الرئيسيةمختاراتمقالاتالتطبيع: بين الحقيقة وادعاءات إسرائيل، وصرخة مرزوق الغانم لها ما بعدها

التطبيع: بين الحقيقة وادعاءات إسرائيل، وصرخة مرزوق الغانم لها ما بعدها

بقلم: حسين حجازي

يلاحظ جوني عبده، مدير المخابرات العسكرية اللبنانية في سنوات الحرب الأهلية اللبنانية، وأحد أهم الشخصيات التي كان لها دور مؤثر في هذه الحرب، أن الإسرائيليين الذين كانوا يدعمون حزب الكتائب الماروني بالسلاح والخبرات وكان لهم حضور مادي على الأرض ولا سيما جهاز “الموساد” الشهير، كانوا يعمدون إلى نشر الإشاعات أو الأخبار عن علاقات تربطهم بشخصيات لبنانية تسعى إلى التقرب منهم، دون أن يكون ذلك صحيحاً أو واقعياً لكي يعطوا الانطباع بأن لا أحد يمكنه الاستغناء عن العلاقة معهم، وأن الجميع يسيرون في خط التحالف معهم.
اليوم يلعب بنيامين نتنياهو في محاولة لزيادة رصيده الإسرائيلي الداخلي أو مكايدة الفلسطينيين ولا سيما الرئيس أبو مازن، وربما توجيه رسائل مضللة إلى الإدارة الأميركية بأن دعوكم من الفلسطينيين. نفس اللعبة تقريباً في تكرار الأقوال والحديث عن علاقات العرب السرية والتي لم يسبق لها مثيل مع إسرائيل تحت قيادته، ولا سيما بهؤلاء العرب ما يسمى بالدول العربية السنية ويقصد بذلك دول الخليج والسعودية. وذلك على ما يبدو لإقناع السعودية نفسها أنه لا خيار سوى السير في ركاب إسرائيل، باعتبار أن إسرائيل هي الحل لأزمة الصراع مع إيران وتركيا على حد سواء. وللأسف فإن عرباً وحتى فلسطينيين تنطلي عليهم هذه الأقاويل دون تدقيق فعلى في مضمونها.
فمن هم العرب الواقعون في غرام إسرائيل؟ وما هو وزنهم الحقيقي أو تأثيرهم في المشهد الفعلي للصراع العربي الإسرائيلي؟ إذا كانت كل هذه الجعجعة ليست في الواقع إلا من قبيل ما يحب اللبنانيون تسميتها بـ”طبخة البحص”، والتي لا تسفر عن أي نتيجة لأنه لو كان ذلك صحيحاً أو أردنا تصديق ذلك فإننا نكون عندئذ إزاء تحول راديكالي حقاً في المنطقة، أقله على مستوى الخطاب السياسي العربي والانقلاب على المبادرة العربية للسلام. ولكن شيئاً من ذلك لا يحدث وإن ما يحدث هو العكس.
والحقيقة أن الدول العربية لم تعد تنظر إلى العلاقة مع إسرائيل كما في عقدي الخمسينيات والستينيات، بصورة أكثر حدة وربما تحريماً أو على أنها فعل منكر، وإنما تحولت هذه النظرة إلى تصور واقعي أكثر براغماتية. بيد أن هذه البراغماتية لا تزال في الإطار الإجمالي لرد الفعل والموقف العربي، لم تخرج عن سياق ما تصفه سورية والمحور الإيراني السوري اللبناني بالممانعة.
وما حدث أن دولتين عربيتين هما مصر والأردن عقدتا اتفاقيات سلام مع إسرائيل إلى جانب نصف سلام فلسطيني باتفاقية أوسلو. إلا أن ذلك لم يؤد إلى جلب الدول العربية الأخرى إلى تطبيع علاقتها بإسرائيل، وعلى مدى العقود الماضية لم يتحول هذا السلام إلى تطبيع شعبي لدى المصريين والأردنيين في العلاقة مع إسرائيل.
والمسألة واضحة أن العرب انتقلوا من تحريم العلاقة مع إسرائيل إلى إبداء الاستعداد لإعادة دمج إسرائيل في النظام الإقليمي والسياسي للمنطقة، وتطبيع العلاقات معها. ولكن بشرط واضح هو إزالة آثار حرب العام 1967 وإقامة الدولة الفلسطينية، ودون ذلك يمكن لدول عربية صغيرة إجراء اتصالات من تحت الطاولة غير علنية مع إسرائيل، ولكن هذه الدول لا تجرؤ حتى على إعلان هذه الاتصالات، كما لو أنها فعل محرم من قبيل الدنس أو الفاحشة التي يجب التستر عليها وعدم التفاخر بإقامتها.
وهذه هي الخريطة: تقف دولة المغرب مثل رأس الحربة في عهد ملكها محمد السادس حفظه الله الذي يشبه جده الراحل طيب الذكر محمد الخامس، في التصدي لأي محاولة إسرائيلية لاختراق القارة الإفريقية. وتحافظ الجزائر وتونس وليبيا رغم الصراعات في هذا البلد الأخير على تقاليدها السابقة برفض العلاقة أو التطبيع مع إسرائيل، التزاماً بالموقف الفلسطيني ودعماً له.
وإذا كان هذا هو حال الجناح المغربي، فإن الحال في الشرق العربي الذي يضم ما يسمى بدول الهلال الخصيب أي العراق وسورية ولبنان، ليس هو ما يسمى بالكتلة الممانعة ولكن برأيي هو اليوم القوس الذي يمثل، مستقبلاً، التهديد الفعلي لإسرائيل، إذا كانت الحروب التي تمرس في خوضها الجيشان العراقي والسوري خلال الحروب الداخلية على مدى هذه السنوات، هي الخبرة التي تنذر بتحولهما إلى قوة تستطيع غداً الوقوف في وجه إسرائيل في أي حرب محتملة.
وإذن أين هو كعب أخيل أو أين حدث الاختراق الذي تفاخر به قبل أشهر بنيامين نتنياهو للجسد العربي؟ هل باتصالات سرية قام بها مسؤولون من دولة الإمارات العربية تحت جنح الظلام كشفت عنها قناة الجزيرة قبل أسابيع؟ ولكن هل ترقى هذه الاتصالات إلى مستوى أو حد اعتبارها تحولاً جماعياً في موقف دول الخليج العربي أو هل يرقى هذا الاختراق المنعزل السري وغير المعلن إلى مستوى القول الفصل للعاهل السعودي، الذي كان يتحدث باسم كل دول الخليج والعرب من أن مرجعية السلام هي دولة فلسطين على حدود الرابع من حزيران بما فيها القدس الشرقية؟ فماذا بقي إذن من وهم ما يسمى بالسلام الإقليمي بديلاً عن دفع استحقاق السلام مع الفلسطينيين أولاً؟
ولكن حتى رغم كل ما يقال عن التنسيق الأمني غير المسبوق في سيناء بين مصر وإسرائيل، إلا أن أسئلة لا تزال تثار إذا ما كان تحرك الرئيس المصري المفاجئ بصنع التوافق والمصالحة بين “فتح” و”حماس” قد تم ضد إسرائيل أم لتحقيق السلام رغم عناد إسرائيل بالاتفاق سراً مع الإدارة الأميركية؟ ولذلك جاء الموقف الإسرائيلي من هذه المصالحة على هذا القدر من الالتباس واختلاف النبرة التي يمكن أن تقبل التأويل.
وبصورة موازية فإن الأردن الذي يجمعه اتفاقية سلام مع هذه إسرائيل، فإنه هو الذي جمع كل العرب في قمة على شاطئ البحر الميت، وكانت بحق قمة فلسطين. وكان موقفه صلباً مع إقامة الدولة الفلسطينية والقدس ورفض السماح بإعادة فتح السفارة الإسرائيلية في عمّان قبل معاقبة موظف السفارة، الذي قتل اثنين من الأردنيين.
هل كانت إذن صرخة الغضب المجلجلة التي أقدم عليها رئيس مجلس النواب الكويتي مرزوق الغانم، في اجتماع اتحاد البرلمانيين الدولي في مدينة سان بطرسبورغ الروسية، هي موقف في سياق مجرد عن مزاج رسمي وشعبي لدى الدول العربية، من أنه قد طفح الكيل وما عاد أحد يستطيع احتمال احتلال بات اليوم وفي ظل الثورة المعلوماتية يكثف في غضون كل هذا التطاول من سنوات الاحتلال الشعور بالاشمئزاز حول العالم من ممارسات هذا الاحتلال. ولم يعد السكوت عليها ممكناً حين يتحول هذا الاحتلال بوصفه وصمة العار التي تختزل كل تاريخ الاستعمار، والمذكر بعار هذا الاحتلال على حد سواء.
ولعل السؤال بعد ذلك هو ماذا تبقى لإسرائيل من ادعاء حول نفسها؟ وإن صرخة مرزوق الغانم لها ما بعدها في العالم العربي.

أخبار ذات علاقة

ترك الرد

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

أهم الأخبار

اخترنا لكم

المكتب الإعلامي الفلسطيني في أوروبا