بقلم: الكاتب وفيق زنداح
ليس من باب التعقيب السياسي … او محاولة لإعطاء الردود السياسية … ولكننا نحن ككتاب وإعلاميين … وأصحاب رأي وطني ديمقراطي مهني نتفهم التصريحات … لكننا لا يمكن أن نتفهم مضامينها بصورة كاملة … مغزاها … وما ترمي اليه … لاننا بمرحلة انتقالية ما بين حالة انقسامية … وبداية مرحلة الخروج من هذا الانقسام الأسود … الذي عصف بنا … ولم يبقي لنا ما يمكن ان نتفاخر به … او نعتز بانجازه … او حتى ان نقول بأن هذه القضية … او تلك … ليست على طاولة الحوار … وليست للتفاوض … ويمنع المساس بها .. او العبث بقدسيتها … او حتى تناولها عبر الإعلام وأصحاب الرأي … وكان السلاح أقدس من الإنسان … وكان السلاح أقدس من الوطن … وكأن السلاح أقدس من الوحدة … فالسلاح يستمد قوته ممن يحمله … ويؤمن به … السلاح يقوى بأهدافه التي استشهد من اجلها عشرات الآلاف من أبناء ثورتنا ومقاومتنا .
التأكيد السياسي الديمقراطي الوحدوي … والذي يحكم الجميع منا دون استثناء … والذي لا يدع مجالا للشك … أن كافة القضايا على طاولة الحوار الوطني … وتخضع لآليات القرار الوطني بما يخدم الشعب الفلسطيني وحقوقه وخياراته المقاومة وبكافة الوسائل … وحتى السياسية التفاوضية … وليس هناك ما يمكن ان يكون فوق الحوار واليات اتخاذ القرار الوطني … وإلا فأننا نكون قد قسمنا القضايا … كما وضعنا طوقا حول تلك القضية … او تلك … او منعنا أنفسنا من الحديث وتناول تفاصيلها وأبعادها … أي أننا قد قسمنا أنفسنا … بأكثر مما نحن عليه من انقسام … وجعلنا لكل منا اختصاص … وقواعد واليات عمل … وهذا لا يمكن ان يستوعب … او يقبل … في ظل دوافع وطنية … ومنطلقات وحدوية … ننادي بها … ونسعى لتحقيقها … ونؤكد عليها .
الحوار الوطني والبحث بحلول تفصيلية لكافة القضايا لا يعني العبث .. ولا يعني التهاون … التخاذل … أو التراجع … بل يعني روح المسؤولية الوطنية والتاريخية إزاء كافة القضايا التي يجب أن تكون مطروحة ويتم اتخاذ القرار الوطني بشأنها .
فالحرب أو السلم قرار وطني من خلال مؤسسات الشرعية التي يشارك بها الجميع من القوى الوطنية والإسلامية … وليس قرارا ثنائيا فصائليا ما بين قطبي السياسة الفلسطينية … وتجاهل كافة القوى الوطنية والإسلامية … شريكة الدم والشهداء والتي يجب ان تكون مشاركا فاعلا وأساسيا بكافة القضايا مهما كانت قدسيتها … ومحاذير تناولها … وحساسيتها …. وحساباتها السياسية .
فالقدس والتمسك بها … وحقوق اللاجئين والتمسك بعودتهم … وفلسطين الدولة والسيادة … وحرية الشعب وكرامته اغلى وأقدس من كل ما يمكن ان يقال … لأننا يجب ان نحترم إنسانيتنا ووطنيتنا … كرامتنا وتاريخ نضالنا الممتد منذ عقود … من خلال الكلمة والتظاهرة ورفع الصوت .. والبيان والفداء … وحتى رفع السلاح المقاوم وما سقط عبر هذه المسيرة الطويلة من شهداء وجرحى وأسرى .
لا يمكن اختزال التاريخ … كما لا يمكن اختزال وتقسيم أدوات نضالنا وكان كلا منا يمتلك أدواته ووسائله … بينما الحقيقة ان كافة وسائلنا وخياراتنا هي ملك شعبنا … الذي دفع ولا زال يدفع فاتورة المقاومة … كما فاتورة التفاوض … من أبناءه ودماء أجياله وممتلكاته .
الوطن اكبر من الجميع … وقضاياه ستبقى مطروحة على طاولة الحوار الوطني … لاتخاذ ما يلزم من قرارات وطنية توافقية جامعه تنسجم مع مصالحنا … ويمكن من خلالها ان نواجه تحدياتنا التي تتعاظم وتكبر في ظل جدل بيزنطي … ومناكفة سياسية … يحاول البعض منها ان يؤكد على قوة وجوده من خلال خيار دون آخر .
كافة الخيارات والوسائل النضالية للشعب الفلسطيني هي ملك لمؤسساته الشرعية … صاحبة القرار الوطني … والمسئولة عن تبعات كل قرار .. هذه المؤسسات الشرعية التي نتحدث عنها هي مؤسسات فتح وحماس والجهاد والجبهتين وكافة الأحزاب وحتى المستقلين .
لم يعد هناك مجالا للاستحواذ … أو التفرد بأي قرار … وحتى بأي وسيلة نضالية… مهما كانت قدسيتها واحترامنا لها .. لان الوطن والشعب أكبر وأقدس من كل ما يمكن الحديث عنه … حول تفاصيل هنا وهناك … وحول خيارات او مكاسب تنظيمية يحاول البعض الاجتهاد عليها … وحتى الصراع من اجلها .
لقد أثبتت التجربة ليس بالنسبة لنا وحدنا … ولكن بالنسبة لشعوب كثيرة خاضت نضالها ومسيرة تحررها وفق آليات وطنية … ووسائل نضالية … لم تكن محل خلاف … بل كانت موضع تأكيد من خلال قرارها … وحوارها … وتفاوضها حتى مع أعداءها … والمحتل لأرضها .
نحن لسنا خارج التاريخ … كما نحن لسنا خارج التجربة الثورية العالمية … ومجمل حركات التحرر … والتي أوصلت كافة البلاد والشعوب الى حريتها واستقلالها … وحتى تقدمها وازدهارها ونمو اقتصادها .
يجب ان نقرأ واقعنا بتفاصيله … وعمومياته … وبأحاديث كل منا … ومن داخلنا … وليس عبر المؤتمرات والتصريحات … ومحاولة دغدغة العواطف … وإسكات صوت العقل … تحت ذرائع ومبررات وتخوفات لا مكان لها … وكأن كلا منا يحاول أن يضفى قدسيته على تصريحاته … وان يبهت من كلام غيره … وكأن الوطن ملكا لهذا او ذاك .
نخطئ كثيرا … ولا زلنا نخطئ … ولا نتعلم الدروس والعبر… ولا نستنتج ونستخلص من تجربة مريرة لا زالت قائمة ومتفشية باستمرار خلق الذرائع … ووضع العراقيل …وتضخيم القضايا … ومحاولة عدم الاقتراب منها … وكأنها الممنوعة على البعض … والمسموحة للبعض الآخر.
فالوطن ملك للجميع … والقرار الوطني ملك للشعب الفلسطيني بكافة اماكن تواجده … والشعب بكافة فئاته وشرائحه هو صاحب القرار الأول والأخير … والملزم للجميع .
الكاتب :وفيق زنداح