الرئيسيةمختاراتتقارير وتحقيقاتاللاجئ أبو سرّيس "يعود" إلى مدرسة الكفرين

اللاجئ أبو سرّيس “يعود” إلى مدرسة الكفرين

أعادت الحلقة (52) من سلسلة ” ذاكرة لا تصدأ” لوزارة الإعلام في محافظة طوباس والأغوار الشمالية، واللجنة الشعبية للخدمات، الحنين إلى ذاكرة اللاجئ أحمد صالح أبو سريس، في اليوم ذاته لتدشين العام الدراسي الجديد.

وروى أبو سريس بوجه حزين قصة مدرسة الكفرين، التي تعلم فيها الصفين الأول والثاني الابتدائي، واستجمع حال المكان المحاط بالأشجار، فيما عجزت الأيام عن اختطاف تفاصيل الغرفة اليتيمة لمدرسة القرية الواقعة جنوب شرق حيفا، مثلما يتذكر جيدًا كتاب (راس روس) للراحل خليل السكاكيني.

غرفة يتيمة

يسرد بقلب مكلوم: لا أنسى افتتاح العام الدراسي عام 1946، فقد كنا في غرفة واحدة تضم المدرسة كلها، وقسّمنا المعلم نعيم دروة، القادم من نابلس، إلى أربعة صفوف لا تفصلها غير مسافة قصيرة بين المقاعد في السنة الأولى، وفي صفنا الثاني علّمنا الأستاذ نايف سمور (من سكان يعبد)، أما الطالبة الوحيدة بيننا فكانت سهيلة شاكر عبد الجواد، وظلت منفردة على مقعد خاص، فيما رفض سائر أهالي القرية إرسال بناتهم إلى المدرسة.

يتابع أبو سرّيس: تعلمنا الصف الأول في المدرسة القديمة وسط الكفرين، ولما خاف الأهالي علينا من سقوط البناء القديم والمتهالك، نقلونا بسرعة إلى غرفة مستأجرة شمال القرية يملكها أبو إبراهيم سرحان، وكنا نستمع إلى طابور الصباح، ثم يُدخلنا الأستاذ ليبدأ بتدريس كل صف، ويُعطي طلبة الصفوف الثلاثة واجبات وتمارين لحلها ولتوفير الهدوء للباقين، ويساعده في التعليم الطلبة الأكبر والأكثر اجتهادًا.

حب وورد

ووفق الراوي، فقد كان التلاميذ يدرسون في صفهم الأول اللغة العربية والحساب والقرآن الكريم، وما زالت ذاكرته تصون الأبيات الشعرية التي تعلمها عن القهوة: “أنا المحبوبة السمرا، وأجلي في الفناجين، وعود الهند لي عطر، وذكري شاع في الصين”. مثلما يلم قليلاً بمقطوعة: “للورد عندي محل، لأنه لا يمل، كل الرياحين جند، وهو الأمير الأجل، إن غاب عزوا وباهوا، حتى إذا عاد ذلوا”. فيما كان يتشارك 3 و4 طلاب على مقعد واحد، ولم تكن هناك مدرسة منفصلة للبنات.

ويضيف: كان على من يريد إكمال دراسته بعد الصف الرابع، الذهاب إلى مدارس عكا، وحين يعود عقب الصف السادس، تقام له الاحتفالات والأعراس. وشهدت بلدتنا مناسبات مماثلة عديدة فرحًا بختم الطلبة للمصحف الشريف، فحين يتخرجون من الصف الرابع، تقام لهم حفلات (المولد)، وأذكر الشيخ عبد الله جبارين (من أم الفحم) الذي يقود الحفل والدعاء والابتهالات. أما الأهالي فيوزعون حلوى الحلقوم والقطّين ويتسامرون لوقت متأخر، أما الأكثر يسرًا فاعتادوا وضع ابنهم الخريج على حصان وزفه مثل العريس في حارات القرية.

فلقة وعصا

وبحسب أبو سريّس، فقد حرص المعلم على معاقبة الطلبة الكسالى والمقصرين بـ”فلقة” كانت تتم بمساعدة طلبة الصف الرابع، وهي عادة احترمها الأهالي، ولم يحتجوا عليها؛ لتيقنهم بأنها وسيلة تأديبية تصلح حال المقصر وتردعه، وليست عقابًا مقصودًا بذاته. وكان المعلم يحظى باحترام كبير من الأهالي، وكانت له هيبته.

يتابع: أذكر اللوح الأسود والطباشير البيضاء، وكانت أمهاتنا يفصلن لنا أكياس قماش مثل الحقيبة، ولم تكن بلون موحد، فهي مما تيسر من بقايا قماش. وعادة كنا ندرس على فترتين: الأولى حتى الظهيرة، ثم نعود إلى استراحة غداء في بيوتنا، ونرجع ثانية حتى العصر.

ظل الراوي، الذي أبصر النور منتصف حزيران 1938 يتنافس في مدارس قريته المدمرة ومحمود فلاح عبد الجواد، وكانا يتناوبان على قرع الجرس الحديدي للإعلان عن إنهاء الفترة الدراسية، ويلهوان في حصص الرياضة بالكرة، أما الجو خلال الشتاء فبارد شديد وماطر بغزارة.

جذور وكتّاب

ويضيف أبو سريّس: تعود جذور تسمية عائلتنا إلى والد جدي (سليمان) الذي أنجبته أمه تحت شجرة سرّيس في أراضي القرية، ولا أنسى إلى يومنا الشارع المؤدي إلى المدرسة، وأحفظ ملامح الطريق إلى عين البلد. وسمعنا عن مدرسة أخرى (كتّاب) للشيح فريد جبارين المنحدر من أم الفحم، والذي كان يعلم الأولاد مقابل ما تيسر من قمح وبيض وطحين وغيرها.

كان طلبة الكفرين لا يتلقون اللغة الإنجليزية إلا بعد سنتهم الدراسية الخامسة، وكانت عليهم مهمات النسخ والإملاء، والجغرافيا والتاريخ، والحساب، والصحة، ولم يشاهدوا داخل مدرستهم علمًا لبلدهم أو يرددوا نشيد الوطن، بحكم الانتداب البريطاني.

نال الراوي شهادة الخامس الثانوي (مترك لندن) عام 1958، وبعد عام واحد بدأ نظام “التوجيهي” بالظهور، وراح يُدرّس في مخيمي الكرامة والنويعمة على شهادة المدرسة، واستقر عام 1961 معلمًا في الفارعة للرياضيات والتربية الإسلامية والفنون اليدوية، وأحب اللغة العربية كثيراً.

يقول أبو سريس: التحقت عام 1966 بمعهد النجاح بنابلس، ودرست سنتين (الدبلوم المهني) وتخصصت الرياضيات. وكان المنهاج مصرياً، وتعلّمنا في الفترة المسائية، وكنا نعلّم الطلبة في الصباح.

ويرى أن المناهج والهيئة التدريسية والأهل والطلبة أنفسهم كانوا أيام زمان أكثر جدية من اليوم، بدليل أن المعلم كان يستطيع تدريس أي مادة بجدارة، وكانت النتائج أفضل، والمعرفة أكثر وأقوى، وحتى اللغة العربية كانت في أحسن حالاتها قياسًا بما تعانيه اليوم.

يضيف الراوي: قطعت نكبة عام 1948 الطريق علينا، ولم نكمل الصفين الثاني والثالث فيها، ولكننا تابعنا مسيرة اللجوء القاسية، ففي يوم 12 نيسان قرر أهالي الكفرين الخروج منها دفعة واحدة، وكانوا يقولون: أسبوع ويعود كل شيء لطبيعته، لكن ما أن خرجنا إلا ونسفت العصابات الصهيونية البلدة عن بكرة أبيها، وبدأنا مرحلة الشتات في أم الفحم ورمانة (قضاء جنين) لسنتين، ثم مخيم الفارعة التي لا يزال ينتظر العودة والتئام الجروح.

بوح ورصد

بدوره، أشار منسق وزارة الإعلام في طوباس عبد الباسط خلف، إلى أن “ذاكرة لا تصدأ” الذي يمضي في سنته الخامسة، وفر مساحة بوح للشهود على مرارة النكبة، واستطاع تقديم وصف لتفاصيل الحياة في القرى المدمرة، بمدارسها ومزارعها ومهنها وأفراحها وأحزانها ومواسمهما وتجارتها وكل أشكال الحياة فيها، ولم يكتف بسرد جرح النكبة وفصول الاقتلاع من المدن والقرى المُدمرة.

أخبار ذات علاقة

ترك الرد

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

أهم الأخبار

اخترنا لكم

المكتب الإعلامي الفلسطيني في أوروبا