المكتب الإعلامي الفلسطيني في أوروبا

ذكرى رحيل الشهيدان وديع إلياس حداد وسعيد المزين كتب لواء ركن/ عرابي كلوب

الدكتور/ وديع إلياس حداد قائد وطني وقومي ومناضل عربي، ومقاتل فذ، وأحد مؤسسي حركة القوميين العرب والجبهة الشعبية لتحرير فلسطين.

ولد/ وديع حداد في مدينة صفد عام 1927م وكان والده يعمل مدرساً للغة العربية في إحدى المدارس الثانوية في مدينة حيفا، وبحكم وجود والده في مدينة حيفا فقد تلقى تعليمه الابتدائي والإعدادي والثانوي في هذه المدينة، وأثناء وجوده على مقاعد الدراسة بمراحلها الثلاثة المختلفة تميز بذكائه المتقد ونشاطاته المميزة وتفوقه في مادة الرياضيات، كما كان شاباً رياضياً.

اضطرت أسرته للهجرة من صفد نتيجة المأساة التي حلت بالشعب الفلسطيني نتيجة النكبة عام 1948م ولجأ مع عائلته إلى مدينة بيروت حيث استقر به المآل هناك، وفي هذه الأثناء التحق وديع حداد بمقاعد الدراسة في الجامعة الأمريكية في بيروت لدراسة الطب.

أثناء دراسة الطب في الجامعة التحق في جمعية العروة الوثقى حيث تولى موقعاً قيادياً فيها وبعد ذلك كان أحد ثلاثة أسسوا حركة القوميين العربي في بيروت وعمان ودمشق وهم (د. جورج حبش – د. هاني الهندي، د. وديع حداد) والتي كانت بفضل تحالفها في تلك الحقبة من الزمن مع الزعيم الراحل/ جمال عبد الناصر أحد أهم حركة التحرر الوطني العربية في خمسينيات وستينيات القرن الماضي.

بعد تخرجه من الجامعة توجه د. وديع حداد مع رفيق نضاله د. جورج حبش إلى الأردن فأسسا في عمان عيادة شعبية لمعالجة الفقراء من أبناء الشعب الفلسطيني، وانتقل عام 1956م إلى مخيمي عقبة جبر والكرامة في غور الأردن وعمل في عيادات وكالة الغوث الدولية.

تعرض د. وديع حداد للاعتقال في الأردن عام 1957م بعد الانقلاب على حكومة سليمان النابلسي ومكث في السجن لمدة ثلاثة سنوات وقضاها في سجن الجفر الصحراوي حيث تم الإفراج عنه بعد تلك المدة.

في بداية العمل النضالي عمل وديع حداد بين الجماهير الفلسطينية في الضفتين الشرقية والغربية من خلال حركة القوميين العرب، وقد ظلت فكرة إنشاء حركة كفاح مسلح مسيطرة على ذهنه وتفكيره إيماناً منه بأن الكفاح المسلح هو الأسلوب الوحيد لتحرير فلسطين، لذا عمل منذ نهاية الخمسينات على تدريب أعضاء الحركة وكوادرها عسكرياً.

وفي بداية الستينات وعند تأسيس تنظيم شباب الثأر ركز د. وديع حداد على ممارسة العنف الثوري في معسكر الأعداء.

جاءت هزيمة حزيران رقم عام 1967م في ظل شعور متزايد لدى القوميين العرب حيث أن النضال القومي قد غيب الخاص الفلسطيني وعليه فقد اتجهت الجهود نحو تشكيل أداة فلسطينية تكون مهمتها النضال من أجل تحرير فلسطين، وعلى ذلك تم تشكيل الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين من شباب الثأر وأبطال العودة وجبهة التحرير الفلسطينية وعدد من الشخصيات والرموز الوطنية والقومية الناصرية.

بعد تأسيس الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين انصرف د. وديع حداد إلى وصل النظرية بالممارسة العملية فسعى لإقامة أوسع التحالفات على الصعيدين العربي والعالمي لإيجاد برامج ثورية مشتركة يتم من خلالها التصدي بشكل مشترك للأمبريالية والصهيونية.

تولى د. وديع حداد مهمات قيادية أساسية جداً في الجبهة حيث أسندت إليه مهمتان رئيسيتان هما (المالية والعمل العسكري الخارجي) حيث أثبت د. وديع حداد قدرات قتالية وعملية جديرة بالاحترام والتقدير، وجسد شعار(وراء العدو في كل مكان) بطريقة فاعلة.

كان د. وديع إلياس حداد المسؤول المباشر عن (المجال الخارجي) الذي ظهر في إطار الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين عام 1968م، تطبيقاً لشعار (مطاردة العدو في كل مكان) وكان مسؤولاً عن خطف الطائرات حيث دشن (المجال الخارجي) عملياته باختطاف طائرة (إلعال الإسرائيلية) المتجهة من روما إلى تل أبيب وأجبرها على الهبوط في مطار الجزائر حيث أفرجت إسرائيل بعد مفاوضات شاقة وقتها عن بعض الأسرى الفلسطينيين، مقابل الإفراج عن رهائن الطائرة الإسرائيلية.

كان د. وديع حداد ملهماً لحركات سياسية عديدة في العالم اعتنقت مبادئ العنف الثوري طريقاً للتحرر من الاستعمار وقد عرف عنه أنه أستاذ (في فن العمليات الخاصة).

بعد سنوات من النضال الطويل والكفاح على مختلف الأصعدة، اختلف د. وديع حداد مع رفاقه في الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين على مواصلة النهج المذكور، لذا قررت قيادة الجبهة الشعبية ووقف العمليات الخارجية مثل خطف الطائرات وتفجير المطارات وغير ذلك، في المقابل رفض د. وديع حداد تلك الرواية والاستجابة لطلب القيادة وعبر عن نيته عدم الالتزام بقرارات رفاقه وعليه فقد اتخذت قيادة الجبهة الشعبية قراراً بفصله هو ومن معه.

في عام 1976م وخلال الحرب الأهلية اللبنانية ودخول قوات ما يسمى الردع العربية (القوات السورية) إلى لبنان توجه د. وديع حداد وآخرون للإقامة بشكل نهائي في العراق.

بدأت فصول نهاية حياة القائد د. وديع حداد في بغداد الرشيد عام 1978م عندما تم استدعائه من قبل مدير عام المخابرات العراقية إلى مكتبه وذلك قبل سفره إلى الجزائر بيوم واحد، حيث تناول حديث بينهما وتناول فنجان من القهوة في المكتب حسب المعلومات المؤكدة بعد ذلك خرج من اللقاء، إلا أنه شعر بألم في معدته واعتبره ألم عارض، سافر في اليوم التالي إلى الجزائر حسب الموعد المحدد له لعقد اجتماعات هناك إلا أن الألم اشتد عليه مما استدعى لنقله إلى المستشفى حيث مكث بها مدة أسبوعين وعرض على الأطباء لمعرفة مرضه دون جدوى، فتقرر سفره إلى براغ بتشيكوسلوفاكيا لعلاجه ومعرفة ما أصابه حيث أصبحت حالته الصحية في خطر.

انتقل د. وديع حداد إلى رحمة الله تعالى يوم الاثنين الموافق 28/3/1978م، وتم إحضار جثمانه إلى العراق بعد عدة أيام حيث دفن هناك، وشارك الرفيق د. جورج حبش وأعضاء قياديين من الجبهة الشعبية في جنازته.

كان د. وديع حداد (أبو هاني) ملاحقاً من كل أجهزة مخابرات (العالم) وكان المطلوب رقم واحد على لائحة الموساد الإسرائيلي والمخابرات الغربية، وربما لم يعرفه الكثيرون من جيل الثمانينات والتسعينات من القرن الماضي.

د. وديع حداد صاحب تاريخ حافل ومشرف حيث أنه صنع مجد الفدائي الأول في تلك المرحلة، وعزز قيم الولاء والوفاء لشعبنا الفلسطيني وجعل الفدائي رمزاً للقواعد والبنادق والنضال.

د. وديع حداد رجل استثنائي بكل المعايير والمقاييس فلسطينياً وعربياً بل ودولياً، رجل شكل ظاهرة نادرة في ذلك الزمن.

كان د. وديع حداد رمزاً فلسطينياً فذاً قدم كل شيء في سبيل فلسطين التي حلم وعمل دائماً من أجل الوصول إليها بأقرب الآجال وبأقصر الطرق.

فإلى جنات الخلد يا أبا هاني.

وإلى روحه الخلود والمجد.

——-

سعيد خليل المزين (أبو هشام) هو فتى الثورة وشاعرها وهو من الطلائع الأولى في حركة فتح منذ العام 1959م ومن أوائل المتفرغين فيها عام 1966م، كتبت العديد من أناشيد الثورة الفلسطينية.

سعيد خليل المزين ولد في مدينة أسدود عام 1935م، وتلقى تعليمه في مدارسها وفي عام 1948م وأثر النكبة التي حلت بالشعب الفلسطيني طرد وأهله من بلدته وتم تهجيرهم بالقوة من أراضيهم حيث استقر بهم المطاف في غزة، التحق سعيد المزين في مطلع شبابه وصديق عمره خليل الوزير بالمنظمات الطلابية المقاومة للاحتلال الإسرائيلي عام 1956م.

كان سعيد المزين من أول المؤسسين لجماعات المقاومة الإسلامية في قطاع غزة عام 1956م، حيث كان مسؤول عن طباعة المنشورات لامتلاكه آلة طابعة في منزله.

عمل سعيد المزين مدرساً للتاريخ وفي عام 1957م تعاقد مع المملكة العربية السعودية مدرساً في المدينة المنورة وجيزان والقنفذة.

من خلال عمله مدرساً في السعودية التحق بحركة فتح في البدايات والخلايا الأولى وذلك عام 1959م وكان من الذين تفرغوا للعمل في الحركة عام 1966م في دمشق.

ساهم وناضل/ سعيد المزين من خلال عمله في أجهزة الثورة: الإعلام، فالتعبئة والتنظيم فالإدارة العسكرية عام 1971م في درعا حيث كان مسؤول الإدارة العسكرية آنذاك ومن ثم التعبئة والتنظيم مرة ثانية ومن ثم عمل ممثلاً لحركة التحرير الوطني الفلسطيني/ فتح في المملكة العربية السعودية بين عامي 1973م-1978م حيث عمل على توثيق العلاقات السعودية-الفلسطينية.

حظي سعيد المزين/ أبو هشام طوال حياته باحترام وتقدير كبار المسئولين السعوديين ومنح قبل وفاته بقليل الجنسية السعودية.

انتخب سعيد المزين عضواً في المجلس الثوري لحركة فتح في المؤتمر الثالث الذي عقد في شهر سبتمبر عام 1971م في حموريا بدمشق وعين عضواً في المجلس الوطني الفلسطيني.

كان سعيد المزين عضواُ في المجلس التأسيسي لرابطة العالم الإسلامي ومشرف لجنة القدس التابعة لها ورئيس تحرير (مجلة ديوان القدس) التي كانت تصدر من القاهرة إلا أنه عام 1986م وأثناء عمله كرئيس تحرير لها تم إبعاده من مصر وأغلقت الحكومة المصرية ومكتب مجلة القدس وسحبت ترخيصها.

كان آخر منصب لأبو هشام هو مستشاراً للرئيس/ ياسر عرفات للشئون الإسلامية.

تعامل سعيد المزين (أبو هشام) مبكراً مع الكلمة ووظف معظم شعره وكتاباته لفتح الثورة وفلسطين والوطن.

يعتبر سعيد المزين من الأدباء الذين آثروا الحركة الأدبية والمسرح الوطني والفلسطيني حيث ألف العديد من المسرحيات والتي تم تمثيل الكثير منها على المسرح.

قام بتأليف النشيد الوطني الفلسطيني وألف الكثير من أناشيد الثورة والتي كانت تصدح بها إذاعة الثورة الفلسطينية حيث أن معظم هذه الأناشيد تم تلحينها وغناؤها.

كتب العديد من الملاحم الشعرية مثل ملحمة (طوباس) والملحمة الشعرية (سفر السيف)، كما كتب العديد من القصائد التي آثار جدلاً أدبياً وسياسياً.

انتقل سعيد خليل المزين إلى رحمة الله تعالى يوم الجمعة الموافق 29/3/1991م في مدينة الرياض حيث كان يعالج في مستشفى قوى الأمن إثر أزمة مرضية مفاجئة لم تمهله طويلاً عن عمر ناهز ألـ 56 عاماً وقد ووري جثمانه الثرى في مقبرة (العود) بالرياض حيث شارك بتشييع جثمانه آلاف الفلسطينيين والسعوديين وعلى رأسهم أمير منطقة الرياض الأمير سلمان بن عبد العزيز ورئيس اللجنة الشعبية لمساعدة مجاهدي فلسطين.

كان الراحل الكبير/ أبو هشام المزين صريحاً في مجاهرته ومقاومة الأخطاء والعثرات التي تقع فيها القضية الفلسطينية.

ويعتبر الراحل أبو هشام المزين أول قيادي فلسطيني يرفض علناً تدخل العراق واحتلاله لأراضي دولة الكويت الشقيق عام 1990م.

لقد رسم المناضلون من الأدباء والشعراء والمبدعون درباً ليكون منارة للإشعاع خالدة تغسل غبار الحزن وتمسح بمناديل التكريم البيضاء الناصعة الدمع الهتون، ورطب الحرقة الملتهبة لما عايشناه وعشناه، وفي احتفالية تليق بالمناضل الراحل الكبير سعيد خليل المزين (فتى الثورة) في القاهرة، وتقديراً لدوره النضالي وعطائه المتميز في مجال العمل الوطني باعتباره من الرواد الأوائل في الثورة الفلسطينية وتثميناً لأعماله الفنية الشعرية التي جسدت أسمى المعاني والتي عبرت عن شموخ الشعب الفلسطيني وقضيته العادلة في النشيد الوطني الفلسطيني ورفع مكانة دولة فلسطين في الأمم المتحدة وفي سفارة دولة فلسطين بالرياض.

فقد منح الرئيس/ محمود عباس (أبو مازن) المرحوم المناضل الشاعر سعيد خليل المزين (أبو هشام) وسام الاستحقاق والتميز الذهبي، حيث قام سعادة السفير/ جمال الشوبكي سفير دولة فلسطين بالقاهرة بتسليم نجل الفقد/ هذا الوسام.

رحمك الله يا فتى الثورة وشاعرها وأسكنك فسيح جناته.

Exit mobile version