الرئيسيةمختاراتمقالاتالمصالحة الفلسطينية، وماذا بعد؟ (1-3)

المصالحة الفلسطينية، وماذا بعد؟ (1-3)

بقلم: د.مازن صافي

بعدَ التوقيع على أول بروتوكول من بنود المصالحة، والمتعلِّق “أساسًا” بتمكين الحكومة بالعمل في غزة ‏‏كما الضفة الغربية، كثيرة هي المحاور التي يمكننا الدخول لها، والبدء بمناقشة عميقة لما قبل وأثناء ‏وبعد ‏توقيع اتفاقية المصالحة الفلسطينية، ولا يمكن أن نبدأ قبل أن نُسجِّل للتاريخ أنَّ الرئيس محمود ‏عبّاس، قد ‏عمِلَ بكل قوّة ومنذ الانقسام على صيانة الدم الفلسطيني، بل وقام بالدعوة بعد أيام ‏قليلة من الانقسام ‏للبدء بحوار وطني شامل في الوقت الذي كان الاحتقان فيه قد وصل إلى أعلى ‏مستوياته، ولكنّه بحكمته ‏استطاع أن يمضي قدمًا وبأمانة وطنية في إعادة القاطرة إلى موقعها ‏الصحيح، وبدأت الحوارات ‏والمناقشات والاتفاقات وفشلت وتباطأت ونجحت وتعثَّرت، وحتى وصلنا ‏إلى المحطة الرئيسة اليوم والتي قرَّر ‏فيها وبوضوح أن القرار الفلسطيني اليوم هو المصالحة ولا يوجد غير ‏المصالحة، وأنَّ تكرار أي تجارب فاشلة ‏اليوم أو لاحقًا مرفوض، وبهذا تمَّ توقيع اتفاق المصالحة في ‏منتصف يوم الخميس 12 تشرين الأول استنادًا ‏لاتفاقية 2011، ليبدأ العمل الفعلي في تطبيق كلِّ ما ورد ‏في الاتفاق تباعًا ووفق جدول زمني مُتَّفق عليه ‏وصولاً إلى إنهاء الانقسام وعودة السيادة القانونية ‏للسلطة الوطنية الفلسطينية في قطاع غزة ووحدة ‏المؤسسات في دولة فلسطين‎.‎

إنَّ عودة السيادة إلى قطاع غزة، تتم من منطلق وبقاعدة أن منظمة التحرير الفلسطينية هي الممثّل ‏‏الشرعي والوحيد لشعبنا، وأنَّ المشروع الوطني بما يشمل المصالحة والشراكة والانتخابات والمجلس ‏الوطني ‏والمصالحة المجتمعية كلّها أصبحت في منظور الفعل لمعالجة منظمة لتداعيات السنوات العشر ‏السوداء ‏الماضية، والتي أثَّرت على كل مناحي الحياة القانونية والإنسانية والسياسية والاقتصادية، في ‏قطاع غزة ‏خاصة، وبذلك يمكن اعتبار توقيع الاتفاق هو البدء بتطبيق استراتيجية عنوانها أنَّ ‏القرارات المصيرية من ‏صميم البرنامج السياسي وأنَّه من غير المقبول أن يتمَّ التفرد أو العمل خارج ‏الوفاق الوطني‎.‎

إنَّ جمهورية مصر العربية قد احتضنت الجهود الفلسطينية، وقاربت بين وجهات النظر والاختلاف ‏وعزَّزت ‏الاتفاق، وكان الحضور المصري الأمني ومن جهاز المخابرات تحديدًا قد رافق كلَّ مراحل بناء ‏المصالحة قبل ‏قدوم حكومة الوفاق الوطني لغزة وأثناء وجودها، وأيضًا رعاية كاملة لثلاثين ساعة ‏مكثّفة وعبر لقاءين بين ‏حركتَي “فتح” و”حماس”، وكان القرار “إنَّ الفشل ممنوعٌ والعودة للوراء محرّمة، وأنَّ ‏توقيع اتفاق المصالحة ‏فرض”، وهكذا تمَّت معالجة الملفات، وأهمّها ملف الأمن الذي سيتم إنهاؤه من ‏خلال لجنة إشرافية ‏مكوّنة من المخابرات المصرية وحركتَي “فتح” و”حماس”، ولا يعتبر نقل ‏الملفات إلى فترات زمنية قريبة فشل ‏في المعالجة بقدر أنَّها إعطاء فرصة أوسع وأعمق للمعالجة الشاملة، ‏وتذويب كل المعيقات والبدء بمرحلة ‏جديدة وطنية مع إنهاء جزئيات كلِّ ملف‎.‎

نعم المراقبون والمحلَّلون وجدوا أن متغيّرات داخلية في حركة “حماس” قد أحدثت تغييرًا في قيادتها، وغير ‏‏بعيد ميثاق “حماس”، والذي وضع “حماس” في وضعية الترقب لدى الإقليم ‏والعالم، وباعتقادي أنَّها بإنهاء ‏الانقسام وحكمها لقطاع غزة ستجتاز مرحلة مهمّة بالدخول مرة أخرى ‏في العملية السياسية‎.‎

إنَّ اتفاق المصالحة قد أوجدَ ترحيبًا واضحًا من معظم دول العالم وخاصّةً من الاتحاد الأوروبي وروسيا ‏‏ودول بالإقليم وخاصة تركيا وأيضًا من جامعة الدول العربية ومواقف واضحة من عواصم عربية قد ‏عبرت ‏عن ارتياحها من إنهاء الانقسام وبدء مرحلة وطنية تحت ظلال المصالحة الفلسطينية، ممّا ‏يستدعي بذل ‏الجهود وتقديم الدعم الاقتصادي والسياسي والخبرات، لإنجاح الاتفاق بملفاته كافّةً، ‏وصولاً إلى توحيد ‏الجغرافيا الفلسطينية، وهذا يتّصل بالحراك السياسي الفلسطيني من أجل حلِّ ‏الدولتين وإنهاء الاحتلال ‏وقيام الدولة الفلسطينية وعاصمتها القدس، وبنفس الوقت مواجهة ‏الاحتلال بالمقاومة الاستراتيجية ‏الشعبية، التي أتوقَّع أن تتنوَّع وسائلها المشروعة، ممّا يُدخِل “إسرائيل” ‏في عزلة سياسية ودولية ظهرت ‏معالمها قبل المصالحة وبعد إعلان الاتفاق، وتشنُّجات تصريحات ‏حكومة نتنياهو العنصرية والمتطرفة، حيث ‏اشترطت الاعتراف بالدولة اليهودية، وهذا الشرط ‏المرفوض دائمًا من القيادة الفلسطينية، حيثُ أنَّ ‏المرجعية الدولية هي أساس أيِّ عودة لعملية ‏السلام، وأنَّ وقف الاستيطان وعودة “إسرائيل” لحدود ‏‏1967 يسبق أي اتفاق دولي‎.
______________________________________________________________________‎

**ثلاثة أجزاء متتالية من المقالات يُجيب فيها د.مازن صافي عن سؤال يحمل عنوان ‏المقالات‎” :‎اتفاق المصالحة، وماذا بعد؟”.

المادة السابقة
المقالة القادمة
أخبار ذات علاقة

ترك الرد

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

أهم الأخبار

اخترنا لكم

المكتب الإعلامي الفلسطيني في أوروبا