الرئيسيةمختاراتمقالاتزيارة القدس الآن .. تطبيع أم واجب ؟!

زيارة القدس الآن .. تطبيع أم واجب ؟!

بقلم: هاني ضوَّه

ركعة في المسجد الأقصى .. أو صلاة في كنيسة القيامة، هي غاية ما يتمناه كل مسلم أو مسيحي، إلا أن الاتهام بالخيانة هي النتيجة الحتمية لمن يفكر في الإقدام على هذه الخطوة بدعوى كونها تطبيع مع الكيان الصهيوني المحتل، على الرغم من أن الزيارة متاحة بدون تأشيرة إسرائيلية على جواز السفر. على مدار سنوات ونحن نتغنى بشعارات رنانة، أتاحت الفرصة للكيان المحتل أن يعيث في القدس فسادًا وهدمًا وتخريبًا، بل وصل بهم الأمر أن منعوا صلاة الجمعة ورفع الأذان في المسجد الأقصى الجمعة الماضية، واعتقلت سلطات الاحتلال فضيلة الشيخ محمد حسين مفتي فلسطين وخطيب المسجد الأقصى، وقام جيش الاحتلال الإسرائيلي بإعلان المسجد الأقصى والبلدة القديمة منطقة عسكرية، كما اعتدوا على حراس المسجد وصادروا هواتفهم، وأخرجوا المصلين من الأقصى وأغلقوا كافة أبوابه. وهي المرة الأولى التي يحدث فيها ذلك منذ نصف قرن بعد أن منعوا صلاة الجمعة عام 1969 في اليوم التالي لإقدام الأسترالي مايكل روهان على إحراق المسجد الأقصى، بعد عامين من بدء الاحتلال الإسرائيلي للقدس عام 1967.
هذا يحتم علينا أن ندرك جيدًا أن مقاطعة اليهود والكيان المحتل وعدم التطبيع أمر لا مجال لمناقشته، إلا أن ذلك لا يعني أبدًا مقاطعة إخوتنا المقدسيين ولا مقدساتنا هناك، فلا يعقل ألا أذهب لزيارة أخي في بيته لأن أحد ”البلطجية” استولى على البيت، وترك له غرفة واحدة فقط، بحجة أن زيارتي لأخي هي اعتراف بأحقية ”البلطجي” في البيت، ومع مرور الوقت – وهو ما يحدث الآن- يطرد البلطجي أخي من منزله نهائيًا لأنه ”لا ظهر له” ولا أحد يسأل عنه. فزيارة القدس من قبل جميع العرب من المسلمين والمسيحيين -في حالة عدم الحصول على تأشيرة من الكيان المحتل- ستكون خير داعمًا لإخوتنا المقدسيين الذين يشعرون بالغربة في أرضهم لهجرها من قبل أشقاءهم العرب وتركها مرتعاً لليهود. إن منع زيارة القدس- دون الحصول على تأشيرة- باعتباره تطبيعاً مع الكيان الإسرائيلي المحتل ما هو إلا دعوة على طبق من ذهب للصهاينة لفرض سيطرتهم على مقدساتنا، بل وتدعم الأهداف السياسية للتهويد، لأن حينها لن يبقى في القدس- مع محاولات التهويد و ”تطفيش” المقدسيين- إلا اليهود، والمشروع الصهيوني يهدف إلى أن يكون عدد السكان اليهود في القدس عام 2020م أكثر من مليون يهودي، في حين يقتصر الوجود العربي في القدس على مئة ألف نسمة فقط. ففي خضم غفلتنا استطاعت إسرائيل المحتلة أن تقترب من تنفيذ أخطر مخططاتها التهويدية لمدينة القدس المحتلة؛ فقد تمكنت خلال السنوات الثماني الماضية من توسيع الحدود البلدية للقدس باتجاه الضفة الغربية المحتلة، وكذلك تهجير عدد كبير من الفلسطينيين المقدسيين من مدينتهم، هذا بالإضافة إلى الاجراءات والقرارات العنصرية التي تمهد بشكل كبير للاستيلاء الكامل على القدس الشريف، ويعلنوا بعدها في ربوع العالم القدس عاصمة لإسرائيل. فكيف سنحفظ الوجود الإسلامي والعربي فيها؟!، وكيف للبقية الباقية من المقدسيين أن تقوى ظهورهم إذا تركنا زيارتهم ودعمهم؟!. في رأيي .. أرى أن زيارة القدس- دون الحصول على تأشيرة-، وخاصة من رموز وأعلام الأمة هو بمثابة تسجيل لممارسات المحتل للتنبيه إليها والتحذير منها، ولتفقد أوضاع المقدسيين لنقلها إلى الرأي العام الدولي للتحرك حيال أية انتهاكات ضدهم. أما أصحاب الشعارات فقط دون العمل أو إيجاد الحلول فأقول لهم: كفاكم.. لقد سئمنا الشعارات التي تطلقونها منذ عشرات السنين، ”لن ندخلها إلا فاتحين”، سئمنا دفن الرؤوس في الرمال كما النعام.. سئمنا ترك مقدساتنا وإخواننا لليهود لأننا ”لن ندخلها إلا فاتحين”.. سئمنا اتهام كل من يحاول كسر ”شعاراتكم” ليشارك ”عملياً” في كسر حصار إخواننا هناك بالعمالة والخيانة. أتعجب من هؤلاء خاصة أن منهم من كان يشارك في قوافل الإغاثة لغزة.. ألم تحصلوا على تصريح من السلطات الإسرائيلية لإدخال تلك المساعدات إلى هناك؟ً!، ألم تنسقوا معهم مباشرة وتفاوضتم معهم من أجل ذلك؟! والعجيب أن أصحاب بعض الفتاوى التي تحرم زيارة القدس تحت الاحتلال هم أنفسهم ملئت صورهم مع الحاخامات اليهود أرجاء الفضاء الإلكتروني -مثل يوسف القرضاوي- . فهل تناسوا أن من لنا فيه أسوة حسنة صلَّى الله عليه وآله وسلم حينما خرج مع المسلمين من المدينة متوجهين إلى مكة لزيارة بيت الله الحرام والاعتمار –وهو سنة عند الجمهور-، ومعهم هديهم لم يكن حينها هناك صلح مع كفار قريش، فأخذ النبي صلى الله عليه وآله وسلم يبعث لهم الرسل – ومنهم سيدنا عثمان بن عفان – يبين لهم أنه إنما جاء زائراً للبيت ومعظمًا لحرمته يريد منهم أن يتركوه والمسلمين يعتمرون. ولم تزل الرسل بينه وبينهم حتى جاء سهيل بن عمرو وعقد معه صلح الحديبية، الذي كان من ضمن شروطه أن يؤجل الزيارة للعام القادم، ويتركه كفار قريش حينها لمدة ثلاثة أيام حتى يعتمر هو وأصحابه.

وبذلك كانت زيارة النبي لمكة حال وجود المشركين بها، وبعد أخذ ”الإذن” منهم، بل والطواف بالبيت وحوله الأصنام، ولم يكن فتح مكة وتحريرها إلا في ”نهاية” دعوته صلى الله عليه وآله وسلم، في العام الثامن الهجري، أي قبل انتقاله للرفيق الأعلى بـثلاث سنوات فقط!، وحاش لله أن يكون هذا اعترافًا منه صلى الله عليه وآله وسلم بالكفر والشرك أو أحقيتهم بمكة!!!، فتأملوا واعقلوا سنته الشريفة يرحمكم الله!. ولا شك أن سلطة قريش على مكة حينها غير شرعية، لكنها واقع لا بد من التعامل معه. هل نسى من يعارضون زيارة القدس -دون الحصول على تأشيرة- أن الصحابة الكرام رضوان الله عليهم عندما قالوا: “كيف لنا السعى بين الصفا والمروة والأصنام موجودة من أولها ولآخرها”، فنزل قوله تعالى: {إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِمَا وَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْرًا فَإِنَّ اللَّهَ شَاكِرٌ عَلِيمٌ}.. [البقرة : 158].

بات من الضروري الآن أن نظهر قوة العرب وتماسكهم وعدم تركهم لمقدساتهم نهبًا للمحتلين، بل الأولى أن نحاول جمع شتات المسلمين عندما تفرقهم تصريحات أهل السياسة. وأرى- من وجهة نظري- أننا أصبحنا في حاجة لصياغة جديدة لمصطلح ”التطبيع” تتوائم مع مستجدات الأوضاع بعد سنوات من الإحتلال.. صياغة تتيح لأعلام ورموز الأمة مراقبة الأوضاع في فلسطين، ومساندة إخواننا هناك، حتى لا نتركهم فريسة سهله للمخطط الصهيوني لتهويد القدس وطمس مقدساتنا. فيكون هناك ما يعرف بالسياحة الرشيدة إلى القدس الشريف، فينزل الزائرين في فنادق المقدسيين، ويشترون من محلات المقدسين دون التعامل مع اليهود، كنوع من الدعم والتشجيع لهم، ولكسر الحصار عنهم بعد الكم الهائل من الضرائب التعجيزية التي يفرضها الكيان الإسرائيلي المحتل عليهم، حتى يجبرهم على غلق فنادقهم ومحالهم .. بل وترك القدس بأكملها. وفي النهاية أقول لمن يزالون في سكرة الشعارات الرنانة .. هنيئاً لكم دفن الرؤوس في الرمال، واتركوا أهل العمل للعمل .. فلم نعد في عهد الشعارات، وتحقيق البطولات الزائفة.

أخبار ذات علاقة

ترك الرد

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

أهم الأخبار

اخترنا لكم

المكتب الإعلامي الفلسطيني في أوروبا