المكتب الإعلامي الفلسطيني في أوروبا

خطاب نتنياهو .. دهاء أم غباء؟ كتب جيمس زغبي

يقف رئيس الوزراء الإسرائيلي نتنياهو أمام منصة الكونجرس الأميركي ليتحدث أمام جلسة مشتركة تضم أعضاء مجلسي النواب والشيوخ. وبالطبع سيستغل المناسبة في توبيخ إيران وإطلاق التحذيرات النارية من المفاوضات الحالية التي تقودها الولايات المتحدة الأميركية بغية كبح «إيران النووية».

وبعد أن نجح خلال مناسبتين سابقتين أمام الكونجرس في إعلان عزمه إحباط عملية سلام «أوسلو» في عام 1996، وتقويض خطة الرئيس أوباما الرامية إلى استئناف المحادثات الإسرائيلية الفلسطينية في عام 2011، يبدو أن نتنياهو يأمل هذه المرة أيضاً أن يستغل هذا الخطاب في تعزيز عزيمة أعضاء الكونجرس الذين يعارضون المفاوضات الحالية مع إيران. ولا ريب في أن نتنياهو،، يعتقد الآن أنه سينجح مرة أخرى في تحقيق مسعاه.

وفي حين لا يفصل هذا الخطاب سوى أسبوعين عن الانتخابات الإسرائيلية، فإنه يعتبر أيضاً بمثابة فرصة لنتنياهو كي يُظهر للناخبين الإسرائيليين سيطرته التي لا تضاهى على السياسة الأميركية. ويأمل أيضاً في أن يحول الانتباه عن فضائحه المالية الأخيرة وإخفاقه في إرساء السلام أو توفير الرفاهية لشعبه.

ولكن ما لم يتوقعه نتنياهو هو العاصفة القوية التي سيتمخض عنها ظهوره. فإذا كان قد زعم مراراً وتكراراً «درايته بالسياسة الأميركية»، فقد كان عليه أن يتوقع أن محاولته المتعمدة لإحراج الرئيس الأميركي لن تمر مرور الكرام مع البيت الأبيض أو حلفائه. ولكن نتنياهو أظهر غطرسة قصيرة النظر من خلال تآمر سفيره لدى واشنطن، الذي كان ناشطاً في الحزب الجمهوري، مع رئيس مجلس النواب، لترتيب هذا الخطاب أمام الكونجرس، إلا أنها أيضاً واحدة من هفواته الكثيرة.

ومنذ الإعلان عن الخطاب، توالت ردود الفعل السلبية، ففي بداية الأمر، تم انتقاده بأنه «خرق للبروتوكول»، و«تحرك حزبي غير ملائم»، ثم تطورت الردود إلى حرب تصريحات وإجراءات شديدة العدائية. فاتهم البيت الأبيض سلوك رئيس الوزراء الإسرائيلي بأنه مدمر لنسيج العلاقات «الأميركية الإسرائيلية»، ووصف وزير الخارجية الأميركي جون كيري انتقادات نتنياهو للمفاوضات مع إيران بأنها «تنمّ عن جهل». وعلاوة على ذلك، أعلن 36 عضواً من أعضاء الكونجرس -حتى يوم الجمعة الماضي- عزمهم مقاطعة الخطاب. وقد أخبرني أحد أعضاء مجلس النواب بأنه يتوقع تزايد عدد المقاطعين خلال الأيام المقبلة.

وبالمثل كانت هناك ردود فعل قوية في إسرائيل، لم تقتصر فقط على اتهام خصوم نتنياهو له بإدارة تلاعبات خطرة داخل السياسة الأميركية، بل اتهمه رئيس «الموساد» السابق بأن خطابه «بلا فائدة وغير بناء». وحتى الرئيس الإسرائيلي نقل عنه مؤخراً انتقاده لمقامرة نتنياهو.

وبالطبع هناك من يشيرون إلى أن كل هذا الصخب ليس سوى «جلبة مؤقتة» سرعان ما ستهدأ بمجرد انتهاء الانتخابات، ولكنني لا أعتقد ذلك.

فربما يعاد انتخاب نتنياهو مرة أخرى، على رغم أن استطلاعات الرأي تظهر أنه سيتعين عليه أن يكافح كي يكوّن ائتلافاً يضم أكثر من 60 عضواً يحتاجهم لتشكيل الحكومة. ومنذ إعلانه عن إلقاء خطاب أمام الكونجرس، تزعزعت قبضة نتنياهو الضعيفة على خصومه من يسار الوسط في الاتحاد الصهيوني. ويبدو أن الطرفين سيتنافسان على تحقيق نسبة متساوية، تصل بالكاد إلى 23 أو 24 مقعداً في «الكنيست» المقبل. وفي ضوء تشرذم أحزاب جناح اليمين الإسرائيلي، ربما يكون نتنياهو قادراً على تشكيل الائتلاف اللازم، ولكنه سيكون مجموعة من المتعصبين الذين تقودهم مصالحهم الشخصية، ممن سيدفعون إلى تفاقم التوترات مع الولايات المتحدة.

وحتى الآن، يبدو أن الاتحاد الصهيوني سينأى بنفسه عن حزب نتنياهو، ومن ثم لن تكون أمامه فرصة تشكيل ائتلاف متماسك قادر على إدارة الحكم أو تحريك عملية السلام.

وعليه، ستكون تركة نتنياهو انقساماً عميق داخل إسرائيل، التي ستكون لديها إما حكومة متعصبة تواصل اتخاذ خطوات عدائية تستفز الفلسطينيين وتعمق إحباط جهود صناع السلام، أو حكومة مشلولة وضعيفة من تيار الوسط غير قادرة على التصرف لحسم عملية السلام.

وبالتأكيد ستكون لتصرف نتنياهو تداعيات أخرى في الولايات المتحدة؛ ذلك أن الإسرائيليين يعزون أنفسهم بأن استطلاعات الرأي تشير إلى أن غالبية الأميركيين يؤيدون دولتهم. ولكنهم يتجاهلون أن الأميركيين يتزايد إحباطهم وانقسامهم العميق بشأن السياسات الإسرائيلية. فالأغلبية تعارض المستوطنات والإجراءات الإسرائيلية التي تتعارض مع السياسات الأميركية.

وعندما ينهي نتنياهو مغامرته الكبرى في واشنطن، ربما أن كثيراً من المسؤولين الأميركيين سيصرون على أن عُرى الروابط الأميركية الإسرائيلية «لا تنكسر»، وربما أن كثيرين في الكونجرس سينصاعون أيضاً لطلبات إسرائيل. بيد أن هذه ليست هي القصة بأكملها، لأنه سيترك من خلفه تشرذماً في السياسة الإسرائيلية وانقساماً عميقا في الولايات المتحدة. وستكون هذه هي تركة نتنياهو رمز التلاعب السياسي وعدم المسؤولية.

Exit mobile version