الرئيسيةمختاراتاخترنا لكمالدور التاريخي للرئيس عباس -2-

الدور التاريخي للرئيس عباس -2-

بقلم: عمر حلمي الغول

The Last Palestinian: The Rise and Reign of MahmoudAbbas

صادر عن Amherst, New York: Prometheus Book, 2017.1

هذا هو عنوان الكتاب الذي جاء في تسعة فصول لاك فيها المؤلفان هرطقاتهم وحملتهما التحريضية البغيضة على شخص الرئيس ابو مازن. أتيح لي قراءة نصاً ملخصاً لترجمته بالعربية، تركز هدف الكتاب على إستهداف شخص الرئيس محمود عباس، والإنتقاص من دوره ومكانته كقائد قوي، يملك كاريزما متميزة عبر محاولة “التهميش” مرة، و”الفشل” مرة أخرى، و”الضعف” مرة ثالثة، فضلا عن إلقاء التهم جزافا على الرجل مثل القول أنه “إستبدادي” أو “إستبدادي وثقيل”. ولو توقف المرء أمام التوصيفات السطحية والساذجة، سيجد أنها متناقضة مع بعضها البعض، فكيف يمكن جمع الضعف مع الإستبداد؟ وما هي معايير الفشل والنجاح بالنسبة للمؤلفين؟ ولماذا يأتي إصدار الكتاب الآن؟ وما الهدف من التطاول على الزعيم الفلسطيني؟ ومن يقف خلف المؤلفين؟ أليست القوى الصهيونية المتطرفة وأدواتها الإعلامية والفكرية الرافضة لخيار السلام، والمتشبثة بالإستيطان الإستعماري على كل الأرض الفلسطينية؟

كما اوردت في المقدمة من الواضح ان المؤلفين من اول كلمة إلى آخر جملة حاولا إسقاط رغباتهما المعادية على الرئيس ابو مازن، وشاءا تحميله مسؤولية “فشل” العملية السلمية، وغيبا أي إنجاز للرجل، حتى عندما يدرجابعض الصفات الإيجابية، فإنهما يستخدمانها في إطار الذم والإساءة لشخصه، ولا يتورعا عن قلب الحقائق رأسا على عقب. ولم يحاولا قراءة المعطيات المحيطة به، ولم يشيرا من قريب او بعيد لدور دولة إسرائيل الإستعمارية في خنق أي أفق لخيار حل الدولتين على حدود الرابع من حزيران عام 1967. فيقولا، أن الرئيس عباس “فشل بشكل “مأساوي” في تحقيق إتفاق سلام دائم، وتابعا التجديف بذات الإتجاه البائس والمتناقض مع الواقع فكتبا “وأن التاريخ سيحكم على الرئيس عباس على انه “شخصية مأساوية”، وأن إستراتيجية تدويل الصراع هي “إستراتيجية نجاة” إتبعها الرئيس ابو مازن لمواجهة الأخطار السياسية نتيجة فشل عملية السلام، وإن هذة الإستراتيجية جاءت كمحاولة منه لتخريب عملية السلام التقليدية ليتشبث بالسلطة بعد فشل الوصول إلى إتفاق دائم.” وبالعودة لجادة السؤال الجواب، يسأل المرء المؤلفين من الذي أفشل عملية التسوية السياسية؟ ومن الذي يواصل تبديد عملية السلام وخيار حل الدولتين؟ هل الرئيس محمود عباس أم الدولة القائمة بالإحتلال؟ من الذي يعلن صباح مساء عن تهويد ومصادرة وأسرلة القدس الشرقية العاصمة الفلسطينية وكل أراضي دولة فلسطين المحتلة عام 1967؟ ألم يقرأا من مصادرهما الإسرائيلية والأميركية أن عدد المستوطنين كان عام 1993 عند التوقيع على إتفاقيات اوسلو حوالي 110 الآف مستوطن، الآن يصل عددهم إلى ما يزيد عن ال700 الف مستعمر؟! من أتى بهؤلاء لإراضي دولة فلسطين المحتلة؟ ولماذا ؟ هل هذا يساعد في بناء ركائز السلام وخيار حل الدولتين على حدود 67 ام العكس؟ لماذا لم يتطرق المؤلفان لسياسات حكومات إسرائيل المتعاقبة وخاصة حكومات نتنياهو الأربعة، التي تعلن على الملأ عن رفضها لخيار السلام وحل الدولتين على حدود الرابع من حزيران 67؟ هل رصد المؤلفان ولو بشكل سطحي كما كتابهما حجم أخطارعمليات الإستيطان الإستعماري وبناء جدار الفصل العنصري والحواجز المنتشرة كالفطر على الشعب الفلسطيني واراضيه؟ هل رصدا عدد الإنتهاكات وجرائم الحرب التي ترتكبها حكومات إسرائيل ضد ابناء الشعب العربي الفلسطيني؟ ولماذا لم يتوقفا قليلا امام عقدين ونصف من الزمن ليسألا من الذي عطل مسيرة السلام خلالها؟ ومن الذي رفض بحث الملفات الأسياسية: المستعمرات الإسرائيلية، القدس، اللاجئين، الحدود، الأمن، والثروات الطبيعية والأسرى؟ وكم من قرار أممي صدر يؤكد على أن الأراضي المحتلة عام 67 بما فيها القدس الشرقية، أنها اراضي فلسطينية ولا يجوز تغيير معالمها او الإستيطان فيها بدءا من القرار 242 و338 و1397و1515 وآخرها 2334 نهاية العام الماضي؟ هل إلتزمت حكومات إسرائيل بأي منها؟ واين هي إسرائيل من خطة خارطة الطريق الأميركية ومخرجات مؤتمر انابولس ومرجعيات عملية السلام؟ وهل المطلوب من الرئيس عباس ان يقف مكتوف الأيدي حتى تلتهم حكومة إسرائيل كل الأرض الفلسطينية وتعمق مشروعها الإستعماري المعادي للسلام والتعايش؟ وما هي معايير الشخصية المأسوية بنظر المؤلفان؟ ألم يكن الرئيس الراحل ابو عمار قبل الرئيس ابو مازن، ماذا اعطته إسرائيل؟ ألم تغتاله وتسممه؟ وحتى لو جاء اي شخص آخر مكان الرئيس عباس، هل ستسمح له إسرائيل ببناء الدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس؟ وهل المشكلة في شخص رئيس منظمة التحرير أم في سياسات إسرائيل المارقة والخارجة على القانون؟ وعن أي سلطة يتحدثان ليتشبث بها الرئيس عباس؟ هل بقي اية معالم للسلطة الوطنية (الحكم الإداري الذاتي)؟ ألم يحذر الرئيس عباس في كل خطاباته وخاصة الأخير في الأمم المتحدة يوم 20 سبتمبر الماضي من إنهيار حل الدولتين في حال واصلت إسرائيل نهب وتهويد ومصادرة أراضي دولة فلسطين، وطالب العالم بالتحرك لإنقاذ الخيار الدولي او الذهاب إلى خيار الدولة الواحدة على اساس المواطنة والمساواة؟ وإذا لم يتوجه للشرعية الدولية، لمن يتوجه، لحكومة نتنياهو ام لمن يذهب؟ مع ذلك لم يتوقف عن اللجوء للولايات المتحدة وإداراتها المتعاقبة ولإقطاب الرباعية الدولية، ولكن لا حياة لمن تنادي. كأن العالم وأقطابه أصيبوا بالخرس والصم والعمى، فلا هم أبصروا، ولا هم سمعوا المناشدة والنداء تلو النداء من الرئيس عباس، ولا هم نطقوا إلآ بمواقف شكلية باهتة لا تسمن ولا تغني من جوع. لا بل ان أميركا تقف بالمرصاد لكل خطوة فلسطينية او عربية او عالمية مؤيدة لحقوق الفلسطينيين المنهوبة والمستباحة، وتلجأ لإستخدام حق النقض الفيتو ضد كل قرار أممي داعم للحقوق الوطنية. فضلا عن ملاحقة المنظمات الأممية كما جرى مؤخرا بالإنسحاب من اليونسكو، والتهديد بالإنسحاب من لجنة حقوق الإنسان دفاعاعن إسرائيل الإستعمارية بذريعة ان تلك المنظمات منحازة للفلسطينيين بشكل أتوماتيكي. وهو ما يكشف خواء وإفلاس تلك السياسات، ومع ذلك مازال الرئيس ابو مازن يراهن على إرتقاء العالم وأقطابه ومنابره الأممية لمستوى المسؤولية السياسية والأخلاقية والقانونية لإنصاف الشعب العربي الفلسطيني، ولم يفقد الأمل بما وعد به الرئيس دونالد ترامب من طرح صفقة العصر لتحقيق السلام التاريخي على المسار الفلسطيني الإسرائيلي.

أن جنوح المؤلفين إلى قلب الحقائق، والإمعان في مهاجمة الرئيس ابو مازن يهدف إلى إستحضار تجربة الرئيس الرمز ابو عمار، والسعي لركوب بغال عرجاء لعلها تتساوق مع خيار الإستعمار الإسرائيلي، او على أقل تقدير كسب الوقت لفرض المزيد من الوقائع على الأرض الفلسطينية المحتلة والدفع بخيار الترانسفير بالقدر الذي تستطيع القيادة الإسرائيلية من تنفيذه. إن الكاتبين روملي وتيبون يرفضا، كما قادة إسرائيل رؤية قائد فلسطيني يحمل راية السلام والتحرر الوطني، ويرفض الإرهاب بكل اشكاله والوانه ومسمياته وعلى رأسها الإرهاب الإسرائيلي المتمثل بالإحتلال الأخير في العالم، وهو ما يكشف هزال وبؤس ما خلصا إليه، ويعكس إمعانا في لي عنق الحقيقة، والهروب إلى الأمام من الواقع الذي انتجه الإستعمار الإسرائيلي وسياسات الحكومات الإسرائيلية المعادية للسلام والتعايش. وليكشفا عن بؤس وعقم ما ذهبا إليه.

يعود الكاتبان الصهيونيان إلى جادة التهويش، فيصفا الرئيس عباس بأنه ” قائد يتشبث بمطالب غير واقعية” وهنا يسأل المرء مجددا، ما هي المطالب الواقعية بنظرهما؟ هل المطلوب من رئيس الشعب الفلسطيني أن يتخلى عن اهداف ومصالح شعبه؟ هل يسلم بسياسة الحكومات الإسرائيلية الإستعمارية الرافضة لخيار السلام حتى يكون واقعيا ومقبولا؟ هل يريدا منه ان يكون سعد حداد او انطون لحد، عملاء إسرائيل في جنوب لبنان؟ الآ يميزا بين قائد فلسطيني إمتشق راية الكفاح الوطني منذ أدرك نكبة شعبه في العام 1948، وتسلم مهامه القيادية وأولاه الشعب الثقة، وحمله الأمانة ليواصل مشوار الرئيس الراحل عرفات لبلوغ الأهداف الوطنية، وبين شخص بلا تاريخ إرتضى ان يكون عميلا مأجورا لمستعمري أرضه وشعبه؟ ألم توافق قيادة منظمة التحرير الفلسطينية على إقامة الدولة الفلسطينية على حدود الرابع من حزيران 67 وضمان حق العودة للاجئين وفق القرارات الشرعية الدولية، ولم تطالب حتى الآن بتطبيق قرار التقسيم الدولي رقم 181 الصادر في ال29 من نوفمبر 1947، الذي أعطى الدولة الفلسطينية العربية حوالي 43% من ارض فلسطين التاريخية، والذي على اساسه قامت دولة إسرائيل الإستعمارية على انقاض نكبة الشعب العربي الفلسطيني في مايو 1948؟ هل تفضلا الكاتبين بتدوين رأيهما بشأن عملية السلام وحدود الدولتين؟ لماذا لم يحددا هما وقادة إسرائيل ومن معهم من غلاة اليمين المتطرف في الولايات المتحدة ما هو المطلوب من الفلسطينيين جميعا وليس الرئيس عباس فقط كي ترضى إسرائيل؟ وهل تسالأ إن كان يوجد في دولة إسرائيل الخارجة على القانون شريكا للسلام والتعايش؟ هل دققا روملي وبيتون بعدد وطبيعة القوانين العنصرية التي أصدرتها الكنيست في دوراتها الأخيرة 18 و19 و20 ضد ابناء الشعب العربي الفلسطيني في داخل إسرائيل نفسها وفي الأراضي المحتلة عام 1967؟ وهل سمعا بقانون التسوية، الذي صادق عليه الكنيست مطلع هذا العام وسمح بتشريع وتبييض البؤر الإستعمارية المقامة على اراضي دولة فلسطين المحتلة ويزيد عددها عن ال115 بؤرة غير المستعمرات المنتشرة على الأرض الفلسطينية وعددها 174 مستعمرة؟ يبدو ان هذة المسائل ليست ذات شأن من وجهة نظر الكاتبين، لإن هاجسهما يكمن في التشهير والإساءة للزعيم الفلسطيني محمود عباس، وليس شيئا آخر.

ولخلط الحابل بالنابل، والهروب من المحاججة العلمية عاد المؤلفان إلى التلطي وراء حجج وذرائع واهية وفاقدة المصداقية، يكتبان عن الرئيس ابو مازن، أنه “قائد إستبداي وثقيل” في ممارساته الحاكمة، وإن قراره بالإبتعاد عن الإرهاب جعله قريبا من الإسرائيليين والأميركيين، وبعيدا عن الشعب الفلسطيني؟! لاحظوا كيف الإستخدام البشع لإيجابية رفض الرئيس ابو مازن الإرهاب. وكأن لسان حال روملي وبيتون يريدان من الرئيس عباس ان يكون “مع الإرهاب”؟ ويغيظهما أن لديه قبولا في الأوساط الأميركية والإسرائيلية نتيجة واقعيته ومرونته السياسية! وكأنهما يقولا للرئيس ابو مازن، ان واقعيتك تنزع منا ذرائعنا الواهية واسلحتنا الفاسدة! اضف إلى ذلك إن ما كتباه، اولا يتنافى مع الواقع، فالرئيس ابو مازن قريب من شعبه وعميق الصلة به، ويعمل بكل الوسائل والسبل لتأمين حياة حرة وكريمة له، ويدافع عن مصالحه الوطنية بثبات وتصميم لا يلين في كل المنابر. كما انه لم يقل يوما عن نفسه، أنه رجل إجماع الكل الفلسطيني، لإنه صاحب رأي وموقف، ويدافع عن وجهة نظره بغض النظر إن أعجبت هذا الشخص او لم تعجب ذلك الحزب او تلك الدولة. ولم يسقط في متاهة الخطاب الشعبوي المضر والمسيء للنضال الوطني، ويرفض المنطق الديماغوجي، ولا يتساوق مع اي وجهة نظر خاطئة، بل يقف لها بالمرصاد. وعليه فإنه تميز بإستقلاليتهمنذ دخل معترك السياسة، وعندما ترشح للرئاسة عام 2005، قال لجميع الفلسطينيين هذا برنامجي السياسي القائم على خيار السلام عبر المفاوضات مع قادة دولة الإستعمار الإسرائيليين، وأكد فيه على تمسكه بالنضال الشعبي السلمي والسياسي والديبلوماسي، ونبذ كل اشكال العنف، وكان قبل ذلك وهو عضو في اللجنة المركزية لحركة فتح، وأمين سر اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير ضد عسكرة الإنتفاضة الثانية 2000/2005 ومع ذلك صوت له 62% من المقترعين بانتخابات الرئاسة عام 2005، لم يخدع الشعب يوما، ولم يقل شيئا ويعمل عكسه، بل واصل ذات السياسة بشجاعة وثبات، رغم كل المصائب وجرائم الحرب التي إرتكبتها الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة. بتعبير آخر كان منسجما مع نفسه ومع شعبه والعالم كله. وما كان يقوله تحت الطاولة، كان يقوله فوق الطاولة. وبالتالي اين المشكلة هنا إن كان متمسكا بالسلام ورافضا للإرهاب؟ ما هو المطلوب منه إن كان معاديا للإرهاب والعنف؟ هل المطلوب ان يبيع مصالح وأهداف شعبه لترضى إسرائيل وأميركا؟ ماهي معايير ومحددات الإستبداد من وجهة نظركما؟ وهل انتما حريصان على الشعب الفلسطيني أكثر من الرئيس ابو مازن؟ ولماذا هذا الخلط الغبي للمسائل؟ انه العجز الفاضح في إيراد حجة واحدة او برهانا واحدا موضوعيا يدلل على صحة ما ذهبا إليه، والغرق في دوامة اللف والدوران في حلقة مفرغة لعلهما يصيبا الرئيس عباس برصاصهما الديماغوجي، او على الأقل يشوشا على مسيرته، أو يهيئا المناخ لتحقيق مآرب قطعان المستعمرين في حكومة الإئتلاف اليميني المتطرف الإستعمارية على حساب السلام وخيار الدولتين على حدود الرابع من حزيران 67.

يتبع غدا

oalghoul@gmail.com

a.a.alrhman@gmail.com

الدور التاريخي للرئيس عباس (1)

أخبار ذات علاقة

ترك الرد

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

أهم الأخبار

اخترنا لكم

المكتب الإعلامي الفلسطيني في أوروبا