الرئيسيةمختاراتمقالاتتركيا..فوق صفيح ساخن بعد الإنقلاب

تركيا..فوق صفيح ساخن بعد الإنقلاب

بقلم: أحمد البهائي

في مشهد اقرب الى الخلط بين المونودراما والدراماتورجيا على مسرح الحدث التركي ، عنوانه إحباط الانقلاب العسكري ، صرح وزير العدل التركي أن عدد الموقوفين بلغ حتى الآن أكثر من 6000 شخص في صفوف الجيش والقضاء، وأن عملية التنظيف مستمرة ، وقد أفاد رئيس الوزراء التركي بن على يلدريم بمقتل أكثر من 29 شخصا وإصابة 1440 آخرين، وقد لمح الرئيس التركي رجب طيب أردوغان إلى إمكانية العودة للعمل بعقوبة الإعدام في بلاده لمعاقبة منفذي محاولة الانقلاب الفاشلة .
وعلى صعيدا أخر، قال وزير الخارجية الفرنسي جان مارك آيرولت إن محاولة الانقلاب في تركيا ليست “صكا على بياض” للرئيس التركي أردوغان ليقوم بعمليات تطهير بعد إحباط الانقلاب العسكري، داعيا أنقرة إلى احترام دولة القانون ، كذلك طلب بوتين من اردوغان ضرورة تجنب الاجراءات الغير الدستورية عند التحقيقات ، وهذا ما أكدت عليه امريكا وكندا أن يكون أمر القبض والتحقيقات بموجب المبادئ الاساسية للديموقراطية ويجب تجنب أي عقوبة جماعية.
على الرغم من أننا جميعا ضد الإنقلابات العسكرية ، فتاريخها ملئ بالدموية والقمع والدكتاتورية وسلطة القرار، إلا انه سوف يأتي يوما على الاتراك يتمنون فيه لو كانت حركة التمرد تلك من قبل بعض قطاعات الجيش قد نجحت ، فالاتراك لم يخرجوا الى الشوارع رافضين الانقلاب تلبية لدعوة اردوغان كما يظن ، بل خوفا من عودة الحكم العسكري والاحكام العرفية التي ارهقتهم وعانوا منها على مدار عقود ماضية ، اذا الحشود الشعبية هى من حسمت المعركة مع الدبابات في شوارع تركيا لا اردوغان ، فالجماعات الاسلامية هدفها الأول عند وصولها الى الحكم ، هو القضاء على مؤسسات الدولة وخاصة التي تقوم على الامن القومي للبلاد ، كالمؤسسات العسكرية والامنية والقضائية ، وإنشاء ميليشيات وتنظيمات خاصة بها تقوم بتلك المهام ، وهذا ما قام به اردوغان وجماعته على مدار فترة حكمه ومازال ، وهذا ما كانت تعمل عليه جماهة الاخوان المسلمين في مصر، فبعد فشل الانقلاب حسب وصف اردوغان والذي نضع عليه علامات إستفهام بكل الالوان ، أمر أردوغان الجماهير التركية بالإبقاء في الشوارع للحفاظ على الديموقراطية وحتى يتم تطهير البلاد من الخونة ، مؤكدا على الاتراك ألا يستجيبوا وينساقوا وراء طلبات تزرع الفتنة وتوقع بين الشعب والجيش ، مع العلم بأنه هو أول من يضرب الديموقراطية في مقتل ، ويحصد الفتنة التي زرعها على مدار خمسة عشر عام ، ما نراه الان ليس تطهير بل إختراق واضح لكل الاعراف والقوانين الدولية المتعارف عليها في مثل تلك الحالات ، اردوغان استغل الحدث ليقوم بتصفية حسابات والقضاء على الخصوم والمعارضين ومن جميع الاشحاص في قطاعات الدولة الحساسة وخاصة الجيش والقضاء الذي يظن انهم ليسوا من الموالين له، لا إستغراب في ذلك فهو من انقلب على رفاقه واصدقائه ومعاونيه فالصفحات مليئة بداية برفيق دربه عبدالله غل وغيره وأخرهم أحمد داود اغلو منذ ايام، اردوغان ظن أن الرياح قد أتت بما تشتهيه سفنه ، وقد تساعده في عمليات التصفية التي بدأها بالقبض على أكثرمن 6000 شخص حتى الأن ، وذلك خلال يومين فقط ، بداعي إنهم من قاموا وساندوا عملية الانقلاب حسب وصفه ، ولكن في حقيقة الأمر أتت الرياح بما لا يشتهيه اردوغان ، بالفعل فشل الانقلاب ، إلا أنه أمامه فواتير لابد من سدادها وعلى رأسها فاتورة المعارضة والاحزاب داخل البرلمان ، حيث سجلت القوى السياسية في تركيا موقفا فريدا من نوعه حينما رفضت تدخل الجيش في الحياة السياسية وقفت بجانبه وأعلنت رفضها للإنقلاب من اول وهلة ، تلك القوى التي لقت وعانت منه الأمرين في الفترة الاخيرة ، عندما طرح حزبه العدالة والتنمية الحاكم قانون يسمح برفع الحصانة عن
أعضاء في البرلمان، وفتحت 667 قضية في حق 138 نائبا في البرلمان التركي، منهم 27 عضوا في حزب العدالة والتنمية الحاكم، و51 عضوا في حزب الشعب الجمهوري، و50 من نواب حزب الشعوب الديمقراطي، وكذلك 9 نواب من حزب الحركة القومية وقضية واحدة ضد نائب مستقل. وربتط ثلث القضايا بشبهة دعم الإرهاب، وبعد رفع الحصانة عنهم، سيلاحقون قضائيا، وقد وقال أردوغان، في مقابلة تلفزيونية “لا يريد شعبي رؤية هؤلاء الذين يحظون بدعم منظمة إرهابية، في البرلمان”، في إشارة إلى نواب حزب الشعوب الديمقراطي الذي يتهمه الرئيس التركي بمساندة مقاتلي حزب العمال الكردستاني المحظور، وسيدخل القانون حيز التنفيذ بعد توقيع الرئيس رجب طيب أردوغان عليه، وسيؤدي إلى رفع الحصانة البرلمانية عن 138 من نوابه، الذين توجد بحقهم ملفات تحقيق، في خطوة تفسح المجال أمام محاكمتهم ، اذ يرى فيه الحزب الرئيسي المؤيد للاكراد مناورة للحكومة لابعاد نوابه ، وذلك لإجراء تعديلات على دستور البلاد دون إجراء استفتاء شعبي ، وعلى رأسها تحويل الحكم في تركيا من برلماني الى رأسي ، وهنا سؤال يطرح نفسة بقوة الأن بعد وقوف الحزاب معه كلها وبالاجماع في رفض الانقلاب هل مازال أردوغان عازم على توقيع هذا القانون ؟ ..

هناك من مات فرحا بسحل الجنود الاتراك في الشوارع وإذلالهم وتعريتهم وقتلهم ، وفي صورة لم نعهدها لأول مرة نرى اتراك يقتلون جنودهم بوحشية ، ووكالات الانباء تعرض صور بشعة ومؤلمة وقاسية لجثث جنود اتراك مقطوعة الرأس وقد مثل بجثثهم على يد ميليشيا الحزب الاسلامي الحاكم الذي يقوده اردوغان ، صورة الجيش إهتزت هيبته وعقيدته انتهت ، ولم يعد الجيش القوي المتماسك كما كان من قبل على طول قطاعاته بعد الان، فتركيا وجيشها اليوم يختلف تماما عن تركيا وجيشها ما قبل 15 تموز2016 ، الجيش التركي العظيم انتهى ، وهذا ما سوف نراه في الايام القادمة ، منذ فترة واردوغان يتحدث على ضرورة تطهير القوات المسلحة ، وهذا ما قام به الان ، حيث تم القبض على اكثر من 3000 قائد ومسؤول عسكري من بينهم 35 من قادة الجيش ذو الرتب الكبيرة يمتلكون الخبرة والكفائة، وهذا ما سوف يؤثر على علاقة النيتو بتركيا التي تعول كثيرا على قدرات الجيش التركي وخبرات قادته العسكرين في كثير من عملياتها القتالية في المنطقة ، أخيرا ما يقوم به اردوغان هو حل وتفكيك قواعد الجيش التركي ، وضرب التقاليد وتلك الهوية وتلك الروح العسكرية للجيش التي كانت ضمان وأمان لتركيا موحده قوية ، وهذا ماحدث للجيش العراقي على يد الحاكم المدني الاميركي السابق بول بريمر، ولكن كلا بطريقته ، وسوف يذكر التاريخ أن هناك كان جيش تركي عظيم تعرض لضربات تخلخل قوانينه وتركيباته وهيبته ، وطمس تاريخ مجيد وحقيقي لجيش له دور فعال ومؤثر في تشكيل المنطقة ، إنتهى على يد حالم أسمه أردوغان .

أخبار ذات علاقة

ترك الرد

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

أهم الأخبار

اخترنا لكم

المكتب الإعلامي الفلسطيني في أوروبا