الرئيسيةمختاراتمقالاتالديمقراطية التمثيلية في إسرائيل على مفترق طرق

الديمقراطية التمثيلية في إسرائيل على مفترق طرق

بقلم: مرزوق الحلبي

تقف السياسة الإسرائيلية هذه الأيام في نقطة مفصلية من تطورها. فالسباق هو بين الجهود الجارية لإسقاط الحكومة الأكثر يمينية في العقود الأخيرة وبين الجهود التي تبذلها هذه الحكومة لتغيير قوانين اللعبة السياسية باتجاه الحيلولة من دون التناوب على السلطة. ونقول «نُقطة مفصلية» لأن هناك تحقيقات تجريها الشرطة مع رئيس الحكومة نفسه وبعض الرموز حوله بخصوص قضايا فساد مالي وإداري.
إضافة إلى شُبهات وتحقيقات أخرى بحقّ وزير الداخلية وشخصيات قيادية في الحزب الحاكم – الليكود.
وهي تحقيقات قد تصل الى حد المحاكمة بخاصة أن الشرطة أوصت بتقديم لائحة اتهام واحدة على الأقلّ ضد رئيس الحكومة. وهو تطوّر جاء بعد أن تحوّل أحد المتهمين وهو مساعد خاص لنتانياهو إلى شاهد ملك.
التطورات الأخيرة في إسرائيل فتحت جدلاً جدّياً حول مآلات التحقيقات وقضايا الفساد التي قد تُطيح بالحكومة والذهاب إلى انتخابات مُبكرة. وفتحت أيضاً المجال لإعادة الاصطفافات السياسية تحسباً لكل جديد مع تزايد الضغط الشعبي على الجهاز القضائي كي يسرّع التحقيقات والمحاكمات، وعلى رئيس الحكومة أن يستقيل من منصبه في حال قُدّمت ضده لائحة اتهام.
لكن في خلفية هذه التطورات قضايا أعمق تنفذ إلى صميم المؤسسة الإسرائيلية المنقسمة حول التعامل مع الأوضاع، لا سيما المتصلة بالصراع والمسألة الفلسطينية ومستقبل الديموقراطية الإسرائيلية التي تسعى الحكومة الحالية إلى هدم قاعدتها القانونية والدستورية وتشكيل أخرى تقوم بالأساس على مبدأ يهودية الدولة. وهو ما يعتبره المعارضون إدراج إسرائيل ضمن الدول المنبوذة لأن تطوراً كهذا في عُرفهم يأخذ البلد إلى أبرتايد مُعلن، الأمر الذي سيستقدم رد فعل عالمياً مضاداً قوامه المقاطعة والتسبب في عزل نظام الأبرتايد اليهودي.
الأمر ليس مشهدياً بل فيه الكثير من الجدّية بدلالة أن نتانياهو اضطُرّ أمام تطورات ملفات الفساد الى أن ينظّم اجتماعًا شعبياً لمؤيديه – يُذكرنا بتظاهرات التأييد لأردوغان – من أجل ضمان تأييد حزبه ووزرائه ونوابه لئلا يلتزموا الصمت أو يترددوا في دعم قيادته، بخاصة أن «لُعبته» الآن هي مقابل جهاز القضاء والشرطة وليس مقابل المعارضة السياسية.
ولغرض استباق التطورات، شنّ نتانياهو في هذا الاجتماع – ويشنّ في الأشهر الأخيرة – حملة تشكيك في الإعلام الإسرائيلي والقضاء والنيابة العامة تشارك فيها جوقة من وزراء وشركاء في الائتلاف. ويُذكر أن رئيس حكومة إسرائيلياً سابقاً هو إيهود أولمرت، اضطُرّ للاستقالة ودخل السجن قبل نحو ثلاث سنوات، في قضايا فساد لا تُذكر قياساً بما هو منسوب من تجاوزات لنتانياهو وزوجته وبعض المحيطين به. بمعنى أن السابقة – وسوابق أخرى تورط فيها وزراء ورئيس دولة اضطرتهم لدخول السجن – تعمل في غير مصلحة نتانياهو الذي لا يجد مخرجاً إلا في اعتماد خطاب شعبوي قوامه اتهام كل معارضة له بملاحقته باعتباره الضحية أو اتهامها بنيتها إسقاط حكومته من خلال القضاء وليس في صندوق الاقتراع!
يحدث هذا في أوج محاولات حكومة اليمين بمركّباتها كافة تغيير قوانين اللعبة الدستورية وإلغاء استقلالية الجهاز القضائي وأجهزة الكبح والضبط القائمة في إسرائيل، لمنع أي مساءلة جدية من خلال تعطيل الحريات السياسية العامة وعمل المجتمع المدني وقمع النقد في مواضعه. وهو فعل لا يهدف إلى منع تبديل الحُكم فقط بل للحيلولة دون إحراز أي انفراج في الصراع مع الفلسطينيين أيضاً. وأرجح أن نتانياهو مستعدّ في هذا الإطار إلى المجازفة في مستويات عدة قد يكون التشريع المناهض للسياسة في مركزها لكنه ليس الوحيد.
ويُشار هنا إلى أن قيادة الأجهزة الأمنية في إسرائيل أبدت تململاً واضحاً من قراراته وسياساته الأمنية تجاه الفلسطينيين (اتضح ذلك في قضية الحرم القدسي وتجاوزه توصيات هذه الأجهزة وضربها عرض الحائط). وهنا شرع أنصاره من المتحلقين حوله بمهاجمة هذه القيادات والاستخفاف بوجهات نظرها واتهامها بـ «الجُبن» و «التخاذل» مقابل الفلسطينيين! إلا أن مجازفته قد لا تظلّ باتجاه الداخل، إلى حدّ الصراع المكشوف مع جهاز القضاء ومؤسسات الرقابة والإعلام والأجهزة الأمنية ومع الفلسفة البراغماتية للصهيونية المعتدلة وتمثلها قوى (في إسرائيل وأوروبا وأميركا الشمالية)، بل قد تتجه نحو الخارج من خلال افتعال تصعيد قد يبدأ محسوباً وينتهي بـ «حريق» منفلت العقال مقابل الفلسطينيين في غزة أو «حزب الله» شمالاً. والحجة لذلك متوافرة له دائماً. فأي عملية أو قذيفة صاروخية من غزة قد تكون الشرارة. وكذلك الأمر على الجبهة الشمالية مع إبقاء الذهنية الإسرائيلية مثبّتة على اعتبار أي تغيير في لبنان لمصلحة «حزب الله» جزءاً من سلّة التهديدات الاستراتيجية لإسرائيل، الأمر الذي يقتضي الردّ.
من هنا، فإن الوضع في الداخل الإسرائيلي في مرحلة مفـــصلية من حيث الجهة التي ستهبّ عليها رياح الـــسياسة. وهو ما يعني أيضاً الجهة التي ستـــتطور فيها العلاقات الداخلية بين الكتلة البراغماتية في الصهيونية وبين معسكر اليمين الساعي إلى فرض سيادة إسرائيلية تامة على الجغرافيا بين البحر والنهر مهما يكن الثمن.
بمعنى، أننا حيال صراع قوي جدّي قد يصل إلى طريق مسدودة واحتكام للشارع لا لصندوق الانتخابات كجزء من مآزق الديـــموقراطية التمثيلية المُنحسرة في الدولة الحديثة. أو بكلمات أخرى، الحاصل الآن في السياسة الإسرائيلية ليس شأناً إسرائيلياً داخلياً، لأنه مهما كانت مآلاته فستكون له إسقاطاته على الشعب الفلسطيني أولاً وعلى الإقليم.

أخبار ذات علاقة

ترك الرد

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

أهم الأخبار

اخترنا لكم

المكتب الإعلامي الفلسطيني في أوروبا