الرئيسيةمختاراتمقالاتعلى بساط الرّيح

على بساط الرّيح

بقلم: محمد علي طه

رافقتُ في الأسبوع الأخير الشّاعر الفارسيّ الصّوفيّ الكبير جلال الدّين الرّوميّ، صاحب الطّريقة المولويّة ومؤلّف ديوان “المثنويّ” وصديقه ومعلّمه الدّرويش الصّوفيّ شمس التّبريز في رواية “قواعد العشق الأربعون” للكاتبة التّركيّة المبدعة أليف شافاك وترجمة العراقيّ د. محمّد درويش فشعرت كأنّني امتطي بساط الرّيح منسوجًا بخيوط الشّعر ورحيق اللّغة، مسحورًا بقواعد العشق الصّوفيّ التي أضاءت لي فلسفة قديمة تدور حول وحدة الأديان والشّعوب وعمق الحبّ المدفون في قلب كلّ انسان حيّ.
يذكر المترجم القدير أنّنا نعيش في عالم متعدّد الثّقافات فالنّاس يتحدّثون في شوارع مدينة لندن بما يزيد عن ثلاثمائة لغة، كما أنّه متعدّد الصّراعات الشّرسة حيث تحاول كلّ طائفة أن تمحق من يخالفها من بقيّة المذاهب والطّوائف بقوّة السّلاح تارة وبقوّة الخرافة والأسطورة والميثولوجيا تارة أخرى مّما جعل الحاضر كابوسّا مقيتًا ومُرعبًا يُخرج الانسان المعاصر من عصرانيّته ويدفع به إلى ظلاميّة أشدّ من ظلاميّة العصور الوسطى، تجرّد الإنسان من فكره ومن عقله ومن عواطفه وقبل هذا كلّه من حبّه للآخر.
هذه الهموم الثّقيلة دفعت الرّوائييّن إلى الابتعاد عن الرّومانسيّة وعن الواقعيّة الحديثة وعن الواقعيّة السّحريّة لأنّها، كما يعتقدون، ما عادت قادرة على تمثيل انسان هذه الأيّام فلجأوا إلى الرّواية التّاريخيّة والعالم الصّوفيّ الواسع.
كان الرّوائيّ المصريّ الكبير جمال الغيطانيّ سبّاقًا عندما كتب روايته “رسالة في الصّبابة والوجد” (1987) التي كشفت عن مدى إنتهاله من التّراث العربيّ وعشقه لجماليات اللغة العذبة وتعمّقه في النّصوص والتّعابير الصّوفيّة ولكنّه لم يكتب رواية تاريخيّة عن صوفيّ عربيّ مثل محيّي الدّين بن عربيّ أو ابن الفارض أو بشر الحافيّ أو الجنيد أو عن صوفيّ فارسيّ أو صوفيّ تركيّ.
رواية “قواعد العشق الأربعون” كتبتها أليف شافاك بعد رواياتها “الصّوفيّ” و”قصر البرغوث” و” قدّيس الحماقات الأولى” و”لقيطة في إستنبول” ونالت شهرة عالميّة وهي عبارة عن روايتين في رواية واحدة تحدثان في زمنين متباعدين هما رواية الشّاعر جلال الدّين الرّوميّ وصديقه شمس التّبريز اللذين عاشا في القرن الثّالث عشر الميلاديّ ورواية إيللا وزوجها ديفيد والأبناء جانيت وأورلي وآفي الذين يعيشون في أميركا في العقد الأوّل من القرن الحادي والعشرين وللعائلة بيت في نورثهامبتون وشقّة في بوسطن وشقّة في رود أيلاند.
يلتهم القارئ الرّواية الصّوفيّة للشّاعر الكبير ويعيش في أرجائها محلّقًا في عالم الحبّ والرّوحانيّات كما يقرأ بشغف في الصّفحات الموازيّة رواية آل روبنشتاين ويرافق إيللا التي تقدّم طلبًا للطّلاق من زوجها بعد عشرين عامًا من الزّواج والخيانة الزّوجيّة التي يمارسها زوجها وبعد أن يموت الحبّ.هذه رواية رائعة جديرة بالقراءة تبعدنا عمّا قد يعلق بنا من أدران السّياسة ومن غبار الأيّام

أخبار ذات علاقة

ترك الرد

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

أهم الأخبار

اخترنا لكم

المكتب الإعلامي الفلسطيني في أوروبا