المكتب الإعلامي الفلسطيني في أوروبا

وجه واحد للعنصرية كتب عمر حلمي الغول

ما ان توقفت مظاهرات الاحتجاج في المدن الشرقية الكبرى للولايات المتحدة الاميركية: نيويورك، بالتيمور، واشنطن وبوسطن ضد سياسة التمييز العنصرية، حتى اندلعت في تل ابيب الاسرائيلية مساء الاحد الماضي. الحبل السري للعنصرية واحد، ايا كانت القوى المقترفة للاعمال الاجرامية ضد بني البشر على اساس اللون او العرق او الجنس او الدين. ولا يمكن الفصل بين جريمة واخرى عنصرية، لأن النتيجة واحدة.
الاحتجاجات في المدن الاميركية والاسرائيلية، جاءت نتاج جرائم عنصرية ارتكبتها الشرطة في كلا البلدين الحليفين، في الاولى مات شاب اسود في مدينة بالتيمور بولاية مريلاند بعد اعتقاله، وفي الثانية امتهنت الشرطة مكانة الفلاشا الاثيوبيين، رغم انهم يلبسون الزي العسكري. ستة وخمسون شرطيا من اصل ثمانية وستين شخصا أصيبوا في المظاهرات، التي استمرت حتى ساعات فجر الاثنين في تل ابيب، واعتقل ثلاثة واربعون اثيوبيا.
التمييز العنصري ضد الفلاشا الاثيوبيين لم يتوقف عند حدود الحرمان من العمل او السكن او في المواصلات، بل وصل لدرجة رفض المستشفيات تبرعهم بالدم، رغم ان لجنة التبرع بالدم في الكنيست سمحت لهم بالتبرع، إلا ان وزارة الصحة ارجأت منحهم هذا الحق بصورة متعمدة. وجاء تشكيل لجنة الكنيست المذكورة، بعد ان حاولت عضو الكنيست من اصل اثيوبي، بنينا تمنو التبرع بالدم، غير ان الموظفين في بنك الدم الاسرائيلي رفضوا، ولم يسمحوا لها بذلك. الامر الذي يميط اللثام عن وجه إسرائيل العنصري البشع، ويؤكد على عمق النزعات العنصرية في اوساط المجتمع الاسرائيلي، وهذا ما يؤكده احد الاسرائيليين في تقرير إخباري تلفزيوني، يقول عن الاثيوبيين: إنهم طيبون ولا يخرقون القانون، ولكن هذه، هي إسرائيل، كنا نحتقر اليهود الشرقيين ويهود المغرب، ثم احتقرنا يهود اليمن، ثم جاء الاثيوبيون، فصار الجميع يحتقرهم، ثم لحسن حظهم (عن اي حظ يتحدث!) جاء السودانيون فصار الجميع يحتقرهم.. هكذا هي إسرائيل دائما. هناك فئة تتعرض للتمييز”.
هذا التمييز العنصري من قبل اليهود الغربيين دفع الناشئة من الفلاشا إلى دائرة الجريمة واللصوصية لتأمين لقمة العيش او دفاعا عن الذات امام وحشية التمييز العنصري في الدولة الاسرائيلية، التي اعتقدوا للوهلة الاولى، انهم سيجدون فيها “ملاذا آمنا” من الفقر والجوع والفاقة. وهذا ما اشارت له صحيفة “هآرتس” الاسرائيلية يوم الثلاثاء الماضي، عن مدير عام السكرتارية التربوية في وزارة التربية والتعليم، مونيكا شافيط، التي قالت في إحدى المداولات، انه “قبل شهر ذهبت إلى سجن “اوفيك” ومنذئذ لا انام جيدا في الليل. 40% بين الاولاد المجرمين في السجن، الذين تتراوح اعمارهم ما بين 14 و18 عاما من الطائفة الاثيوبية. 80 ولدا من بين 200 سجينا. والكثيرون منهم يعودون ليكونوا سجناء. هذا محزن أكثر، حقيقة إننا فشلنا”.
تعميقا للنتيجة، التي وصلت إليها شافيط، يقول المهاجر الاثيوبي سينديكو بيلاي: انه لو بقي في اثيوبيا، لكان في حال افضل.” وفي مقابلة مع “رويتر” قال بيلاي (36) عاما: بعد ان قضى 13 عاما (في إسرائيل) يحاول فيها التكيف مع الاسرائيليين: لو كنت اعرف ان إسرائيل ستكون هكذا، لفضلت ان اموت جوعا في افريقيا”. ما نطق به بيلاي يعكس لسان حال الفلاشا الاثيوبيين، وكل اليهود الشرقيين في إسرائيل. رغم انهم للاسف الشديد يصوتون لممتهني مكانتهم الانسانية، ويركضون في متاهتهم نتاج الشعور بالنقص والدونية تجاه جلاديهم من اليهود الغربيين.
العنصرية الاسرائيلية المتوحشة ضد اليهود الفلاشا والشرقيين عموما، تؤكد للمرة المليون، انها دولة معادية للديمقراطية والسلم الاهلي، وهي دولة آيلة للسقوط، وتتجه يوما تلو الآخر ولو بعد حين للحرب الاهلية، كما اشار الى ذلك رئيس الكنيست. غير ان القيادة الاسرائيلية ستعمل على حرف دفة الصراع نحو الجبهات العربية للتغطية على الازمات الداخلية العميقة. الوضع الاسرائيلي المرتبك والمتأزم يفتح الباب واسعا امام كل القوى الاسرائيلية الراغبة في السلام وكل القوى العربية والعالمية للعمل على الضغط على القيادة الاسرائيلية لدفعها نحو خيار السلام، إن احسنت استخدام ما لديها من اوراق القوة.
oalghoul@gmail.com

Exit mobile version