الرئيسيةمختاراتاخترنا لكمالمحمودان درويش وعباس

المحمودان درويش وعباس

في صيف عام 2007 شاءت الصدفة ان اسافر مع الشاعر الخالد محمود درويش الى ابو ظبي حيث معرض الكتاب وحيث تقام امسية شعرية للشاعر الكبير.. كان الشاعر قلقا وهو يقلب الصحف في استراحة مطار عمان وبرفقته الدكتور محمد شاهين، وهو اكاديمي في الاردن ضليع في الانجليزية على ما أذكر، كان يلتفت يمنة ويسارا ويعبر عن قلقه ويقول “ما الذي يقوله.. هل سيترك كل شيء ويترك لمن”؟ سألته ما تقصد، قال “ابو مازن يهدد بالاستقالة ولمن سيترك الأمر؟” فوجئت بقلق الشاعر الذي اذا تناول امرا سياسيا عالجه بسخرية عميقة، لكنه هذه المرة لم يكن كذلك، وفي الطائرة العملاقة عبر عن قلقه مرة اخرى من تهديد ابو مازن واستغربت اكثر عندما جلسنا في مقهى الفندق بعدها بيوم واذ به يحملق في الفراغ وظننته يلاحق جملة شعرية شاردة رغم وجود سيدة لبنانية فرنسية شقراء تلح عليه بالاسئلة وتطلب تصويره، سألته ما الأمر؟ قال: ما زالت الإستقالة تقلقني.

لم أكن اتوقع من شاعر هائم في كونية الشعر وانتقاء الكلمات والتقاط المعاني ونحت الحوريات في مخيلته ان ينزعج بهذه الصورة.. قلت له لماذا لا تذهب اليه وتقنعه عندما نعود؟ فقال: انا لم اقابله منذ فترة.

الآن يعود الحديث مجددا عن تهديد الرئيس بالاستقالة او الانسحاب من الحياة السياسية وهذا حق له ان يستريح لأنه لا يقود السويد مثلا بل شعبا تحت الاحتلال لديه من المشاكل ما يعجز طاقم عرمرمي من معالجتها يوميا، لكن قلق درويش ما زال قائما ويشعر به الكثيرون ممن يضمرون الخير لهذا الشعب المتعثر.. لمن ومن سيكون وكيف ستكون؟ عندما سردت هذه الواقعة الدرويشية على مسمع الرئيس ذات يوم من ايام الصفاء وكان لكلامنا وقع مقبول رغم “دفاشة” لساننا احيانا لأنه غير دبلوماسي، رد علي بسرد قصة تهديده بالاستقالة اثناء عمله في قطر مطالبا بترقية وإلا.. فكان من الوزير القطري ان نصحه بعدم التهديد او الاستقالة وقال له طلبك مستجاب ولكن عليك ان تعرف انه لا يوجد انسان لا بديل له.. فلا تفعلها ثانية.

ابو مازن ينطلق الآن من المفهوم ذاته بمعنى ان هناك بدائل له ومن خلقه خلق غيره وهذه حقيقة.. وهو لن يترك الأمر فجأة بل سيمهد للإنسحاب التدريجي بعد ان يكون الوضع قد تم ترتيبه لكي لا يترك فراغا قاتلا في الساحة الفلسطينية على الأقل, وهو يعلم ان هناك من شحذوا السيوف ورصوا الصفوف ونقروا الدفوف ومدوا الايادي في الأنوف لكي يسرعوا في اعتزاله او عزله، لكنه حسب ظني وأمل شعبنا سيصمد ويرتب الوضع الفلسطيني حتى يبقى عصيا على الإنهيار ،لانه كما عرفته لا يغدر ولن يوجه لشعبنا طعنة الفرار من دفة السفينة، بل يجتهد لكي تبقى مسيرة الثبات والصمود على الأرض مستمرة. فمن انتشلنا من مستقنع الفوضى والفلتان لا اظنه سيعيدنا الى نقطة الصفر لننضم الى طوابير الشعوب المذبوحة عربيا من حولنا.

حافظ البرغوثي

أخبار ذات علاقة

ترك الرد

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

أهم الأخبار

اخترنا لكم

المكتب الإعلامي الفلسطيني في أوروبا