الرئيسيةمختاراتاخترنا لكمالثقافة الديمقراطية لدى التنظيمات الاسلاموية: الرفض أم الخلط؟

الثقافة الديمقراطية لدى التنظيمات الاسلاموية: الرفض أم الخلط؟

بقلم: بكر أبوبكر

في سلسلة من الحلقات حول الثقافة الديمقراطية لدى التنظيمات الاسلاموية بدأنا بالحلقة الاولى حول مفهوم الديمقراطية كما نراه لننتقل لاحقا حول الكيفية التي تعامل بها الاسلامويون مع المفهوم في هذه الحلقة الثانية حيث نرى الخلط والرفض وتذبذب القبول والتمنع

الاسلامويون بين الرفض والخلط
الديمقراطية أن فهمناها حوارا ومشاركة وتداول، فلا يعد هذا المفهوم متغلغلا في كل التنظيمات الاسلاموية سواء الموسومة أنها متطرفة أو إرهابية، أو حتى تلك الموصوفة بالمعتدلة إلا من رحم ربي منها، وهي فئة قليلة نأمل بإذن الله أن تزداد وتكبر لتغدو حينها قوة تضاف لقوى المجتمع المتعددة جميعا.
مرّ مفهوم الديمقراطية (والحزبية والتعددية والشراكة) بمراحل لدى التنظيمات الاسلاموية فمن بُغض أو تكفير الحزبية والأحزاب، إلى تكفير الديمقراطية باعتبارها مؤشر “العلمانية الكافرة” هي الأخرى وباعتبارها حُكم العِباد في ظل أن الحكم بالأرض لله رب العباد كما تفهم المعنى كل أو غالب التنظيمات الاسلاموية.
وقع الخلط منذ البداية بين مفهوم الانتماء للاسلام -أو هكذا أريد له- وبين الانتماء للحزب الديني (الاسلامي)، ليصبح أن لا اسلام بلا انتماء لحزب ديني، وعليه يكون الوعاء الوحيد المتاح هو “الاخوان المسلمين” ناهيك عن أنه كان الحزب الاسلاموي الأول (والوحيد) في فترة كان ولم يكن غيره، في بدايات القرن العشرين،[1] وحيث ربط حسن البنا في رسائله بين العقيدة والإخوان كجماعة بوضوح فهو يقول (أن أن لا خير الا في طريقكم، ولا صواب الا فيما تعملون) ويقول: (غاية الاخوان المسلمين إسلامية صميمة، ولا تخرج عن الاسلام ولا تحيد عنه قيد شعرة)[2]، ليضيف أنه (على كل مسلم أن يعتقد أن هذا المنهج-منهج الاخوان-كله من الاسلام) ويستطرد في رسائله ليحدد أن فهم الاسلام هو ما يفهمه هو والاخوان المسلمين فيما يسميه الأصول العشرين حصريا.[3]
وعن الفرضية الخاطئة بالربط بين الاسلام والحزب والديني والسياسي يقول الشيخ محمد متولي الشعراوي[4] أن (الانتماء إلى حزب ديني ليس من ركائز الإسلام، ولا يضير إسلامي شيء إنْ لمْ أنْتَمِ إلى هذا الحزب. فأنا مسلم قبل أن أعرفكم، وأنا مسلم قبل أن تُكوّنوا حزباً، وأنا مسلم بعد زوالكم، ولن يزول إسلامي بدونكم. إنّنا كلّنا مسلمون، وليسوا هم وحدهم من أسلموا…..، هو حزب سياسي قبل أن يكون ديناً وهو يمثل الفكر السياسي لأصحابه ولا يمثل المسلمين.)
كما وقع الخلط منذ البداية بين مفهوم (التديّن) ومظاهره وبين التقوى ونسبته للحزب ذاته وأصحابه، ووقع الخلط أيضا بين التدين مع مفهوم العمل السياسي، كما أصبح الخلط بين العقيدة (باعتبارها صُلب الدين وأحد ثوابته الرواسخ) وبين الشأن الحياتي (السلطاني/ السياسي) المتغيّر، حيث افترضت هذه الجماعات الربط بعلاقة وهمية أنتجت الدمج بين العقيدة “الثابتة” وبين الشأن الإنساني السياسي “المتغير”،[5] وبين حاملي الفكرة أنفسهم، فتقدس الثلاثة معا على الأقل في وعي الناس البسطاء وما أكثرهم، (أي ربط المعتقد/الاسلامي، مع الشخص أو التنظيم حامله، ورأيه السياسي المتغير)[6] في علاقة أفرزت تعددية الفهم المتطرف لمعنى “الشريعة” ومعنى “العقيدة” ومعنى “الديمقراطية”.

بين “الاسلام السياسي” و”الاسلاميين”
بل لن الخلط وأحيانا المتعمد بين الإسلام كدين وحاملو دعوته إلى الدرجة التي أطلق فيها عليهم تخصيصا كجماعات صفة (الإسلام السياسي) رغم أن الإسلام واحد لا ينقسم، أو كما أطلق عليهم من الغرب أولا (الاسلاميين) رغم عدم اتفاقنا مع تعريفهم عليه إضافة لجدته، إلا أن الخلط وقع وبأهداف ليست صحيحة بظننا، ما جعل حتى عديد التنظيمات الاسلاموية تفاخر وتكابر باستخدام المصطلح ما دام يُلبسها هذا الثوب أي “الاسلامي” الحصري في عقول الناس، وحول الموضوع يذكر الاخواني د. رحيل محمد غرايبة[7] -ما نتفق معه فيه- أن (هذه المجموعات المتعددة لا تمثل الإسلام، ولا تنطق باسم الإسلام، وليست وصية على الإسلام، ولم توكلها الأمة بهذه المهمة، وإنما هم عبارة عن مجموعات من الناس التي تحاول أن تقدم اجتهادها للأمة، فإما أن تقبله أو ترفضه، وقبوله ورفضه لا يعني رفضاً للإسلام ولا يتعلق بقبوله، وإنما هو حكم على اجتهاد هذه المجموعة من حيث قربه من الصواب أو بعده عن الحق الذي يراه غيرهم، وينبغي أن تكون هذه الآراء عبارة عن مفاضلة بين الاجتهادات والرؤى والأفهام المختلفة، ولا يملك أحد أن يفرض رأيه واجتهاده لبعض القضايا الدينية أنها الدين بعينه، فهذا لا يصح ولا يجوز.)[8]

الأدبيات الاسلاموية و5 تكفيرات
ما زالت أدبيات التيارات الاسلاموية تحفل وتحتفل بمفهوم (أهل الحل والعقد)[9] وهم الصفوة الحاكمة، وبمفهوم (الشورى) الملتِبس ما بين الشروط المطلوبة بالعضو ، وما بين أنها مُعلِمة أو ملزمة، ولم ينقطع فيها الجدل حتى الآن.
تحفل أدبيات الاسلامويين بإسقاطات عديدة تأنف من التعامل مع النتاج الفكري الغربي (ينظر له باعتباره الغرب الصليبي، أو الصليبي الماسوني أو الصليبي اليهودي) ، فيما تستهلك كل منتجاته واختراعاته بل ونظرياته في العلوم المختلفة دون وجل، رغم أنه من صنع (الكفار)! وهي برفضها أفكار (الكفار) وفلسفتهم كفّرت منذ البداية مفاهيم الشيوعية والقومية والعلمانية والوطنية[10] والديمقراطية، فأصبح من يوصم بأحد هذه التهم فهو وطني = وثني = كافر، أو هو ديمقراطي والديمقراطية ضد شعار (لا حكم إلا الله)، فهو كصاحبه وكذلك الأمر مع العلمانية والقومية والشيوعية. [11]
جاء حسن البنا رحمه الله في مرحلة تاريخية عاصفة حاول فيها بجهد واضح أن يختط دربا بين دروب شتتته وحيّرته وذبذبته، وافترض تشتيتها لأمة المسلمين، فحارب على جبهتين لا سيما وأنه كان الحزب الإسلاموي الوحيد حينذاك، في ظل تغريب وفي ظل شيوعية، لذا فهو يصنع فكر الواقع حينها، ويعتبر أن كل العبء ملقى على عاتق حزبه/جماعته، إذ يقول: (إن العالم الآن تتجاذبه شيوعية روسيا من جانب، وديمقراطية أمريكا من جانب آخر، وهو بينهما مذبذب حائر لن يصل عن طريق إحداهما إلى ما يريد من استقرار وسلام، وفى أيديكم أنتم قارورة الدواء من وحى السماء، فمن الواجب علينا أن نعلن هذه الحقيقة فى وضوح، وأن ندعو إلى منهاجنا الإسلامي فى قوة، ولن يضيرنا أن ليس لنا دولة ولا صولة؛ فإن قوة الدعوات فى ذاتها، ثم فى قلوب المؤمنين بها، ثم فى حاجة العالم إليها، ثم فى تأييد الله لها متى شاء الله أن تكون مظهر إرادته وأثر قدرته ورحمته (وَنُرِيدُ أَن نَّمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِى الأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ*وَنُمَكِّنَ لَهُمْ فِى الأَرْضِ وَنُرِىَ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا مِنْهُم مَّا كَانُوا يَحْذَرونَ)[القصص: 5-6].)[12]
بل ويضيف البنا[13] معتبرا أن (غايتهم: فهم يريدون سيادة الفكرة الإسلامية وهيمنتها على كل مظهر من مظاهر الحياة .. مع الانتفاع بكل جديد لا يتنافى معها ..مهمتهم: مهمة الإخوان تكوين الأمة المسلمة والاضطلاع بعبء تبليغ دعوة الرسول الأعظم من جديد! ..رسالتهم: ورسالة الإخوان إصلاح شامل يتناول كل نواحي الحياة .. في الأمم الإسلامية عامة ومصر على وجه الخصوص ..)
ويقول الاخواني الدكتور محمد عبد الرحمن المرسي في مقاله (أبعاد الصراع بين الحق والباطل): أنه (من الأهمية بمكان تعديل وتصويب العقل المسلم وردّه إلى أصول منهجه الإسلامي:فالمنهج الإسلامي له موازينه ومقاييسه الخاصة به، وبالتالي رؤيته الواضحة المنبثقة عن تلك القيم والموازين والأهداف.ويجب أن يحذر المسلم عند التفكير والانطلاق بالرؤية من جرّه وصبّه في قوالب خارج تلك المفاهيم الربانية وبالتالي تضطرب عنده البوصلة.)

الحواشي

________________________________________
[1] تواجدت منظمة غير سياسية هي: جمعية الشبان المسلمين، قبل نشأة الاخوان المسلمين، واستمرت متواصلة.
[2] من رسالة “الاخوان المسلمين” في 12 اكتوبر 2016 تحت عنوان: الغاية واستاذية العالم.
[3] يقول حسن البنا نصا: “إنما أريد بالفهم :أن توقن بأن فكرتنا إسلامية صميمة و أن تفهم الإسلام كما نفهمه ، في حدود هذه الأصول العشرين الموجزة كل الإيجاز” والرابط عن الأصول العشرين في موقع المعرفة http://www.marefa.org
[4] محمد متولي الشعراوي ( 15 أبريل 1911 – 17 يونيو 1998م) عالم دين ووزير أوقاف مصري سابق. يعد من أشهر مفسري معاني القرآن الكريم في العصر الحديث؛ حيث عمل على تفسير القرآن الكريم بطرق مبسطة وعامية مما جعله يستطيع الوصول لشريحة أكبر من المسلمين في جميع أنحاء العالم العربي، لقبه البعض بإمام الدعاة، وله عشرات الكتب القيمة-عن الموسوعة الحرة
[5] يقول المفكر المستنير سعود الزدجالي في صحيفة الفلق http://www.alfalq.com/?p=8599 (أن “الافتراق” في الدين ومقولاته فرع من الاختلاف في السلطة وأهوائها، ويعيش المسلم العادي حياته اليومية على هوامش الافتراق (الديني-السياسي)) ويضيف قائلا:( أن“الحق” فرعٌ من وضوح البرهان، وما يحاول الدلالة عليه، وليس فرعاً من مكانة الأشخاص وتقديسهم عند الأتباع في المذهب الواحد؛ لذا فإن على المرء أن يتهم رأيه أولاً، ويضعه تحت مجاهر النقد الذاتي؛ فإن العصبية تصنع الغشاوة، وهي تحجب الثغرات؛ وهذا الاتهام للرأي يضعنا أمام “المعقولية” التي تصنع الثقة المتبادلة بيني وبين الآخر المختلف . وتبعا لذلك فإن كثيراً من المصطلحات الدينية، والألقاب المذهبية خادعة؛ من حيث إنها تجعل الإنسان المسلم لا يقترب من الآخر، ولا يحاول اكتشافه، ولكنّه يصطحب معطيات التكريس الديني التي تجعل الآخر شراً محضاً؛ فما يجده في تاريخه أنه يقف على نقيض وعداوة وبراءة.)
[6] يقرر حسن البنا مؤسس “الاخوان المسلمين” أن : “الإسلام عبادة وقيادة ودين ، ودولة وروحانية وعمل وصلاة وجهاد ، وطاعة وحكم ومصحف وسيف لا ينفك واحد من هؤلاء عن الآخر”. رابطا في فهمه الخاص بذلك بين العقيدة والايمانيات التي تمثل الشأن الثابت، وبين متغيرات الفهم والفكر الانساني-السياسي الاسلامي ضمن تقليب الأوجه والعقل في فهم معنى العمل في الدولة والسيف والقيادة.
[7] د.رحيل غرايبة شغل منصب رئيس المكتب السياسي وعضو المكتب التنفيذي لجماعة الإخوان المسلمين في الأردن، وهو لاحقا صاحب مبادرة وطنية في مواجهة “الاخوان المسلمين” الرسميين بالاردن، اسمها “مبادرة زمزم” ضمن تيارات عدة منذ العام 2013
[8]من مقال د.رحيل غرايبة على موقع (نقطة وأول السطر) وفي صحيفة الدستور http://www.noqta.info/page-102692-ar.html
.[9]يقول الشيخ فتحي منصور قاضي المحكمة الشرعية في القدس عن أهل الحل والعقد كنموذج للفكر المستقر: (حق اختيار الحاكم هو للأمة بواسطة أهل الحل والعقد، فالحكم بالإسلام هو عقد عن تراض بين الأمة والحاكم، والبيعة تعني الطاعة والقبول، و الحاكم مقيد بتبني الأحكام الشرعية المستنبطة استنباطاً صحيحاً من الأدلة الشرعية ومقيد بالحلال والحرام،و لا يخرج على الحاكم أو يعزل إلا إذا أظهر كفراً بواحاً)- أنظر موقع http://www.passia.org/
[10] يقول حسن البنا في “رسالة دعوتنا”:”وجه الخلاف بيننا وبينهم فهو أننا نعتبر حدود الوطنية بالعقيدة وهم يعتبرونها بالتخوم الأرضية والحدود الجغرافية ، فكل بقعة فيها مسلم يقول لا إله إلا الله محمد رسول الله وطن عندنا له حرمته و قداسته و حبه و الإخلاص له و الجهاد في سبيل خيره ، و كل المسلمين في هذه الأقطار الجغرافية أهلنا و إخواننا نهتم لهم و نشعر بشعورهم و نحس بإحساسهم “، وكذلك الأمر ينشيء البنا مفهوما مختلفا للقومية في ذات الرسالة.
[11] من المهم الإشارة أن معنى كافر عند هذه التيارات الاسلاموية عامة معناه جواز قتله، أي الكافر=قتل، على فرضية أن من ارتد أو غيّر او بدّل دينه يجب قتله، وهو الحديث المنسوب للرسول (ص)، والذي فسره علماء المسلمين المستنيرين بمعنى أن من يغير دينه ويصبح معاديا أي يتعامل مع الطرف المحارب الآخر هو من يجب قتله فقط، وليس معناه الحد من حرية اعتناق الايمان من خلافه، لأن تكملة الحديث تقول (“المفارق” للجماعة) حيث تعني هنا “المحارب” للجماعة، أي المحارب لجماعة (أمة) المسلمين.
[12] جريدة الإخوان المسلمين اليومية، العدد (720)، السنة الثالثة، 3 ذو القعدة 1367ه- 6 سبتمبر 1948م
[13] لاحظ أن البنا فيما يطلقون عليه (رسائل الإمام البنا) يقول نصا أن: مهمتهم “تبليغ دعوة الرسول الأعظم من جديد”؟! وهذا افتراض النقصان في الأمة! وأنهم وحيدين يقومون بالدعوة، ومن جديد؟!، ما يجعل المساحة أمامهم مفتوحة لاعتبار كل من لا ينتمي لهم خارج عن الملة، أو يحتاج لتجديد وتصويب كما يفهمون هم هذا التبليغ أو التجديد، وفي ذلك حصرية دينية تقترب من مفهوم الطائفة.

أخبار ذات علاقة

ترك الرد

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

أهم الأخبار

اخترنا لكم

المكتب الإعلامي الفلسطيني في أوروبا