الرئيسيةأخبارعربية ودوليةهل يوجد في الإسلام أوصياء على دينه ...؟ !!! كتب محمد الحنفي

هل يوجد في الإسلام أوصياء على دينه …؟ !!! كتب محمد الحنفي

إلــــى
• من فقدوا بوصلة التوجيه الصحيح في الدين الإسلامي.
• من آمنوا بأدلجة الدين، و صاروا لا يرون إلا الظلام، فصدقوا أن ما يرونه هو عين الدين.
• من فرضوا وصايتهم على الدين على انه ظلام لا يتحرك فيه إلا خفافيش الظلام.
• من يصح أن نسميهم بخفافيش الظلام لحرصهم على صيرورة الدين الإسلامي ظلاما.
• من اجل العودة إلى الذات و مساءلتها.
• من اجل اعتبار الدين الإسلامي خروجا من الظلمات إلى النور.
• من اجل جعل نور الإسلام انفتاحا على العصر و استيعابا لمستجداته.
• حتى يصير الدين الإسلامي صالحا فعلا لكل زمان و لكل مكان.

محمد الحنفي

1) كثيرا ما نصادف على صفحات الجرائد، أو في العديد من الكتب التي تملأ الأرصفة بأبخس الأثمان و التي يتهافت على اقتنائها الأميون و أشباه الأميين الذين يعملون على ترديد مضامينها الهزيلة، و كثيرا ما نرتاد المواقع الإلكترونية المختلفة على شبكة الانترنيت لنجد قيئا من الأفكار الملوثة بالإيديولوجية التي يسمونها الإسلام. و كثيرا ما نبتلى في بيوتنا بمداخلات مشوهة لصورة الإسلام، لنجد أن كل ذلك يصدر عن مدعين ينصبون أنفسهم أوصياء على الدين الإسلامي تأييدا للأنظمة القائمة في بلدان المسلمين، أو سعيا لبسط النفوذ و فرض السيطرة على أجهزة الدولة باسم الدين الإسلامي، لإكساب الشرعية الدينية إما للسلطات الرجعية و المتخلفة القائمة، و إما للسلطات التي يحتمل أن تحل محلها حتى تكون تلك الشرعية مبررا لاطلاق يد الحاكم للنيل من رقاب المسلمين و توجيه عملهم لخدمة مصالح السلطات القائمة و المحتمل قيامها مستقبلا باسم الدين الإسلامي البريء من السلطة الدنيوية براءة الذئب من دم يوسف كما ورد في سورة يوسف.
و لجوءنا إلى كتابة هذا المقال، إنما هو للرد على أولئك المتفيقهين الذين يسعون إلى بسط سيطرتهم على الدين و احتكار الكلام باسم الدين الإسلامي و اعتبار أن الإسلام الحقيقي هو ما يتقيأونه على مسامع و أنظار المسلمين الحقيقيين الذين لا يملكون الإمكانيات الضرورية لمواجهة هذا السيل العارم من القيء المؤدلج للدين الإسلامي، و الذي يعتبر أن ما يقوله المؤدلجون هو الإسلام الحقيقي الإسلام الطبقي، الإسلام المعبر عن مصالح الطبقات التي ينتمي إليها مؤدلجوا الدين الإسلامي الذين يأخذون على عاتقهم احتلال صفحات الكتب و الجرائد و المجلات و مواقع الانترنيت، و القنوات الفضائية لجعل المتلقي ينخدع بما يتقيأونه بعيدا عن حقيقة الإسلام، و عن حرص المسلمين الحقيقيين على سلامة الدين الإسلامي من الادلجة. فالإسلام الحقيقي ليس إيديولوجية، و ليس تعبيرا عن الاصطفاف الطبقي، و ليس رغبة في الوصول إلى السلطة كما يقضي بذلك ما جاء في القرءان ، إنه الدين الذي يجب أن يكون لله وحده لا شريك له فيه مؤدلج أو زعيم ديني أو سلطة قائمة، أو سلطة يحتمل قيامها، كما توحي بذلك الآية ” و أن المساجد لله فلا تدعو مع الله أحدا” و لذلك فنحن نعتبر من يقتنع بأيديولوجية دينية إسلامية. إنما هم مجموعة من المشركين لأنهم لا يعبدون الله وحده، و إنما يعبدون إلى جانبه مؤدلجي الدين، و زعمائهم الذين يسمون أنفسهم بالأولياء. و هؤلاء المشركون الجدد هم الذين ينخرطون في التيارات و الأحزاب المؤدلجة للدين و الموظفة له لتحقيق أغراض حزبية ضيقة لا علاقة لها بالدين الإسلامي بقدر ما لها علاقة بالأهداف التي يسعى مؤدلجو الدين إلى تحقيقها باسم الدين الإسلامي.
فهل يمكن تخليص الدين الإسلامي من هذه الهجمة الأيديولوجية الرسمية، و المضادة الساعية إلى جعل جميع المسلمين مشركين لله في عباداتهم التي يجمعون فيها بين عبادة الله و عبادة مؤدلجي الدين، و عبادة الزعماء الدينيين في الوقت الذي تنص فيه النصوص الدينية الثابتة و الصحيحة على أن الدين لله، و أن لا وجود لشيء اسمه الوصاية على الدين. و أن العلماء الذين لهم الأفضلية في خشية الله إنما هم مجرد إفراز لواقع فرض وجود النخبة المتعلمة التي تفرض وصايتها على الدين. و أن هذه النخبة المتعلمة التي عانت منها مجتمعات المسلمين كثيرا و لازالت تعاني منها إلى حين سيتراجع دورها مع انتشار التعليم في أوساط أبناء المسلمين، و عندما يتصدى المتنورون للكشف عن الخلفيات الحقيقية التي تستهدف ادلجة الدين الإسلامي، و مع تعميم التعليم ستختفي هذه النخبة، و بصفة نهائية مع تحقيق حرية الشعوب، و تجسيد الممارسة الديمقراطية بمضمونها الاقتصادي و الاجتماعي و الثقافي و المدني و السياسي. و بناء نظام سياسي تكون مهمته تحقيق العدالة الاجتماعية، و حينذاك يمكن أن نتحدث عن إسلام حقيقي، لا علاقة له بالادلجة، و لا بالأهداف الحزبية الإيديولوجية و السياسية الضيقة لأنه ستختفي و بصفة نهائية المبررات التي يعتمدها مؤدلجوا الدين، و يصير الناس أحرارا في معتقداتهم و في أداء شعائرهم، و دون وصاية من أحد.
2) فما هو مفهوم الدين الإسلامي ؟
فقد جاء في الحديث ” المسلم من سلم المسلمون من لسانه و يده ” و من هذا الفهم الدقيق و المتطور لتعريف المسلم و منذ ظهور الدين الإسلامي يمكن أن نقول أن الدين الإسلامي هو الدين الذي تتحقق في إطاره سلامة المسلمين الاقتصادية و الاجتماعية و الثقافية و المدنية و السياسية انطلاقا من القيم الدينية المبثوثة في النصوص الدينية الصحيحة، و خاصة تلك التي جاء بها القرءان كأصح نص وصلنا بطريق التواتر. فالقيم الدينية الحقيقية التي جاء بها الدين الإسلامي هي قيم تسعى باستمرار و على مدار العصور التي تلت ظهور الإسلام إلى بناء إنسان يسعى إلى تحقيق سلامة المسلمين على جميع المستويات، و في جميع مناحي الحياة، و من منطلق أن الدين لله، و أن من يقدس سواه ليس إلا ممارسا للشرك به.
فعلى المستوى الاقتصادي يسعى أولو الأمر إلى تحقيق التوزيع العادل للثروة حتى لا يكون هناك قاهر اقتصادي، و مقهور بسبب الاستغلال الاقتصادي. و حرص الحكام الذين يسميهم الدين الإسلامي بأولي الأمر الذين يختارهم المسلمون بكامل حريتهم و باحترام إرادتهم في إطار انتخابات حرة و نزيهة يتمثل في سعيهم إلى تحقيق العدالة الاقتصادية سواء كانت التشكيلة الاقتصادية-الاجتماعية، إقطاعية أو رأسمالية، لأنه يمكن لهؤلاء إحداث أنظمة الحماية الاجتماعية بضمان دخل اقتصادي يتناسب مع متطلبات الحياة و مع تكاليف العيش الكريم، إما عن طريق توفير مناصب العمل، أو عن طريق إحداث صندوق للتعويض عن البطالة، أو عن طريق توفير المعاش اللازم للعاجزين عن العمل مهما كان السن الذي يبلغونه لضمان سلامة المسلمين على المستوى الاقتصادي، و سعيا إلى جعل الأموال دولة بين الناس حتى لا تصير محتكرة في أيدي قلة من المستغلين الذين يلحقون الأذى بالمسلمين بسبب استغلالهم للمسلمين.
و على المستوى الاجتماعي يسعى أولو الأمر إلى تعميم الفرصة أمام المستعدين للتفرغ للبحث العلمي الدقيق و الإنساني و التاريخي و الفلسفي حتى يتحول مجتمع المسلمين إلى مجتمع بدون أمية، و مجتمع للمعارف المختلفة في تصورها و في شيوعها بين مختلف أبناء المسلمين، و يسعون إلى توفير مناصب الشغل لابناء المسلمين حتى لا يكونوا في حاجة إلى غيرهم، و حتى يضمنوا لأنفسهم استقرارا اجتماعيا باعتبار العمل وسيلة لذلك الاستقرار، كما يسعون إلى توفير السكن الصالح لكل المسلمين مهما كانت الطبقة الاجتماعية التي ينتمون إليها حتى لا يصيروا عرضة للتشرد، و حتى لا يصير السكن وسيلة لاستغلال المسلمين في بلدان المسلمين، و حتى يسلم المسلمون من مالكي العقارات الذين يستغلون حاجة المسلمين إلى السكن للاستحواذ على ثرواتهم، و تركهم فقراء لا يملكون شيئا. و يسعون إلى توفير الصحة للجميع حتى لا يبقى العلاج حكرا على طبقة معينة، و يتم ضمان السلامة الصحية لجميع المسلمين حتى يساهموا مساهمة فعالة في بناء مستقبلهم و مستقبل أبنائهم، و يعملوا على تقديم جميع الخدمات الاجتماعية إلى جميع الناس على أساس المساواة فيما بينهم سعيا إلى تحقيق السلامة الاجتماعية.
و على المستوى الثقافي يعمل أولوا الأمر على ضمان إشاعة القيم الثقافية النبيلة التي تسعى إلى بناء شخصية الإنسان بصفة عامة، و شخصية الإنسان المسلم بصفة خاصة حتى تكون في مستوى مواجهة التحديات الثقافية المفروضة التي تستهدف تخريب الشخصية الإنسانية لصالح سيادة قيم الاستغلال الإقطاعي أو الرأسمالي أو هما معا في ظل عولمة اقتصاد السوق. و للتمكن من ذلك يعمل أولوا الأمر على تشجيع تنشيط الأدوات الثقافية كالجمعيات المختلفة و الفرق المسرحية و إنشاء وسائل الإعلام الثقافية التي تساعد على إنتاج القيم الثقافية، و تقويم ما هو قائم منها على ارض الواقع، و تسليط سلاح النقد الثقافي على القيم الثقافية التي لم تعد صالحة للاستمرار في الاعتماد بما فيها قيم ادلجة الدين الإسلامي التي أصابت مجتمعات المسلمين بالكثير من الكوارث التي لازالت تتوالى على هذه المجتمعات منذ مقتل عثمان، وإلى يومنا هذا، ودعم كل التوجهات التي تسعى إلى إقامة ثقافة تنويرية ديمقراطية تقدمية تساهم في جعل الناس بصفة عامة و المسلمين بصفة خاصة يعملون على التماس القيم التي تساعد على رفع مكانتهم بين الناس، و تفرض احترامهم بين الأمم، مما يحقق التواصل و التفاهم بين الشعوب المختلفة بما فيها شعوب المسلمين. و هو ما يؤدي إلى إيجاد مناخ يسود فيه سلام المسلمين في كل أرجاء الأرض، و يجعل المسلمين يقفون وراء إشاعة السلام في جميع أرجاء الأرض، باعتبار السلام قيمة إسلامية صرفة تدخل في صلب ثقافة المسلمين كما ورد في القرءان ” و إن جنحوا للسلم فاجنح لها، و توكل على الله ” فثقافة المسلمين الحقيقيين إذن هي ثقافة السلام، أما ثقافة الظلام و الإرهاب التي يدعيها المتفيقهون في الدين الإسلامي فماهي إلا ثقافة أدلجة الدين الاسلامي التي لا علاقة لها بهذا الدين لا من قريب و لا من بعيد.
و على المستوى المدني فإن أولي الأمر يسعون إلى تحقيق المساواة بين الناس في الحقوق و في الواجبات و أمام القانون حتى لا يشعر أي فرد بالقهر و الظلم و الاستعباد، و حتى يسود الإخاء و المساواة بين الناس كما جاء في الحديث الوارد عن الرسول ” لا فرق بين عربي و عجمي، و لا بين ابيض و اسود إلا بالتقوى” فتحقيق المساواة بين الناس بصفة عامة و بين المسلمين بصفة خاصة سوف لن يزيد المسلمين إلا قوة و صلابة على جعل السلام سائدا بين المسلمين فيما بينهم و بينهم و بين غيرهم من البشر. لأن الدعوة إلى خرق السلام و عدم المحافظة عليه ستنعدم مبرراتها الاقتصادية و الاجتماعية و الثقافية و المدنية و السياسية نظرا لسيادة المساواة بين البشر كقيمة سامية يلتمسها المعانون من كل أشكال القهر و الظلم و الاستعباد في ظل سيادة أنظمة الاستبداد في بلدان المسلمين بصفة خاصة.
و على المستوى السياسي، فأولوا الأمر يسعون إلى إقامة دستور ديمقراطي، و إجراء انتخابات حرة و نزيهة لإيجاد مؤسسات تمثيلية في كل بلد من بلدان المسلمين. و إقامة حكومات من أغلبية تلك المؤسسات تقوم بحماية مصالح المسلمين على أساس المساواة فيما بينهم لأن المسلمين حينذاك يكونون قد اختاروا من يحكمهم بأنفسهم و دون وصاية من أحد، و تطبيقا لما جاء في القرءان ” و أمرهم شورى بينهم ” خاصة و أن الأمور السياسية هي أمور لها علاقة بالمجتمع و بالصراع الطبقي الدائر فيه. و هو ما يقتضي إقرار صيغة للتداول على السلطة يساهم فيها جميع المسلمين ، و من جميع الطبقات الاجتماعية و في إطار من التمتع بالحق في الحرية و الديمقراطية و العدالة الاجتماعية.
و بذلك يتجسد على ارض الواقع مفهوم الإسلام بتكريس واقع السلام بمعنى الأمن بمفهومه الاقتصادي و الاجتماعي و الثقافي و السياسي، و كل من يسعى إلى سيادة هذا الأمن على مستوى بلدان المسلمين فهو مسلم. و كل من وقف وراء فقدان هذا الأمن و بهذا المفهوم فهو ليس بمسلم انطلاقا من منطوق الحديث ” المسلم من سلم المسلمون من لسانه و يده”.
و الإسلام عندما يصير سلاما قائما على الأرض و مناخا لممارسة الصراع الاجتماعي بشكل طبيعي على جميع المستويات الاقتصادية و الاجتماعية و الثقافية و المدنية و السياسية، يصير امتدادا لمفهوم الدين لا يعني إلا إخلاص العبادة لله دون سائر البشر فإخلاص العبادة لله يعني الإمساك عن ممارسة الاعتقاد بغير الله معبودا حتى و إن كان هذا المعبود بشرا، زعيما دينيا أو قائدا سياسيا مؤدلجا للدين من اجل إعطاء الشرعية الدينية للحكم القائم الممارس للاستبداد في كل بلد من بلدان المسلمين. لأن تقديس الزعماء الدينيين أو القادة السياسيين المؤدلجين للدين الإسلامي ما هو إلا ممارسة للشرك و دعوة إلى عبادة غير الله من البشر، و هو ما جاء الإسلام من اجل استئصاله من الفكر و من الممارسة على حد سواء.
و كون الإسلام المجسد للسلام امتداد للدين بالمعنى الذي أشرنا إليه يجعله وسيلة لتحرير الإنسان من التبعية للإنسان، و التعامل معه على أساس المساواة بين جميع المسلمين، و بين المسلمين و سائر البشر من غير المسلمين ” متى استعبدتم الناس و قد ولدتهم أمهاتهم أحرارا” كما قال عمر بن الخطاب.
3) فما هو مفهوم الادلجة الدينية ؟
إننا بوقوفنا على مفهوم الإيديولوجية سنجد أنها هي مجموع الأفكار المعبرة عن المصالح الطبقية لطبقة اجتماعية معينة، مع إيهام باقي الطبقات أن تلك المصالح هي مصالحها أيضا لوضع حد للتناقض القائم بين الطبقة صاحبة الإيديولوجية، و باقي الطبقات الاجتماعية القائمة في الواقع، و حسب التشكيلات الاقتصادية-الاجتماعية التي عرفها التاريخ فإننا نجد أن كل تشكيلة اجتماعية عرفت طبقتين رئيسيتين متناقضتين. فالتشكيلة العبودية عرفت إيديولوجية الأسياد و إيديولوجية العبيد. و التشكيلة الإقطاعية عرفت إيديولوجية الإقطاع و إيديولوجية الأقنان. و التشكيلة الرأسمالية عرفت إيديولوجية البورجوازية، و إيديولوجية الطبقة العاملة. و في كل تشكيلة اقتصادية اجتماعية توجد طبقة وسطى لا هوية إيديولوجية لها. و لذلك نجد أن هذه الطبقة الوسطى تستعير ما يناسبها في مختلف الإيديولوجيات المتناقضة، و مما يروج في المجتمع من أفكار، و ما يتفاعل من اجل بلورة تركيبة إيديولوجية تتناسب مع طبيعة و تلون و نفاق وانتهازية الطبقة الوسطى.
و من المظاهر الملفتة للنظر، و المؤثرة في الواقع بشكل جلي و واضح، قيام شرائح من الطبقة الوسطى في بلدان المسلمين بما فيها البلدان العربية بالسطو على الدين الإسلامي، و تحويله إلى مجرد إيديولوجية معبرة عن مصالح تلك الفئات التي تنتمي إلى الطبقة الوسطى و التي صارت تعطي لنفسها الحق، و بسبب ذلك السطو الممنهج في فرض الوصاية على الدين الإسلامي، و الدين الإسلامي براء منها، لأنه لا يعبر عن مصالحها، لأنه دين الناس جميعا و منذ عهد إبراهيم الخليل الذي جاء في حقه في القرءان ” ملة أبيكم إبراهيم هو سماكم المسلمين من قبل و في هذا ليكون الرسول شهيدا عليكم و تكونوا شهداء على الناس ” فالدين الإسلامي باعتباره آخر الأديان لا يمكن أن يعتبر إيديولوجية لطبقة معينة أو لحكم معين أو لدولة معينة. لأنه يجب أن يكون في متناول جميع من يعتنقه و يقتنع به و يومن بما جاء به. و الذين يمارسون السطو عليه، و يدعون انهم أهل لأن يصيروا أوصياء عليه، أو انهم أوصياء عليه، إنما يرتكبون جريمة في حق الإنسانية التي تحرم من أن يكون دينها خالصا من الشوائب، و تعمل على تحريفه بجعله مجرد دين معبر عن مصالح تلك الفئات المؤدلجة له منذ قيام الشيعة و الخوارج و بني أمية و آل الزبير. و منذ قيام ذلك الصراع الدامي بين تلك الأحزاب المؤدلجة للدين الإسلامي الذي أودى بحياة الكثير من المسلمين الذين فرض عليهم الوقوف إلى جانب هذا أو ذاك. فكانت سنة الادلجة التي لازالت تحصد الأخضر و اليابس، و تودي بالكبير و الصغير و في كل بلد من بلدان المسلمين. و سنة كهذه لا يمكن اعتبارها إلا سنة سيئة، انطلاقا من الحديث النبوي الذي يقول “من سن سنة حسنة فله اجرها و اجر من عمل بها إلى يوم القيامة، و من سن سنة سيئة فعليه وزرها و وزر من عمل بها إلى يوم القيامة” و المقياس الذي يمكن اعتماده للتمييز بين السنة الحسنة و السنة السيئة، هو المصلحة الإنسانية لجميع الناس بمن فيهم المسلمون. و المصلحة الإنسانية تقتضي العمل على تمتيع جميع الناس بجميع الحقوق الاقتصادية و الاجتماعية و الثقافية و المدنية و السياسية. و النضال من اجل تحقيق الحرية و الديمقراطية و العدالة الاجتماعية. أما عندما تنتفي هذه المصلحة و بهذا المفهوم، فلا يمكن أن تكون إلا سنة سيئة. و ما دامت ادلجة الدين الإسلامي لا تؤدي إلا إلى إحداث شقاق و نفاق بين المسلمين فهي سنة سيئة، و من يقوم بها يرتكب جريمة ضد الإنسانية في حق المسلمين لأنه يقف وراء إحداث النعرة الطائفية في إطار الدين الواحد، و بين الأديان المختلفة التي دعا القرءان إلى فتح حوار معها على أساس المساواة فيما بين الأديان ” يا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم أن لا نعبد إلا الله”.
و انطلاقا من هذا التحليل يمكن أن نسجل أن ادلجة الدين الإسلامي هي ممارسة تهدف إلى السطو على معتقدات المسلمين التي تصير في خدمة طبقة معينة، أو فئة معينة، أو دولة معينة، و هو ما يمكن اعتباره سنة سيئة تقود إلى :
أ‌- إحداث فتنة طائفية بين المسلمين.
ب‌- فرض الوصاية على الدين و احتكار الكلام باسمه.
ج- تأويل نصوصه بما يتنافى مع المقاصد الحقيقية للدين الإسلامي.
د- إحداث فتنة طائفية بين المسلمين و غير المسلمين من معتنقي الديانات الأخرى.
ه- الوقوف وراء الإرهاب الذي صار يستهدف البشرية في جميع أرجاء الأرض.
و- تفسير الأحداث حسب هوى مؤدلجي الدين الإسلامي من اجل الإعداد لفرض الاستبداد بالبشرية.
و انطلاقا من هذا الفهم العميق لأدلجة الدين الإسلامي، فإننا نرى أن الادلجة في حد ذاتها كارثة إنسانية لوقوفها وراء سيادة الظلام في الكفر، و سيادة النمذجة في الممارسة، و لإحداثها هذا الرعب الذي يهز العالم و لوقوف الرأسمالية العالمية، و الرجعية المنحطة وراء وجودها و نموها لمحاربة الحركة التقدمية في العالم. و لذلك نرى أن الواجب الإنساني و الديني معا يستلزم مناهضة ادلجة الدين الإسلامي حتى يبقى الدين الإسلامي خالصا لله ” و أن المساجد لله فلا تدعو مع الله أحدا” بالإضافة إلى أن مؤدلجي الدين الإسلامي يتحولون إلى مشركين لعبادتهم لزعمائهم بسبب التحريف الذي يحدثونه بسبب تأويلاتهم المغرضة للنصوص الدينية.
3) فما مفهوم الوصاية ؟ و ما علاقتها بالرهبانية ؟
إن الوصاية على شيء معين معناه التكفل به، و القيام بحفظه و رعايته. و العمل على تتبعه في حركاته و سكناته و توجيه سلوكه في أفق تبلوره في صورته النهائية التي تصير ثابتة في الأذهان و في الواقع في نفس الوقت لتزول بذلك مهمة الوصاية، و نحن عندما نستحضر هذا المفهوم، نستحضر في نفس الوقت مفهوم القصور الذي يصيب الفئات العمرية التي لم يكتمل نضجها بعد، و التي تفتقد من يرعاها، و من يحفظ صيرورة نموها، و ما يؤول إليها من ممتلكات حتى يكتمل نضجها.
و هذا المفهوم هو الذي نجده مدرجا في الفقه الإسلامي و في مختلف القوانين المدنية، و في قوانين الأسرة بالخصوص سعيا إلى حماية القاصرين من الضياع المؤدي إلى التشرد، و إلى فقدان التوازن النفسي و العقلي و الجسدي.
و عندما يتعلق الأمر بالنسبة للأديان المختلف من غير الإسلام و نظرا لطبيعة الشروط الموضوعية المختلفة و المتخلفة في نفس الوقت. فإن تلك الشروط اقتضت وجود أوصياء على الدين ممن عرفوا برجال الدين الذين لهم وحدهم الحق في تأويل النصوص الدينية و توجيه الناس الى ما يجب عمله من اجل اعتبارهم متدينين وإلا فإنه يجب اعتبارهم غير متدينين .فالأوصياء على الدين وحدهم يتكلمون في الدين، و يعرفون عنه كل شيء، يعلمون السر و أخفى، و يعتبرون أنفسهم أوصياء على العلاقة بين الله و بين المومنين به، فهم الذين يسجلون هل المومن من أهل الجنة، أو من أهل النار ؟و هم الذين يقررون إثبات الذنوب أو غفرانها كما هو الشأن بالنسبة للكنيسة الكاثوليكية في القرون الوسطى، حيث كان الأوصياء على الدين المسيحي يوزعون صكوك الغفران على كل من يدفع اكثر، و لا أحد كان يجرؤ على مناقشة ذلك، لأنه حينئذ سيكون مستهدفا بالكفر و الإلحاد و يجب الاقتصاص منه بالقتل أو بأي شكل من أشكال العقاب الأخرى. و قد تعود المومنون بتلك الأديان من غير الإسلام أن يوجد عندهم أوصياء على الدين، و طقوسهم لا تؤدى إلا بحضور أولئك الأوصياء حتى يضمنوا قبول تلك الطقوس أو يعملوا على رفضها. و قداسة هؤلاء الأوصياء تتساوى مع قداسة الله، أي أن إخضاع ممارستهم للنقد غير واردة، و ما يصدر عنهم هو من الله نظرا لقيام التطابق بينهم و بين الله في أذهان المومنين بها.
فهل تقوم وصاية على الدين الإسلامي أسوة بالديانات السابقة على الدين الإسلامي ؟
إننا عندما نبحث في عمق النص الديني فإننا نجد أن ذلك النص، و ما يرتبط به من نصوص موضحة و مكملة لا يتضمن ما يفيد بإقرار وجود وصاية على الدين الإسلامي. و اكثر من هذا فإن هذا النص يتضمن ما يفيد أن الله هو الذي تكفل بحفظ الذكر ” انا نحن نزلنا الذكر، و انا له لحافظون ” كما يتضمن اعتبار الرسول محمد مجرد إنسان عادي إذا أدى مهمة الرسالة ” قل إنما أنا بشر مثلكم يوحى إلى ” و قد قال الرسول في نفس السياق ” لا تطروني كما أطرت النصارى عيسى” و جاء في حق الناس جميعا ” لا فرق بين عربي و عجمي و لا بين ابيض و اسود إلا بالتقوى ” و قد جاء في حق الحكم الديني ” إن الحكم إلا لله “. ولذلك يصعب القول بوجود الوصاية على الدين الإسلامي، إلا إذا تأدلج هذا الدين ليصبح مؤدلجوه أوصياء على تأويلاتهم الإيديولوجية. و معلوم أن التأويل الإيديولوجي هو ممارسة تحريفية للدين الإسلامي تقود إلى تقديس مؤدلجي الدين الإسلامي. هذا التقديس الذي يمكن اعتباره مصدرا لممارسة الشرك بالله، و إذا ترتب عن ذلك قيام حزب أو تيار على أساس تلك الادلجة، فإن المقتنعين بتلك الادلجة، و المقدسين للمؤدلجين سيقدسون ذلك الحزب، أو ذلك التيار، ليصير عدد المقدسين ثلاثة : الله و المؤدلجون و الحزب، و ليصير المقدسون كاليهود و النصارى الذين قال في حقهم ” قالت اليهود عزير ابن الله، و قالت النصارى المسيح ابن الله” كما قال في حقهم ” إن الله ثالث ثلاثة ” و ممارسة كهذه ليس إلا ممارسة للشرك بالله، الذي جاء الدين الإسلامي لمحاربته، و العمل على استئصاله كما جاء في القرءان ” إن الله لا يغفر أن يشرك به، و يغفر ما دون ذلك لمن يشاء” و مادام هؤلاء، و حسب هذا المستوى من التحليل يحرفون القرءان و سائر النصوص الدينية بتأويلاتهم الإيديولوجية و يصيرون بسبب ذلك التحريف مشركين بالله، فإن مواجهتهم بفضح ممارستهم التي تقود إلى الاستبداد بالمجتمع و فرض الوصاية على الدين الإسلامي صارت ضرورية حتى نعمل على حفظ الدين من الادلجة ، و من الوصاية في نفس الوقت.
و قد يقول البعض أن “العلماء يصير لهم فضل على غير العلماء” نظرا لما ورد في القرءان “إنما يخشى الله من عباده العلماء” و ” هل يستوي الذين يعلمون، و الذين لا يعلمون”. فإن ذلك الفضل يكون حاضرا فعلا في مجتمع تسود فيه الأمية كما هي الشروط التي نزل فيها القرءان. و كما هي شروط بلدان المسلمين في جميع القارات في عصرنا. أما عندما تسود دولة الحق و القانون، فإن الناس جميعا سيتحملون مسؤولية الحرص على التمتع بحقوقهم الاقتصادية و الاجتماعية و الثقافية و المدنية و السياسية. و بناء على هذا الحرص، فإن الناس جميعا سيتعلمون فيفقد بذلك العلماء كونهم يتمتعون بالأفضلية لأن الناس جميعا يصير في إمكانهم امتلاك المعرفة بأمور الدين، و تسقط الأولوية في الأفضلية التي تصير مشتركة بين جميع الناس على أساس المساواة فيما بينهم في الحقوق و الواجبات فيصيرون كما يقول الحديث ” لا فرق بين عربي و عجمي و لا بين ابيض و اسود إلا بالتقوى ” و التقوى في نظرنا لا يمكن أن تعني إلا الإخلاص في القيام بالواجب و احترام حقوق الآخر التي يجب أن يتمتع بها.
و هكذا نجد أن الوصاية على الدين الإسلامي ساقطة و ممارسوها ليسوا إلا مؤدلجين لهذا الدين لصالح الطبقات الحاكمة، أو سعيا إلى الوصول إلى السلطة لفرض استبداد بديل للاستبداد القائم. و لذلك كان لزاما على حركة التحرر الوطني و جميع التقدميين و المخلصين للإنسان العمل على الكشف على الخلفيات القائمة وراء ادلجة الدين الإسلامي، ووراء ادعاء أن الناس لا يعلمون شيئا عن أمور دينهم و دنياهم، و أن مؤدلجي الدين وحدهم هم الذين يقومون بذلك.
و إذا قمنا بإسقاط ادلجة الدين الإسلامي من حساب الدين الإسلامي، فإن الوصاية المرتبطة بالادلجة ستسقط، و يبقى الدين لله، و يصير الناس أحرارا في العلاقة بينهم و بين ربهم، و دون واسطة، و بعيدا عن الوصاية على الدين الإسلامي. و بالتالي فالدين الإسلامي لا يصير دينا للناس جميعا إلا بتحرره من الادلجة و هذا التحرر لا يمكن أن يأتي بين عشية و ضحاها، إنه نتيجة لنضال مرير يخوضه كل المناضلين الأوفياء، لجعل الناس يهتمون بالاستقرار الروحي الذي يتغدى من القيم الدينية، التى تجعل الإنسان المستهدف بالتشبع بتلك القيم التي تكسبه شخصية متميزة بالصفاء الروحي الذي يجعلها مؤهلة للانخراط الإيجابي في بناء الحياة الاقتصادية و الاجتماعية و الثقافية و المدنية و السياسية حتى تصير الحياة مناخا لإشاعة الدين المتحرر من الادلجة. لأن الصفاء الروحي لا يقبل التلون، و لا يسعى إلى قيام دين مؤدلج. لأن كل ذلك يحول دون قيام دين حقيقي بعيدا عن كل وصاية لا وجود لها في الدين الإسلامي، و في الصفاء الروحي ” فليتنافس المتنافسون” كما جاء في القرءان.
5) و إذا كانت الوصاية على الدين الإسلامي غير قائمة في حقيقة الدين الإسلامي، و في طبيعته، فهل يمكن أن تقوم فيه الرهبانية ؟
إننا نعرف انه في اليهودية و المسيحية و في العديد من الديانات الوثنية نجد أن هناك تلازما بين الوصاية على الدين و الرهبانية، التي تعني التفرغ للعبادة و إعطاء المثل المقتدى بها في التدين، و الرهباني وحده يربط الصلة المباشرة بالمعبود ” الله ” أو غيره مما يعبده الوثنيون ، وبسبب تلك الصلة المفترضة فإن الرهباني يعرف عن المعبود و عن الدين ما لا يعرفه غيره من البشر المومنين بدين الرهبانية. و لذلك فهو مصدر المعرفة الدينية التي يرجع إليها الناس دائما للاطمئنان على مصيرهم و حتى لا يتحول الناس إلى عارفين بالدين، فإنهم يحتكرون تلك المعرفة، و لا يخرجونها للناس إلا بالقدر الذي يخدم مصالح الرهبان الاقتصادية و الاجتماعية و الثقافية و المدنية و السياسية حتى يتمكن الرهبان من فرض وصايتهم على المجتمع الذي يجب أن يكون في خدمتهم.
و بالنسبة للدين الإسلامي، و انطلاقا من النصوص الثابتة، فإننا نجد انه لا وجود لشيء اسمه الرهبان، و أن هؤلاء تم تعويضهم بما صار يعرف ب”العلماء” الذين تزول أهميتهم بانتشار المعرفة بين الناس، و صيرورة مجتمع المسلمين مجتمعا عالما. و لذلك، فالعلاقة بين المسلمين و بين الله هي علاقة مباشرة لا وجود فيها لوسيط، و لا لرهباني، و لا لمختص بالمعرفة بالدين. فالواسطة الواحدة و الوحيدة هي الإيمان كما ورد في الحديث ” أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا اله إلا الله و أن محمدا رسول الله، فإذا قالوها عصموا مني دمائهم و أموالهم” أما الشعائر الدينية فشأن كل مسلم بينه و بين الله. و لا يمكن محاسبته عليها إلا يوم القيامة حسب ما جاء في القرءان ” فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره، و من يعمل مثقال ذرة شرا يره” و بذلك يختلف الدين الإسلامي عن بقية الأديان بانتفاء الرهبانية منه، و زوال الواسطة بين المسلم و بين الله. و لكن عندما يتأدلج الدين الإسلامي و ينحرف عن حقيقته، فإن مؤدلجيه يتحولون إلى رهبان و يصيرون أوصياء على تأويلاتهم الإيديولوجية التي تحل محل الدين الإسلامي الحقيقي. و بالتالي فإن هؤلاء الرهبان الذين سميناهم ب”المتنبئين الجدد” يعتبرون أنفسهم رهبانا، و أوصياء على الدين الإسلامي الذي ترسم خطوطه من خلال تأويلاتهم الإيديولوجية، و يصيرون عالمين بالغيب بكل مظاهره، و بما يجري في القبور، و بحكم الله يوم القيامة على خلاف ما ورد في القرءان ” إن الله عنده علم الساعة، و ينزل الغيث، و يعلم ما في الأرحام، و ما تدري نفس ماذا تكسب غدا، و ما تدري نفس بأي ارض تموت” و على خلاف ما ورد فيه أيضا “إن الله علام الغيوب”. و هؤلاء عندما يخالفون نصوص القرءان إنما يصرون على فرض وصايتهم على الدين الإسلامي. و الدين الإسلامي من وصايتهم براء و هم بذلك يخرجون أنفسهم منهم، و يفرضون على المسلمين أمورا لا علاقة لها بالإسلام بقدر ما لها علاقة باليهودية و المسيحية المحرفتين أصلا.
6) فهل يتحرر الدين الإسلامي من اسر الادلجة ؟
إن الأصل في الدين الإسلامي هو التحرر من اسر الادلجة ” و أن المساجد لله فلا تدعو مع الله أحدا” و هذا الفهم هو الذي حكم ممارسة المسلمين الأوائل، إلى أن قام النزاع بين علي و معاوية، فادعى الشيعة انهم أهل لحكم المسلمين باسم الدين الإسلامي، و ادعى الأمويون أن الله اختارهم لحكم المسلمين باسم الدين الإسلامي ” انا نسوسكم بسلطان الله الذي أعطانا، و نذوذ عنكم بفيئه الذي خولنا” و ادعى الزبيريون انهم أحق بحكم المسلمين باسم الدين الإسلامي بسبب قرابتهم من عائشة زوجة الرسول، و بنت أول خليفة بعد موت الرسول، و ادعى الخوارج أن الحكم باسم الدين الإسلامي، هو من حق كل مسلم حتى و ان كان عبدا حبشيا ثم توالى عبر العصور توالى حكم المسلمين بالقوة و باسم الدين الإسلامي. و بالتالي فجميع الدول التي عرفها تاريخ المسلمين اعتبرت نفسها دولة إسلامية، و الذين يحاربون من اجل الوصول إلى الحكم في تاريخ المسلمين كانوا يدعون انهم الأحق بحكم المسلمين باسم الدين الإسلامي. و في عصرنا هذا جميع الطبقات التي تحكم في بلدان المسلمين تدعي أنها تحكم باسم الدين الإسلامي، و جميع مؤدلجي الدين الإسلامي يدعون انهم الأحق بحكم المسلمين باسم الدين الإسلامي، و جميع هؤلاء لا يستحضرون ما جاء في القرءان ” و أمرهم شورى بينهم” كما لا يستحضرون الحديث الذي يقول ” إذا كنتم ثلاثة فأمروا أحدكم “.
و لذلك فأدلجة الدين الإسلامي ليست من الدين الإسلامي في شيء، لأن الدين الإسلامي لم يأت من اجل السلطان، بل من اجل جعل الناس يعتنقونه و يعبدون الله بناء على شعائره، و يتشبعون بالقيم النبيلة التي ترفع مكانة الإنسان كما جاء في القرءان ” و لقد كرمنا بني آدم ” و التكريم لا يكون إلا بضمان العدالة الاقتصادية و الاجتماعية و الثقافية و المدنية و السياسية، و قيمة العدالة من القيم النبيلة التي جاء بها الدين الإسلامي. و نحن كمسلمين في تعاطينا مع الواقع في مختلف التشكيلات الاقتصادية و الاجتماعية نسعى باستمرار إلى تحقيق العدالة. و سنسعى إلى تحقيقها بمضامينها الحقيقية التي لا تتأتى إلا بتحقيق مجتمع ديمقراطي، و متحرر و عادل. لأن المجتمع المستبد و المستعبد و الذي يسود فيه الظلم و القهر، لا يمكن أن يعمل على تحقيق العدالة. و لذلك فالمسلمون الحقيقيون هم الذين يعملون على تجسيد القيم النبيلة المتمثلة في تحقيق الحرية و الديمقراطية و العدالة الاجتماعية، و عمل من هذا النوع و في هذا الاتجاه، يقتضي استحضار مواجهة مؤدلجي الدين الإسلامي الذين يسعون إلى تكريس الاستبداد القائم، و العمل على استئصال الممارسة الديمقراطية، و القضاء على إمكانية تحقيق الحرية و جعل الناس لا يفكرون في تحقيق العدالة الاجتماعية و مواجهة المؤدلجين تقتضي المعرفة العلمية الحقيقية بالدين الإسلامي، و بالشروط الموضوعية التي ظهر فيها، و بالتطور الذي عرفه مجتمع المسلمين منذ ظهور الإسلام و إلى يومنا هذا و باستغلال الدين الإسلامي في الأمور الإيديولوجية و السياسية، و بما يجب عمله لتجنب هذا الاستغلال الإيديولوجي و السياسي للدين الإسلامي. بالإضافة إلى المعرفة الكاملة بأساليب مؤدلجي الدين الإسلامي و بتأويلاتهم الإيديولوجية المختلفة. و العمل على تفنيذ تلك التأويلات حتى يتطهر الدين الإسلامي من الادلجة و يصير المسلمون أحرارا في دينهم منفتحين على الآخر و متفاعلين معه، و فاعلين فيه، منفعلين به في إطار التعاطي الجدلي معه، سعيا إلى جعل واقع المسلمين غير مختلف عن واقع الآخر، إن لم يكن افضل منه بالحرص على سلامة الدين من الادلجة و في نفس الوقت بالحرص على تحقيق الحرية و الديمقراطية و العدالة الاجتماعية التي هي أساس البناء و التطور السليمين للمسلمين و لواقعهم الاقتصادي و الاجتماعي و الثقافي و المدني و السياسي.
7) فهل هناك علاقة بين ادلجة الدين الإسلامي و الوصاية على هذا الدين ؟
و ما دام الدين الإسلامي خاليا من ادلجة الدين و ما دام خاليا من الرهبانية، و ما دام لا يقبل الوساطة بين الله و عبده، فإنه بالضرورة لا يقبل الوصاية على الدين الإسلامي، فإن علينا أن نعلم أن من يقوم بتلك الوصاية ليس إلا مؤدلجا للدين الإسلامي، لأن العلاقة بين ادلجة الدين و الوصاية عليه هي علاقة تطابقية و كل علاقة من هذا النوع لا تستهدف إلا تضليل المسلمين، و جعلهم يفقدون بوصلة التمييز بين حقيقة الدين الإسلامي و بين حقيقة ادلجة هذا الدين.
فمؤدلجو الدين لا يمكن أن يستمروا في ادلجتهم للدين ما لم يحرصوا على فرض تأويلاتهم التي تخدم مصالحهم الطبقية الاقتصادية و الاجتماعية و الثقافية و المدنية و السياسية، باعتبارها هي الدين نفسه، و جعل الناس يقتنعون بها على أنها كذلك، و اعتبار أصحاب تلك التأويلات الإيديولوجية قيمين عليها، و مرجعا يرجع إليه الناس في أمور دينهم ليصيروا بذلك موجهين للدين، و عاملين على جعل الناس ينساقون وراء شعاراتهم الإيديولوجية و السياسية. و الشروع في تنظيمهم و تجييشهم على هذا الأساس، و توظيفهم في أفق السيطرة على أجهزة الدولة لتجييش المجتمع ككل. و هذه المسألة لا تتم إلا بالتطابق بين ادلجة الدين من جهة، و بين الترهبن و بين الوصاية على الدين من جهة أخرى. ليصير التطابق بين ادلجة الدين و الوصاية عليه من باب تحصيل الحاصل. و هو ما يعني فضحه و تعريته، و إخضاعه للنقد و التشريح انطلاقا من الدين الإسلامي نفسه، وصولا إلى انعتاق الدين الإسلامي من الادلجة، و من الوصاية عليه حتى تتحرر معتقدات المسلمين من التحريف الذي يتسرب إلى الدين الإسلامي عن طريق الادلجة.
و الخلاصة التي نخلص إليها أن ادلجة الدين، و الوصاية على الدين وجهان لعملة واحدة. و هذه العملة هي تحريف الدين الإسلامي عن مقاصده الحقيقية المتمثلة في تحرير الإنسان من التبعية لغير الله لأنه ” من يتبع غير الإسلام دينا فلن يقبل منه و هو في الآخرة من الخاسرين “و في الإسلام لا وجود لشيء اسمه الادلجة، و لا وجود لشيء اسمه الرهبانية، و لا وجود لشيء اسمه الوصاية على الدين الإسلامي. لأن قيام هذه المسائل معناه أن الإسلام صار دينا آخر غير الإسلام، و هو ما تجب محاربته حتى لا يصير وسيلة لتضليل المسلمين عن واقعهم كما هو حاصل في بلدان المسلمين في هذا العصر الذي نعيشه.
8) فهل يملك المسلمون الحق في الاجتهاد في فهم الدين ؟
إن الذي يمكن أن نقف عليه بعد تحرر الدين من الادلجة و من الرهبنة، و من الوصاية على الدين أن المعتنقين للدين الإسلامي سيتحررون من التبعية لغير الله، و هم بذلك يملكون القدرة على التفكير و إعمال العقل في أمور دينهم و في الواقع في نفس الوقت. و يملكون الحق في نفس الوقت في الاجتهاد في فهم دينهم على حد قول الشاعر :
على قدر أهل العزم تأتي العزائم و تأتي على قدر الكرام المكارم
و الذي يعطي لكل مسلم هذا الحق هو اختلاف الشروط الموضوعية الاقتصادية و الاجتماعية و الثقافية و المدنية و السياسية التي يعيشها كل مسلم على حدة بالإضافة إلى الشروط الجغرافية، و التاريخية، و الذاتية التي ترجع إلى التفاوت في القدرات و في الإمكانيات الفكرية و الطبقية. و هذا الاختلاف في الشروط الموضوعية و الجغرافية و التاريخية و الذاتية هو الذي يؤدي بالضرورة إلى فهم مشروع مادام يخص صاحبه، و ما لم يتحول إلى ممارسة إيديولوجية و سياسية تستهدف تكريس الاستبداد بالمجتمع، أو العمل على فرض استبداد بديل. و الضرورة كما يقولون لا يرتفع عليها، و هي التي أعطتنا هذا الثراء الهائل من العطاء الفكري و النظري، و العملي لدى المسلمين الأوائل، و هو الذي أتاح الفرصة أمام ظهور ما صار يعرف بالمذاهب الأربعة التي تحولت إلى ممارسة إيديولوجية للعديد من دول المسلمين التي تفرض بالقوة الالتزام بمذهب معين على انه الإسلام مما يفرض الاجتهاد في فهم الإسلام من خلال ذلك المذهب المالكي أو الشافعي أو الحنبلي أو الحنفي. و هذا الاجتهاد أدى بدوره إلى وجود مذاهب فرعية داخل كل مذهب على حدة. و كأن ذلك المذهب هو الإسلام، و الواقع غير ذلك، فالإسلام كل و المذهب جزء، و الإسلام اصل و المذهب فرع. و لذلك فالمسلمون الحقيقيون هم الذين يرتبطون بالأصل و يعملون على فهمه انطلاقا من الشروط الذاتية و الموضوعية التي يعيشونها لأن ما صار يعرف بالمذاهب الإسلامية ليس إلا قوالب جاهزة جنت على الدين الإسلامي اكثر مما أفادت المسلمين الذين تمزقوا على المذاهب التي انغلقت على نفسها بإغلاق باب الاجتهاد بمعناه الواسع الذي يعطي لكل مسلم الحق في الفهم الخاص انطلاقا من الشروط الموضوعية كما يذهب إلى ذلك القرءان نفسه باعتباره اصح ما وصلنا. فقد جاء فيه “أفلا يتدبرون القرءان”. و جاء أيضا ” وفي أنفسهم، أفلا يبصرون”. و إغلاق باب الاجتهاد هو الذي أدى بالمسلمين إلى الدخول في دوامة الانحطاط الاقتصادي و الاجتماعي و الثقافي و الأدبي و العلمي و الفكري واعتماد سياط الاستبداد وسيلة لمنع الاجتهاد في فهم الدين الذي تحولت مذاهبه التي صارت تردد مقولاتها و كأنها قرءان، إلى مجرد إيديولوجيات للحكام الذين صارت لهم مصالح اقتصادية و اجتماعية و ثقافية و سياسية يريدون استدامتها بتأبيد الاستبداد، و منع أي فهم متطور للدين الإسلامي.
و لحد الآن، إذا استثنينا الاجتهاد في التأويل الإيديولوجي الظلامي المتطرف للنصوص الدينية الإسلامية فإن باب الاجتهاد الحقيقي الذي يصير من حق المسلمين جميعا على اختلاف ألسنتهم و ألوانهم غير موجود و هو ما يعني الاستمرار في التخلف أو العمل على فرض التخلف المضاد لصالح الطبقات الحاكمة في بلدان المسلمين، و خدمة للمراكز الرأسمالية العالمية أو سعيا إلى خدمة مصالح مؤدلجي الدين الإسلامي الساعين إلى الاستفراد بالسلطة، و فرض استبداد بديل. و لوصول المسلمين إلى مستوى استعادة امتلاك حقهم في الاجتهاد في فهم الدين، نرى انه من الضروري انخراط المسلمين في النضال من اجل الحرية بكل دلالاتها و أبعادها ومضامينها الاقتصادية و الاجتماعية و الثقافية و المدنية و السياسية حتى ينعتق المسلمون من التخلف، و ينطلقون في أفق الإبداع في مختلف المجالات الاقتصادية و الاجتماعية و الثقافية و المدنية و السياسية من اجل صياغة وجه جديد للمجتمع المتكون من المسلمين و غير المسلمين الذين يشملهم قول الرسول “لا فرق بين عربي و عجمي، و لا بين ابيض و اسود إلا بالتقوى ” و حينها سينطلق المسلمون أحرارا في فهمهم لدينهم ، و يقطعون الطريق أمام المتجرين و مؤدلجي الدين الإسلامي، و المتفيقهين و المدعين، و المتاجرين بالدين، و الموالين للطبقات الحاكمة في بلدان المسلمين، ليستعيد الدين الإسلامي بذلك عافيته التي تتجسد فيما جاء في القرءان “لا إكراه في الدين” لأن الله الذي بعث محمدا لم يكلف أي شخص أو أي نظام سياسي بالقيام بدور الشرطة الدينية التي أعطت لهؤلاء الحق لقطع العديد من الرؤوس باسم الدين في كل زمان، و في كل مكان. و يسعون إلى الاستمرار في ذلك مادامت البشرية على وجه الأرض.
و باستعادة الدين الإسلامي لعافيته ينطلق المسلمون في اتجاه التطور بكل أبعاده الاقتصادية و الاجتماعية و الثقافية و المدنية و السياسية، لأنهم بذلك يطرحون أرضا كل القوالب الجاهزة التي تقف سدا منيعا أمام إبداع المسلمين في فهم دينهم، و يذهب بذلك المتفيقهون، و المؤدلجون، و المدعون إلى الجحيم. أما الجنة فلا سبيل إليها بسبب تحريفهم للدين الإسلامي الذي يقودهم إلى عبادة الأشخاص أو الأحزاب التي يسمونها أحزابا دينية، لأن الله لا يقبل أن يعبد إلى جانبه شخص آخر أو حزب آخر باسم الدين كما جاء في القرءان ” إن الله لا يغفر أن يشرك به، و يغفر ما دون ذلك لمن يشاء ”
9 ) فهل يتم تجريم الوصاية الأيديولوجية على الدين الإسلامي ؟
إن الطبقات الحاكمة في بلدان المسلمين تعرف جيدا إنها تؤدلج الدين الإسلامي لاعطاء الشرعية الدينية لنفسها، و لذلك لا نستغرب إذا وجدنا أنها لا تعمل على تجريم ادلجة الدين. لأن ذلك يقتضي أن تتخلى هذه الطبقات الحاكمة على ادلجتها للدين الإسلامي و أن تعترف أمام شعوب المسلمين بممارستها لتلك الادلجة لمدة غير قصيرة. و أن تلك المدة كافية لانتاج أجيال من المؤدلجين للدين الإسلامي الذين تستأجرهم الطبقات الحاكمة، أو يسعون إلى الحلول محلها بقيامهم بالادلجة المضادة.
و لفرض تخلي الطبقات الحاكمة عن ادلجتها للدين في بلدان المسلمين، و تجريم كل من يسعى إلى ذلك من اجل الوصول إلى السلطة لابد أن تتحمل الحركة التقدمية و الديمقراطية مسؤوليتها في قيادة النضال الديمقراطي من اجل فرض دساتير ديمقراطية في مجموع بلدان المسلمين، و انتخاب مؤسسات تمثيلية تعكس إرادة شعوب المسلمين، لفرز حكومات تمثل أغلبية تلك المؤسسات حتى يتأتى قيام تلك الحكومات بفرض ديمقراطية حقيقية من الشعب و إلى الشعب سعيا إلى فرض توزيع عادل للثروة في كل بلد من بلدان المسلمين، و توفير إمكانية تقديم الخدمات الاجتماعية لجميع المواطنين على أساس المساواة فيما بينهم بما في ذلك توفير الشغل لجميع العاطلين كل حسب ما يتوفر عليه من مؤهلات لجعل الجميع يساهم في بناء الاقتصاد الوطني. و العمل على إيجاد ثقافة ديمقراطية تتكافأ فيها الفرص أمام قيام ديمقراطية حقيقية في العلاقة بين مختلف المكونات الثقافية التي تزخر بها الساحة الثقافية في كل بلد من بلدان المسلمين. بالإضافة إلى العمل على تحقيق المساواة فيما بين الناس في الحقوق و الواجبات، و أمام القانون كما يقضي بذلك الدين الإسلامي “لا فرق بين عربي و عجمي و لا بين ابيض و اسود إلا بالتقوى” و كما تقضي يذلك المواثيق الدولية المتعلقة بحقوق الإنسان، و كما يجب أن تقضي به الدساتير الديمقراطية. و بعد ذلك فليكن الدين لله، و لتكن الدولة للبشر، و من شاء أن يخلط بين الدين و الدولة فمآله الخسران كما يقولون، لأنه سيكون قد ارتكب جريمة في حق الإنسانية. و القانون المتبع في كل بلد من بلدان المسلمين يجب أن ينص على هذه الجريمة و على مستوياتها و على وسائل ردعها، و على عقاب كل مستوى على حدة، حتى يرتدع مؤدلجوا الدين و يمسكوا عن ممارستهم التي تقود إلى السعي إلى إقامة الدولة الدينية التي تقف وراء فرض الاستبداد على بلدان المسلمين.
و الطبقات الحاكمة في بلدان المسلمين التي تدعي تقويض الله لها في الحكم في الأرض لا يمكن أن تفكر في تجريم الوصاية على الدين الإسلامي، و من يسعون إلى العمل من اجل فرض استبداد بديل يعتبرون أن من حقهم الوصاية على الدين الإسلامي، و من سواهم من التقدمييين و الديمقراطيين لازالوا بعيدين عن أن يقوموا بالدور الإيجابي لصالح تجريم الوصاية على الدين الإسلامي. و لذلك، فالتجريم الذي يستهدف الوصاية على الدين الإسلامي، لازال بعيد التحقق، و النضال من اجل الديمقراطية لازال طريقه طويلا، و هو غير وارد في معظم بلدان المسلمين لأن هذا النضال يعتبر جريمة في العديد منها. و هو ما يعني استمرار الطبقات الحاكمة في استبدادها و في وصايتها على الدين الإسلامي، و في إنتاج الأوصياء الجدد على الدين الإسلامي، ليستمر ارتكاب الجرائم ضد الإنسانية،و لينتفي بذلك كون الدين الإسلامي جاء هدى و رحمة للناس جميعا، و ليتحول إلى إيديولوجية و إلى مجرد شعارات سياسية تعمل على قولبة الواقع و التحكم في حركته و توجيه تلك الحركة لخدمة مصالح الطبقات الحاكمة في كل بلد من بلدان المسلمين، و لاعطاء الفرصة للأدعياء الجدد المتفيقهين المؤدلجين للدين الإسلامي للسعي إلى فرض استبداد بديل كما يحصل في كل بلدان المسلمين، و في غير بلدان المسلمين.
و نظرا لأن الوصاية على الدين الإسلامي صارت بغير حق من باب تحصيل الحاصل، خلافا لما هو منصوص عليه في القرءان و في الحديث. كما رأينا ذلك في الفقرات السابقة، فإنه يصير من حقنا أن نتساءل :
10) هل من حق الأوصياء على الدين الإسلامي منع المسلمين من إبداء رأيهم في الأمور الدينية ؟
إن مبرر الوصاية ليس هو طبيعة الدين الإسلامي الذي يعطي الحق لجميع المسلمين في الاجتهاد في فهم النصوص الدينية، و في الاجتهاد في الممارسة الدينية في نفس الوقت. و هو ما يبرر إبداء الرأي في الأمور الدينية، لأن الاجتهاد ليس في نهاية المطاف إلا إبداء للرأي في أمور الدين الإسلامي، و الكتب الدينية التاريخية مليئة بمثل تلك الاجتهادات، و أخبار مسلمي القرون الأولى من تاريخ المسلمين تروي الكثير من الأحداث التي تؤكد ذلك. غير أن ظهور الجماعات المؤدلجة للدين الإسلامي لخدمة مصالحها الطبقية، فرض حرص كل طبقة على حدة على حماية تأويلاتها حتى لا تتحول إلى شيء غير مقبول و غير فاعل في الواقع الاقتصادي و الاجتماعي و الثقافي و المدني و السياسي. و الوصاية بالنسبة إلي هؤلاء المؤدلجين ليست هي عدم الاجتهاد في فهم الدين بقدر ما هي المراقبة الدائمة و المعمقة للتأويلات الإيديولوجية التي تحكم خدمة مصالحهم في جعل جميع أفراد المجتمع يخدمون تلك المصالح، و وصاية من هذا النوع تختلف من جماعة إلى جماعة أخرى، كما تختلف بالنسبة للدول المؤدلجة للدين الإسلامي من دولة إلى دولة أخرى، و كل جهة تحاول أن تعمم وصايتها على جميع أفراد المجتمع. و إذا تعارض فهم المسلمين للدين مع تلك الوصاية، فإن المسلمين المخالفين لمقتضيات تلك الوصاية يصيرون مستهدفين بفتاوى التكفير، و الوصف بالفسق و غير ذلك من النعوت التي لا يتوانى مؤدلجو الدين الإسلامي عن وصف المسلمين بها قصد الترهيب، ثم الترغيب في الالتحاق بالجماعة. و إلا فإن حكم القتل سيصدر فيه لمخالفته لما يريد الأوصياء تسميته ب “الشريعة الإسلامية” و هو في الواقع ليس إلا تأويلات إيديولوجية للدين الإسلامي. و إذا أدرك المسلمون انطلاقا من وعيهم الاقتصادي و الاجتماعي و الثقافي و السياسي للواقع. و انطلاقا أيضا من وعيهم بحقيقة الدين الإسلامي الذي ينبذ الوصاية على العلاقة بين المسلم و بين فهمه لدينه، و إلا فإن هؤلاء المسلمين يستطيعون التمييز بين الدين الإسلامي الذي ينبذ الوصاية، و يمكنهم من الحق في إبداء رأيهم في الأمور الدينية، و في الممارسة الدينية ككل. هل هي مطابقة للدين ؟ و هل هي مخالفة لحقيقته ؟ و هل هي دخيلة عليه ؟ و هل هي تدخل في إطار الممارسة الإيديولوجية أم أنها لا علاقة لها بتلك الممارسة ؟ و من هي الجهة التي تقوم بأدلجة الأمور الدينية ؟ و من هي الجهة التي تقاوم تلك الادلجة ؟ و ما هو الموقف الذي يجب اتخاذه تجاه المؤدلجين؟ و ما العمل من اجل انعتاق الدين من الادلجة ؟ و ما هو دور المسلمين في التصدي لتلك الادلجة؟
و لذلك فالمسلمون يستطيعون الوقوف على حقيقة أن الوصاية على الدين الإسلامي ذات مصدر تأويلي إيديولوجي. و بالتالي فكل، من يسعى إلى فرض تلك الوصاية يسعى في نفس الوقت إلى منع المسلمين من إبداء رأيهم في الأمور الدينية حتى لا يظهر إلى السطح ما يتناقض مع تلك الادلجة، و ما يعمل على نقضها. ليصيروا المستفيدين الوحيدين من الوصاية على الدين الإسلامي، و في نفس الوقت من منع المسلمين من إبداء رأيهم في الأمور الدينية. و تكون النتيجة هي استمرار المسلمين فيما صار يعرف بالجمود العقائدي مما يجعلهم يعيشون خارج عصرهم. كما يستطيعون الوقوف على حقيقة الدين الإسلامي التي تعطي لكل مسلم الحق في المعرفة، و تحثه على التفكير في الواقع، و في النص الديني في نفس الوقت ” و في أنفسكم أفلا تبصرون” ” أفلا يتدبرون القرءان”، و إعمال الفكر في الواقع و في النص الديني ليس إلا مدعاة لإبداء الرأي في الأمور الدينية. و انطلاقا من هذا التمييز الموضوعي للطبيعة الإيديولوجية للوصاية، وبين حقيقة الدين الإسلامي، فإن الأوصياء لا يكونون كذلك إلا على تأويلاتهم الإيديولوجية للدين الإسلامي، تلك التأويلات التي تدخلهم في متاهة تحريف مقاصد الدين الإسلامي. أما منع المسلمين من إبداء رأيهم في الأمور الدينية فإن ذلك ليس من حقهم، لأنهم ليسو أوصياء على الدين الإسلامي، و بهذا التمييز الواضح، و الموضوعي يمكن القول بأن إبداء الرأي في الأمور الدينية حق لكل المسلمين في مشارق الأرض و مغاربها، نظرا لاختلاف الشروط الموضوعية التي يعيشها المسلمون، و التي تفرض ملاءمة فهم الدين الاسلامي معها سعيا إلى اعتبار الدين الإسلامي صالحا لكل زمان و مكان كما يقولون، و صلاحيته لا تأتي من خلال التعامل معه كقوالب جاهزة بقدر ما تأتي عن طريق جعله متلائما مع الواقع المختلف، و بالمرونة اللازمة المرتبطة بالدين الإسلامي، و كل تصور يدعو إلى جعل المسلمين يتوقفون عن إبداء رأيهم في الأمور الدينية. ما هو إلا ممارسة إيديولوجية من جهة، و خرق جسيم في حق المسلمين الذي يمكن اعتباره من الخروقات الجسيمة المرتكبة في حق الإنسانية، و خرق من هذا النوع يفترض التصدي له من اجل حماية حق المسلمين في إبداء رأيهم في الأمور الدينية التي تخصهم في مكانهم و زمانهم، و قطعا للطريق أمام مؤدلجي الدين الإسلامي الساعين إلى فرض الوصاية على الدين مما يجعلنا نطرح السؤال التالي :
11) و هل تصح الوصاية على الدين الإسلامي من وجهة نظر إيديولوجية ؟
إن الذي نعرفه عن الإيديولوجية أنها التعبير بواسطة الأفكار عن مصالح طبقية معينة، و ما دام الأمر كذلك، فإننا نجد أن الإيديولوجيات تختلف باختلاف الطبقات، كما نعرف أن الطبقات الوسطى من المجتمع لا تملك إيديولوجية معينة لأنها ليست طبقات رئيسية في التشكيلة الاقتصادية و الاجتماعية القائمة. و لذلك فهي تستعير أيديولوجيتها من الإيديولوجيات المختلفة و المتناقضة أحيانا، كما هو الشأن بالنسبة للبورجوازية الصغرى في المجتمع الرأسمالي التي تتركب إيديولوجيتها من إيديولوجية البورجوازية و من إيديولوجية الطبقة العاملة، و من إيديولوجية الإقطاع المتخلف. و هذا التنوع الإيديولوجي في تركيبة إيديولوجية البورجوازية الصغرى هو المعبر الفعلي عن طبيعتها الانتهازية حتى لا تتصنف مع البورجوازية المستفيدة من استغلال الطبقة العاملة و سائر الكادحين. و لا مع الطبقة العاملة حتى تتجنب الاستغلال الذي يلاحقها في كل مواقع الإنتاج الاقتصادي ، و حتى لا تتعرض إلى الملاحقة التي يتعرض لها قادة الطبقة العاملة. و بالنسبة إلى مجتمعات المسلمين فإن هذه الطبقة أعفت نفسها و بصفة نهائية من القيام بالتوليفة الإيديولوجية، لأنها وجدت ضالتها في العمل على ادلجة الدين الإسلامي باعتباره دينا للناس جميعا، حتى تكون تلك الادلجة وسيلة لاستقطاب جميع الطبقات الاجتماعية إلى حزب البورجوازية الصغرى حتى يصير حزبا “دينيا”.
و نحن في مناقشتنا لهذه الممارسة الإيديولوجية سننطلق من أن الدين الإسلامي هو دين الناس جميعا ” لا فرق بين عربي و عجمي، و لا بين ابيض و اسود إلا بالتقوى” و لذلك نجد في القرءان ” يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها و بث منهما رجالا كثيرا و نساء و اتقوا الله الذي تساءلون به و الأرحام، إن الله كان عليكم رقيبا” و نجد فيه أيضا “و أذن في الناس بالحج” و غيرها من الآيات التي يمكن التعامل معها على أنها تؤكد ما ذهبنا إليه من أن الدين الإسلامي هو دين الناس جميعا، و ليس دين قوم معينين، و لا دين حزب سياسي معين كما يحاول مؤدلجو الدين اقناع المسلمين بذلك.
و لذلك فمؤدلجو الدين الإسلامي، لا يصح أن يمارسوا الوصاية على الدين الإسلامي، لأن الوصاية لله وحده و لا حق لأحد بعد موت الرسول أن يقدم لنا أي تأويل يرتفع إلى مستوى قداسة الوحي. لأن الله نزل في القرءان قوله ” انا نحن نزلنا الذكر، و انا له لحافظون” و كلمة الذكر هنا تعني القرءان، و يمكن أن نعمم مدلولها لنفهم منه معنى الدين الإسلامي، باعتبار القرءان مصدر هذا الدين.
و ما يقوم به مؤدلجوا الدين الإسلامي من وصاية عليه، و كما أشرنا إلى ذلك في الفقرات السابقة ليس إلا وصاية على التأويلات الإيديولوجية التي ينتجونها انطلاقا من مصلحتهم الطبقية، و انطلاقا من مصلحة الطبقة الحاكمة في حالة موالاتهم لها، و انطلاقا من حرصهم على فرض الاستبداد البديل بكل مجتمع من مجتمعات المسلمين، و العمل على إزالة استبداد الطبقات الحاكمة. و لذلك نجد أن عدد الأوصياء على التأويلات الإيديولوجية للدين الإسلامي بعدد التيارات و الأحزاب و الدول المؤدلجة للدين الإسلامي وغايتهم من تلك الوصاية ليست هي حفظ التأويلات الإيديولوجية كما قد يتوهم المنخدعون بأدلجة الدين الإسلامي. بل هي حفظ مصالحهم الطبقية التي تقتضي إعادة النظر في تلك التأويلات التي لا علاقة لها بحقيقة الدين الإسلامي. و انطلاقا من هذا الفهم الذي تكون عندنا لظاهرة ادلجة الدين، فإن الوصاية الإيديولوجية على الدين الإسلامي هي جريمة ضد الإنسانية. لأن المؤدلجين لهذا الدين يقدمون الدين الإسلامي على انه مجرد أيديولوجية. و بالتالي، فإنه يتحول بسبب ذلك إلى عامل من عوامل شيوع الإرهاب المادي و المعنوي في الواقع الاقتصادي و الاجتماعي و الثقافي و المدني و السياسي. و الإرهاب ليس من خاصيات الدين الإسلامي بقدرما هو من خاصيات ادلجة الدين الإسلامي، لأن الإرهاب و الإيديولوجية الدينية متلازمان. و مادام الدين الإسلامي بريئا من الإيديولوجية. فإن الوصاية عليه من قبل المؤدلجين لهذا الدين يجب أن تكون غير واردة. و على المسلمين الحقيقيين أن يعملوا على مقاومتها، و استئصالها من هذا الدين الذي جاء للناس جميعا كما أشرنا إلى ذلك في الفقرات السابقة، حتى لا يتحول إلى دين بعض المؤدلجين الذين يعتبرون أنفسهم ينوبون عن الله في الأرض من اجل صيرورته دين الحرية و الإخاء و المحبة، و التعاون، و التشبع بالقيم النبيلة التي يزخر بها القرءان كنص يعتبر المصدر الرئيسي و الأساسي المعتمد في معرفة حقيقة الدين الإسلامي حتى يصير متميزا بقيمه عن ادلجة الدين، و هذا ما يجب أن يقوم به المسلمون المالكون للوعي بحقيقة الدين، و الوعي بتحولات الواقع في نفس الوقت.
و ما قادنا إليه التحليل يستوجب طرح السؤال التالي :
12) هل يفرض مؤدلجو الدين الإسلامي الوصاية عليه لتكريس الاستبداد ؟ أم لفرض استبداد بديل ؟
فإذا أثبتنا أن الوصاية على الدين الإسلامي عن طريق ادلجة الدين الإسلامي غير واردة في الدين الإسلامي، و وصلنا إلى أن من واجب المسلمين الدخول في مواجهة هذه الوصاية فإن الغاية التي ينشدها مؤدلجو الدين الإسلامي تتحدد من خلال تكريسهم لأدلجة الدين الإسلامي.
فالمؤدلجون الذين لا يسعون إلا إلى حفظ مصالحهم الطبقية فإن غايتهم من ادلجة الدين الإسلامي رهينة بحفظ تلك المصلحة التي تتلون بتلون شخصيات أولئك المؤدلجين و قد تختلف تلك المصلحة من مؤدلج إلى مؤدلج لكون هذا النوع من المؤدلجين لا ينتظمون في تيار معين، أو في حزب سياسي. و لذلك فهؤلاء سرعان ما يتخلون عن ادلجة الدين الإسلامي إذا تبين لهم أنها لم تعد تخدم تلك المصلحة.
و وجود من هذا النوع من المؤدلجين يرتبط بانتشار الأمية في مجتمع معين من مجتمعات المسلمين، و وجودهم مرتبط باستمرار تلك الأمية. أما إذا انتشر التعليم و صار الناس يمتلكون قسطا مهما من المعرفة، فإن هؤلاء المؤدلجين يصيرون متجاوزين، و تصير أهميتهم غير واردة.
و انطلاقا من هذه الخاصية التي يتميز بها هؤلاء المؤدلجون فإننا نجد انهم لا يشكلون خطورة على الدين الإسلامي لأنهم ليسو منظمين، و لا يسعون إلى تكريس الاستبداد القائم في المجتمع، كما انهم لا يسعون إلى فرض استبداد بديل.
أما المؤدلجون الموالون للطبقات الحاكمة، فإنهم يتفرغون إلى عملية الادلجة مقابل ما يتلقونه من تلك الطبقات فيسعون إلى تأويل جميع النصوص الدينية لإعطاء الشرعية الدينية الإسلامية لحكم هذه الطبقات حتى يعتبره الناس حكما إسلاميا، و حتى تصير الدول القائمة على بلدان المسلمين على يد هؤلاء المؤدلجين دولا إسلامية، و الطبقات الحاكمة تحرص على إكساب مؤدلجيها مكانة خاصة في مجتمعات المسلمين عن طريق تستمية “علماء المسلمين” و دعمهم في إنشاء منظمات تخصهم لتبادل الرأي و الاستفادة من خبرة بعضهم البعض، حتى يتمكنوا من أداء المهام الموكولة إليهم طبقا لما تقتضيه مصلحة الطبقات الحاكمة و ما تقتضيه مصلحة مؤدلجي الدين الإسلامي الموالين لها من ضمان شرعية كونهم علماء و لضمان الشرعية الدينية لحكم الطبقات الحاكمة حتى يعتبر الناس ذلك الحكم حكما من عند الله. و ما يقوم به هؤلاء المؤدلجون، لا يمكن اعتباره من الدين الإسلامي في شيء، لأنه يخرق المقاصد التي جاء من اجلها الإسلام و لتصير مقاصد الطبقات الحاكمة في بلدان المسلمين مقاصد إسلامية، و لجعل الناس يعتقدون أن الله هو الذي اختار الحكام، و أي مس بهم لا يمكن اعتباره إلا إساءة للدين الإسلامي. و هذه الممارسة لا يمكن أن تعتبر إلا مدخلا لتحويل الدين الإسلامي من دين التوحيد إلى دين الشرك بالله، مما يجعله مخالفا لمنطوق قول الله ” و أن المساجد لله فلا تدعو مع الله أحدا” و قوله ” و من يبتغ غير الآلام دينا فلن يقبل منه، و هو في الآخرة من الخاسرين” و مخالفته تقتضي اعتبار ممارسة هؤلاء المؤدلجين دعوة للشرك بالله. و لذلك فما يهم هؤلاء هو توظيف الدين الإسلامي لتأبيد استبداد الطبقات الحاكمة في بلدان المسلمين بشعوب المسلمين.
و فيما يخص المؤدلجين الساعين إلى الوصول إلى السلطة فإن وصايتهم على الدين الإسلامي لا تهدف إلى حمايته بقدر ما تهدف إلى استغلاله إيديولوجيا و سياسيا من اجل السيطرة على أجهزة السلطة، و القضاء على الاستبداد القائم و العمل على فرض استبداد بديل له و اكثر شراسة منه. لأن تأويلات هؤلاء المؤدلجين و من هذا النوع لا يمكن أن تكون إلا مغرقة في الظلامية. و إذا كان مؤدلجو الطبقات الحاكمة يجعلونها مقدسة و شريكة لله في التقديس، فإن هؤلاء يتخذون لهم أمراء يحظون بنفس درجة القداسة التي تخص الله فيصيرون شركاء له في العبادة. الأمر الذي يتنافى مع حقيقة الإسلام، و مع ما جاء في القرءان في هذا الشأن، و الذي يميز هذا النوع من المؤدلجين هو شدة ظلاميتهم، و حرصهم بكل الوسائل مهما كانت دنيئة و منحطة على الوصول إلى السلطة بدعوى إقامة الدولة الإسلامية، التي تعمل على تطبيق الشريعة الإسلامية، و لجوءهم إلى ادلجة الدين الإسلامي و تحويل نصوصه إلى مجرد شعارات سياسية ليس إلا استغلالا منحطا للدين الإسلامي من اجل الوصول بالمسلمين إلى درجة من الانحطاط و التخلف لا يستطيعون معها رفع الرأس أبدا. و إلا فإنهم سوف يتحولون إلى كفار و ملاحدة يستحقون القتل لتطهير مجتمعات المسلمين من كل من يرفض أن ينساق وراء هؤلاء المؤدلجين الذين يسعون إلى فرض استبداد بديل.
و هذه الأنواع الثلاثة التي أدرجناها أعلاه هي التي تسيء باستمرار إلى الدين الإسلامي، و هي التي تستغل هذا الدين، و تسعى إلى توظيفه للمصلحة الخاصة أو لاعطاء الشرعية الدينية للطبقات الحاكمة، أو لفرض استبداد بديل للاستبداد القائم.
ففرض الوصاية على الدين الإسلامي إذن لا تكون إلا بغرض ادلجته، و ادلجته لا تكون إلا بغرض استغلاله، و استغلاله يحوله إلى دين منحرف عن مقاصده. و هذا الانحراف هو الذي يفرض أن يكون للمسلمين رأي فيه حتى يساهموا من قريب أو من بعيد في مناهضة تحريف الدين الإسلامي عن مقاصده. و هذا الفرض هو الذي يجعلني شخصيا، و كمسلم أتساءل :
13) ألا يحق لي أن يكون لي فهمي الخاص للدين الإسلامي، نابع من قناعتي بمرونة هذا الدين، و تفاعله مع مختلف المستجدات التي تفرض تلك المرونة ؟
إنني كمسلم، و بحكم قراءتي للقرءان، و اطلاعي على السيرة و وقوفي على الأحاديث، و من خلال اطلاعي على تأويلات مؤدلجي الدين الإسلامي القدماء و المحدثين على السواء و التي يحاولون تأميم المجتمع بواسطتها، فإنني أرى أن من حقي أن يكون لي فهمي الخاص الذي ينسجم مع طبيعة الدين الإسلامي نفسه. و الفهم الخاص ليس هو التأويل الإيديولوجي الذي لا يعني إلا إعادة صياغة النص الديني عن طريق التأويل المقصود حتى ينسجم مع المصالح الطبقية للجهة التي تقود عملية التأويل لأن الفهم الخاص هو نتاج تفاعل النص مع الواقع الذي أعيشه على جميع المستويات الاقتصادية و الاجتماعية و الثقافية و المدنية و السياسية. بينما نجد أن التأويل الإيديولوجي ليس إلا إعداد القوالب الإيديولوجية الجاهزة حتى يتم العمل على إدخال الواقع فيها حتى يتناسب مع خدمة المصالح الاقتصادية و الاجتماعية و الثقافية و السياسية لمؤدلجي الدين سعيا إلى تأبيد سيطرة الطبقات الحاكمة في بلدان المسلمين المستفيدة من تلك الادلجة، أو سعيا إلى الوصول إلى السيطرة على أجهزة الدولة لفرض استبداد بديل. و أنا بقدر إيماني بالدين الإسلامي، أومن كذلك بحركة الواقع التي لا يمكن إيقافها و التصدي لها لأنها مرتبطة بحاجيات الإنسان المساهم في تنشيط تلك الحركة، و المكمل لها ما دام يسعى باستمرار إلى جعل الواقع يخدم مصالحه باستمرار من خلال آليات العمل المنتج من جهة، و إلى ممارسة الصراع الطبقي في مستوياته المختلفة ذلك الصراع الذي حول التشكيلة الاقتصادية – الاجتماعية المشاعية، إلى تشكيلة إقطاعية ثم إلى تشكيلة رأسمالية في أفق تحولها إلى تشكيلة اشتراكية، دون إغفال التحولات التي تقتضيها خصوصيات معينة. فلولا حركة الواقع، ما كان هناك أبدا ما يجعل التشكيلة الاقتصادية الاجتماعية تتغير، و لا اعتقد أبدا أن الدين الإسلامي كان في يوم من الأيام ضد حركة الواقع، و ضد انتقال المجتمعات البشرية من تشكيلة إلى أخرى. لأن ذلك الانتقال ليس له علاقة بالدين الإسلامي، بقدر ما له علاقة بعمل الإنسان و تطور ذلك العمل بتطور مؤهلات الإنسان، و بتطور وسائل العمل في نفس الوقت.
و أنا عندما أومن بالدين الإسلامي و بحركة الواقع في نفس الوقت، و عندما احرص على إن ألم بالدين الإسلامي ما أمكن، و بحركة الواقع كذلك، فلأنني أحاول أن انسج فهمي الخاص للدين الإسلامي الذي لا أرى انه دين جامد إذا استثنينا ثوابته، بل هو دين مرن، قادر على استيعاب كل المستجدات التي لا تتناقض مع القيم النبيلة التي جاء بها. أما المستجدات التي تتناقض معها، فإنها في نفس الوقت تكون مضرة بالإنسان و بالواقع، و معرقلة للتطور، و مساهمة في تكريس التخلف على جميع المستويات. و إلا فما معنى قول الرسول “من سن سنة حسنة فله اجرها، و اجر من عمل بها إلى يوم القيامة، و من سن سنة سيئة فعليه وزرها و وزر من عمل بها إلى يوم القيامة”. و مرونة الإسلام لا تعني إلا السعي الدؤوب في القيام بالعمل الإيجابي لصالح الإنسان، و هذا العمل الإيجابي ليس إلا سنة حسنة. أما العمل السلبي الذي يضر الإنسان فليس إلا سنة سيئة. فالدفع في اتجاه تحقيق الحرية و الديمقراطية و العدالة الاجتماعية ليس إلا سنة حسنة. و العمل على القضاء على العبودية كما فعل الرسول و الصحابة و التابعون الأوائل ليس إلا سنة حسنة. و العمل على انتقال المجتمعات البشرية من تشكيلة اجتماعية متخلفة إلى تشكيلة اجتماعية متطورة ليس إلا سنة حسنة. أما العمل على إعداد قوالب إيديولوجية جاهزة عن طريق ادلجة الدين الإسلامي فيدخل في إطار السنة السيئة. لأن تلك القوالب تعمل على عرقلة التطور و تتسبب في إنتاج الإرهاب و الإرهابيين الذين يعملون على تخريب المجتمع على جميع المستويات بما في ذلك إزهاق الأرواح و تدمير البنايات، و تخريب القيم النبيلة التي جاء بها الإسلام. و معلوم حسب ما جاء في القرءان أن الناس يجدون يوم القيامة أفعالهم مدونة من اجل محاسبتهم عليها أمام الله “فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره، و من يعمل مثقال ذرة شرا يره”.
و انطلاقا من فهمي الخاص للنص الديني المحكوم بالشروط الذاتية و الموضوعية التي أعيشها، فإنني أرى أن ما يقوم به المتفيقهون المدعون المؤدلجون للدين الإسلامي الساعون إلى تأبيد سيطرة الطبقات الحاكمة في بلدان المسلمين، أو الساعون إلى فرض استبداد بديل عن طريق السيطرة على أجهزة السلطة ليس إلا سنة سيئة لأنها تنتج الاستغلال الإيديولوجي و السياسي للدين الإسلامي، و تقحم الدين الإسلامي في أمور لا علاقة له بها، و تحوله إلى دين التعصب و التكفير مخالفين بذلك ما جاء في القرءان “لا إكراه في الدين” و “إن مع العسر يسرا إن مع العسر يسرا” و ما جاء به الحديث “المسلم من سلم المسلمون من لسانه و يده” و “والله لا يومن، و الله لا يومن قيل من يا رسول، قال الذي لا يأمن جاره بوائقه ” و هؤلاء المتفيقهون المدعون المؤدلجون للدين الإسلامي لا يسلم المسلمون من ألسنتهم و أيديهم، بل من تفجيراتهم الانتحارية. و لذلك يمكنني القول و انطلاقا من هذا الفهم الذي تكون عندي. أن هؤلاء ليسوا مسلمين مادم المسلمون لا يسلمون من ألسنتهم و أيديهم. و لذلك فأنا لا أذعن أبدا لتأويلاتهم و لادعاءاتهم. و اعتبر أن من حقي كمسلم، أن يكون لي فهمي الخاص للدين الإسلامي مادام ذلك الفهم لا يسيء إلى جوهر الدين الإسلامي على خلاف ادلجة الدين الإسلامي التي أساءت إلى الدين الإسلامي كثيرا، لأنها تعمل على تحريفه عن مقاصده الحقيقية من اجل تحقيق مقاصد أخرى لا علاقة لها بالدين الإسلامي.
14) فما الذي يجعل الدين الإسلامي مرنا ؟ ألا يعتبر التمييز بين الثابت و المتحول شرطا في مرونته ؟
إننا بتناولنا لمرونة الدين الإسلامي يجب في البداية أن نسجل أن المرونة هي من طبيعة الدين الإسلامي، و أن هذه المرونة هي التي وقفت وراء اقتناع الناس به، و انتشاره في آفاق الأرض. فقد جاء في القرءان ” إن مع العسر يسرا، إن مع العسر يسرا” و جاء فيه أيضا ” إن الله لا يغفر أن يشرك به و يغفر ما دون ذلك لمن يشاء “.
و الذين يتعاملون مع الدين الإسلامي على انه دين التشدد هم أولئك الذين يعملون على ادلجته، و يسعون إلى تحويل نصوصه إلى مجرد شعارات إيديولوجية و سياسية تخدم مصالحهم الطبقية، أو مصالح الطبقات الحاكمة في بلدان المسلمين المستفيدة من ادلجة الدين الإسلامي، أو مصالح الساعين إلى السيطرة على أجهزة الدولة لأجل فرض استبداد بديل، و التشدد في الواقع لا يوجد في النص الديني بقدر ما يوجد في التأويلات التي يفرضها مؤدلجوه بقوة السيف لكون الناس لا يقتنعون بها بسهولة.
و الدين الإسلامي في نظر هؤلاء المؤدلجين ثابت لا يتغير أبدا في عقيدته، و لا في شريعته، و هذا الثبات لا يتغير مع تغير الزمان و المكان، و لا مع التطور الاقتصادي و الاجتماعي و الثقافي و المدني و السياسي القائم في الواقع، و لا مع شعار “الإسلام صالح لكل زمان و مكان”. مما يقتضي وجود المرونة التي تجعل الدين الإسلامي كذلك، و هذه المرونة تقتضي التمييز بين الثابت و المتحول. فالثابت ما يفترض قيامه في كل زمان و في كل مكان، كالشهادتين، و الصلاة و الزكاة و الصوم و الحج، و هو الذي تصح تسميته بالأركان التي يقوم عليها الدين الإسلامي. و هذا الثابت نفسه يخضع للتحول بسبب اختلاف الفهم من زمن إلى آخر، و من مكان إلى آخر. بل و من شخص إلى آخر نظرا لاختلاف الشروط الموضوعية التي يخضع لها الأفراد، و تخضع لها الجماعات، بالإضافة إلى اختلاف الشروط الذاتية. و تبعا لذلك فالقبلة واحدة، و لكن توجهها مختلف من مكان إلى آخر، و رمضان واحد و لكن زمنه مختلف، و الحج واحد، و لكن زمنه أيضا مختلف، و هكذا، بمعنى أن ما يفترض فيه أن يكون ثابتا في الدين الإسلامي يصير متغيرا بالنسبة إلى الزمان و إلى المكان. و إذا استحضرنا الاختلافات القائمة في الفهم من مذهب إلى مذهب ديني آخر، و من مسلم إلى مسلم آخر. سنجد أن الدين الإسلامي لا يعرف شيئا ثابتا مطلقا. و هذه الخاصية هي التي تفرض استحضار المرونة حتى في ثوابته، و إلا فإننا سنعمل على تحويله إلى دين متشدد. و هذا التشدد هو الذي يسعى إلى تعميمه على كل ما له علاقة بالدين الإسلامي هؤلاء المتفيقهون المدعون العاملون على ادلجة الدين الإسلامي وصولا إلى فرض تحويله إلى مجرد قوالب جاهزة يتم تفصيل الواقع على مقاسها من اجل أن يتمكنوا من إعداد المجتمع إلى قبول فرض استبداد بديل على انه هو الدين الإسلامي.
و بالنسبة للمتحول في الدين الإسلامي، فهو الشريعة الإسلامية لعلاقتها بالواقع اليومي لمجتمعات المسلمين التي تعرف تحولات شريعة تقتضي إعادة النظر في الأحكام الفقهية التي يطلق عليها الشريعة الإسلامية. لأن الأحكام التي وردت في الكتاب أو في السنة، أو استنبطها العلماء/الفقهاء بناء على ما ورد في الكتاب و السنة، أو بالقياس، أو الاجتهاد كانت محكومة بشروط معينة، و هذه الشروط غير ثابتة. و ما دامت كذلك فإن العمل بتلك الأحكام لا يعني إلا إعادة التاريخ إلى الوراء على جميع المستويات الاقتصادية و الاجتماعية و الثقافية و المدنية و السياسية. و لذلك كان لابد أن يعاد النظر في تلك الأحكام الفقهية انطلاقا من الشروط المتحولة باستمرار، و كلما دعت الظروف إلى ذلك سعيا إلى تحقيق مقاصد الدين الإسلامي المؤدية بالضرورة إلى حفظ كرامة الإنسان في مستوياتها المختلفة. و قد كان المفروض أن تكون إعادة النظر حاضرة في جميع الأحوال و على مدى الزمن، و بسبب اختلاف المكان حتى يكون الدين مرنا، و صالحا لكل زمان و مكان و الذين يرفضون مبدأ إعادة النظر في الشريعة و في أحكامها حتى تستجيب لاستيعاب المستجدات و إدخالها في بنية الشريعة نفسها مادامت تلك المستجدات تفرض نفسها في الواقع. و مادام الواقع لا يستطيع التخلص منها، و دور الفقهاء و الأصوليين ليس تفصيل الواقع حسب ما تقتضيه قوالب الشريعة الجاهزة المبتلاة بالجمود العقائدي، بل هو إيجاد السبل الكفيلة بجعل الشريعة تتطور تبعا لتطور الواقع على جميع المستويات الاقتصادية و الاجتماعية و الثقافية و المدنية و السياسية حتى تستجيب و بكامل المرونة المعهودة في الدين الإسلامي لما يقتضيه التطور الاقتصادي و الاجتماعي و الثقافي و المدني و السياسي حتى تشكل الشريعة الجانب المتحول و بامتياز في الدين الإسلامي.
و التمييز بين الثابت و المتحول في الدين الإسلامي يجب أن يكون من المسلمات، و أن يصير مكونا أساسيا من عقلية المسلمين، لأن ذلك التمييز الذي صار ضروريا و خاصة في عصر اجتياح الإرهاب المؤدلج للدين الإسلامي جميع أرجاء الكرة الأرضية، سيتحول إلى وسيلة ناجحة لمحاربة الإرهاب، و محاصرته لأنه سيؤدي بالضرورة إلى تغيير عقلية المسلمين بتطهيرها من آثار ادلجة الدين الإسلامي، وحتى يصير الدين الإسلامي خالصا لله، وتصير حياة المسلمين بيدهم حتى يتمكنوا من تقرير مصيرهم على جميع المستويات بأنفسهم. و انطلاقا من هذا التمييز الذي صار واجبا نطرح السؤال :
15) ماذا لو عمل مؤدلجو الدين الإسلامي، و من منطلق وصايتهم على الدين الإسلامي على نمذجة واقع الكرة الأرضية ؟ فهل يقوم بعد ذلك شيء اسمه الدين الإسلامي ؟
إن ما يسعى إليه مؤدلجو الدين الإسلامي هو العمل على تنميط الإنسان شكلا و مضمونا باسم الدين الإسلامي، و اعتبار ذلك التنميط هو الإسلام عينه، و عدم التنميط يعني مخالفة الإسلام. و للوصول إلى ذلك يجتهدون في البحث في إيجاد الذرائع الدينية، العقائدية و الشرعية و العمل على استنطاق القرءان و الحديث، و اعتصاره عن طريق التأويل الإيديولوجي لمختلف النصوص من اجل صياغة متلائمة مع المصالح الطبقية لمؤدلجي الدين الإسلامي. و العمل على إعادة تنميط الواقع وفق تلك الصياغة التي ليست إلا تطورا إيديولوجيا لما يجب أن ينمط على أساسه الواقع الاقتصادي و الاجتماعي و الثقافي و المدني حتى يتحول الواقع إلى نموذج متماثل مع تصورات مؤدلجي الدين الإسلامي، و كل من تعارض مع ذلك التماثل يجب التخلص منه حسب مؤدلجي الدين الإسلامي باعتباره كافرا-ملحدا و غير ذلك من الصفات التي يبرر بها هؤلاء المؤدلجون ممارستهم، وصولا إلى تأميم المسلمين، و إلى جعل غير المسلمين يعتنقون إسلامهم المؤدلج و ينخرطون في عملية النمذجة على جميع المستويات الاقتصادية و الاجتماعية و الثقافية و المدنية و السياسية، ليصير العالم كله وفق النموذج المؤدلج للدين الإسلامي. و ليطمئن المؤدلجون على حفظ مصالحهم المتمثلة في التحكم في الكرة الأرضية، و في جعل الناس يقبلون التجييش وراءهم لفرض الادلجة بقوة الحديد، لا بقوة الإقناع، باعتبار تلك الادلجة هي الدين نفسه. فهل ما يقوم به هؤلاء على مستوى الكرة الأرضية هو الإسلام ؟ أم أن الإسلام شيء آخر غير ما يخطط له و ما ينفذه مؤدلجو الدين الإسلامي ؟ و إذا كان ما يقوم به هؤلاء المؤدلجون لا علاقة له بالدين الإسلامي، فهل يقوم بعد ذلك شيء اسمه الدين الإسلامي ؟
إن ما نتأكد منه على ارض الواقع، أن الدين الإسلامي شيء، و أن ادلجة الدين شيء آخر، لأن الدين الإسلامي يهدف إلى نشر القيم النبيلة التي ترفع مكانة الإنسان النفسية الاقتصادية و الاجتماعية و الثقافية و المدنية و السياسية. تلك القيم التي لا تستحضر إلا تحقق كرامة الإنسان، لأن تلك الكرامة هي التي تسعى القيم النبيلة للدين الإسلامي إلى تحقيقها بقطع النظر عن الدين الذي يعتنقه ذلك الإنسان من منطلق أن لا إكراه في الدين الإسلامي الذي يتميز بقبول حرية الاعتقاد، و بالحوار بين المومنين بمختلف المعتقدات ” يا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء بيننا و بينكم أن لا نعبد إلا الله”. و هذا الشكل من الحوار ترك أمر اعتناق الدين الإسلامي للناس “فمن شاء فليومن، و من شاء فليكفر” هو الذي يشكل معبر مرور قيم الدين الإسلامي إلى سائر الناس و في جميع أنحاء العالم ليكتسب الدين الإسلامي بذلك بعدا إنسانيا. أما ادلجة الدين الإسلامي فتهدف إلى جعل القيم الدينية قيما إيديولوجية عن طريق تحريفها لجعل مقاصدها لا تتناسب مع السعي إلى تحقيق كرامة الإنسان في مستوياتها المختلفة، بقدر ما تتناسب مع السعي إلى تحقيق مصالح مؤدلجي الدين الإسلامي الاقتصادية و الاجتماعية و الثقافية و المدنية و السياسية الهادفة جميعها إلى تمكين أولئك المؤدلجين من التسلق الطبقي من جهة، و العمل على تأبيد الاستبداد القائم أو فرض استبداد بديل من جهة أخرى، عن طريق ممارسة التضليل الإيديولوجي باسم الدين و تجييش الناس وراء الطبقات الحاكمة في بلدان المسلمين، أو وراء مؤدلجي الدين الإسلامي الساعين إلى فرض استبداد بديل.
و في حالة نمذجة العالم وفق تصور مؤدلجي الدين الإسلامي، فهل من الممكن قيام شيء اسمه الإسلام ؟
إن الدين الإسلامي كدين قائم على أساس بث القيم النبيلة بين الناس على اختلاف ألسنتهم و ألوانهم، و معتقداتهم، و مذاهبهم الاقتصادية و الاجتماعية و الثقافية و المدنية و السياسية، سيبقى قائما في الواقع، و بقوة الواقع نفسه لصيرورته مكونا أساسيا من مكوناته التي لا يمكن زوالها إلا بزوال الواقع نفسه. و بما أن الواقع سيبقى قائما، فإن الدين الإسلامي أيضا سيبقى قائما، و قيامه هو الذي سيشكل سلاحا حقيقيا ضد ادلجته، و ادلجة الدين ستضعف أما قوة الدين الإسلامي. لأن الادلجة مادامت ترتبط بالمصالح الطبقية للمؤدلجين ، فإن تلك المصالح لابد أن تتغير بفعل التحول المستمر الذي تعرفه الطبقات الاجتماعية التي قد تنتج إيديولوجيتها الحقيقية تبعا لما يقتضيه تطورها، و ما تقتضيه مصلحتها في نفس الوقت. و لذلك فنمذجة العالم وفق تصور مؤدلجي الدين الإسلامي هي حالة عابرة، أو مجرد موجة من الموجات التي تتوالى في الواقع دون أن يحصل أي تأييد لأية موجة خاصة، و أن المستهدف بتلك الموجات المتتالية هو الإنسان نفسه الذي يسعى باستمرار إلى تغيير أوضاعه الاقتصادية و الاجتماعية و الثقافية و المدنية و السياسية، و سعيه ذلك هو الذي سيكشف أضاليل و أباطيل ادلجة الدين الإسلامي. فيضطر إلى التصدي لها، و العمل على مناهضتها و السعي إلى إقامة نظام اقتصادي و اجتماعي و ثقافي و سياسي يتناقض مع ما تدعو إليه ادلجة الدين الإسلامي، ليبقى الدين الإسلامي وحده مصدرا للقيم النبيلة التي تساهم بشكل كبير في بناء الشخصية الإنسانية في مجتمعات المسلمين. تلك الشخصية التي تعمل على تحويل القيم النابعة من طبيعة الدين الإسلامي و من حقيقته إلى قيم إنسانية. و هذه الصيرورة التي تعرفها قيم الدين الإسلامي هي التي تدفعنا إلى طرح السؤال :
16 ) ماذا لو تحرر الدين الإسلامي من الادلجة ؟ فهل يمكن استمرار وجود الوصاية عليه ؟
إن مهمة تحرير الدين الإسلامي من الادلجة هي مهمة تاريخية، و المهمة التاريخية لا يمكن أن تنجزها إلا الطبقة الاجتماعية التي يكون من مصلحتها تغيير الواقع الاقتصادي و الاجتماعي و الثقافي و المدني و السياسي، و هي التي ليس من مصلحتها إعادة إنتاج نفس الهياكل الاقتصادية و الاجتماعية القائمة. و هذه الطبقة هي الطبقة العاملة و سائر الكادحين، و المثقفين الثوريين و المتنورين الذي يحملون جميعا إيديولوجية نقيضة لأدلجة الدين الإسلامي. فهؤلاء جميعا عليهم أن يعملوا على امتلاك الوعي بحقيقة الدين الإسلامي كمكون روحي من مكونات مجتمعات المسلمين، و كقوة مادية يمكن توظيفها لتثبيت وحدة شعوب المسلمين ضد مؤدلجي الدين الإسلامي، و لضمان إمكانية تفاعل المسلمين مع غيرهم على أسس ديمقراطية على جميع المستويات الاقتصادية و الاجتماعية و الثقافية و المدنية و السياسية سعيا إلى تحديد نقط الالتقاء و الاختلاف بين المسلمين و غير المسلمين بين دول المسلمين و غيرها من الدول التي تسعى إلى إشاعة قيم الحرية و الديمقراطية و العدالة الاجتماعية.
فإشاعة الوعي بحقيقة الدين الإسلامي هي مهمة المثقفين الثوريين و سائر المثقفين المتنورين، و العمل على مناهضة ادلجة الدين الإسلامي هي مهمة الطبقة العاملة وسائر الكادحين حتى يتم انعتاق الدين الإسلامي من الادلجة و يتحرر من كل ما يجعل المسلمين ينحرفون عن دينهم و يدخلون في ممارسة ما يشبه الشرك بالله أو ما يشبهه بسبب تقديس أمراء الادلجة، و رفع الادلجة نفسها إلى درجة التقديس.
و نحن عندما اعتبرنا أن الطبقة العاملة و حلفاءها هي المؤهلة لمحاربة ادلجة الدين الإسلامي، فلأن هذه الطبقة هي الأكثر تضررا من ادلجة الدين الإسلامي لدور هذه الادلجة في تضليل العمال و سائر الكادحين و جعل الوعي الطبقي غائبا عنهم على جميع المستويات الاقتصادية و الاجتماعية و الثقافية و المدنية و السياسية. و لدورها كذلك في إرهاب المثقفين الثوريين و سائر المثقفين المتنورين و استعادة الوعي الطبقي إلى أصحابه الحقيقيين. و قيام المثقفين الثوريين و المتنورين بدورهم التاريخي في استعادة ذلك الواقع يقتضي الدخول في مواجهة ادلجة الدين الإسلامي حتى يتأتى انتباه الناس جميعا إلى خطورتها على مستقبلهم. و مواجهة ادلجة الدين الإسلامي لا تكون ناجعة إلا إذا تم الربط بينها و بين العمل على إشاعة الوعي الطبقي الحقيقي بين أفراد الطبقة العاملة و سائر الكادحين من استعادة الاهتمام بالواقع في تجلياته المختلفة، و الاستعداد لممارسة الصراع الطبقي في مستوياته الاقتصادية و الاجتماعية و الثقافية و المدنية و السياسية، و الانطلاق من أن مواجهة ادلجة الدين الإسلامي جزء لا يتجزأ من الصراع الطبقي في مستواه الإيديولوجي و السياسي و الثقافي.
و تبعا للدور الذي يجب أن تلعبه الطبقة العاملة و حلفاؤها في مواجهة ادلجة الدين الإسلامي عن طريق التمييز بينها و بين حقيقة الدين الإسلامي باعتباره مصدرا لبث القيم النبيلة, فإن الجهة المعنية بتأطير الطبقة العاملة و حلفائها هي حزب الطبقة العاملة، و سائر الأحزاب اليسارية و التقدمية و الديمقراطية باعتبارها هي الأحزاب الأكثر تضررا من ادلجة الدين الإسلامي، و في إطار جبهة وطنية عريضة للنضال من اجل الديمقراطية و وفق برنامج حد أدنى تحضر فيه أولوية مواجهة ادلجة الدين الإسلامي حتى يتم إزالة عائق الادلجة الذي يقف سدا منيعا ضد انتقال الوعي الحقيقي إلى الطبقة العاملة و سائر الكادحين.
و بما أن البورجوازية الصغرى هي التي تقدم غالبا على ادلجة الدين الإسلامي، فإن على الأحزاب اليسارية بالخصوص أن تلعب دورا كبيرا في اتجاه تشريع الممارسة الانتهازية لهذه الطبقة، و التي تتجسد بشكل سافر في إقدامها على ادلجة الدين الإسلامي لتحقيق تطلعاتها الاقتصادية و الاجتماعية و الثقافية و المدنية و السياسية، بدل ممارستها للتوليفة الإيديولوجية المستعارة من مختلف الإيديولوجيات الإقطاعية و البورجوازية، و إيديولوجية الطبقة العاملة، قبل أن تنتبه إلى أهمية ادلجة الدين الإسلامي، و أهمية تلك الادلجة في استقطاب الكادحين نظرا لتشبعهم بقيم الدين الإسلامي النبيلة التي تتحقق في إطارها كرامة الإنسان.
فهل بعد قيام الطبقة العاملة و حلفائها بقيادة الأحزاب الثورية و اليسارية و الديمقراطية في بلدان المسلمين، و بعد وصول الوعي بخطورة ادلجة الدين الإسلامي إلى الطبقة العاملة وسائر الكادحين, يمكن القول باستمرار وجود الوصاية على الدين الإسلامي ؟
إن شروط قيام الوصاية على الدين الإسلامي لا ترتبط بأدلجة الدين فقط، بل ترتبط بأمور أخرى منها تعود الناس على وجود تلك الوصاية، و جهلهم بحقيقة الدين، و ممارسة اللامبالاة تجاه ما يحتمل في الواقع على جميع المستويات الاقتصادية و الاجتماعية و الثقافية و المدنية و السياسية، و عدم ملاءمة القوانين المحلية مع المواثيق الدولية المتعلقة بحقوق الإنسان، و غياب دساتير ديمقراطية في كل بلد من بلدان المسلمين على حدة و وفق برنامج حد أدنى واضح، بالإضافة إلى الدعم الرجعي الأمريكي المتخلف لأدلجة الدين الإسلامي، و السيطرة الأمريكية على العالم، و قبول أنظمة بلدان المسلمين بالتبعية لأمريكا، و تراجع المد اليساري في مجتمعات المسلمين أمام اكتساح ادلجة الدين الإسلامي للجماهير الكادحة التي يتم تجييشها وراء هؤلاء المؤدلجين.
و للوصول إلى تحقيق رفع الوصاية على الدين لابد من قيام الحركة اليسارية و الديمقراطية و التقدمية بدورها كاملا في العمل على إزالة جميع الشروط المؤدية إلى قيام تلك الوصاية و على رأسها مواجهة ادلجة الدين الإسلامي، و العمل على إشاعة المعرفة بحقيقة الدين الإسلامي حتى يتم تنوير العقول بتلك الحقيقة، و يزول الظلام الذي تقف وراءه ادلجة الدين الإسلامي، و تشيع الممارسة الديمقراطية بمضامينها الاقتصادية و الاجتماعية و الثقافية و المدنية و السياسية، و يصبح أمر المسلمين بيد المسلمين في كل بلد من بلدان المسلمين و حينها ستصير الوصاية على الدين الإسلامي مرفوضة جملة و تفصيلا، و يصير الدين الإسلامي منعتقا من الادلجة، و يصير الناس أحرارا في معتقداتهم. و بالوصول إلى رفع الوصاية على الدين الإسلامي نجد أنفسنا أمام طرح السؤال :
17) ما مصير الأوصياء بعد تحرير الدين من الادلجة ؟
إن استمرار الأوصياء و تجددهم رهين باستمرار ادلجة الدين الإسلامي، و تجدد تلك الادلجة. و في حالة انعتاق الدين الإسلامي من الادلجة كما هو مطلوب، و كما يجب أن يعمل من اجله المناضلون الحقيقيون من اجل تحقيق الحرية و الديمقراطية و العدالة الاجتماعية. ففي تحقيق الحرية سيدرك المسلمون ما مدى دور الدين الإسلامي في تحرير الإنسان من التبعية لغير الله. و العمل على تحريره من الاستعباد، و دعوته استخدام العقل في القرءان، و في واقع الإنسان، و كيف ترك له أمره في الحياة الدنيا حتى لا يفرض عليه نظاما اقتصاديا و اجتماعيا و سياسيا معينا، و هو ما يمكن اعتباره دعوة مبكرة إلى الديمقراطية بمضامينها الاقتصادية و الاجتماعية و الثقافية و المدنية و السياسية. و هذه الدعوة المبكرة هي المشار إليها في القرءان من خلال قول الله ” و أمرهم شورى بينهم ” و في قول الرسول ” إذا كنتم ثلاثة فأمروا أحدكم”. و هذان القولان و غيرهما مما يمكن أن نجده في القرءان و في الحديث، لا يمكن أن نستنج منهما إلا أن الناس أحرار في اختيار ما يهم مصيرهم الاقتصادي و الاجتماعي و الثقافي و المدني و السياسي. و هذه الحرية ليست إلا دعوة إلى ممارسة الديمقراطية التي يأتي في إطارها تمتيع الناس بجميع حقوقهم بما فيها اختيار من يحكمهم. و الدين الإسلامي عندما تكون هذه طبيعته، فإنه يرفض أن يكون أحد وصيا عليه. و لذلك فهؤلاء المؤدلجون الذين يسعون إلى فرض وصايتهم على تأويلاتهم الإيديولوجية على أنها وصاية على الدين الإسلامي، سيفقدون القدرة على الاستمرار في ذلك لعدة اعتبارات :
الاعتبار الأول : أن الناس سيمتلكون الوعي بحقيقة الدين الإسلامي الذي سيجعلهم يدركون خطورته على مستقبلهم في جميع بلدان المسلمين، و سيشرعون مباشرة في مناهضة ادلجة الدين الإسلامي من اجل استئصالها من مجتمعات المسلمين حتى تتحرر هذه المجتمعات من تلك الادلجة و تنخرط في النضال من اجل الديمقراطية.
و الاعتبار الثاني : أن الأصل في الناس هو الحرية، و أن ادلجة الدين تعمل على نفي هذه الحرية باستعبادهم لصالح مؤدلجي الدين الإسلامي، و أن الناس لا يمكنهم أن يستمروا في قبول هذا الاستعباد، و سيعملون على نفيه عن طريق العمل على نقض الادلجة، و تفنيد ادعاءاتها، و العمل على استئصالها من الواقع.
و الاعتبار الثالث : أن الاتجاه السائد في العالم الآن هو العمل على أن تكون الممارسة الديمقراطية بمضمونها الاقتصادي و الاجتماعي و الثقافي و المدني و السياسي قائمة في واقع الشعوب المختلفة، مهما كانت هذه الشعوب. و شعوب المسلمين لا يمكن أن تستثنى من اعتبار الممارسة الديمقراطية اختيارا شعبيا، و بالتالي فإن هذه الشعوب ستعمل على نبذ ادلجة الدين الإسلامي كمصدر للوصاية على الدين الإسلامي. و ستقاوم المؤدلجين للدين، و ستعمل على تجريمهم دستوريا، و قانونيا، و واقعيا، من اجل الوصول إلى جعل ادلجة الدين الإسلامي من باب المستحيلات التي يعتبر القيام بها مصدرا للمتابعة الجنائية أمام القضاء نظرا لتطاول مؤدلجي الدين الإسلامي على الدين الإسلامي من اجل سلامة الممارسة الديمقراطية من كل العراقيل التي تحول دون تحققها على ارض الواقع.
و الاعتبار الرابع : أن العالم كله صار يحرص على أن تحترم القوانين الدولية المتمثلة في المواثيق الدولية المتعلقة بحقوق الإنسان على جميع المستويات الاقتصادية و الاجتماعية و الثقافية و المدنية و السياسية عن طريق ملاءمة القوانين المحلية مع تلك المواثيق انطلاقا من الدساتير و انتهاء بأبسط القوانين الاجرائية المطبقة يوميا في جميع مناحي الحياة. و بلدان المسلمين لا يمكن أن تستثنى من ذلك، لأن التطور الذي فرض عولمة اقتصاد السوق، و عولمة الإعلام، و عولمة وسائل الاتصال، لابد أن يسير في اتجاه عولمة النضال من اجل الحرية و الديمقراطية و العدالة الاجتماعية، لتصير شعوب المسلمين بقوة تلك العولمة متمتعة بالحرية و الديمقراطية و العدالة الاجتماعية لتنعدم بذلك الحاجة إلى أوصياء على الدين الإسلامي، بدافع خدمة مصالحهم أو بدافع خدمة الطبقات الحاكمة المستبدة في بلدان المسلمين، أو بدافع الرغبة في الوصول إلى السلطة لفرض استبداد بديل.
و بحضور هذه الاعتبارات يمكن القول أن الواقع سيفرض تخلي الأوصياء عن وصايتهم على الدين الإسلامي، و سيتحولون إلى مجرد أناس عاديين، حذرين ممن تم تضليلهم من المسلمين بسبب ادلجتهم للدين الإسلامي، و مادام هؤلاء المؤدلجون من البورجوازية الصغرى، فإنهم قد يعتنقون إيديولوجية أخرى، و بطريقة انتهازية من اجل تحقيق تلك التطلعات. و بالتالي، فإن الناس سيسحبون تبعيتهم لهم، و سوف يصيرون حذرين من ممارساتهم حتى لا يتحولوا من جديد إلى مؤدلجين للدين الإسلامي. و مادام المؤدلجون سيفقدون وصايتهم على الدين الإسلامي بفعل الاعتبارات التي ذكرنا فإننا نضطر إلى طرح السؤال :
18) هل يمكن إجبار دول المسلمين على الإمساك عن ادلجة الدين لإتاحة الفرصة أمام انعتاق الدين الإسلامي من اسر الادلجة ؟
و في حالة تمكن مناضلي اليسار و سائر فصائل الحركة التقدمية من وضع حد لأدلجة الدين الإسلامي من قبل مؤدلجيه لخدمة مصالحهم الفردية، أو لجعل الحركات المؤدلجة للدين الإسلامي، أو المستفيدة من تلك الادلجة تصل إلى السلطة لبسط استبدادها بالمجتمع، و لجعل جميع افراد المجتمع يخدمون مصالح مؤدلجي الدين الإسلامي، فإن على الحركة اليسارية و سائر فصائل الحركة التقدمية أن تضع في اعتبارها ضرورة النضال من اجل وضع حد لقيام دول المسلمين بأدلجة الدين الإسلامي لإعطاء الشرعية الدينية لحكمها، و لادعاء تحول إلى دول دينية عن طريق إهدار المزيد من الأموال على مؤدلجيها الذين يؤولون النص الديني لصالح تكريس الاستبداد بحكم المسلمين.
فقيام دول المسلمين بأدلجة الدين لا يمكن اعتباره إلا وسيلة للتهرب من إقرار دساتير ديمقراطية في كل بلد من بلاد المسلمين، و من العمل على ملاءمة القوانين المحلية للمواثيق الدولية و السعي إلى إجراء انتخابات حرة و نزيهة لإيجاد مؤسسات تمثيلية تتكون الحكومات في بلدان المسلمين من أغلبياتها، بدعوى أن كل ذلك يتناقض مع الدين الإسلامي، لأن دول المسلمين ليست علمانية. و بالتالي لا يصح أن تكون ديمقراطية، و دول المسلمين عندما تنهج هذا النهج إنما تؤكد للرأي العام في بلدان المسلمين و في جميع أنحاء العالم أنها دول دينية، و أن الله هو الذي اختار لها أن تكون كذلك. و ما يختاره الله لا يصح لأحد أن يتدخل فيه. و لذلك فدول المسلمين هي دول إسلامية تملك التفويض من الله لكي تفعل ما تشاء بالمسلمين، و اعتبار ما تقوم به من إرادة الله.
و هذا الواقع الذي تقوم على أساسه دول المسلمين باعتباره اختيارا من الله يقتضي قيام اليسار و سائر فصائل الحركة التقدمية و الديمقراطية بإنشاء جبهات وطنية للنضال من اجل الديمقراطية في بلدان المسلمين وفق برامج الحد الأدنى يأتي في مقدمة أولوياتها تحييد الدين الإسلامي، و العمل على سحب استناد دول المسلمين على الشرعية الدينية في تكريس الاستبداد بالحكم المطلق في بلدان المسلمين، و المطالبة ب :
أ- العمل على إنشاء دساتير ديمقراطية من اختيار شعوب المسلمين التي لها الحق وحدها في تقرير مصيرها الاقتصادي و الاجتماعي و الثقافي و المدني و السياسي، و انتقاد الدساتير الصورية التي فرضتها دول بلاد المسلمين لتكريس شرعية سلطتها، أو انتقاد عدم وجود حتى تلك الدساتير الصورية، و ادعاء أن الدستور المعمول به، و الوحيد الذي يجب العمل به هو القرءان. فكأن الله متحيز للطبقات التي تبسط سيطرتها على بلدان المسمين، على أن تتضمن الدساتير التي تعمل شعوب المسلمين بقيادة الجبهة الوطنية للنضال من اجل الديمقراطية على المصادقة عليها، تحييد الدين الإسلامي لأنه ليس دين طبقة معينة، و ليس لأحد الحق في أن يكون وصيا عليه، و انه للناس جميعا حتى لا يتحول دين المسلمين إلى وسيلة لقمع المسلمين، و حتى يتمكن المسلمون من بناء دولة الحق و القانون التي لا تستمد سلطتها إلا من الشعب وحده و ليس من قوة أخرى يدعي حكام المسلمين أنهم يستندون إليها. مع أن العلاقة بين السماء و الأرض، و بين الله و بين البشرية قد توقفت منذ نزل قول الله في حجة الوداع على رسوله محمد “اليوم أكملت لكم دينكم و أتممت عليكم نعمتي و رضيت لكم الإسلام دينا” . و أي حاكم يدعي انه يحكم باسم الله إنما يعمل على توظيف الدين الإسلامي عن طريق ادلجته لخدمة مصالحه التي لا تتم إلا بفرض الاستبداد المشرعن عن طريق الادلجة التي يجند لها جيشا من المؤدلجين في كل بلد من بلدان المسلمين.
ب- وضع قوانين انتخابية متلائمة مع روح الدستور المتلائم مع المواثيق الدولية لضمان إجراء انتخابات حرة و نزيهة تستجيب لتحقيق إرادة شعوب المسلمين على جميع المستويات الاقتصادية و الاجتماعية و الثقافية و المدنية و السياسية، و انتقاد القوانين الانتخابية التي اوجدتها الطبقات الحاكمة من اجل الاستناد إليها في تزوير إرادة شعوب المسلمين لتأبيد الاستبداد القائم بقوة الحديد و النار، و انتقاد عدم وجود تلك القوانين الانتخابية أصلا حتى تقدم جميع دول المسلمين على وضع قوانين انتخابية متلائمة مع الدساتير المصادق عليها في بلدان المسلمين بعيدا عن أي ادعاء بأن السلطة مستمدة من قوة غيبية، و حتى يصير الدين الإسلامي لله وحده، و لا أحد يفرض الوصاية عليه غير الله.
ج- إجراء انتخابات حرة و نزيهة بعيدا عن التضليل و إهدار الأموال لشراء الضمائر، و بعيدا عن إقامة الولائم التي يقيمها أصحاب الثروات الذين يقفون باستغلالهم وراء انتشار الجهل و الفقر و المرض، ليستغلوا الجهل و الفقر و المرض من اجل الوصول إلى المؤسسات المنتخبة باعتبارها مراكز القرار، و بعيدا عن استغلال النفوذ الذي يجعل بسطاء الناس لا يصوتون بناء على قناعة تكونت لديهم بصلاحية برنامج معين لصالح هذا المرشح أو ذاك مما يفسد العملية الانتخابية، و بعيدا عن استغلال الدين الإسلامي من قبل الدول لتوجيه الناخبين، أو من قبل بعض الأحزاب السياسية التي تحوله إلى مجرد شعارات انتخابية ليس إلا، لتصل باسمه إلى مراكز القرار، و تتسلط على رقاب المسلمين حتى تكون نتائج الانتخابات معبرة فعلا عن إرادة شعوب المسلمين في إيجاد مؤسسات تمثيلية حقيقية، وفي إيجاد حكومات تعكس تلك الإرادة . و في نفس الوقت يتم العمل على انتقاد و تشريح و نقض الطرق التي تتم بها الانتخابات في كل بلد من بلدان المسلمين لافراز مؤسسات على مقاس الطبقات الحاكمة و لشرعنة تأبيد الاستبداد، و باسم الدين الإسلامي الذي يصير ورقة مربحة بيد الحكام الذين يعتقدون أن الله هو الذي مكنهم من رقاب المسلمين.
د- العمل على ملاءمة القوانين المحلية مع الدساتير التي تصادق عليها الشعوب، و مع المواثيق الدولية المتعلقة بحقوق الإنسان، و إخضاع القوانين المعمول بها إلى النقد و التشريح، و النقض من اجل الكشف عن خطورتها على مصير شعوب المسلمين الذين يصيرون على بينة من تلك الخطورة. فيشرعون في مقاومتها و العمل على استئصالها من الواقع لتحل محلها قوانين متلائمة مع المواثيق الدولية حتى تنخرط بذلك شعوب المسلمين في المنظومة الإنسانية التي لا تتناقض أبدا مع ما جاء به الدين الإسلامي.
ه- العمل على تمتيع الناس بالحقوق الاقتصادية و الاجتماعية و الثقافية و المدنية و السياسية وفق ما هو منصوص عليه في المواثيق الدولية، و انطلاقا من برامج مستعجلة تضعها حكومات المسلمين الشرعية و المنبثقة عن انتخابات حرة و نزيهة من اجل إنقاذ شعوب المسلمين من التخلف الذي تتخبط فيه على جميع المستويات الاقتصادية و الاجتماعية و الثقافية و المدنية و السياسية حتى تلتحق بلدان المسلمين بالبلدان النامية، و يصير الدين الإسلامي مساعدا على النمو بدل أن يصير معرقلا له كما هو حاصل الآن، بالانخراط في عولمة حقوق الإنسان التي تقف ادلجة دول المسلمين للدين الإسلامي دون نفاذها إلى بلدان المسلمين ، و دون تمتع المسلمين بمختلف الحقوق التي يتمتع بها الناس على اختلاف معتقداتهم في العديد من غير بلدان الملمين بمن فيهم المسلمون الذين يعيشون هناك.
و بذلك تكون الجبهات الوطنية للنضال من اجل الديمقراطية في بلدان المسلمين قد قامت بدورها لتحقيق هدفين أساسيين :
الهدف الأول : هو العمل على جعل بلدان المسلمين تلتحق بباقي البلدان التي تعرف نموا مطردا في جميع المجالات و على جميع المستويات.
و الهدف الثاني : هو تحييد الدين الإسلامي، و جعله بعيدا عن الأمور الإيديولوجية و السياسية حتى يبقى خالصا لله دون سواه، و أن يتم تنظم شؤونه تحت إشراف هيئة مستقلة يختارها المسلمون بمحض إرادتهم، بعيدا عن وصاية الدول في بلدان المسلمين، و عن وصاية الأدعياء الذين يفرضون تلك الوصاية بقوة الإيديولوجية.
و بقيام الجبهات الوطنية للنضال من اجل الديمقراطية في بلدان المسلمين بالدور الموكول إليها حسب ما هو مفترض، نجد أنفسنا أمام السؤال :
19) ألا يقتضي الحرص على انعتاق الدين الإسلامي من الادلجة، العمل على تجريم تلك الادلجة ؟
إن ما نلاحظه الآن و في جميع بلدان المسلمين، و نظرا لاعتبار دول هذه البلدان مؤدلجة للدين الإسلامي، أن ادلجة الدين الإسلامي لا يمكن اعتبارها جريمة في حق المسلمين الذين يتم استغلال دينهم استغلالا إيديولوجيا و سياسيا بشعا لاعتبارات نذكر منها :
أ- أن دول المسلمين تعتبر نفسها دولا إسلامية و هي لذلك تعتبر مرتكبة لجريمة ادلجة الدين الإسلامي. و لكي تتحول إلى دول مجرمة لأدلجة الدين الإسلامي عليها أن تتخلى هي عن تلك الادلجة حتى تعمل على حماية الدين الإسلامي من الادلجة. و ادلجتها للدين الإسلامي تعتبر وسيلة لشرعنة الادلجة التي يلجأ إليها كل من هب و دب مما يجعل الوصاية على الدين الإسلامي ذات اوجه متعددة، و مصادرها متلونة.
ب- أن ادلجة الدين الإسلامي تضرب في عمق التاريخ، فمنذ مقتل عثمان ابن عفان انقسم المسلمون إلى فرق، و كل فرقة تدعى أنها الأولى بحكم المسلمين باسم الدين الإسلامي من شيعة علي، إلى شيعة معاوية، إلى آل الزبير، إلى الخوارج لتتوالى على مر العصور الدول التي تحكم المسلمين باسم الدين الإسلامي. فتقتل من تشاء و تحيي من تشاء باسم الله الذي فوضها لحكم المسلمين كما جاء على لسان أحد قادة بني أمية “انا نسوسكم بسلطان الله الذي أعطانا، و نذوذ عنكم بفيئه الذي خولنا” ليصير بذلك كل مدع و كل متفيقه عاملا على ادلجة الدين الإسلامي مهما كان متدنيا، من اجل تسخير تلك الادلجة لخدمة مصالحه الاقتصادية و الاجتماعية و الثقافية و المدنية و السياسية و لتكريس وصايته على الدين الإسلامي.
ج- تعود الناس على اعتبار تلك الادلجة هي الدين الإسلامي نفسه، مما يحول شعوب المسلمين إلى شعوب مؤدلجة للدين الإسلامي، و مكرسة لذلك التحريف فتقدس إلى جانب الله، ادلجة الدين، و مؤدلجيه ليصر الله ثالث ثلاثة كما جاء في القرءان “إن الله ثالث ثلاثة” ليصير الدين الإسلامي مجرد إيديولوجيا تخدم مصالح المؤدلجين، و ليحق لنا نحن أن نسمي شعوب المسلمين بالشعوب المؤدلجة للدين الإسلامي لاستقطاب المسلمين إلى مختلف الفرق المؤدلجة للدين الإسلامي في التجمعات العامة التي تعقد خمس مرات في اليوم، و من خلال المهرجانات الأسبوعية التي يشحن فيها المسلمون بالخطب العصماء المؤدلجة للدين الإسلامي، و التي تختلف ادلجتها من مذهب إلى آخر، و لا أحد ينتبه إلى خطورة تلك الادلجة على مصير المسلمين الذين يتوجهون إلى المساجد لأداء فريضة الصلاة ليس إلا، فيجدون أنفسهم مضطرين للخضوع لعملية الشحن الإيديولوجي، فيتقبلون بحكم العادة ذلك الشحن على انه هو الدين الإسلامي.
و لذلك نرى انه من الضروري تجريم ادلجة الدين الإسلامي عن طريق إخضاع الخطب و المنشورات المنسوبة إلى الدين الإسلامي لمراقبة هيأة دينية مستقلة لحماية الدين الإسلامي من الممارسة الإيديولوجية المسيئة إلى الدين الإسلامي. و ما تعتبره الهيأة الدينية المستقلة التي يختارها المسلمون بأنفسهم من أهل المعرفة الدينية الذين لم يمارسوا ادلجة الدين الإسلامي لصالح أية جهة من الجهات المؤدلجة للدين الإسلامي، و من الخبراء في جميع التخصصات و من ممثلي الأحزاب السياسية غير المؤدلجة للدين الإسلامي، و من ممثلي الهيئات الاجتماعية و الثقافية.فادلجة الدين الإسلامي تعتبر جريمة في حق الدين الإسلامي و في حق شعوب المسلمين. حتى و إن كان ذلك من فعل دول المسلمين. و على الهيئات التشريعية أن تضع قانونا خاصا بتجريم أدلجة الدين الإسلامي لمعاقبة كل مقدم على ادلجته، من اجل ضمان حرية العقيدة “لا إكراه في الدين” و حرية الفهم، و لجعل الدين الإسلامي مرنا تجاه المستجدات التي تحدث بسبب التطور الاقتصادي و الاجتماعي و الثقافي و المدني و السياسي الذي يعرفه الواقع في كل بلد من بلدان المسلمين.
20) و بعد : فهل يستمر المسلمون في القبول بممارسة الوصاية على الدين الإسلامي ؟
إن رفع الوصاية على الدين الإسلامي أو الاستمرار في تكريس تلك الوصاية رهين بواقع المسلمين في كل بلد من بلدان المسلمين كما هو رهين بمستوى الوعي السائد في ذلك الواقع، و هل هو وعي حقيقي أم وعي زائف ؟ و رهين أيضا بطبيعة النظام السائد، و هل هو إقطاعي أو شبه إقطاعي ؟ أو بورجوازي ليبرالي ؟ أو بورجوازي تابع ؟ و هل هو بورجوازي صغير ؟ و هل هو اشتراكي ؟ و هل الطبقة التي تحكم تعتمد على ادلجة الدين الإسلامي ؟ أم أنها تعمل على تكريس حياد الدين و عدم إقحامه في مسائل الحياة العامة و الفردية، في إطار كل دولة على حدة ؟
و نحن في دراستنا لواقع المسلمين في كل بلد من بلدان المسلمين نستطيع أن نحدد ما يجب عمله لتجنب قيام وصاية على الدين الإسلامي، أو لتكريس تلك الوصاية أو استبدالها بوصاية أخرى في كل دولة من دول المسلمين على حدة على أن تكون الجهة المناهضة للوصاية على الدين الإسلامي مستوعبة لذلك الواقع، و مالكة للوعي بخطورة تكريس الوصاية على الدين الإسلامي على مصير شعوب المسلمين، و واضعة لبرنامج للنضال من اجل الديمقراطية من الشعب و إلى الشعب في كل بلد من بلدان المسلمين يكون من بين أولوياته مناهضة تكريس الوصاية على الدين الإسلامي من قبل الطبقات الحاكمة في بلدان المسلمين، أو من قبل الأحزاب المؤدلجة للدين الإسلامي، أو من قبل المؤدلجين أنفسهم. غير أن الجهة المعنية بمناهضة ادلجة الدين الإسلامي و الوصاية عليه تضع نفسها على الهامش، و لا تهتم به، و لا تسعى إلى مناهضته، و لا تعمل على الوعي بخطورته، بل إنها لا تسعى إلى امتلاك المعرفة بحقيقة الدين الإسلامي باعتباره منتجا للقيم الإنسانية، تارة بدعوى أن الدين الإسلامي هو دين مثالي ينحصر ضمن المثاليات التي يعمل اليسار على مناهضتها. و بالتالي فإن ممارسة كهذه تقود إلى القول بأن اليسار ضد الدين الإسلامي، و هو قول يعتمد سلاحا فعالا بيد مؤدلجي الدين الإسلامي الذين قاموا على أساس محاربة اليسار، و بدعم من الرجعية المحلية، و من الرأسمالية العالمية، و من الصهيونية العنصرية. و لذلك و انطلاقا من التحولات التي يعرفها العالم في ظل عولمة اقتصاد السوق و سعيا إلى انخراط اليسار الحقيقي إلى جانب سائر فصائل الحركة التقدمية و الديمقراطية، فقد آن الأوان لمراجعة ممارسة اليسار تجاه الدين الإسلامي بالخصوص الذي يعتبر من المكونات الأساسية للواقع في بلدان المسلمين، و امتلاك الشجاعة الكافية للقيام بقراءة علمية لواقع الدين الإسلامي، و واقع المسلمين، و واقع مؤدلجي الدين الإسلامي، و المسار الذي اتخذته ادلجة الدين الإسلامي، و ما ترتب عنها من انتهاك لحرمة الدين الإسلامي الذي تحول إلى مجرد إيديولوجية و مجر د شعارات سياسية، حتى يقوم اليسار بدوره في مناهضة ادلجة الدين الإسلامي و فرض الوصاية عليه، حتى يتحرر الدين الإسلامي من الادلجة و يتحرر المسلمون من التجييش وراء المؤدلجين و تتحرر الدولة من ادلجة الدين، و يصير الدين خالصا لله، و ينعدم في الواقع من يوظف الدين في الأمور الإيديولوجية و السياسية، و يفسح المجال أمام إقامة دولة الحق و القانون، و يصير الفضاء الاجتماعي مناسبا لنشر قيم الحرية و الديمقراطية و العدالة الاجتماعية.
و بانخراط الحركة اليسارية و التقدمية و الديمقراطية في فضح و تعرية الممارسات الإيديولوجية للمؤدلجين على اختلاف ألسنتهم و ألوانهم، و تشريح الخلفيات التي تحكم تلك الادلجة، و دور تلك الادلجة في حشد الناس وراء المؤدلجين و جعلهم يعتقدون أن في عودة الماضي حل لجميع المشاكل الاقتصادية و الاجتماعية و الثقافية و المدنية و السياسية و هو ما يعتبر اكبر أكذوبة ابتدعها مؤدلجو الدين الإسلامي في التاريخ الحديث.
و بعد، فهل بعد بسط مفهوم الدين في الإسلام و مفهوم الادلجة الدينية، و مفهوم الوصاية و علاقتها بالرهبانية، و عدم وجود الرهبانية في الدين الإسلامي، و تحرر الدين الإسلامي من الادلجة، و مرض الإيديولوجية و الابتلاء بالوصاية على الدين، و الحق في الاجتهاد في فهم الدين، و ضرورة تجريم الوصاية الإيديولوجية على الدين الإسلامي، و عدم حق الأوصياء على الدين الإسلامي في منع المسلمين من إبداء رأيهم في الأمور الدينية، و هل تصح الوصاية على الدين الإسلامي من وجهة نظر إيديولوجية ؟ و اعتبار أن مؤدلجي الدين الإسلامي وحدهم يفرضون الوصاية على الدين الإسلامي لتكريس الاستبداد أو لفرض استبداد بديل، و توضيح أن فهمي للدين الإسلامي نابع من قناعتي بمرونة هذا الدين و تفاعله مع مختلف المستجدات و أن التمييز بين الثابت و المتحول في الدين شرط مرونته، و توضيح ماذا لو عمل مؤدلجو الدين الإسلامي، و من منطلق وصايتهم على الدين الإسلامي على نمذجة واقع الكرة الأرضية، فهل يقوم بعد ذلك شيء اسمه الدين الإسلامي ؟ و توضيح ماذا لو تحرر الدين الإسلامي من الادلجة فهل يمكن استمرار وجود الوصاية على الدين ؟ و ما مصير الأوصياء بعد تحرير الدين الإسلامي من الادلجة ؟ و بعد دعوة الدول في بلدان المسلمين إلى الإمساك عن ادلجة الدين الإسلامي لإتاحة الفرصة أمام انعتاق الدين الإسلامي من الادلجة، و ضرورة تجريم ادلجة الدين الإسلامي حفاظا على انعتاق الدين الإسلامي من اسر الادلجة وصولا إلى توضيح هل يستمر المسلمون في القبول بممارسة الوصاية على الدين الإسلامي ؟ و هل بعد هذا يمكن القول انه يوجد في الإسلام أوصياء على دينه ؟
إن المتربصين بهذا الدين ليس هم العلمانيون أو الملحدون أو الكفار أو المشركون، لأن هؤلاء جميعا لا يحرصون على التوظيف الإيديولوجي للدين الإسلامي، لأن الدين الإسلامي واضح، و ممارسة هؤلاء إن حصلت واضحة. و المتربصون الحقيقيون هم أولئك المتفيقهون المدعون المؤدلجون للدين الإسلامي الموظفون له في الأمور السياسية من اجل الوصول إلى السلطة. و هؤلاء المتربصون وحدهم لا يمكن أن يتخلوا عن الوصاية على الدين الإسلامي لكون تلك الوصاية ترتبط بمصالحهم الاقتصادية و الاجتماعية و الثقافية و المدنية و السياسية، أما سائر المسلمين فالمسألة بالنسبة إليهم هي مسألة وعي بخطورة تلك الوصاية على مستقبلهم. و الوعي بتلك الخطورة رهين بقيام الحركة اليسارية و التقدمية و الديمقراطية بدورها كاملا. و في هذه المرحلة التاريخية العظيمة حتى يصير الوعي بتلك الخطورة مشاعا بين الناس الذين ينخرطون في مقاومة تلك الوصاية، و نبذها و إلى الأبد، من اجل الدخول في التاريخ الإنساني الذي ينتظر من المسلمين القيام بالكثير مما تحتاج إليه الإنسانية حاضرا و مستقبلا، و من اجل ذلك فليتنافس المسلمون. أما ادلجة الدين الإسلامي و بعد انتشار الوعي بخطورتها، فإن مصيرها مزبلة التاريخ.

المغرب / ابن جرير في 26/1/2005
محمد الحنفي

أخبار ذات علاقة

ترك الرد

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

أهم الأخبار

اخترنا لكم

المكتب الإعلامي الفلسطيني في أوروبا