ليلة في بطن الصحراء

زهران معالي

تضرب الرياح مضارب وبيوتا من الصفيح والشعر، التي تربعت على إحدى التلال لقرية عرب الرشايدة شرق بيت لحم جنوب الضفة الغربية، فيما يحاول فرحان الرشايدة تثبيت فراش على سقف مركبته ذات الدفع الرباعي، استعدادا لتحدي التجوال إلى بطن صحراء البحر الميت.

منتصف الطريق إلى الصحراء، يبدو في الأفق من بين التلال مياه البحر الميت الراكدة، الأخفض في العالم.

أدار فرحان الرشايدة، الدليل المحلي، من قرية الرشايدة، التي تمتد أراضيها حتى الجرف المطل على البحر الميت برفقة شقيقه محمد، محرك سيارتي الدفع الرباعي بعد صعود 12 صحفيا، حضروا للبحث عن المغامرة واكتشاف الصحراء، والغوص عبر طريق حبلى بالمخاطر، صعودا وهبوطا.

يعيش الرشايدة هذه التجربة التي يخوضها يوميا مع عدد من المجموعات السياحية من الفلسطينيين والأجانب.

“وصلنا، لأكثر مناطق العالم جمالا” تحدث الرشايدة وهو يشير للجرف الصخري المطل على حافة البحر الميت، فيما سارع الصحافيون لنصب كاميراتهم لالتقاط لحظة غروب الشمس المنعكسة على مياه البحر الأكثر ملوحة في العالم.

ويوضح رشايدة (30 عاما) لـ”وفا”، أن مجموعات من السياح الفلسطينيين والأجانب يأتون بشكل يومي خلال الفترة الماضية، ويتوافدون من كل انحاء فلسطين، للاستمتاع بهذه المناظر الخلابة وقضاء ليلتهم هنا”.

“من شهر لشهر هناك ازدياد في عدد السياح” يتابع رشايدة.

ووفق ما ينقل الرشايدة عمن زاروا صحراء البحر الميت خاصة من شمال الضفة الغربية، فإنها تشبه كثيرا في بيئتها وتضاريسها منطقة واد رم الأردنية، مع فارق في الخدمات من الاسفلت وتغطية وسائل الاتصال، ومضايقات قوات الاحتلال الإسرائيلي المستمرة.

وزارة السياحة عمدت إلى تدريب عدد من سكان المنطقة، وبناء نزل وتأهليه لاستضافة السياح والمجموعات الشبابية من خلال برامج لها علاقة بمسار إبراهيم الخليل ومسارات أخرى.

على حافة الجرف الصخري المطل على البحر الميت الواقع في جوف حفرة الانهدام، أشار رئيس جمعية الحياة البرية عماد الأطرش بيده إلى حافة الجبل من الجانب الأردني، قائلا: “كانت جبال الضفتين قطعة واحدة قبل ملايين السنين لكن انفصلتا بفعل الصدع العظيم”.

والصدع العظيم أو ما يعرف بحفرة الانهدام، أحد الأسماء الشائعة لصدع جيولوجي كبير يبلُغ طوله أكثر من ستة آلاف كيلومتر ويتراوح عرضه بين 7-20 كم، يمر بـ22 دولة، من تركيا غرب القارة الآسيوية وصولا لموزمبيق شرق القارة الأفريقية.

ويبلغ أعلى ارتفاع للصدع العظيم 1170 مترا فوق سطح البحر قرب بعلبك اللبنانية، فيما يشكل البحر الميت أدنى نقطة في الصدع والعالم حيث ينخفض لأكثر من 400 متر تحت سطح البحر.

ويقول الأطرش لمراسل “وفا”، إن ما يميز منطقة صحراء البحر الميت وقوعها وسط ثلاثة نظم مناخية (حفرة الانهدام، وسلسلة جبال القدس، والبحر المتوسط)، الأمر الذي أعطاها ميزة خاصة جعلتها منطقة سياحية تحديدا في فصل الربيع، بسبب التنوع النباتي والحيواني الذي تنفرد به المنطقة، كحيوان الوعل النوبي وغراب البحر الميت والوبر الصخري، ونباتات الأكاسيا والأثل.

ويوضح الأطرش، أن وجود البحر الميت ضمن منطقة حفرة الانهدام ساعد بمجال هجرة الطيور، كون التيارات الهوائية الساخنة الصاعدة من الأرض تساعد الطيور كبيرة الحجم، هذه ميزة من ميزات طبيعة فلسطين بأن الطيور المحلقة تستخدم التيارات الهوائية الصاعدة لتقطع مسافات من البقاع لخليج العقبة.

ويصل طول المنطقة الممتدة ضمن حفرة الانهدام في فلسطين لما يقارب 800 كيلومتر، من بحيرة الحولة شمالا حتى البحر الأحمر جنوبا، وفق ما يوضح الأطرش.

فيما يبلغ طول الصحراء الممتدة بين القدس والبحر الميت 85 كيلومتر وعرضها نحو 25 كيلومتر.

ويجمع الرشايدة والأطرش على أن المنطقة تحتاج لجهود جبارة لتنشيط الحركة السياحية الداخلية والخارجية إليها.

ويؤكد المتحدث باسم وزارة السياحة والآثار جريس قمصية”، بأن الوزارة عملت على تطوير المنطقة من خلال مجموعة من البرامج والفعاليات، تمثلت بدعم مشروع مسار إبراهيم الخليل، الذي عمل على تطوير عدد من المواقع، وإنشاء نزل سياحية عبارة عن خيام للبدو، وتطوير قدرات مجموعة من الشباب من ساكني المنطقة الممتدة من بيت لحم حتى البحر الميت؛ للعمل كأدلاء سياحيين سموا “أدلاء الصحاري” في عرب الرشايدة والخالصة والنعمان والعبيدية.

ويقول قمصية “إن الوزارة بالتعاون مع مكاتب السياحة والسفر وبينها جمعية الأراضي المقدسة للسياحة الوافدة، عملت على الترويج لهذه البرامج من خلال المعارض والفعاليات العالمية، وباتت مكاتب السياحة تبيع هذه البرامج وتستقطب السياح الوافدين لتلك المناطق.

واستضافت وزارة السياحة خلال العام الجاري أربعة مجموعات صحفية أوروبية، من رومانيا وبولندا وإسبانيا واوكرانيا، ضمن برنامج السير في المسارات وتصويرها حيث تم الترويج لها بشكل كبير، وفق ما يشير قمصية.

ويضيف أن الوزارة دعمت السياحة البيئية وخرّجت مجموعة من المتدربين، حيث تم إعطاؤهم دورات متعلقة بالسياحة البيئية وتطوير قدرات مجموعة من المستكشفين من خلال ملتقى المصورين الفلسطيني، وبدأوا بالعمل من خلال مجموعات شبابية على تصوير المسارات.

وشهد عام 2016 والعام الجاري إقبالا كبيرا من المؤسسات الشبابية في كل الوطن للمشاركة في السياحة البيئية في كل المناطق وتحديدا صحراء البحر الميت وبرية القدس، وفق قمصية.

أخبار ذات علاقة

ترك الرد

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

أهم الأخبار

اخترنا لكم

المكتب الإعلامي الفلسطيني في أوروبا