الرئيسيةمختاراتمقالاتمحسن يقلب الحقائق

محسن يقلب الحقائق

بقلم: عمر حلمي الغول

المصالحة الوطنية لها أعداء وخصوم كثر من الداخل والخارج، لا يريدون لها ان تتقدم، وكل شخص او مجموعة او حزب او دولة من القوى المتناقضة مع خيار الشعب اولا يدلي بدلوه للتشكيك بها، وثانيا يستخدم إمكانياته لتعطيلها إن إستطاع، او وضع الألغام في طريقها لتأخيرها إن أمكن. ومع ذلك يمكن التأكيد أن خيار الوحدة الوطنية سيمضي قدما، رغم كل العقبات والعراقيل التي يمكن ان تبرز طالما هناك إرادة وطنية جامعة لتحقيقها.

من بين اولئك كتب الدكتور محسن صالح، رئيس مركز الزيتونة / بيروت التابع لجماعة الإخوان المسلمين، مقالا بعنوان “لعبة المصالحة الفلسطينية” نشره على موقع “الجزيرة نت” بتاريخ 2 إكتوبر الحالي، جال فيه على المفاصل التي يعتقد من موقعه الإخواني، انها ستحول دون نجاح المصالحة. ومن أول جملة إلى آخر فقرة في مقالته الطويلة شكك بالنوايا الوطنية للرئيس ابو مازن وحركة فتح تحديدا، ولم يستثنِ رجل حماس القوي في غزة، يحيى السنوار. وهو بموقفه الرافض للمصالحة بذريعة أنه “متمسك بخيار المقاومة” قلب الحقائق رأسا على عقب. حيث إعتبر ان القيادة “لا تريد المصالحة الحقيقية، بل تريدها ك”لعبة” بهدف ترويض حماس”، وكأن حركة حماس إلعوبة في يد الرئيس وحركة فتح، وهو هنا يقلل من دور ومكانة فرع جماعة الإخوان في فلسطين. أضف إلى انه، هنا نسي أن من طرق أبواب المصالحة، وبذل كل الجهود الوطنية على مدار العقد الماضي للوصول لطي صفحة الإنقلاب الأسود، وإعادة الإعتبار للوحدة الوطنية، هو الرئيس محمود عباس والقيادة الشرعية. وتجاهل مدير مركز الزيتونة ان أول من وقع ورقة المصالحة المصرية وفورا في عام 2009، هو الشرعية الوطنية حينما ارسل رئيس منظمة التحرير الأخ عزام الأحمد للتوقيع عليها آنذاك في إكتوبر 2009، في حين إنتظرت حركة حماس عامين كاملين حتى وقعتها في مايو 2011. ومع ذلك لم تنكفىء القيادة ممثلة بشخص الرئيس عباس عن خيار المصالحة الوطنية لحظة، وسعت في كل الدروب لفتح الأبواب مرة تلو الأخرى امام حركة حماس، ثم وقعت في 2012 على إعلان الدوحة، وفي 2014 وقعت على إعلان الشاطىء لدفع المصالحة خطوة للإمام.

ومؤخرا إستجابت القيادة مع خطوة حماس بعد حل اللجنة الإدارية في 17 ايلول الماضي، لاسيما وانها أحد محددات الرئيس ابو مازن للتقدم خطوة نوعية نحو المصالحة، ودفعت بقوة لترميم الجسور، وأرسلت وفدها للقاهرة، ثم أرسلت حكومة التوافق الوطني لتسلم مهامها في محافظات الجنوب. والآن وفدا حركتا فتح وحماس موجودين في القاهرة لإستكمال مشوار المصالحة برعاية الأخوة المصريين. وبالتالي لم تتعامل القيادة وشخص الرئيس عباس على رأسها ب”برودة”، كما افتى الشيخ محسن، بل تعاملت بثقة وبمنتهى القوة والسرعة مع خيارها وخيار الشعب المكلوم والمؤمن بوحدته الوطنية، لإنها مصلحة إستراتيجية للشعب كله.

ثم اورد صالح مثالا ساذجا لا يمت للواقع بصلة، مثال السيارة التي يركبها شخصين، كل منهما يريد قيادتها بإتجاه؟ وبعد ذلك تساءل عن نوع السيارة، وتفسير العلامات الإرشادية والمانيول الذي سيعتمداه لتحريكها. وتناسى الإخواني أن ما ذكر أعلاه من إتفاقيات وإعلانات تشكل الأساس الناظم للتحرك نحو بناء ركائز مصالحة وطنية حقيقية برعاية مصرية صادقة. ولا حاجة للخلاف او الإختلاف على إتجاه الضربة الرئيسي، وأدوات عمل الوفدين متوفرة في ايديهما، وحتى لو حصل تباين، فهو في إطار التفسير ولا خلافا على المبادىء. كما تجاهل أن المصالحة صناعة وطنية بإمتياز، وهي مصلحة فلسطينية، لإن صاحب المصلحة الأولى والأخيرة فيها الشعب العربي الفلسطيني وقضيته وأهدافه الوطنية. وبالتالي المصالحة ليست إسرائيلية، لإن إسرائيل الإستعمارية تريد تصفية الشعب الفلسطيني وتمزيقه اربا، وهي ايضا ليست أميركية ولا عربية، وإن كانت الشقيقة الكبرى هي الراعي لها.

مع ذلك لم يكتف الكاتب الإخواني بذرائعه التشكيكية بخيار الوحدة، فقال “هذا النوع من شراكات “الضرورة والإضطرار” يسهل نسفه وإفشاله”؟! وإذا شاء المرء التوقف بموضوعية، فإنه يوافق على إن المصالحة باتت خيارا إضطراريا لحركة حماس، بعد ان أغلقت كل الأبواب امامها، نتيجة الأزمات التي تعيشها، وإفلاس تجربة الإخوان المسلمين في المنطقة كلها، وتراجع وإنكفاء دور ومكانة حلفاءها العرب والإقليميين، وموافقة العالم على طي صفحة الإنقلاب بعد أن إستنفذ أغراضه ومهماته خلال العقد الماضي. ومع ذلك هذا الإضطرار شكل فرصة ذهبية إلتقطتها القيادة الفلسطينية مع الأشقاء المصريين، الراعي الأساسي للمصالحة، والمكلف من جامعة الدول العربية رسميا بإعادة الإعتبار للوحدة الفلسطينية. وهي تعمل لردم الهوة التي كرسها الإنقلاب طيلة العقد الماضي. ورغم ذلك سيبقى المتضررون من المصالحة من الداخل والخارج يعملوا دون كلل لإفشالها وتخريبها. ولكن إرادة الشعب الشجاعة ستساهم بقوة مع القيادة الشرعية والمخلصين من حركة حماس لبناء دعائمها القوية على الأرض.

ثم يلج صالح بابا أخر في قلب الحقائق، حين يقول إن الصراع بين الشرعية وحركة حماس “ليس على السلطة” بل هو احد اوجه الصراع، ويضيف “لكن هذا ليس جوهر المشكلة في الشأن الفلسطيني.” وتابع في فقرة اخرى ليوضح لنا جوهر المشكلة، فيقول أنه “يكمن في أن أطراف الخلاف الفلسطيني مختلفون في الثوابت وفي المرجعيات (الميثاق الوطني) وفي البرنامج الوطني، وفي الأولويات”؟! وسؤال للكاتب هل انت وحركة حماس ومعكم التنظيم الدولي للإخوان المسلمين مقتنعين بالميثاق الوطني والبرنامج الوطني؟ هل بات الميثاق والبرنامج الوطني مرجعيتكم؟ ولماذا رفضتم من حيث المبدأ منظمة التحرير وميثاقها وبرنامجها الوطني، ولماذا رفضتم الإنضمام لها والعمل على خلق البديل عنها؟ الأسئلة الواردة ليست لنكأ الجراح، إنما لفضح وتعرية المنطق المقلوب والمغالط للحقائق. ومع ذلك ينظر للتطورات التي شهدتها حركة حماس مؤخرا بعين الإرتياح، حيث أخذت تقترب من برنامج الإجماع الوطني كثيرا بتبنيها الوثيقة الجديدة في مايو الماضي. أضف لذلك لماذا غضضت النظر كليا عن برنامج وأهداف جماعة الإخوان المسلمين، التي بدأت مشروعها التخريبي في اوساط شعوب الأمة العربية في فلسطين، حيث كانت حركة حماس وإنقلابها على الشرعية الوطنية رأس الحربة له؟ وما هي مصلحتك في التشكيك بنجاح المصالحة سوى الدفاع حتى الرمق الأخير عن خيار ألإخوان المسلمين؟

ولمزيد من الإغراق في مستنقع التحريض على حاملة راية المشروع الوطني، يتهم حركة فتح تحديدا بأنها تخلت عن “اربعة أخماس فلسطين التاريخية، وإعترفت بإسرائيل وشرعيتها، وبنت برنامجها على اساس حل الدولتين، بينما ترفض قيادتا حماس والجهاد التنازل عن أي جزء من فلسطين، وترفض الإعتراف بإسرائيل”؟ وهذا غير صحيح جملة وتفصيلا، لإن حركة فتح (رغم أني لست فتحاويا) لم تعترف بإسرائيل، ورؤيتها البرنامجية واضحة وجلية بإمكانك العودة لها، ولكن الذي إعترف هي منظمة التحرير، الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني. كما أن حركة حماس بإقرارها وثيقتها الأخيرة وقبولها بإقامة دولة على حدود الرابع من حزيران عام 1967، تكون تماهت كليا مع برنامج الإجماع الوطني. بعكس حركة الجهاد الإسلامي التي لم تعترف او تغير في برنامجها السياسي. وبالتالي الربط بين حماس والجهاد غير دقيق، ولا يمت للحقيقة بصلة.

وبالنسبة لأشكال النضال يقول الشيخ محسن، أن فتح بقبولها إتفاقيات اوسلو (فتح كفصيل لم تعترف بها) “التي فرضت عليها إلتزامات حقيقية مرتبطة بإلتزام التسوية السلمية، وعدم اللجوء إلى المقاومة المسلحة، ونبذ العنف، وبإدارة حكم ذاتي (السلطة الفلسطينية) تحت هيمنة الإحتلال الإسرائيلي ….” كما اشرت لم يشأ الكاتب التمييز بين حركة فتح ومنظمة التحرير، بل لديه إصرار على التضليل للرأي العام الفلسطيني والعربي، لإنه شاء التشكيك بها وبدورها الوطني كقائدة للمشروع الوطني. كما تجاهل أن فتح رغم إلتزامها ببرنامج الإجماع الوطني تقوم أذرعها المقاتلة “كتائب الأقصى” وغيرها من المسميات بالعمل العسكري، وقدمت فتح في حروب إسرائيل الثلاثة على قطاع غزة أضعاف حركة حماس من الشهداء، رغم مطاردة أجهزة أمن حماس للمناضلين من فتح، وإرسال البلاغات لهم لعدم حمل السلاح دفاعا عن الشعب، وملاحقتهم وإعتقالهم. مع ذلك خيار الكفاح الشعبي، هو خيار وطني، وفرضته التطورات السياسية، والإلتزام به، لم يسقط للحظة حق الشعب الفلسطيني وقواه السياسية بتغيير أشكال النضال، ولا يضيف المرء جديدا بالـتأكيد على ان حركة فتح هي من أطلق الرصاصة الأولى في مطلع ال1965. وبالتالي لا احد يزاود على فتح وفصائل منظمة التحرير بكل مشاربها وإتجهاتها في موضوع الكفاح المسلح، لإنهم هم رواده. غير ان مصلحة الشعب العليا وبلوغ اهدافه الوطنية حتمت تغيير اشكال النضال. كما ان الكفاح المسلح ليس هدفا بذاته، انما هو شكل من اشكال النضال تعود له منظمة التحرير في الوقت الذي ترتأيه إرتباطا بالتطورات السياسية، ومع إنغلاق بوابة السلام في حال واصل الإستعمار الإسرائيلي خياره الإستيطاني على حساب حل الدولتين على حدود الرابع من حزيران 1967. بالإضافة لما تقدم، تجاهل الدكتور محسن، أن حركة حماس وقعت أكثر من هدنة مذلة زمن الرئيس الأسبق مبارك 2009، وفي قصر الإتحادية زمن المخلوع مرسي 2012 مع حكومة إسرائيل، ووضعت أجهزتها الأمنية لضمان أمن إسرائيل. التذكير بذلك ليس للإنجرار في متاهة الكاتب الإخواني، ولكن لتوضيح الحقائق.

ويعود محسن مجددا لقلب الحقائق، عندما يقول أن حركة حماس رفضت أوسلو وإستحقاقاتها؟ كيف رفضت وهي التي دخلت الإنتخابات التشريعية عام 2006؟ أليس المجلس التشريعي أحد إفرازات أوسلو؟ وعن اي تثوير تتحدث قامت به حركة حماس؟ هل الإنقلاب على الشرعية هو عنوان “التثوير”؟ للأسف الشديد ان الكاتب يكابر عن سابق تصميم وإصرار، لإنه لا يريد ان يرى الحقائق كما هي، بل يحاول تطويعها وفق إسقاطاته الرغبوية، رغما عن سطوعها ووضوحها وضوح الشمس.

ويرى صالح أن إنخراط حماس في طريق المصالحة، سيضعها “امام طريق مغلق في قيادة السلطة.” ولن تسمح لها “في شراكة حقيقية فاعلة متوافقة مع برنامجها المقاوم.” وهو هنا يضع العربة أمام الحصان. ويخلص للنتائج قبل إستكمال الخطوات التمهيدية الأولى للمصالحة بهدف وضع الأسافين في طريق الوحدة. ونسي ان لحركة حماس ثقل سياسي وميليشيات وكتائب القسام، وهي ليست ضلعا قاصرا، وتستطيع الدفاع عن مصالحها وخياراتها عبر الحوارات المشتركة مع حركة فتح والكل الوطني. وفي حال تقدمت عربة المصالحة وفق ورقة المصالحة المصرية وإعلاني الدوحة والشاطىء وما يمكن ان يتمخض عن الحوارات الجارية في القاهرة من تطوير لها، فإن حركة حماس ستكون الرابح الأكبر بتوطنها داخل الساحة السياسية الفلسطينية، وعبر الشراكة الجدية، التي تكفلها الإتفاقات الموقعة، إضافة لوجودها الرئيسي في الشارع، كما ان الإنتخابات التشريعية والرئاسية تسمح لها بفرض حضورها في كل المنابر والمؤسسات التشريعية والتنفيذية الوطنية. وبالتالي ستفتح الأبواب امامها وليس العكس.

ويحاول صالح الطعن في شعار “سلطة واحدة .. قرار واحد .. أمن واحد”. معتبرا السلطة “في جوهرها هي عملية إحتكار للقوة.” وهل هذا الشعار والإحتكار للقوة بعيد عن حركة حماس؟ أليست الأبواب امامها مفتوحة لتكون جزءا اساسيا من السلطة التشريعية والتنفيذية بما فيها الأمنية؟ وهل تريد من خلال طعنك بالسلطة الواحدة وجود عدة سلطات؟ ماذا تريد من قولك؟ أتريد الفوضى والفلتان الأمني بإسم المقاومة؟ ألم تؤكد وثيقة التوافق الوطني عام 2006 على ان خيار الحرب والسلام، هو خيار الكل الوطني، وليس خيار فصيل بعينه؟ دون العودة لإجترار ما تقدم، من الواضح ان الدكتور محسن شاء نكأ الجراح، والتحريض على المصالحة، وحتى على قادة حركة حماس الذين قرروا الإندفاع نحو المصالحة، وخاصة على الرجل القوي يحيى السنوار دون أن يسميه متجاهلا إسمه، عندما قال ” في مقابلة قائد حماس مع شباب القطاع، قال – حسبما نقلت وكالة “سما”- إنه سيقدم تنازلات كبيرة جدا من أجل المصالحة، وكل تنازل سيكون صاعقا ومفاجئا أكبر من الذي قبله، وقال إنه “سيكسر عنق كل من لا يريد المصالحة سواء كان من حماس او غيرها.” في ختام مقالته المطولة يقول صالح ” لست أدري إن كانت التعبيرات المستخدمة تعبر بدقة عن قرار حماس المؤسسي.” وبالتالي لم يكتف الشيخ الإخواني بالتحريض على شخص الرئيس ابو مازن وحركة فتح، انما ذهب بعيدا في التحريض على قائد حركة حماس في القطاع، يحيى السنوار، ومشككا في مرجعية قراره، وكأن لسان حاله يقول بشكل واضح “لا للمصالحة، ولا لمن يقف معها من حماس ومن فتح ومن اي فصيل آخر”، وهذا الخيار هو خيار أعداء وحدة الشعب والقضية والمشروع الوطني. لإن من يريد مصلحة الشعب العليا عليه ان يدفع بخيار المصالحة، ويتخذ مواقف داعمة له ومساندة للتوجه، او على الأقل لو كان لديه تحفظ هنا او هناك ان يصمت ليرى ما يمكن ان تحمله العملية الوحدوية الجارية، ليكف شر سوء نيته. وارجو للمصالحة ولتوجه القيادة الشرعية برئاسة الرئيس محمود عباس والمخلصين من حركة حماس وكل الفصائل والقوى وقطاعات الشعب ان تتجسد على الأرض وتنهي صفحة كارثية سوداء من سجل الشعب العربي الفلسطيني العظيم، وتقطع الطريق على كل القوى المعادية والرافضة للوحدة الوطنية، وتحشرها في جحورها الظلامية إلى غير رجعة.

أخبار ذات علاقة

ترك الرد

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

أهم الأخبار

اخترنا لكم

المكتب الإعلامي الفلسطيني في أوروبا