المكتب الإعلامي الفلسطيني في أوروبا

خطة لتحرير فلسطين كتب د.أحمد جميل عزم

عندما انتصر حزب الله العام 2000 على الصهاينة، احتفل كثيرون بطرق مختلفة. بعض الشبان، مثلا، في عمّان، اعتقدوا أنّ الاحتفال بشكل رسمي غير متاح وغير مقبول، فأخبروني أنهم صعدوا في سيارة “بك أب”، وصاروا يقرعون طبولاً احتفالاً.

كل عمليّة عسكرية، وكل ضربة توجه للعدو، تدفع للاحتفال، بل أحياناً نجتزئ الحدث، فننسى الخسائر والهِنات ونتذكر النجاحات وحسب.

بحسب المعلومات المتوافرة، وبحسب الأفلام التي بثها إعلام حزب الله، والأفلام الشبيهة من الإعلام الإسرائيلي، والتي تصوّر العملية ضمن رسوم متحركة، فإنّ الحديث هو عن عملية بسيطة جدا ومُتقَنة إتقاناً مدهشا، تنم عن السهل الممتنع الذي لا يتأتى إلا بإتقان وببنية وتدريب كبيرين. ولا يمكن إلا الاعتراف أنّ غالبية عمليات المقاومة الفلسطينية في الماضي كانت تفتقد لهذه السمات.

في سياق العمل الفلسطيني الثوري، في الماضي، تطورت مقولة أنّ “مجموع الخطوات الصغيرة تعني الخطوة الكبيرة”. لذا، فالسؤال عن معنى عملية هنا أو هناك يجد إجابته في هذا المبدأ الذهبي والصحيح من الناحية النظرية.

تاريخيّاً، عوّل الفلسطينيون، والعرب عموما، على عدد من الأشخاص والأنظمة العربية، قبل أن يُصدموا.

ويقول خليل الوزير (أبو جهاد) عن مرحلة الخمسينيات: “كنا نحن الفلسطينيين أول من صفق لعملية انقلاب دمشق، ثم للانقلاب المصري على الملك فاروق وعزله، أو ما حدث في لبنان بالنسبة للرئيس بشارة الخوري، على أمل أن يكون تبديل الواقع السابق بواقع تغيير حقيقي يحمل معه أمل البناء والقوة والاستعداد ومن ثم المضي للتحرير”. ويكمل أبو جهاد متحدثاً عن جمال عبدالناصر، وخطابه الشهير في غزة عندما قال العام 1962: “ما أقدرش أقول إنه أنا عندي خطة لتحرير فلسطين. لو بقلكم دلوقت أنا عندي خطة لتحرير فلسطين أبقى بضحك عليكم وبقيت سياسي ما أناش وطني بتاجر في السياسة”. ويقول خليل الوزير معلقاً: “فتقع الصدمة النفسية بين صفوف شعبنا وتصيح في داخله الصرخة: لماذا كل هذا الانتظار لماذا لم يقلها من البداية؟”.

في لحظة ما، صارح عبدالناصر شعبه العربي بشأن موقفه من فلسطين، وأن لا خطة لديه. وكان ذلك من ضمن عوامل تقرير الفلسطينيين إطلاق ثورتهم بالاعتماد على العامل الذاتي.

وعملياً، فإنّ حزب الله صريح ضمنيّاً في توجهاته، فحتى العملية الأخيرة التي لو كان إتقان عمليات المقاومة تاريخياً بمستواها لتغير التاريخ، يضع أنباء العملية على شاشات تلفازه بعنوان واضح “إن عدتم عدنا”، في إشارة إلى قواعد اللحظة التاريخية، وهي ردع الإسرائيليين عن استهداف الحزب ولبنان وسورية، من دون طرح تحرير فلسطين.

لا يمكن لوم حزب الله أو التقليل من شأنه في موضوع مواجهة الاحتلال الإسرائيلي، وليس دقيقاً لومه إذا ما هاجم العدو غزة بالقول إنّ الحزب لم يقم بما عليه؛ فهناك “أمّة” عربية كاملة عليها أكثر مما على الحزب. وحتى لو كانت هناك مرارة من أنّ الحزب ينجرّ في اتجاهات تضيع الجهود وبوصلتها صعبة التقبّل، بدءا من عمليات لرموزه مثل عماد مغنية استهدفت الكويت يوماً لصالح إيران ضد العراق، إلى التورط في ملفات عربية مختلفة، فإنّ هذا عندما يتعلق بفلسطين، تكون القاعدة أنّ الإدارة السليمة الاستفادة من الحزب وكفاءته قبل كل شيء، ولكن وفق أجندة وخطة واضحتين.

عندما يتعلق الأمر بالإنسان العربي والفلسطيني، الفرد، وحتى كثير من المناضلين، فإنّ نماذج التضحية والفداء أكثر من أن تعد، وتصبح قصائد الشعر والاستعارات الأدبية اللغوية في وصفها الأكثر ملاءمة ودقة وواقعية، لأنّ في بعض القصص منطق صمود يتجاوز منطق الأمور إلى الخوارق. ولكن عندما نصل إلى العمل الجمعي، فإن هناك إشكالية، ولا يصبح مجموع الفداء الفردي سبيلاً للخلاص الجمعي، ويصبح من الضروري أن ترى كل الصورة وأن ترى الطريق بوضوح حتى تدرك أنّ الخطوات الصغيرة تسير في الاتجاه الصحيح، وستصبح خطوة كبيرة.

تثبت عمليّة حزب الله الأخيرة قدرة الإنسان العربي. وأثبتت الثورة الفلسطينية يوم انطلقت أنّ الانتظار والاستكانة ليسا الحل.

ما كانت لتكون المقاومة اللبنانية لولا حاضنة الثورة الفلسطينية. ويبقى السؤال: من يلم الشتات، ويضع خطة مواجهة التناقض الأساسي وتهميش الثانوي، ويكمل ما بدأ متعثّراً؟

Exit mobile version