الرئيسيةمختاراتمقالات«غلاف القدس» غطاء للتهويد

«غلاف القدس» غطاء للتهويد

بقلم: نبيل السهلي

انشغلت وسائل الإعلام العربية والدولية خلال السنوات الست الماضية بتحولات المشهد العربي، فيما ارتفعت وتيرة النشاطات الاستيطانية، خصوصاً في مدينة القدس. وأطلقت وسائل الإعلام الإسرائيلية مصطلح «غلاف القدس» على النشاط الاستيطاني الإسرائيلي في المدينة المقدسة للحد من رد الفعل المحتمل من أهالي القدس، فقد قطعت الحكومة الإسرائيلية شوطاً كبيراً في بناء الجدار العازل حول المدينة، ليبتلع قسماً كبيراً من الأراضي الفلسطينية ويعزل المدن والقرى عن بعضها بعضاً. المصادر الإسرائيلية والفلسطينية على حد سواء أكدت أن العمل في إنشاء «غلاف القدس» التهويدي وصل مراحل متقدمة لابتلاع مزيد من الأراضي في عمق الضفة الغربية الفلسطينية لمصلحة ما تطلق إسرائيل عليه «بلدية القدس»، وطرد من أمكن من المقدسيين، وعزل الآخرين عن أهاليهم في مدن الضفة الفلسطينية.

بعد احتلال الجيش الإسرائيلي الجزء الشرقي من مدينة القدس في حزيران (يونيو) 1967، حاولت السلطات الإسرائيلية القضاء على التراثين الإسلامي والمسيحي في المدينة المقدسة للإطباق عليها، وبالتالي تهويدها في شكل كامل. وتمثل النهج الإسرائيلي في عدد من الإجراءات التي تمت ضد الأماكن الإسلامية والمسيحية بهدف تدميرها وتشويه الطابع الحضاري للقدس وإزالة الأماكن المقدسة والقضاء بالتالي على ما تمثله هذه الأماكن من ارتباطات إسلامية ومسيحية بالمدينة.

ففي 21 آب (أغسطس) 1969 دبرت السلطات الإسرائيلية عملية لإحراق المسجد الأقصى، كما قامت بمحاولة لنسفه في بداية العام 1980 على يد الحاخام المقتول مئير كاهانا، لتتكرر الاعتداءات منذ العام 1967 على الأماكن المقدسة الإسلامية والمسيحية. وجرت محاولات إسرائيلية لإقامة الصلوات في ساحة المسجد الأقصى وسرقة بعض محتويات كنيسة القيامة وادعاء امتلاك أراضٍ تابعة لبعض الأديرة المسيحية في القدس.

اللافت أنه بعد إنشاء إسرائيل طوقين من المستوطنات حول مدينة القدس، توجت ببناء 26 مستوطنة إسرائيلية يتركز فيها 180 ألفاً من المستوطنين المتطرفين اليهود، تسعى حكومة بنيامين نتانياهو في تسابق مع الزمن إلى جعل مشروع «غلاف القدس» التهويدي حقيقة على الأرض، لتنفيذ سياسة استيطانية ديموغرافية مبرمجة تهدف إلى استكمال تهويد المدينة بحلول العام 2020. ويسعى هذا المشروع إلى طرد أكبر عدد من العرب الفلسطينيين من المدينة بذرائع التطوير، والعمل في الوقت ذاته على جذب أكبر عدد من المهاجرين اليهود حتى العام المذكور، ليصبح مجموعهم في مدينة القدس بشقيها الشرقي والغربي مليون مستوطن يهودي. والغاية من ذلك كله محاولة فرض الأمر الواقع الجغرافي والسكاني الإسرائيلي في المدينة، وتدمير حضارتها التي ما زالت من أهم الدلالات على تاريخ الإنسان العربي فيها.

ولترسيخ المشروع التهويدي المذكور، طبقت السلطات الإسرائيلية قوانين عنصرية جائرة على أهالي القدس وأرضهم، فمن جهة استخدمت «قانون الغائب» للسيطرة على أراضي المقدسيين الموجودين خارج المدينة، ومن جهة أخرى سعت إلى إفراغ المدينة من خلال تطبيق قوانين سحب الهوية الإسرائيلية من المقدسيين الذين يقيمون لأكثر من عام خارج القدس، وكذلك الحال بالنسبة إلى العرب المقدسيين الذين حصلوا على جنسيات أخرى من دول العالم، ما يعني أن خمسين ألف مقدسي مهددون بسحب هوياتهم وطردهم والسيطرة على عقاراتهم وأراضيهم.

وفي إطار سياساتها التهويدية في القدس، كثفت المؤسسة الإسرائيلية من مخططاتها لفرض الأمر الواقع التهويدي، ومنها مخطط للقيام بعمليات جرف وتدمير آلاف المنازل لكسر التجمع العربي في داخل الأحياء العربية في المدينة مثل حي الشيخ جراح والعيزرية. ونتيجة تلك المخططات ثمة 35 ألف مقدسي مهددون بالطرد إلى خارج مدينتهم. وكانت إسرائيل طردت 15 ألف مقدسي أثناء احتلالها القدس الشرقية في العام 1967، وقبل ذلك طردت 60 ألف مقدسي في العام 1948 بعد ارتكاب مجازر مروعة آنذاك.

ويجمع متابعون لشؤون القدس على أن الهدف النهائي من استكمال «غلاف القدس» التهويدي ابتلاع ربع مساحة الضفة الفلسطينية، وعزل أكثر من مئتي ألف مقدسي عن ذويهم في بقية مناطق الضفة الفلسطينية. وصادر الجيش الإسرائيلي من أجل ذلك آلاف الدونمات خلال السنوات الماضية.

ولتدعيم هذا التوجه، استصدر الكنيست قراراً يمنع من خلاله التزاوج بين الفلسطينيين في المناطق المحتلة في العام 1948 وتلك المحتلة في العام 1967. كما نشر الجيش الإسرائيلي عشرات المعازل الإسمنتية بين القرى والمدن الفلسطينية. ومن جهة أخرى، وللإطباق على مدينة القدس، أُعلنت في إسرائيل بعد انتخابات الكنيست التي أجريت في آذار (مارس) 2015 خطط لإقامة مئات الوحدات الاستيطانية، ومن أجل ذلك منحت وزارة المال مساعدات سخية تقدر بآلاف الدولارات لكل عائلة يهودية توافق على السكن في مدينة القدس.

ويبقى القول إن المتتبع للشأن الإسرائيلي يلحظ جلياً أنَّ إسرائيل استغلت انشغال الإعلام العربي بتحولات المشهد السياسي، لبناء جدران عنصرية إسرائيلية بمسميات تطويرية على شاكلة «غلاف القدس» لمنع التواصل الجغرافي والديموغرافي بين العرب المقدسيين وأهلهم في الضفة الغربية، وصولاً إلى تهويد المدينة في العام 2020. وهذا هو الهدف في المدى المنظور من النشاط الاستيطاني المحموم على مدار الساعة.

نقلاً عن جريدة الحياة اللندنية

أخبار ذات علاقة

ترك الرد

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

أهم الأخبار

اخترنا لكم

المكتب الإعلامي الفلسطيني في أوروبا