المكتب الإعلامي الفلسطيني في أوروبا

“وزارة الظل” الحمساوية ترفض عودة 220 باحثًا لعملهم ما يهدد مصداقية معايير صرف المساعدات في غزة

وزارة الشؤون الاجتماعية تغطي 56% من فاتورة حساب الفقراء

قطع المواطن غازي الزبدة في السبعينيات من عمره نحو كيلو مترين سيراً على الاقدام من مكان سكناه في مخيم الشاطئ الى بنك فلسطين في ساحة الجندي المجهول بغزة كي يصرف مخصصاته من الشؤون الاجتماعية التي تصرف كل ثلاثة اشهر مرة واحدة.

يقول “أتيت من مخيم الشاطئ الى البنك في شارع عمر المختار سيرًا على الاقدام, لأني لا املك أجرة المواصلات, مشيرًا الى انه يتقاضى 750 شيقلاً كل ثلاثة شهور بما لا يكفيه خاصة ان لديه ثلاثة أبناء عاطلين عن العمل”.
حال الزبدة لا يختلف كثيرًا عن انشراح عابد في الخمسينيات من عمرها والتي تعاني من مرض السرطان، وتحصل على مساعدة بقمية( 750) شيقلا كل ثلاثة شهور من وزارة الشؤون الاجتماعية، وتؤكد ان هذه المخصصات لا تكفيها لسداد الديون المتراكمة عليها طوال الثلاثة شهور.
ورغم تذمر اغلب المستفيدين من تأخير صرف المستحقات المالية وصرفها مرة واحدة كل ثلاثة اشهر، الا ان الاشكالية الاكبر تتجسد في تنامي الشك والريبة لدى المستفيدين من طريقة ادارة توزيع هذه المساعدات في غزة خاصة في ظل سيطرة القائمون على الوزارة في غزة على كافة البيانات بخصوص الفئات المستفيدة.
شكوى وشكوك
وتشكو عابد من عدم وجود عدل في توزيع المبالغ نتيجة غياب الرقابة, مؤكدة ان أشخاصًا يمتلكون سيارات وعمارات وحسابات بنكية ومحال تجارية ويستفيدون من مساعدات الشؤون الاجتماعية ويحصلون على المبلغ نفسه بينما هناك عائلات تسكن بالايجار ولا دخل لها وحالها يرثى له.

ويدعم الوكيل المساعد في وزارة الشؤون الاجتماعية، داوود الديك، ما تحدثت عنه عابد بتأكيد وصول العديد من الشكاوى للوزارة من مواطنين في غزة حول غياب العدالة في توزيع المساعدات والمخصصات المالية وتوزيعها وفق أهواء حزبية وسياسية ضيقة في حين يعاني قسم كبير من الاسر الفقيرة من التهميش والاقصاء.
وقال الديك: “في حقيقة الأمر نحن لا سيطرة لنا على اية معلومات او بيانات حول الاسر الفقيرة او المحتاجة في غزة، ما يفتح المجال امام زيادة تذمر وشكوى الفئات الفقيرة خاصة أن صرف المستحقات المالية لا يتم على اسس البحث الميداني والزيارات او التحقق من البيانات”.
وتابع:” الشواهد والشكاوى من غزة تعطي مؤشرات واضحة حول تمييز سياسي وحزبي لصالح فئات واسر على حساب اخرى”.
انتظار بمرارة.. ومطالب بزيادة المبالغ
ورغم تقاضي المواطن خالد علي “40 عامًا” مخصصات مالية بقيمة 1800 كل ثلاثة شهور بواقع 600 شيقل شهريًّا، الا انه يؤكد انها لا تكفيه لسد احتياجاته خاصة ان أسرته مكونة من 13 فردا, ويقول: كنت اعمل في العديد من المهن، والآن أنا عاطل عن العمل نتيجة عدم دخول الاسمنت وتأخر اعادة الاعمار..
ويشير ماجد ريان “44 عامًا” الى ان الـ 700 التي يحصل عليها من الشؤون الاجتماعية لا تكفيه خاصة وانه يعيل اسرة مكونة من 9 افراد بينهم معاقة، مؤكدًا انه عاطل عن العمل منذ أكثر من ثماني سنوات.
وينتظر المستفيدون من شيكات الشؤون الاجتماعية بغزة بفارغ الصبر كل ثلاثة شهور، لصرف مستحقاتهم المالية رغم عدم كفاية المبالغ المخصصة لهم لتلبية احتياجاتهم في ظل ما يعانيه قطاع غزة من أزمات متدحرجة.
ويطالب عدد من المستفيدين من مخصصات الشؤون الاجتماعية بصرف شيكات المساعدات بشكل شهري وليس كل ثلاثة شهور مع زيادة المبالغ المخصصة للمحتاجين ومحاسبة الباحثين الاجتماعيين الذين يسجلون اقاربهم ومعارفهم غير المحتاجين على حساب اصحاب الحاجة الحقيقيين.
واشار الديك الى ان وزارة الشؤون الاجتماعية طالبت الجهات المانحة بإعادة تقييم آليات التدقيق المعتمدة لديهم التي تصل مدتها الى قرابة 70 يوما، ما يعيق امكانية تطبيق نظام الصرف الشهري للمساعدات الاجتماعية.

تعطيل عمل الباحثين يعرقل التحقق
ويقول الشاب محمد النبيه “28 عامًا”: وضعي المادي سيئ جدًّا، ورغم ذلك لا احصل على مساعدة مالية من وزارة الشؤون الاجتماعية، مشيراً الى إنفاقه على منزله المستأجر اضافة الى اعالته اطفالا ومعاناته من مرض نفسي، ويؤكد تقدمه بطلب الحصول على المساعدة الاجتماعية من الوزارة، لكن الشروط لم تنطبق عليه كون عدد أسرته قليلاً.
ولا يعرف كيف تتم عملية توزيع المساعدات ووفق اي معايير او اسس يتم اعتماد او رفض الاسرة الفقيرة ومنحها المساعدات او حجبها عنها، الامر الذي يؤدي الى نشوء الشكوك ازاء الجهات التي تقف وراء عملية التوزيع لهذه المساعدات.
ويعلق على ذلك الديك قائلا: “دون الزيارات الميدانية والتحقق من وضع العائلات وحاجتها للمساعدات لا يمكن الحصول على نتائج مرضية”.
وقال: “برنامج المساعدات له معايير واسس معتمدة لكن المشكلة تكمن في كيفية توجيه هذا البرنامج وادارته في قطاع غزة ما يؤدي الى عدم تكافؤ الفرص حتى بين الاسر في الحصول على المساعدات”.
وتابع:” دون معلومات مثبته ومدققة لا يمكن معرفة ما يجري لأن البيانات الحالية من الصعوبة التحقق منها دون مقارنتها مع ما يجري على الارض”، مشيرا الى ان هذا الامر قد يكون احد الاسباب الرئيسية التي ادت الى وقف الباحثين الاجتماعيين عن عملهم.
ويعمل نحو 100 باحث في قطاع غزة بينما ترفض وزارة الظل في حماس إعادة نحو 220 باحثًا اجتماعيًا الى عملهم رغم إقرارها بوجود عجز في أعداد الباحثين لديها وتحملهم اعباء كثيرة باتت تثير لغطًا في الشارع حول ادائهم..
واشار الديك الى ان تفعيل عمل الباحثين الموقوفين عن العمل في غزة كان من بين القضايا التي تمت مناقشتها بمشاركته في لقاءات عقدت في غزة، الا انه اشار الى وجود عقلية غريبة لدى القائمين هناك عبر مساعيهم الحثيثة للابتزاز.
ويضيف: “عندما طرحنا موضوع السماح للباحثين للعودة الى واستعداد الوزارة لتدريب جميع الطواقم سواء الذين تم وقفهم عن العمل او ممن عينتهم حماس في الوزارة، واستعدادنا لفتح خمسة مكاتب جديدة رفضوا ذلك كله وربطوه مع مطالب وقضايا تخصهم او تخص انصارهم”.
ويوالي: “العمل بهذه الطريقة هي مبعث قلق لأن استخدام الطريقة القائمة في توزيع المساعدات تنعكس مباشرة على نوعية وجودة الخدمات المقدمة (..)، نحن غير راضين عن طريقة العمل القائمة ولا بد ان نأخذ بعين الاعتبار أن معظم المستفيدين من هذه المساعدات هم من قطاع غزة”.
وحسب المعلومات الرسمية الموثقة لدى وزارة الشؤون الاجتماعية فإن 75 الف اسرة في قطاع غزة تحصل على هذه المساعدات في حين أن 45 الف اسرة تحصل على المساعدات في الضفة.
كما ان معدلات البطالة والفقر في غزة متصاعدة حيث كانت نسبة الفقر قبل العدوان في غزة 30% وازدادت بعد الحرب لتصل الى 50% في حين ان نسبة البطالة قفزت لتصل الى ما بين (50 الى 60%).
ويرى الديك ان افضل الطرق الآمنة في التعامل مع برنامج المساعدات هو نشر البيانات والمعلومات وطريقة التعامل المهني لخدمة ابناء شعبنا في غزة ومنعا لاستخدام هذه المساعدات لاغراض سياسية او حزبية، لان ذلك يلحق ضرر كبير بالفئات الفقيرة والمهمشة.

الفئة المستهدفة
ويقول مدير عام الحماية الاجتماعية في وزارة الشؤون الاجتماعية رياض البيطار: إن أعداد المنتفعين من شيكات الشؤون الاجتماعية وصلت الى( 74569) أسرة بواقع (416000 ) ألف فرد, مشيرًا الى ان الفئة المستهدفة هي الأسر الأشد فقرا حيث يحق لها التوجه الى وزارة الشؤون الاجتماعية لطلب الحصول على المساعدة ويتم إخضاعها الى عدة إجراءات والتي يتم من خلالها تحديد حاجة الأسرة للمساعدة.
واوضح انه يوجد داخل الاسرة ما يعرف بالحالات الخاصة او المهمشة كالمطلقات والمعاقين والمسنين والأرامل والايتام والمرضى والتي تأتي في اطار الحالات المهمشة لعدم وجود الرعاية الكافية من قبل عوائلهم.
ويوضح البيطار ان من انجازات الوزارة الشفافية العالية في تحديد المبلغ حيث يتم تحديده دون تدخل بشري عن طريقة علمية محوسبة, حيث تقوم الاسرة بالتقدم بطلب المساعدة وتعبئة الاستمارة وتوقع على صحة البيانات التي جاءت في الاستمارة بناء على اسئلة الباحث الاجتماعي, ومن ثم تدخل الاستمارة الى الحاسوب ويقوم بتحديد المبلغ عن طريق عملية محوسبة حيث يتم إعداد العملية من قبل وزارة الشؤون والاحصاء والمؤسسات الممولة للبرنامج.
ويكشف عن توجه لصرف المبلغ بشكل شهري ولكن لأسباب ادارية لم يتم تنفيذ ذلك، موضحًا أن بعض الاسر تستفيد من مبالغ تتراوح قيمتها ما بين 750 شيقلاً كحد ادنى و1800 شيقل كحد أقصى.
وبين ان وزارة الشؤون الاجتماعية تغطي ما نسبته 50% من فجوة الفقر حسب ما هو متوفر من تمويل, مشيرا الى سعي الوزارة الجاد لزيادة المبالغ من قبل الجهات الممولة, لكن أن ما واجهته الوزارة في غزة من عام 2006 الى 2015 من تغييرات نتيجة ما تعرضت له من حروب وحصار زاد من نسبة الفقر وحال دون زيادة المخصصات.
ويشير البيطار الى ان الحالات الفقيرة بقطاع غزة هي ليست حالات فقيرة وانما فقدت مصادر الدخل بسبب الحصار وتدمير المنشآت الصناعية والاراضي الزراعية بالمنطقة العازلة ومنع الصيادين من الصيد بحرية في عمق البحر.
ويقر مدير عام الحماية الاجتماعية في وزارة الشؤون الاجتماعية بوجود ضغط على الباحث الاجتماعي في عمله فبدلاً من دراسة 400 ملف يقوم بدراسة 1000 نتيجة الحالات المتزايدة بشكل يومي, كاشفًا أن متوسط الحالات التي يقوم بالكشف عليها شهريا تقدر ما بين 30 الى 50 حالة.

استبعاد المستفيدين
ويؤكد البيطار أنه تم استبعاد 400 حالة وإضافة 4000 حالة جديدة نتيجة انضمام اعداد كبيرة لصفوف العاطلين عن العمل خلال شهر آذار الماضي. معتبرًا أن المساعدة ليست حقًّا مكتسبًا لكل مواطن بل هي لمن يحتاجها.
ويؤكد وكيل وزارة الشؤون الاجتماعية د. محمد أبو حميد ان اعداد المستفيدين على مستوى غزة والضفة وصل حتى عام 2014 الى 130 الف اسرة بمعدل 67% لغزة و33% للضفة.
ويقول: تقدم وزارة الشؤون الاجتماعية مجموعة من البرامج ومن اهمها المساعدات النقدية التي بلغت تكلفتها مع نهاية 2014 حوالي 132مليون شيقل, وبرامج المساعدات الغذائية التي تشرف عليه الشؤون الاجتماعية بتمويل من برنامج الغذاء العالمي الذي تستفيد منه 45 ألف اسرة على مستوى الضفة وغزة بتكلفة لكل دفعة 8,5 مليون دولار, وبرنامج المساعدات الطارئة التي تم صرف 600 ألف شيقل لها خلال كانون الاول الماضي لـ(800) أسرة, وبرنامج لتمكين الاسرة الفقيرة من انشاء مشاريع اقتصادية لتقيها من الفقر, وبرنامج التأمين الصحي وكفالة الايتام, والاعفاء من فاتورة الكهرباء للأسرة الفقيرة ,اضافة الى تقديم الدعم لمراكز الايواء التي تضم الاحداث والنساء المعنفات.
ويكشف أبو حميد عن ارتفاع أعداد المستفيدين من مساعدات الشؤون الاجتماعية خاصة في غزة بسبب الاوضاع الاقتصادية الخانقة والحصار والعدوان الاخير الذي دمر العديد من المنازل واصبح سكانها بلا مأوى، وتدمير العديد من المصانع وتعطل العاملين داخل هذه المصانع عن العمل, واغلاق المعابر وعدم دخول الاسمنت.
ودعا ابو حميد الى اعادة البحث الاجتماعي والنظر في معادلة استهداف الحالات المستحقة للمساعدة, لأن هناك تغييرات في الاوضاع الاقتصادية للمستفيدين نتيجة الحصار المفروض على غزة , مشيرًا الى أن المستفيدين الذين لهم حق الاولوية هم المسنون وذوو الاحتياجات الخاصة والفقراء.
ويضيف: الوزارة تنفق سنويًّا ما يزيد عن 712 مليون شيقل على الفقراء وبرامج الحماية الاجتماعية في الضفة والقطاع منها حوالي 67% في غزة من برنامج التحويلات النقدية نظرًا لارتفاع نسبة الفقر والبطالة هناك.
ويؤكد حميد ان خدمات وزارة الشؤون الاجتماعية تشمل ايضًا الاعفاءات المدرسية والجامعية لنصف مليون طالب وطالبة من الضفة بقيمة مليوني شيقل.
ويقر أبو حميد بحاجة الى عدد اكبر من الباحثين للوصول لكل الفئات المستحقة بكل نزاهة وشفافية، فعدد الملفات لدى الباحثين كبير ولا يمكن انجازها ولا بد من اعادة كافة الباحثين لعملهم، لضمان النزاهة والشفافية .
وقال:” 100 باحث حالياً لا يكفي للقيام بكافة المهام، وهناك 220 باحث موظفون في الوزارة وذهبوا لاستلام عملهم الا ان القائمين على الوزارة في غزة رفضوا عودتهم لاعتبارات حزبية وليست وطنية.
وشدد على ضرورة استهداف الحالات الاجتماعية بالبحث والتقصي، وقال المطلوب ان تكون هناك امانة وضمير لدى الباحث وهذا العمل مهني يبتعد الباحث في عمله عن الولاءات الحزبية او العائلية لأنها امانة يحاسب عليها، وامانة الباحث هي الاساس في انجاح الهدف وتحقيق المساواة والعدالة.
من جانبه يعلق الديك حول اهمية الحاجة لمعالجة موضوع عودة الباحثين الاجتماعيين للعمل خاصة في ظل وجود نقص حقيقي حيث ان هناك باحثون يتحملون مسؤولية البحث الميداني عن اعداد كبيرة جدا بمعدل ( 700 الى 1000)اسرة للباحث الواحد . وقال:” هذا لوحده كفيل بان يبطل عملية التحقق والتدقيق في اوضاع الاسرة الفقيرة ، لانه من غير منطقي ان يقوم باحث واحد بزيارة او البحث الميداني لمثل هذا العدد من الاسر”.
وبينما ما زالت الوقائع صعبة ومعقدة لحين انهاء الانقسام وتداعياته ف اغلبية المواطنين امثال المواطن الزبدة وعابد باتوا رهينة وزارات الظل الحمساوية التي ترى في نفسها فوق المساءلة والمحاسبة ومن حقها التصرف بمخصصات الاسر والعائلات الفقيرة والمهمشة وفق ما تراه مهما قيل او يقال عنها.

الحياة الجديدة- هاني ابو رزق

Exit mobile version