ما يليق بفلسطين

لو كان “أبو السبح” قد قرأ شيئا عن تاريخ التراث الشعبي الفلسطيني والعربي، وقبل ذلك لو قرأ شيئا عن تاريخ فلسطين الحضاري والإنساني، لما قال ما قال عن “الدحية” التي هي أيقونة التعابير البدوية، لا في فلسطين فحسب بل وفي العديد من الدول العربية، والتي كانت تعقد حلقاتها قديما قبل أية معارك، لإثارة الحماسة بين أهلها، وعند نهايتها تعقد لوصف وتمجيد البطولات التي شهدتها هذه المعارك، ولو كان “أبو السبح” على قدر من الذائقة الجمالية لرأى تمايل الفرسان على ظهور أفراسهم في حركة رجال “الدحية”..!! لكن المسألة في جوهرها ليست مسألة جهل وانعدام ذائقة فحسب، والحال ذاته عند “صالح الرقب” الذي بتخبيصاته النقدية لم يعد حتى أستاذا للشريعة كما مسماه في الجامعة الإسلامية بغزة، لأن الشريعة تلزم بحسن القراءة للنص أيا كان، ومن حسن القراءة وخاصة للنص الأدبي إدراك الوظائف والغايات الجمالية للغة وخاصة في المجاز والكناية والتعريض، التي تحيل الكلمة إلى معناها البعيد، في إزاحات هي روح الكتابة الابداعية واسلوبها، وهذا هو المنجز الأبرز الذي حققه شاعر فلسطين الأكبر محمود درويش، وخاصة في ما يمكن تسميته بنصوصه الإيمانية، وقصيدة “أنا يوسف يا أبي” النموذج الأوضح والأبلغ والأجمل في هذا السياق، ولو كان “الرقب” قرأ شيئا من نتاجات شيخ النقاد العرب، الفلسطيني “إحسان عباس” لتعلم فهما سليما للنقد الأدبي، فما أطلق شيئا من تخبيصاته عن هوميروس فلسطين، محمود درويش، غير أن المسألة في جوهرها كما قلنا وكما بات واضحا تماما، ليست مسألة جهل في التاريخ وانعدام الذائقة الجمالية والمعرفية فقظ، وإنما هي مسألة الثقافة الإخوانية، الظلامية بامتياز، واللاوطنية تماما، الثقافة التي تكره الإبداع، وتناهض الاجتهاد حتى في شؤون الشريعة، الماضوية بنقل مجزوء من كتب الفقه والشريعة، ولأغراض محض سياسية، كانت وما زالت وستبقى مشبوهة على أقل تقدير لطالما انها حرضت ولا تزال تحرض على الوطن والوطنية، تحت ذريعة العالمية التي هي بعض توليفات “الماسونية” حيث المقدس عندها، الجماعة في هيكلها فقط لا غير…!!!

لا يليق ولن يليق بفلسطين هذه الثقافة التي كلما تمكنت تمادت في تخبيصاتها التدميرية، وتاريخيا لا ثقافة في فلسطين غير ثقافة المقاومة الابداعية، ثقافة النهوض والعمل والبناء والتطلع الوطني والقومي، في تجلياته الإنسانية، بدعوته للمحبة والكرامة والحرية والسلام، وهذه بالقطع ثقافة الحق والعدل والجمال، والتي لن يكون سواها في فلسطين فهذه هي ثقافتها الوطنية، منذ أن خط كنعان الأول نصوص التشريعات الأولى في اللآلئ الكنعانية، والتي استندت ولا تزال تستند الى روحها، مختلف أعمال الإبداع الفلسطينية، من أغنيات الزراعة والبناء، إلى أغنيات الرواة والرعاة، إلى أغنيات التطريز في ثوب عاصرات الزيت وحارسات نارنا الدائمة، إلى أغنيات العتابا والميجنا في مكابدات الحب النبيل، إلى أغنيات اللون في اللوحة والكلمة حتى صاح محمود درويش “على هذه الأرض / سيدة الأرض / كانت تسمى فلسطين /صارت تسمى فلسطين سيدتي/ استحق الحياة لأنك سيدتي” وحقا أما الزبد فيذهب جفاء، وأما ما ينفع الناس فيمكث في الأرض.

كتب: رئيس تحرير صحيفة الحياة الجديدة

أخبار ذات علاقة

ترك الرد

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

أهم الأخبار

اخترنا لكم

المكتب الإعلامي الفلسطيني في أوروبا