الرئيسيةمختاراتمقالاتالحكاية.. أمريكا وإسرائيل وليس ترامب ونتنياهو

الحكاية.. أمريكا وإسرائيل وليس ترامب ونتنياهو

بقلم: نبيل عمرو

الفلسطينيون أصحاب تجربة يفترض أن تكون غنية مع الأمريكيين على امتداد تاريخ إداراتهم المعاصر.
عرفناهم حين كانوا اكثر عداء لنا من إسرائيل، وعرف “خيراتهم” شبابنا الذين قضوا تحت نيران الفانتوم والـ “F” بمختلف ارقامهما، وعرفناهم حين وضعوا تشريعا يشبه تشريع الكنيست، بمنع الاتصال مع الفلسطينيين، الا اذا حققوا الطلب الإسرائيلي المركزي، بالاعتراف بالدولة العبرية لمجرد بدء الكلام، وعرفناهم حين اتخذوا قرارا وصف بالتاريخي بفتح الحوار مع منظمة التحرير الفلسطينية على مستوى سفيرهم في تونس، كأول بادرة لتشجيع الفلسطينيين على الدخول في نادي التسوية والحلول الامريكية، وعرفناهم كذلك حين اعترفوا بأن للفلسطينيين حقوقا سياسية، وأن قضيتهم بحاجة الى حلول.
كان هذا التصريح بمثابة أول عملية غسل دماغ لنا، كي نوافق على معادلة السادات بأن 99% من أوراق الحل بيد أمريكا، وبدأت المواقف الأمريكية تتصاعد لفظيا وشكليا مع ما اعتبرناه لمصلحتنا، منذ عهد جورج بوش الأب إلى آخر أيام باراك أوباما.
لم تكن كل أيامنا مع الأمريكيين مرة، بل كان فيها بعض الحلو، وكانت آمالنا تزيد الحلو البسيط حلاوة، فجاءنا كلينتون الى غزة، وذهب الى بيت لحم، وقام بطلب الغفران على مغامرته العاطفية مع الانسة لوينسكي، إذ اختلى في المذود وكانت خلوة سياسية قبل أن تكون روحانية، وصفقنا وقوفا حين قال كلمات رقيقة عنا، فأخذ منا الغاء مواد الميثاق التي تختلف عن تفاهمات السلام مع إسرائيل، ولم يعطنا افراجا عن أسيرين فلسطينيين، تعهد بإطلاق سراحهما حين يلتقي مع رئيس الوزراء آنذاك والذي هو حتى الآن نتنياهو.
وفي مرحلة ما كنا والأمريكيين “خوش بوش”، حتى ان بعضنا تحدث عن علاقات استراتيجية جديدة، نشأت بيننا وبين الأمريكيين الذين هبط عليهم ملاك من السماء وأوصاهم خيرا بنا، وعرفناهم في كامب دافيد حين ترك الرئيس بيل كلينتون زوجته وابنته في البيت، وتفرغ بالكامل لانجاز اتفاق فلسطيني إسرائيلي، فانتهى الأمر الى لا شيء بل الى تدهور مركب في العلاقات الأمريكية الفلسطينية، حيث أغلق باب البيت الأبيض بالشمع الأحمر أمام ياسر عرفات، الذي قال اكثر من مرة أنه أكثر رئيس دخل البيت الأبيض والتقط الصور في المكتب البيضاوي.
ملايين الساعات هي عمر الاحتكاك الفلسطيني الأمريكي، من زمن الفانتوم الى زمن المبعوث دنيس روس، ومن زمن اليكساندر هيغ الذي أعطى الإذن لشارون باجتياح لبنان وتدمير الثورة الفلسطينية ودخول بيروت، والتقاط الصور في شوارعها وامام مراكز منظمة التحرير، الى عهد جيمس بيكر الذي كان لا يخفي اعجابه بفيصل الحسيني وحنان عشرواي، وما كان يصفه بالجيل المستنير عند الفلسطينيين، الى زمن جون كيري الذي اوشك على استئجار شقة في رام الله كي يقيم فيها لتفادي السفر الطويل في زياراته الكثيرة لنا ولاسرائيل.
بعد كل هذا يفترض أن نكون أكثر القوى السياسية في العالم قاطبة معرفة بالأمريكيين، وحدود قدرتهم وعمق علاقتهم بنا، وبخصمنا الإسرائيلي، ومحصلة هذه العلاقات خارج نطاق الدريهمات المحدودة التي يجودون علينا بها، وهي كلها لا تساوي جناح طائرة حديثة حجبت عن الحلف الأطلسي ومنحت لإسرائيل.
هذا الاستعراض المختصر جداً والمقتصر على العناوين ينفع تذكره الان ونحن نراقب بلهفة اللقاء الذي يجمع الرئيس الاشكالي ترامب برئيس الوزراء الإسرائيلي نتنياهو، وننتظر ما سيصدر عنه معزين أنفسنا بكلمات قليلة نسبت للرئيس الجديد حول الاستيطان، وكانت أرق كلمات قيلت أمريكيا حول هذا الأمر الخطير، حتى أننا تعاطينا مع حكاية نقل السفارة الامريكية الى القدس، كما لو أنها كانت في اليوم الأول خطرًا ماحقاً يهدد جوهر قضيتنا وأفضل وأسمى ما نملك، وفي اليوم الثاني احتفلنا بمكرمة تأجيل القرار معتبرين ذلك إنجازاً يستحق المباهاة به الاعتماد عليه.
كان الوضع كمن يبيع بضاعة غير موجودة ويؤجل قبض ثمنها.
وبين هذا وذاك تمر قضايا كثيرة تقبض فيها إسرائيل اثمانا مضاعفة للعملة الوهمية.
قد أكون مغردا خارج السرب لو قلت لا أهمية استثنائية للقاء ترامب نتنياهو ولن تكون هنالك أهمية تذكر لو ان ترامب حط بطائرته في مهبط المقاطعة برام الله، فكل من سبقوه فعلوها وكانت النتائج وبالا على رؤوسنا.
إن رؤيتنا وتحليلنا ربما يصلان الى نتائج واقعية لو غيرنا زاوية النظر الى العلاقة الامريكية الإسرائيلية، وليس الى علاقات انتقادات متبادلة عابرة بين رئيس وزراء إسرائيلي وموظفين أمريكيين من مرتبة وزير او مبعوث او رئيس.
مجمل العلاقة ومحصلتها كما سجلت ذلك تجربة سنوات طويلة، ان إسرائيل تفعل ما تشاء، وليس على أمريكا في الشأن الفلسطيني سوى أن توجه نصائح دون إلزام، ومع كل جملة رقيقة في مصلحة الفلسطينيين، لا ينسى الامريكيون عبارتهم الثابتة التي تقول.. من حق إسرائيل ان تحافظ على أمنها دون القول الصريح… بما تراه مناسبا.
سيتم لقاء نتنياهو بترامب، وسنعرف ما دار فيه إما مباشرة أو عن طريق الوكلاء، وعلينا أن ننتظر اربع سنوات أو ثماني سنوات لنتأكد من أن البيت الأبيض وإسرائيل ثابتان لا يتغيران، مهما تغير رؤساء الوزراء وساكنو البيت الأبيض من جمهوريين أو ديموقراطيين.

أخبار ذات علاقة

ترك الرد

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

أهم الأخبار

اخترنا لكم

المكتب الإعلامي الفلسطيني في أوروبا