولا يمكن تجريمك بسبب ذلك، فالجريمة، أي جريمة التكفير، إنَّما ترتكبها عندما تحكم عليه، علانية، بالمروق من الدين والكفر، فتعرِّضه، أو تدعو إلى تعريضه، للعقاب الذي يستحق حسبما تعتقد. وأحسب أنَّ “الإيمان القويم” يحضنا، ويجب أنْ يحضنا، على تغيير “قانون العقوبات” في مجتمعاتنا العربية بما يلبِّي الحاجة إلى جعل “التكفير” جريمة يُعاقِب عليها القانون.
إنَّ في “التكفير” ميلًا قويًّا إلى إلغاء “الآخر” ولو كان مختلفًا ليس في اللون، وإنَّما في الدرجة من اللون ذاته، فكم من مسلم مؤمن تعرَّض للعقاب بدعوى أنَّه أتى بقول أو عمل أو سلوك يجعله يمرق من الدين!

أخبار ذات علاقة

ترك الرد

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

أهم الأخبار

اخترنا لكم

المكتب الإعلامي الفلسطيني في أوروبا