المكتب الإعلامي الفلسطيني في أوروبا

الوطن العربي يتآكل من الداخل! كتب رجب أبو سرية

يمكن القول – الآن – ودون أي تردد إن قراءة أو تخطيط أو على اقل تقدير توقع، أو رغبة دائرة اتخاذ القرار في (إسرائيل) قد نجحت إلى حدود بعيدة، في جعل العقد الثاني من الألفية الثالثة سنوات من التآكل الداخلي والاقتتال البيني في المحيط العربي، وإنها نجحت، ولو إلى حين في صرف أنظار الدنيا عن كون الصراع في الشرق الأوسط، إنما هو صراع فلسطيني أو حتى عربي/ إسرائيلي.

ليس هذا وحسب، بل يمكن القول أيضا ودون أي تردد إن الانشغال الداخلي العربي سيطول، وليس من المتوقع أن ينتهي غداً أو بعد غد، وان ما تبقى من سنوات هذا العقد – على الأقل – سيظل يشهد هذه الصورة، وهذا الشكل من الصراع، بما يوفر الفرصة ويتيح المجال ل(إسرائيل) ولغيرها بالتخطيط والترتيب والتقاط الأنفاس، لتحقيق مآربها السياسية، والتحرر من الضغط الفلسطيني، الإقليمي، وحتى الدولي الذي يطالبها ليل نهار بوضع حد لآخر وأسوأ احتلال تعرفه البشرية منذ انتهاء الحرب العالمية الثانية وحتى الآن.

يمكن ملاحظة، بكل سهولة ويسر، أن مثلث القوة الإقليمية العربية العسكرية، العراق/ سورية/ مصر، قد انشغل بأوضاعه الداخلية تماماً، ليس فقط منذ مطلع هذا العقد، ولكن العراق تم شلّ تأثيره الإقليمي منذ أكثر من عقد كامل، ولم ينشغل هذا المثلث وحسب بما حدث وما يزال يحدث داخله، بل إن مثلث القوة التالي في الوطن العربي قد انشغل بالحراك الداخلي في (العراق، سورية، مصر، اليمن) ونقصد به مثلث القوة المالية/ الإعلامية العربية الخليجي المكون من قطر/ السعودية/ الإمارات والذي دخل كل ضلع من أضلاعه في الاقتتال العربي الداخلي بالتحالف المباشر كل مع جماعة أو مجموعة سياسية لدرجة أن انعكس ذلك التدخل على صورة شقاق واختلاف داخل المجلس الخليجي نفسه، حين وصل الذروة بسحب سفراء السعودية، الإمارات والبحرين من قطر.

وقد تجاوز الانشغال العربي بجبهات الاقتتال الداخلي في بعض الدول العربية إلى حد المشاركة العسكرية، وحدث هذا في حرب تحرير الكويت، ثم في الحرب على “داعش”، حيث تشارك الدول الخليجية الست إضافة إلى كل من المغرب والأردن بتلك الحرب، والتي من المتوقع – حسب الأميركيين – أن تستمر لعدة سنوات قادمة.
كأن صورة العام 1948، كذلك العام 1973 تكاد تكون معكوسة، حين كانت الدول العربية تشارك في الحرب ضد (إسرائيل) بجيوشها وأموالها ونفطها، ولكن هذه المرة ليس ضد (إسرائيل)، كما يمكن أن يزيد الطين بلة بتطورات الاقتتال الداخلي في اليمن، لتفتح جبهة داخلية جديدة، في وقت يعجز العرب فيه حتى عن تأمين ما يسمى بشبكة الأمان العربية للرد على القرصنة ال(إسرائيل)ية على أموال المقاصة الفلسطينية، التي توفر عملياً الرواتب وبالتالي الطعام لملايين الفلسطينيين الصامدين في القدس والضفة وغزة!.

ولأنه لا يمكن لأسباب موضوعية ومنطقية وضع كل الحق على الطليان، كما انه لا يمكن القول في السياسية إنها تدار بشكل كامل وفق منطق المؤامرة الخارجية، فلا بد من الاعتراف أولاً بأن الوطن العربي بأسره إنما يدفع فواتير انغلاقه وتخلفه الداخلي على كافة الصعد الاقتصادية والسياسية والاجتماعية، وان الحالة الفلسطينية، لا تختلف تماماً أو بشكل تام عن محيطها العربي، فحتى الحالة الفلسطينية انشغلت بخلافاتها الداخلية منذ عقد كامل، أي منذ أن انسحبت (إسرائيل) من جانب واحد من قطاع غزة، ودفعت به لأن يدخل في حالة مختلفة عن حالة الضفة، هي حالة شبه التحرر أو الاستقلال، حيث لم يعد من وجود (إسرائيل)ي، باستثناء التحكم بالبحر، داخل قطاع غزة، فيما الاحتلال الإسرائيلي ما زال قائماً وبشكل مباشر في القدس والضفة.

وقد وصل الأمر أيضاً في الحالة الفلسطينية إلى حد الاقتتال الداخلي العام 2007، ثم الانقسام، كما هي حال العراق وسورية وليبيا وحتى اليمن ميدانياً.

بالنتيجة، لا بد من استيعاب الدرس جيداً بالربط بين استحقاقات مواجهة مشاكل الداخل مع ضرورة الإبقاء على بوصلة الصراع وبين الخارج خاصة مع (إسرائيل)، التي لا تعتبر عدواً فقط للفلسطينيين، بل للعرب جميعاً وللمسلمين أيضاً.

كذلك لا بد من إبعاد اليد الأميركية عن التدخل في الشؤون الداخلية العربية، حتى فيما يخص ما يسمى بالدولة الإسلامية في بلاد الشام والعراق “داعش” وغيرها، ومواجهة التطرف العربي/ الإسلامي بجبهة عربية/ إسلامية داخلية، ويقينا بأنه لو اقتصر الأمر على تشكيل جبهة قومية في مواجهة “داعش” و”أنصار بيت المقدس” وحتى الحوثيين في اليمن من خلال جامعة الدول العربية والمؤتمر الإسلامي لتغير الأمر، ولما دبت شقة الخلاف والاختلاف بين مؤيد ومعارض لهذا النظام أو هذه الجماعة أو ذاك النظام وتلك الجماعة.

لكن وحيث إن الأمر صار خياراً صعباً للغاية بين نظام مستبد أو حكم للعسكر وبين جماعة متطرفة، وبين تحالف لهذا النظام مع دولة خارجية، والانخراط في حرب يقودها الغرب وبالتحديد الولايات المتحدة، فإن حالة التآكل الداخلي ستظل قائمة، كما انه بدلاً من معاجلة المشكلات الداخلية للأمة العربية من الفقر والبطالة والعدالة الاجتماعية، علاجاً صحياً وصحيحاً، يستمر بتر أجزاء من هذا الوطن العربي، بما يزيد من مشكلاته، وبدلاً من مواجهة (إسرائيل) وتعزيز وجهة الاستقلال القومي، سيجد العرب أنفسهم ذاهبين إلى مزيد من الاستسلام ل(إسرائيل) ولمزيد من التبعية لأميركا.

Rajab22@hotmail.com

Exit mobile version