الرئيسيةمختاراتمقالاتعن «الأرضين» الواحدة: «أرض فلسطين» و«أرض اسرائيل»

عن «الأرضين» الواحدة: «أرض فلسطين» و«أرض اسرائيل»

بقلم: عماد شقور

تنازعت امرأتان على طفل، ادّعت كل منهما انه ابنها، فحكم سليمان ان يقطع الطفل إلى نصفين متساويين، لكل واحدة من الإمرأتين نصف، فانتفضت الأُم الحقيقية وتنازلت عن حقها، منعا لقطع الطفل، وعرف سليمان، واي عاقل آخر، انها هي الأّم الحقيقية للطفل. واصبح اسم سليمان منذ تلك الحادثة، «سليمان الحكيم»، وهو عند اليهود «الملك سليمان»، اما عند المسلمين فهو «النبي سليمان»، لأن المسلمين، على ما يبدو، يحبون «الانبياء» اكثر من غيرهم.
قليلة هي اللغات الحيّة في العالم التي فيها «المُثنّى». فغالبية لغات الارض تمتلك صيغتين فقط: المفرد والجمع، اما لغتنا العربية، وقلة ضئيلة من لغات البشر، فيتربّع فيها المثنى بين المفرد والجمع. اضافة إلى اللغة العربية، فان في اللغة العبرية بعض كلمات واسماء تصاغ بصيغة المثنى، مثل كلمات تعني المقص او الشفتين او العينين وما شابههما. ولفلسطين الواحدة اسمان، (في زماننا على الاقل): «ارض فلسطين» بلغة الفلسطينيين والعرب، و»إيرتس يسرائيل»، (ارض اسرائيل)، بلغة يهود اسرائيل والحركة الصهيونية. وقد تمكنت الحركة الصهيونية من فرض هذه التسمية، ابتداء من منتصف عشرينات القرن الماضي، مع اصدار العُملة الفلسطينية الورقية والمعدنية، حيث تجد على جميع قطع العملة التي اصدرتها «حكومة فلسطين»، الخاضعة للانتداب البريطاني، بعد كل كلمة «بَلِشتينا»، (أي فلسطين بالعبرية)، حرفين بين هلالين، هما الف وياء باللغة العبرية اختصارا لكلمتي «إيرتس يسرائيل».
على ان واقع الحال يدل على اننا نحن، الفلسطينيين والعرب، نعشق الثنائيات اكثر من غيرنا من أُمم وشعوب ودول الارض: عندنا «الأُمّتان» العربية والإسلامية، وعندنا «القيادتان» القومية والقُطرية، وعندنا «اللّجنتان» التنفيدية والمركزية، وعندنا «الضّفتان» الغربية والشرقية، (رغم ان اسرائيل سرقت النهر نفسه الذي يجعل من ارض واحدة «ضَفّتين»).
ما لنا ولكل ذلك من «مُثنّى» اللغة وثنائيات السياسة، وعشق التواصل، كما عشق الانفصال ايضا. نحن الآن في أوج مرحلة تاريخية، يطالب فيها الفلسطينيون والعرب وغالبية دول العالم، بل وربما نسبة عالية جدا من الاسرائيليين ايضا، بـ»دولتين لشعبين» على «أرضين»… واحدة. ولا يدور الكلام حول قطع «الأرضين» الواحدة إلى نصفين متساويين، بل قطعها إلى «دولتين» لاحداهما 78٪، وهي الدولة المحتلة المغتصِبة بفعل ما تملكه من قوة عسكرية واقتصادية وحلفاء، و22٪ للدولة المستعمَرة الضعيفة. ورغم ذلك، ترفض الدولة القوية المستعمِرة حتى هذه «القسمة الضّيزى». (اين انت يا سليمان الحكيم لنشكو لك همّنا؟). ثم، ما العمل؟.
بداية، يجب تركيز النظر والاهتمام على الاحتمالات التي يمكن ان تتطور الامور باتجاهها، في المستقبلين، القريب والمتوسط، وعلى ظروفها وامكانيات تأثيرنا فيها وعليها، لتفادي مضارِّها، وتعظيم منافعها. ثم بعد ذلك، التركيز على البدائل المتوفرة امام اسرائيل. ويبقى بعد ذلك ما هو أهم: التركيز على البدائل المتاحة امام شعبنا، ووضع البرامج المرحلية والمستقبلية لها، والعمل الجاد لتوفير المستلزمات الضرورية لانجاح الافضل بين البدائل، في كل مرحلة. وابرز هذه المستلزمات هي: التخطيط السليم، وتأمين التكاليف المادية، وتحضير الحاضنة الشعبية الفلسطينية، لتكون هي رأس الحربة في أي تحرك، وتامين حلفاء في الساحة العربية، واهم من ذلك في الساحة الدولية، والاهم من كل ذلك: في الساحة الاسرائيلية نفسها.
في ما يخص احتمالات تطور الامور في هذه المرحلة، ثبَتَ ان القضية الفلسطينية، هي أُم وأصل وأساس كل ما تشهده المنطقة والمحيط من مشاكل، بفضل اصرار مجمل جماهير الشعب الفلسطيني، في جميع اماكن تواجدهم، على ارض الوطن كله، كما في مناطق اللجوء، على حقوقهم الشرعية التي اغتصبت على مدى عقود متتالية، ابتداء من مطلع القرن الماضي. ثم، وهذا لا يقل اهمية، بسبب الحجم الهائل لطغيان الحركة الصهيونية، ولاحقا اسرائيل، والمبالغة في اعتماد سياسة غريبة عن لغة العصر وقيمه وقوانينه، بما هو عليه من احتلال، ومن استعمار مباشر، ومن تمييز عنصري، يستخدم لغة وتعابير مضت ايامها، وزالت من قواميس الحاضر، وبقيت في قواميس التاريخ كلمات وتعابير مُدانة.
تمكنت الحركة الصهيونية بداية، وابنتها اسرائيل لاحقا، من تحقيق كل هذه الاجحافات بفضل عامِلَي قوة: اولهما: اتقان بناء تحالفات متينة مع الاقوى بين الدول في كل عصر وعصر. وثانيهما: التلفُّع بعباءة «الضحية» للوحش النازي ولجميع عمليات الاضطهاد للاقليات اليهودية في دول اوروبا المسيحية، بشرقها وغربها. في كلا القبعتين: قُبّعة اتقان بناء التحالفات، وقبّعة الضحية، نلاحظ هذه الايام تَلَفاً ظاهرا للعيان بكل وضوح. فبين اسرائيل واقوى حلفائها في اوروبا: بريطانيا وفرنسا والمانيا، خلافات عميقة، بل انه بين بعضهم واسرائيل، (فرنسا مثلا)، ما صنع الحداد، وربما النجار ايضا. وفي أمريكا ذات الحزبين: الديمقراطي والجمهوري، اللذين يتنافسان في تأييد ودعم الخطوات الاكثر همجية في السياسة الاسرائيلية، نلاحظ هذه الايام ان نصفهم الديمقراطي بدأ في التحضير لاجراءات الطلاق، ان لم يكن مع اسرائيل ذاتها، فمع السياسة الاسرائيلية اليمينية العنصرية على الاقل.
اما فيما يخص قُبّعة «الضّحية»، فان ما نلمسه من نجاحات ملفتة، لحركة مقاطعة اسرائيل وسحب الاستثمارات منها وفرض عقوبات عليها، BDS، يشكل دليلا قاطعا على بدء اهتراء قُبّعة الضحية، وبدء مرحلة إلباس اسرائيل قُبّعة «الجلاد».
هذا عن صورة الاحتمالات التي يمكن ان تتطور الامور باتجاهها، في المستقبلين، القريب والمتوسط. فماذا عن البدائل المطروحة الممكنة امام الاسرائيليين، والبدائل المطروحة الممكنة امام الفلسطينيين؟. ذلك ما قد يصلح ان يكون موضوعا لكلام لاحق. ثم، ماذا عن جسد الطفل الذي حكم سليمان بقطعه إلى نصفين، وعن جسد «ارضين» واحدة؟ من الخاسر من القطع؟. من الخاسر من عدم القطع؟. ذلك ايضا ما قد يصلح ان يكون موضوعا لكلام لاحق.

٭ كاتب فلسطيني

أخبار ذات علاقة

ترك الرد

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

أهم الأخبار

اخترنا لكم

المكتب الإعلامي الفلسطيني في أوروبا