الرئيسيةمختاراتمقالاتالراحل المحامي علاء البكري.. ابن القدس البار

الراحل المحامي علاء البكري.. ابن القدس البار

بقلم: المحامي د. إيهاب عمرو

كان يدور في خلدي منذ فترة ليست بالقصيرة أن أكتب حول هذا الرجل الإنسان ابن مدينة القدس المحامي الراحل الكبير الأستاذ علاء البكري رحمه الله الذي تجلت أسمى قيم ومعاني الإنسانية والرجولة في شخصه الكريم وخلقه القويم، خصوصاً أنه كان من أوائل المحامين الذين تعرفت عليهم عند بداية ممارسة مهنتي القضائية كمدعٍ عام في العام 1998. وما زلت أتذكر ذلك اليوم الذي تعرفت فيه على الأستاذ علاء البكري بمبادرة طيبة من صديق حميم له ولي، والنقاش الذي دار بيننا حول موضوعات قانونية وفكرية مختلفة ما أمكنني ملاحظة قدراته وملكاته القانونية (أو الفذلكات القانونية كما كان يطلق عليها) وخبراته القضائية. وقد بادرني بالقول أثناء النقاش، دون أن يجامل، حول مسألة معنية أبديت رأياً فيها أنه يسمع ذلك الرأي لأول مرة، وهو ما أثلج صدري وجعلني أعرف عظم خصال هذا الرجل وتواضعه الجم وأنه لا يستنكف عن التعلم مهما مرت السنون.
وأذكر أنه فتح لي مكتبه ومكتبته بعد ذلك وأوصى العاملين في مكتبه من محامين ومتدربين وسكرتيرات بضرورة تلبية احتياجاتي كافة من المراجع القيمة التي كانت تزخر بها مكتبته، خصوصاً بعد قيامي بالتسجيل في برنامج الماجستير في جامعة بيرزيت ما تطلب زيارة مكتبته باستمرار. إضافة إلى مساهمته في إثراء معلوماتي القانونية بواسطة النقاشات واللقاءات المتوالية حيث كان لي فرصة الاستماع منه مباشرة إلى تجاربه المهنية العميقة ما يمكن معه القول إنه كان رحمه الله موسوعة قانونية تمشي على قدمين. إضافة ذلك، فقد كان لديه معرفة واسعة بنسب العائلات، خصوصاً في مدينة القدس التي ينتمي إليها. ناهيك عن دوره الوطني من أجل القدس وفلسطين يسنده في ذلك علاقته الشخصية القوية مع القائد الوطني الكبير الراحل فيصل الحسيني.
وحقيقة الأمر أن الأستاذ البكري كان يمد يد العون والمساعدة للباحثين والدارسين والمحامين من مزاولين ومتدربين متى طرق بابه، وهو ما جعل منه حالة مميزة ومتمايزة عن غيرها، حيث كان يهتم بعمله كمحام مزاول في المحاكم النظامية والشرعية بجانب تغذية الروح بواسطة القراءة. وكان له أنشطة أخرى كأحد أبناء مدينة القدس التي يحق لها أن تفخر بابن بار مثله. ناهيك عن أنه كان عضواً في مجلس إدارة مؤسسة الحق الفلسطينية، وقام بسد الفراغ عندما شغر منصب المدير العام ذات مرة لبضعة شهور.
ونظراً لعلمه الغزير وتقديري الكبير لذلك، أذكر ذات مرة أنني زرته في مكتبه للاستفسار منه حول مسألة معينة ذات علاقة بقانون الأحوال الشخصية حيث كان مختصاً في تلك المسائل لكني لم أجده في مكتبه، وأبلغتني سكرتيرته أنه موجود في جامعة بيرزيت لحضور ندوة حول موضوع قانوني معين، وتوجهت على الفور إلى جامعة بيرزيت للقائه والاستفسار منه بعد انتهاء الندوة المذكورة عن تلك المسألة التي كانت جزءاً من بحث كنت أعمل عليه في أحد المساقات. ذلك أن أستاذاً بحجمه ينبغي الاستفادة من علمه وخبرته وسعة اطلاعه دون تلكؤ أو تأخير.
وثمة حادثة أخرى ينبغي الإشارة لها، إذ وبعد حصولي على شهادة الدكتوراة وعودتي إلى ارض الوطن وبدء عملي أستاذا في جامعة بيرزيت زرته ولم أكن قد رأيته لفترة، ولاحظت تغير ملامحه نتيجة العارض الصحي الذي ألم به. وبادرني بالسؤال عن المساقات التي سوف أقوم بتدريسها فأبلغته حينها أنني سوف أقوم بتدريس مساق البينات والتنفيذ، إضافة إلى مساقات أخرى. وبادر على الفور بالطلب من أحد المحامين المتواجدين في مكتبه بتزويدي بالنماذج ذات العلاقة، والإجابة عن أية استفسارات قد تكون ذات فائدة. وحينها أدركت أن التاريخ يكرر نفسه وأن جبلة هذا الرجل الإنسان تظهر أنه من معدنٍ صافٍ يندر أن يتكرر في عصر المتغيرات الذي نعيش.
خلاصة القول إن الراحل الكبير الأستاذ علاء البكري كان حالة مختلفة يصعب تكرارها والقياس عليها، ولا أبالغ إن قلت إننا نفتقدها إلى حد كبير، خصوصاً من ناحية اهتمامه منقطع النظير بالقراءة وحث الآخرين على التزود بالمعارف اللازمة ومساعدتهم في ذلك ما يجعل منه، أي الآخر، قادراً على مواكبة التطورات ذات العلاقة بالحقل محل التخصص. رحم الله هذا الرجل الإنسان الذي من حقه علي أن أوفيه حقه، الذي لا يمكن وصفه بأحلى من كلمة رجل.

أخبار ذات علاقة

ترك الرد

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

أهم الأخبار

اخترنا لكم

المكتب الإعلامي الفلسطيني في أوروبا