المكتب الإعلامي الفلسطيني في أوروبا

الغرور يسقط “الإخوان” بعد 87 عاما من إنشائها.. والبنا ابتدع “البيعة” لتثبيت حكمه في خلافة المسلمين

“أفحمونا كلامًا بأن وجودهم كان ضروريًا، أفهمونا أنهم أهل الجنة، وسواهم لن يشتموا رائحتها، لم يتورعوا قط في الحديث عن اضطهاد وخوف، وليالي سوداء قالوا أنهم قضوها من أجل مصائرنا التي يخشون عليها أكثر من خشيتنا نحن”.. لم تكن تلك الادعاءات فصل من إرشادات الإيثار على النفس، ولا حتى نصائح أبوية تفرض بها شرعيتك على وليد لك، بل هو خطاب لا تعلم إن كان دينيا أم اجتماعيا أم سياسيا، اعتمدت عليه الجماعة الأكثر جدلًا في تاريخ مصر، الإخوان المسلمين، لتثبت به شرعيتها وسط أنصارها والمتعاطفين معها.

ومع اتمام “الجماعة” عامها السابع والثمانين هذه الأيام، تكتشف أن “خرقها قد اتسع على الراقع”، فبعد أن قضت أعوامها متزعمة فصيل المعارضة في المشهد السياسي المصري، اكتشفت أنه من غير الممكن لها أن تدعى نفس المبررات، بنفس الحجج والمقترحات، ليبقى أمامها الآن أن تبحث لنفسها عن خطاب جديد يحفظ لها ما تبقى من كيان شاخ وترهل على مدى قرابة تسعين عاما، محاولًا به مواجهة عوامل الانهيار والزوال المتوفرة في المشهد الحالي سواء في مصر أو خارجها.

وفي محاولة للتعرف على الجماعة “الإرهابية” من داخلها، يقول مؤسسها حسن البنا، الذي يفضل أتباعه أن يلحقوه بـ” رضى الله عنه”، إنهم الغرباء الذين يصلحون إذا فسد الناس، وهم العقل الجديد الذي يريد الله أن يفرق به بين الصالح والطالح، ويضيف أنهم أصحاب دعوة تهدف- كما يرى- إلى دعوة البشرية كل إلى الإسلام.

وتأسست الجماعة التي وضع أفكارها “حسن البنا”، داخل مصر في مارس 1928، لتنتقل بعد ذلك إلى دول عربية وإسلامية أخرى، وقامت “الجماعة” على بقايا حركات فكرية سبقتها، ولكنها لم يطل عمرها مثل الجماعة “الإرهابية”، ويشير المحللون إلى أن السبب في ذلك هو اعتماد الإخوان على مبدأ السمع والطاعة والبيعة.

ماذا تعنى البيعة لدى الإخوان؟
أخذت جماعة الإخوان الإرهابية فكرة البيعة من العهد الأول للإسلام، حيث استبطت منه طريقة اختيار الرجل الأول، والذي سمي بـ” المرشد”، في دلالة من اللفظ على التبعية له. والبيعة تعني اصطلاحيًا إعطاء العهد من المبايع على السمع والطاعة للإمام في غير معصية، في المنشط والمكره والعسر واليسر وعدم منازعته الأمر وتفويض الأمور إليه، وهو الأمر الذي انعكس على تصرفات “الجماعة” خلال حكمها لإدارة لدولة على مدى عام.

والبيعة لديهم أبرز جوانب الفعل السياسي، فمن خلالها يحصل “المرشد” على شرعيته في الإدارة والحكم، ولا يتم إعطاء الأمان للعضو إلا إذا نطق نص البيعة الموحد في كل أفرع الجماعة داخل وخارج مصر، والتي جاءت في:” أبايعك بعهد الله وميثاقه على أن أكون جنديًا مخلصًا في جماعة الإخوان المسلمين، وعلى أن أسمع وأطيع في العسر واليسر والمنشط والمكره إلا في معصية الله، وعلى أثرة عليّ، وعلى ألا أنازع الأمر أهله، وعلى أن أبذل جهدي ومالي ودمي في سبيل الله ما استطعت إلى ذلك سبيلًا. والله على ما أقول وكيل، فمَن نكث فإنما ينكُث على نفسه ومَن أوفى بما عاهد عليه اللهَ فسيؤتيه أجرًا عظيما”

كيف يتم قبول بيعة الإخواني؟

ورغم النطق بهذا النص السابق، إلا أنه لم يكن كافيا لقبول بيعة الشخص المنضم لـ”الجماعة” حديثًا، كما أن بيعته لا تأتي على مرحلة واحدة بل مرحلتين، حيث يعلن المنضم حديثًا عن ولائه عند الانتساب، ثم البيعة عند الترقية إلى مراتب قيادية في الجماعة كعضوية مجلس شورى الجماعة، حيث تتم البيعة للمراقب العام.
وفيما يتعلق بمراتب العضو المنتسب، فتمر بعدة مراحل وفي جميعها يندرج تحت سلطة المرشد وطاعته، ويبدأ العضو ببيعة محدودة ثم مناصر ثم فاعل، فعامل، وصولًا إلى مجلس شورى الجماعة، ومن هنا يبدأ المناصب القيادية، حيث يتم ترشيحه إلى المكتب التنفيذي لإدارة الجماعة في مصر، أو تكليفه بمنصب رقيب عام لأحد أفرع الجماعة في أي دولة من الدول التي توجد بها الإخوان، على أن يكون المنصب الأعلى الذي يمكن أن يتم الوصول له هو المرشد العام والذي يتولى بحكم المنصب إدارة التنظيم الدولي للجماعة، وتكون الإدارة من داخل مصر، الدولة الأم للجماعة.

العلاقة بين المرشد والأعضاء كالعلاقة بين الميت والمغسل:
وفي دلالة على مبدأ السمع والطاعة التي طالما ما تلقت الجماعة انتقادات على خلفيته، وصف “البنا” العلاقة بين المرشد والأعضاء كما بين ” الميت والمغسل”، بمعنى ألا تكون هناك أدنى مستويات للاعتراض أو مقاومة القرارات.
ومن هنا تعد البيعة عند الإخوان هي إحدى أهم الركائز الأساسية لهم، وظهرت مع نشأتهم، حيث كان أول من أخذ البيعة هو حسن البنا عام 1928، معتبرًا نفسه خليفة للمسلمين بعد سقوط الخلافة الإسلامية على يد مصطفى كمال أتاتورك عام 1924.
وأركان البيعة التي حصل عليها البنأ ومعمول بها حتى الآن هي: “الفهم، الإخلاص، العمل، الجهاد، التضحية، الطاعة، الثبات، التجرد، الأخوة، والثقة”.

كيف يتم اختيار المرشد؟
يُنتخب المرشد العام عن طريق مجلس الشورى العام، بشرط أن يكون قد مضى على انتظامه في الجماعة أخًا عاملًا مدة لا تقل عن خمس عشرة سنة هجرية، فيما لا يقل عمره عن الأربعين سنة هجرية.
وبعد علمية انتخابه يبايعه أعضاء الجماعة، وعقب البيعة، يتطلب منه ترك أي عمل كان يمتهنه قبل الانتخاب لهذا المنصب، بحيث يتفرغ لإدارة التنظيم الدولي ومكتبه في القاهرة.
ويظل المرشد في منصبه لمدة ست سنوات، قابلة للتجديد مرة واحدة، ويختار المرشد العام نائبا له أو أكثر من بين أعضاء مكتب الإرشاد العام، وفي حالة وفاته أو عجزه عن تأدية مهامه، يقوم نائبه بعمله إلى أن يجتمع مجلس الشورى العام لانتخاب مرشد جديد، وكذلك يمكن لمجلس الشورى العام أن ينحي المرشد إذا خالف واجبات منصبه.
وتم تغير هذا النهج في اختيار المرشد، حيث قصر حق الانتخاب على أعضاء مكتب الإرشاد، تجنبًا للحادث الذي وقع في العام 1995، حين قامت قوات الأمن بمهاجمة مقر انتخاب مرشد الجماعة، واعتقل عدد كبير من الحضور الذي كان متواجدا للإدلاء بصوته.

مرشدون سابقون:
مر على الجماعة ثمانية مرشدين حتى الآن، بدءوا بحسن البنا، وانتهوا بمحمد بديع، المرشد الحالي، القابع في السجون، وتولي “البنا “الإرشاد لمدة 21 سنة، من 1928 حتى 1949، ثم خلفه حسن الهضيبي من 1951 حتى 1973، ثم عمر التلمساني من 1973 حتى 1986، محمد حامد أبو النصر من 1986 وحتى 1996، مصطفى مشهور من 1996 وحتى 2002، محمد المأمون الهضيبي من 2002 وحتى 2004، محمد مهدى عاكف من 2004 حتى 2010، وأخيرًا محمد بديع من 2010 وحتى الآن.

حركات إسلامية سبقت الإخوان
ولا تعد الإخوان الحركة الإسلامية الأولى التي سعت لشغل مساحة سياسية، بل سبقتها جماعة أخرى أولها الوهابية ويسميها البعض بـ” الدعوة السلفية” ويطلق عليها آخرون ” دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب”، وتعتبر أول الحركات التي سعت إلى تجديد الفكر الديني، ولكنها اتهمت بالتشدد والعنف.

ولحق بـ”الوهابية” الحركة ” المهدية”، في السودان وهي إحدى الحركات التي ظهرت في العالم العربي نهاية القرن التاسع عشر، ورغم أن أبناء التيار الإسلامي يتهمون القائمين عليها بالانحراف والضرر بصحيح الدين، إلا أن أنصارها يحاولون الإبقاء على ما تبقى لهم في الحياة السياسية في السودان حتى الآن.
وجاءت ثالثتهما ممثلة في الحركة السنوسية في الجزائر والتي أسست جبهة مقاومة للاحتلال الفرنسي في المغرب العربي.

حل “الإخوان”.. للجماعة سوابق:
لم يعتبر الحكم الصادر عن هيئة مفوضي الدولة، صباح التاسع من أغسطس 2014، بحل جماعة الإخوان واعتبارها جماعة إرهابية، هو الأول من نوعه في علاقتها مع الدولة المصرية، حيث سبق هذا الحكم، قرار مماثل من قبل حكومة النقراشي باشا في ديسمبر من العام 1948، قرار بحل “الجماعة”.
وأعقب القرار حملة اعتقالات في صفوف “الجماعة” لتبقي الجماعة في كل حالات حلها، معرضة للاعتقال وتقليم الأظافر، في محاولة لتجنيب الدولة شرها.

Exit mobile version