الرئيسيةأخبارالرئيسيةالمستشفيات في غزة.. رشاوي وتلاعب بالحجوزات وبزنس عيادات خاصة؟

المستشفيات في غزة.. رشاوي وتلاعب بالحجوزات وبزنس عيادات خاصة؟

أطباء يستغلون حاجة المرضى

تحقيق – أمجد ياغي

لم يعد مستوى الرعاية الصحية في غزة مقنعاً ولا حتى متاحاً كما ينبغي؛ فأصبحت الحملات الإعلامية والمناشدات الموجهة للرئيس ورئيس الوزراء طريقاً لتحصيل هذا الحق المفقود، وفي المستشفيات الحكومية الواقع أكثر بؤساً، وطوابير المواطنين التي تنتظر دورها لإجراء عمليات جراحية، تمتد إلى ثلاث سنوات مقبلة. غير أن الواسطة ومبالغ “فيها شبه رشوى” وتسمى بالبلدي “إكرامية” أصبحت خارطة طريق لأي مريض أضطرت به الحاجة للتداوي في المستشفيات الحكومية .
معد التحقيق توصل إلى أن نسبة 80 بالمئة من الحالات التي قابلها ضمن استطلاع للراي لا يلجؤون عند حاجتهم لعملية جراحية في المستشفى الحكومي لأي اجراء روتيني بقدر ما هم بحاجة لواسطة قوية من “الطبيب المعالج أو معارف الطبيب” تحجز لهم خلال ايام معدودة موعداً لإجراء عمليتهم بدلاً من الانتظار اشهر أو أعوام، أو من خلال مبلغ “الإكرامية”، عن طريق التوجه لعيادة الطبيب الخاصة، ودفعها الى جانب مبلغ الكشفية.
وتنقسم العمليات الجراحية داخل المستشفيات الحكومية إلى قسمين، الأولى طارئة وتتم دون وقت زمني وتخصص غرفة عمليات لها في كل مستشفى لأي حالة عاجلة، والثانية المجدولة وهي محل بحثنا، وتتم بعد عرض المريض على الطبيب داخل العيادة الخارجية، ويتم الحجز فيها من خلال برنامج إلكتروني ينظم مواعيدها داخل كل مستشفى. وكان القسم الثاني هو الذي اشتكت منه الحالات في التحقيق، وفضلت عدم الكشف عن اسمها خشية فقدان حقها بالخدمة.
وعلى مدار اشهر من البحث مع عدد من الحالات، توصل المعد إلى أن بعض الاطباء ساهموا في نشر ثقافة الواسطة داخل المستشفيات وخصوصاً عند الحجوزات، الأمر الذي يحرم عدداً كبيراً من المرضى الذين لا يمتلكون واسطة من حقهم في الحجز المنصف لإجراء العملية.

مضطر للواسطة

السيدة زهية البالغة 65 عاماً كانت تعاني من الام شديدة بسبب تضخم حصاوي داخل كليتها، وعندما قام ابنها مؤمن بالحجز لعمليتها داخل مستشفى الشفاء كان موعدها بعد عام من نفس تاريخ الحجز، لكنه لم يرضَ لأمه الانتظار عاماً كاملاً، وبحث عن واسطة كما وصفها “معارف من الأطباء في مستشفى الشفاء”.
قام الأطباء بتسريع موعد عملية والدة مؤمن بعد 10 ايام من حجزه، وأجريت العملية سريعاً، ويعلق بالقول : “يفترض تقديم الخدمة الصحية بأسرع وقت للمريض، وليس عدلاً إجراء العملية بعد عام” وعند سؤاله عن سبب لجوئه للواسطة التي تعد شكلاً من اشكال الفساد، قال “ايش الي وداك عالمر إلا الأمر منه”.
بشق الأنفس حصل معد التحقيق على اذن لدخول العيادات الخارجية في ثلاثة مستشفيات، وقام بجولة داخلها، وداخل مستشفى الشفاء لاحظ دخول عدد من المرضى لعيادات الأطباء بصحبة اطباء اخرين، وعند سؤال احدهم في مجمع الشفاء، قال “اتيت بقريب لي ليوصي الطبيب بالداخل على تقديم موعد عملتي بأسرع وقت، واستجاب له”.
وإلى سيدة أخرى وجدناها تتشاجر مع أحدى الممرضات بنفس المكان، وعندما سألناها عن سبب الشجار، قالت ” طبيب قام بتقديم موعد عملية لمريضة امامي وقال لي انها حالة خاصة، ورفض تقديم موعدي رغم عدم مقدرتي الحراك من قدمي المكسورة”.

مبالغ “شبه رشاوي”

في مستشفى الشفاء أيضاً، أكد الشاب إبراهيم، أنه دفع لطبيب العظام مبلغ 500 شيكل في يده وبناءاً على طلبه، بعد أن اجرى له عملية في كتفه المصابة نتيجة سقوط علوي، ويقول “دفعت الكشفية واتفقت معه داخل العيادة أن يجري عمليتي في مستشفى الشفاء، ولم يقصر فيه، ولست الوحيد الذي يعطي الطبيب مبلغ بعد العملية غير رسوم المستشفى”. وعند سؤاله أن ما قدمه هو رشوة؟ رد، بأنه “تحلاية، وإكرامية” لما قدمه الطبيب من عناية.
وقليل من البحث، أظهر فعلاً أن سلوك إبراهيم أضحى حالةً عامة، فالمسنة ثريا 62 عاماً دفعت للطبيب مبلغ 100 دولار داخل مستشفى الشفاء بدلاً من الرعاية التي قدمها لها الطبيب فضلاً عن توسطه في تقديم موعد العملية المزمع إجرائها وفق حجز المستشفى بعد عام من تاريخ الحجز، إلى ثلاثة اسابيع فقط !
لكن الحاجة ثريا، رفضت توصيف المبلغ المدفوع بالرشوة، وقالت ” كنت سأنتظر وفق الحجز عام من الالم، لو طلب اكثر لأعطيته، لم افعل جريمة، فالجميع يدفع للأطباء “.
في المقابل لم تستطع إيمان والدة الطفل احمد البالغ 7 اعوام، التوجه لعيادة الطبيب الذي طلب منها القدوم لعيادته وادّعى أن دوامه قد انتهى، ويود التشاور معها عن سُبل علاج ابنها وتقريب موعد العملية في عيادته الخاصة، تروي الشابة العشرينية إيمان أنها أمسكت بطاقة العيادة الذي أعطاه أياها الطبيب، واتصلت عند عودتها للمنزل على العيادة لتستفسر عن موعد قدوم الطبيب ومبلغ الكشفية، وكانت 50 شيكل، ولم تتوجه له لضيق حالها المادي.
وبعد يومين عادت إيمان لنفس الطبيب، وتجاهل حالتها لمدة ساعتين، قبل أن يطلب منها التوجه لحجز عملية (استئصال لوز) ، وتحددت العملية بعد أربعة شهور، وتقول “وجدت الطبيب يعاملني بأسلوب غير لائق، لأني لم اتوجه لعيادته وأدفع الكشفية، وعندما طلبت منه المساعدة في تقديم الموعد لان ابني يعاني من السخونة، اخبرني ليس من شأنه”.
تبلغ عدد العمليات التي تجرى داخل مجمع الشفاء الطبي بنظام المجدول 50 عملية يومياً على مدار عمل 5 ايام في الأسبوع، إضافة لحالات طارئة اعدادها متفاوتة، ويعتبر ( الشفاء) المستشفى المركزي الذي يشمل جميع التخصصات في غزة، ويغطي حاجة حوالي مليون مواطن من جميع محافظات القطاع.
مدير العيادات الخارجية في مجمع الشفاء أسامة أبو جبل أوضح أن السبب وراء تأخر حجز بعض العمليات هو تعقيدها واحتياجها إلى مدة كبيرة من التجهيز، وأن طاقة المستشفى لا تكفي لإجراء واحدة منها كل اسبوع، وعادةً يتم الحجز لها بعد سنة او سنتان او أكثر، بسبب حاجتها لأطباء ذو خبرة عالية، على عكس العمليات الصغرى في الأنف وأذن والحنجرة، التي يتم اجراؤها بعد الحجز بفترة لا تتجاوز 6 الى 8 شهور، باستثناء الحالات العاجلة.
معد التحقيق طرح حالات إبراهيم وثريا وإيمان على أبو جبل ، الذي رد بالقول : ” لم تحضر لنا شكاوي و رشاوي أو واسطات، ونحن لن نسمح بحدوث مثل هذه المخالفات، والطبيب المعالج ليس من مهامه تقريب معاد أي عملية”، أما على حالة المريض مصطفى، ينوه أنه في حال كانت الحالة مستعجلة حسب الطبيب فيحق لها التسهيل، لكنه ضد التجاوزات او التأثير على أي مريض.
ويبدي ابو جبل عدة اسباب تعيق اجراء العمليات الجراحية داخل المجمع، أهمها زيادة أعداد المرضى بشكل يومي، حيث تتوفر عشرة أسّرة فقط في غرف العمليات وهي لا تكفي لاستيعاب عدد الحالات الهائل، كما أن النقص في المعدات والأدوية يقف حائلاً أمام إجراء بعض العمليات، حيث تطلب المستشفى في كثير من الأحيان من المريض احضار العلاجات والمعدات اللازمة لإجراء العملية .

واسطة في الشمال وطبيب مخالف

إلى مستشفى الإندونيسي شمال غزة التي تغطي حاجة محافظة الشمال في إجراء العمليات، قام معد التحقيق بجولة هناك في يوم الخميس تحديداً، نظراً لفتح جميع العيادات التخصصية في ذلك اليوم من كل أسبوع، هناك وجدنا المواطنة نوال تنتظر مع عشرات المرضى، وأوضحت الحاجة الخمسينية بأنها تنتظر دورها بالساعات كونها لا تستطيع دفع المال للطبيب الذي طلب منها التوجه لعيادته كي يسهل لها دخول العملية بوقت اقرب من موعد المستشفى.
وعندما لجأت نوال للحجز وجدت أن موعد الحجز سيتأخر بعد شهر ونصف ، في المقابل وعدها الطبيب بإجراء عمليتها خلال بضعة ايام، بدلاً من الانتظار طويلاً، واكدت انها شاهدت أمامها سيدتين أجرين عملياتهن في غضون ايام قليلة بعد أن توجهن لعيادة الطبيب ودفعن له مبلغاً كـ( إكرامية) .
وفي نفس الوقت، اضطر الحاج نضال 60 عاماً هو الاخر للانتظار حتى حجر موعد عملية “الدوالي”، والتي كان من المقرر إجراؤها بعد شهرين من نفس يوم الحجز، إذ أنه لا يملك ما يكفي لدفع مبلغ الكشفية و”الإكرامية” للطبيب في عيادته الخاصة، وقد صرّح الطبيب بذلك بوضوح حين قال له عندما اعترض على موعد حجز عمليته المتأخر: “ايدك معي لنعجل العملية” .
وعند سؤاله، عن إذا ما كان يعرف أليات حجز غرف العمليات، أجاب “لا اعرف، وكنت مسبقاً اعتمد على الطبيب الذي أعالج عنده، هو من يحجر لي الموعد وأعطيه مبلغاً الى جانب الكشفية”، فضلاً عن دفع رسوم المستشفى إلى جانب (إكرامية) الطبيب.
والى جانب ذلك، كان منتصر واخوه مؤمن 14 عاماً قد حصلوا على موعد لزيارة عيادة العظام بعد شهر، وهو بحاجة لعملية رفع كيس ذهني في يده، واستغرب عندما اخبروه في عيادة العظام ان موعده بعد شهر للفحص وليس للعملية.
ويقول منتصر “سأتوجه لمستشفى خارجي لإجراء العملية، وهذه السياسة تدفعنا لعدم التعامل مع المستشفيات الحكومية ونظام العمليات فيها، لأن أخي لا يستطيع الانتظار كل هذه المدة ، بينما نرى بعيوننا كيف تجري الحالات التي تمتلك المعارف الفحص وحتى العمليات خلال أيام وجيزة ”
لكن رامي مهنا رئيس قسم خدمات المرضى في نفس المستشفى اشار إلى أن العمليات المجدولة لا يوجد فيها مشاكل، وسبب تأخرها هو نقص المعدات أو آلات معينة، وتأجل بعضها نتيجة مضاعفات داخل جسد المريض مثل ضغط مرتفع او التهاب او سكر مرتفع. ويحدد ذلك الطبيب الجراح وطبيب التخدير .
وفي قضية المريض الاول نوال، قال مهنا “نحن في إدارة المستشفى لا نسمح بحدوث مثل هذه التصرفات، ونحقق إداريا إن تلقينا شكوى من هذا القبيل كما تحال بعض القضايا إلى المباحث الطبية، كما أنه ليس من صلاحيات الطبيب حجز موعد العملية للمريض” أما في قضية المريض نضال، أوضح أنه في حال ثبٌت أن الطبيب قد خالف اخلاقيات مهنته وتجاوز نظم وزارة الصحة، يتم تقديم شكوى ضده، ويحقق معه داخل المستشفى، ومن ثم ترسل الإدارة العامة للمستشفيات الى دائرة الشؤون القانونية لاتخاذ العقوبة.
ويؤكد مهنا على مدار العامين الماضيين تم اتخاذ عقوبات في حق اربعة أطباء بعدما ثبٌت مخالفتهم لأخلاق المهنة واستغلال تسهيل مهام للمرضى عبر مبالغ تدفع للتقارير او التحويلات المرضية، وطبيب منهم خالف نظم اجراءات تسجيل مواعيد العمليات.
وفي القضية الثالثة، اشار إلى مشاكل في عيادة العظام كونها عيادة تملك غرف محدودة بين 20 عيادة داخل المستشفى، وهي تغطي حاجة 150 مريض فقط يومياً من جميع سكان القطاع، وان اعداد كبيرة تقبل على العيادة ومن الطبيعي انتظار شهر، وينوه إلى أن المستشفى يجري حوالي 250 عملية شهرياً.

قانون يعاقب وطبيب يؤكد رشوة الأطباء

ووفق قانون العقوبات الفلسطيني رقم 74 لسنة 1936، فإن المادة 106 الخاصة بالرشوة تصف ” أن كل من كان موظفاً في الخدمة العامة ومعهودا إليه القيام بأي واجب بحكم وظيفته وطلب أو أخذ أو قبل مالاً أو منفعة مهما كان نوعها على سبيل الرشوة لنفسه أو لغيره لقاء فعل اداه ” وعليها يعتبر الموظف أنه ارتكب جنحة.
ووفق نفس القانون المادة 47 فإن عقوبة الجنح “يحكم على الشخص الذي يدان بارتكاب تلك الجنحة بالحبس مدة ثلاث سنوات أو بغرامة مائة جنيه أو بكلتا هاتين العقوبتين معاً”.
طبيب جراح -فضل عدم كشف اسمه- نوه بناءاً على ما شاهد من حالات، أن بعض الاطباء لا يهتمون بالمرضى داخل المبنى الحكومي، على عكس ما في عياداتهم الخاصة، ويمكن بنفسه ان يقرّب للمريض موعد العملية ويقول “كله حسب الدفع والكل يعرف هذه الامور”.
يشرح الطبيب: “يحضر المريض للطبيب لفحص حالته وبعد ان يتبادل الطرفان الحديث أكثر يخبره الطبيب استعداده لإجراء العملية في مستشفى حكومي، ويضمن له تقديم موعد العملية مقابل مبلغ معين” ويتم الاتفاق عادة بتراضي الطرفين، لكنه يستدرك ” لكن في النهاية تعتبر رشوة “.
يتابع بغضب “هذا تصرف سلبي، فالطبقة الفقيرة والمتوسطة هي أكثر المتضررين، فالطب أولا وأخيراً مهنة انسانية، لكنه اصبح بنظام اعطني بأعطيك” وينوه إلى أن هذه الفئة من الأطباء شوهوا صورة الأطباء في غزة.
وتفاجأ من عودة الأطباء الذين أوقفوا بقضايا فساد إلى عملهم بالواسطة والمحسوبية، كما أن هناك اطباء تم ضبتهم في مخالفات كبيرة، وتم نقلهم للعمل من مستشفى لأخر على انه عقاب فقط.
ويحذر الطبيب ذاته من أن عدم إيقاف الطبيب المخالف والمرتشي عن العمل، يعطي الاطباء الاخرين والجدد منهم دافعاً لسلوك نفس النهج في سبيل كسب المال، في ظل عدم وجود رادع حقيقي ، خصوصاً أن العقوبات التي خضع لها عدد من الاطباء بالإيقاف لأشهر، لم تتعد الحدود الشكلية .

مشاكل خطيرة وأخرى خفية

ومن جهة أخرى فإن القطاع الصحي في غزة يعاني من مشكلة نقص عدد كوادر الاطباء، وخلال البحث تبين أن عدد من الخريجين في القطاع الذين يسافرون لدراسة الطب، يسافرون عبر منح او على حسابهم ولا يعودون للعمل في غزة نظراً لظروف الحصار والوضع المعيشي المتدني، ويفضلون العمل في البلد الذي يدرسون فيها، كما أكده مدير عام ادارة المستشفيات في وزارة الصحة عبد اللطيف الحاج.
وعلم معد التحقيق من مصدر داخل وزارة الصحة ان عدد من الاطباء الذين اوقفوا على مخالفات اخلاقية ومهنية، أٌعيدوا للعمل بسبب العجز القائم في الطواقم الطبية وتخصصات الاطباء في غزة، لكنهم في الوقت الحالي تحت رقابة لعدم حدوث مخالفات من جديد في ظل تواجدهم ببعض المستشفيات، اضافة ان بعض الأطباء يتقاضون رواتبهم من الضفة ولا سلطان لوزارة الصحة بغزة عليهم، ولا يستطيعون فصله أو الخصم من رواتبهم.

انتظار للواسطة !

وإلى جنوب القطاع ، وبالتحديد في مجمع ناصر الطبي في مدينة خانيونس، كانت عدد من الحالات تنتظر داخل العيادات الخارجية أي فرصة لتقديم موعد عملياتها وتنتظر بين الفنية والاخرى أي طبيب قادم ليطلبوا منه تقديم الموعد لكن محاولاتهم كانت فاشلة.
ومن بين هذه الحالات أكدت 5 حالات أن الواسطة تلعب دور اساسي في تقديم موعد العمليات، وافقت حالتان فقط الحديث مع معد التحقيق . المسنة لطيفة 60 عاماً تتنظر اجراء عملية في انفها بعد شهرين ونصف، وهي لا تتحمل الآلام وتجد صعوبة بالتنفس.
وتقول “هنا من يملك معرفة يدخل بسرعة لعمل العملية، والكل في القاعة حاضر مثل حالتي لأنهم لا يملكون واسطة، ونريد الإثبات للأطباء اننا متوجعون ونريد الاسراع في اجراء العملية، وهناك طبيب داخل المستشفى عرض عليّ اجراء العملية بوقت مبكر لكنه وبكل وضوح يريد المال”.
وبالقرب من المسنة لطيفة، كان الشاب محمد 26 عاماً يجلس هو الاخر متألما من قدمه التي كسرت نتيجة حادث في شهر سبتمبر الماضي، وهو بحاجة لعملية في قدمه اليسرى، يقول ” كنت اتابع عند طبيب داخل المستشفى، وطلب مني القدوم لعيادته، لكن عندما قلت له انني لا املك مال للكشفية وغيرها، تغيرت معاملته وطلب مني عمل الاجراءات والانتظار موعد العملية”.
وينوه إلى أن عدد من الاطباء يهتمون في أي مريض يتابع داخل المستشفى ويتوجه لعياداتهم الخاصة، وان أسرته لها تجربة في هذا الأمر.
وعند نقل الصورة التي شاهدها معد التحقيق لمدير المجمع الطبيب أيمن الفرا، أكد أن الشكاوى لن تتوقف والمريض يريد إجراء عمليته وهو لا يعلم المعوقات ومعاناة المستشفى، ولا يوجد لديهم اسرة للأقسام، ويتمنى وجود غرف عمليات اكثر لتشغيل اكبر عدد من العمليات.
ويشير الفرا لمعوقات سير العمليات الجراحة، واهمها إضرابات الطواقم الطبية لمطالبتهم برواتبهم، وتعليق شركات النظافة لعملهم، وهي ما أحدثت اضطرابات في المنظومة الطبية، كما أن مجيء الوفود الطبية الأجنبية لغزة لتنفيذ عمليات نادرة واضطرار المستشفيات لتوفير غرف العمليات بشكل طارئ يساهم في تأخير الحجوزات وتغييرها.
وعلى صعيد الواسطة في حجز مواعيد العمليات يشير الفرا إلى أنهم استطاعوا الحد منها، بعد أن تم تنظيم العمل باستدعاء الحالات المسجلة في نظام الحاسوب لإجراء عملياتها فقط، لكن هنالك حالات استثنائية يتم الاستعجال في إجراء العمليات لها لعدم استطاعتهم الانتظار، وتكون في الاحتياط في حال لم يحضر مريض ما لإجراء عمليته. ويفيد الفرا ان المستشفى تجري ما معدله 35 عملية داخل اربعة غرف عمليات يومياً، وتغطي حاجة نصف مليون مواطن من المحافظات الجنوبية.
وفي اطار الرشاوي، قال” الذين دفعوا الرشوة يتوجب عليهم تقديم شكوى لمدير المستشفى، ونحن نستدعي أي شخص يتقدم ضده شكوى، ولم نصادف حالات”.

استطلاع يؤكد واسطة العمليات والإكرامية

واجرى المعد استطلاع رأي، استهدف خلاله المرضى في العيادات الخارجية في ثلاث مستشفيات هنّ الأكثر في تغطية العمليات في قطاع غزة، وهي مجمع الشفاء الطبي ومجمع ناصر الطبي ومستشفى الاندونيسي وبلغ عدد المرضى الذين اٌستطلع رأيهم 104 مريض.
وأظهر الاستطلاع أن 80 % من المرضى لا يتوجهون عند الحاجة لإجراء العملية لأي واسطة شخصية ، وان الطبيب يكون هو ذاته الواسطة في 50% من الحالات ، فيما أكد 40% من المستطلعة آرائهم بأن الواسطة تكون من شخصيات مقربة من العائلة، و10 بالمئة معارف أخرى.
كما أكد 45 % من المرضى أن الطبيب الذي يجري عملية جراحية يتلقى إكرامية بعد العملية،
ونفى 30% معرفتهم في الأمر، فيما وجد 15% أن الطبيب يعتمد على المريض نفسه ان اعطاه مبلغاً، و10 % اكدوا عدم تلقي الطبيب لأي رشوة .
ويلوم 60 % من الذين خضعوا للاستطلاع إدارة المستشفيات على ضعف الية الرقابة على الأطباء، و40 % يلومون الأطباء أنفسهم. والمفارقة أن 50 % منهم لا يعتبرون ان الواسطة في العلاج تعتبر فساداً، فيما لا يعرف 30 % من المستطلعين إن كانت فسادا أو لا، ويراها 20% فسادا .
وأكدت 13 حالة تلقيها بطاقة من الطبيب نفسه ليزوروه في عيادته وتقديم التسهيلات الكاملة لهم اكثر من المستشفى الحكومي.

تطوير بالحجوزات ومشاكل تواجه الوزارة

من جهته كشف مدير عام المستشفيات في وزارة الصحة في غزة، الدكتور عبد اللطيف الحاج، أن برنامج حجوزات العمليات في المستشفيات يقوم بالحجز بتفاصيل ليست دقيقة، موضحا أنهم وجدوا أن الطبيب الذي يعبث في عمل البرنامج هو السبب في حدوث مشاكل جعلت الوزارة تعيد التفكير في موضوعه.
ويشير إلى أن البرنامج لا يواكب الحداثة ولا يفحص إن كان المريض أجرى عمليته في مكان اخر أو انتقل لخارج البلاد، ووجدوا أن 40 % من الاسماء لن تجري عمليتها، لذا بدأت الإدارة العامة للمستشفيات خطة ستنفذ الشهر الحالي لتطوير البرنامج وفلترة الاسماء وتحديثها، وسيعمل كما يوضح الحاج بشفافية حيث ستنشر القائمة التي تتضمن أسماء المرضى أمام الاطباء والادارة واقسام خدمات المرضى للحد من التلاعب .
وفيما يتعلق بالواسطة علق الحاج بالقول ” أن البرنامج يمكن أن يقلل من مستوى الواسطة، لكن أن نقضي عليها من الأساس هو أمر مستحيل خصوصاً في مجتمع عشائري وعائلي كالمجتمع الغزاوي”، وأضاف أن بعض الاطباء يرد لهم حالات عاجلة، وهذا ما يسبب ربكة امام الناس، ويأجل عدداً من عملياتهم المجدولة.
وعلى صعيد دفع المواطنين للرشوة (الإكرامية)، توجه الحاج باللوم على وعي المواطنين ، وأوضح أن المواطن يعتمد على موروث قديم في دفع المريض للطبيب مبلغ بعد عمله العملية، ويحمل الحاج المريض جزءً من المسؤولية، ويشير إلى أن البعض يعتقد أن توجهه لعيادة الطبيب الخاصة تسهل خدمته في المستشفى الحكومي، والطبيب لا يجب عليه الخلط بين العام والخاص.
ولا ينفي الحاج تغير سلوك الطبيب في تعامله مع المريض حال قدومه لعيادته الخاصة، وأن الوزارة اوقفت عدداً “لم يحدده” من الأطباء المخالفين لتعاليم الوزارة، ونقلت بعضهم من مكان عمله من مستشفى لأخرى. وبخصوص المستوى غير الجدي من العقوبة برر “الحاج” أن سوء الوضع الاقتصادي هو من يجبر على هكذا تصرفات، ويدفع إدارة المستشفيات للجوء إلى إجراء النقل من مكان العمل كنوع من العقاب المعنوي.
وبعد أن أطلع معد التحقيق “الحاج” على المعلومات التي حصل عليها من عودة اطباء مخالفين للعمل من جديد، قال “نقل الطبيب لمستشفى اخر هو اسوأ من ايقافه عن العمل، وجزء من تقليل لمستواه، ويصبح عقاب شديد، لأنه يتلقى درس قاسي، ويكون تحت “رقابة سلوك”، لكن في حال استمرت مخالفاته افاد بأنه من المفترض الا يبقى في الوزارة.

نقلا عن فلسطين برس

أخبار ذات علاقة

ترك الرد

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

أهم الأخبار

اخترنا لكم

المكتب الإعلامي الفلسطيني في أوروبا