المكتب الإعلامي الفلسطيني في أوروبا

كلام الدين تأكله أفواه السياسة كتب حسن سليم

التحريم والاباحة مصطلحات يشيع استخدامها فيما يتعلق بحدود الله، وحقوق عباده، ويتم اقرانها بالعقاب والثواب. ومصادر التشريع في الاسلام معروف انها اربعة، كتاب الله، وسنة نبيه، والاجماع والقياس، ولكن كتاب الله هو المرجع الأول الذي يعود إليه المجتهد لمعرفة حكم الله، ولا ينتقل الباحث إلى غيره من المصادر إلا عند عدم وجود الحكم المبتغى فيه. فيما العقاب مرتبط بمخالفة الكتاب، والثواب بالالتزام فيها، والعمل بفضائل وردت في السنة، وغير ذلك استحسان، لكن يبقى الاصل كتاب الله، وفي نص الكتاب لا اجتهاد.
فما كان محرماً قبل الف واربعمائة عام ما زال التحريم بشأنه ساري المفعول، ولم تغير بشأنه لا وسائل المواصلات، ولا الاتصالات، ولا التقدم التكنولوجي. فالخمر اذا ما كان يُصنع بالعصر اليدوي ام بالماكنات، واكل مال الربا كان بالدراهم او بالشيكات، والقتل ان كان بالسيف او بالكلاشنكوف كل محرمات لا يغيرها التقدم منها شيء ولا تضفي عليها السياسة إباحة.
لكن في حالة حركات الاسلام السياسي، ومنها حماس على وجه الخصوص، فان الفعل والسلوك الذي كان يصنفونه وفق شرع يفسرونه حراما، وفي لغة السياسة خيانة، يصبح مباحا اذا ما اتفق ومصالحهم. وبالعودة الى موقف التحريم من المشاركة في الانتخابات للمجلس التشريعي الفلسطيني، وفي مؤسسات السلطة الوطنية، فقد كان واضحا وبشكل لا تستطيع حركة حماس اخفاءه او التراجع عنه كونه موثقا في ادبياتها، مبينة ان موقفها تجاه مشاريع التسويه وما ينتج عنها مستند إلى نظرتها كحركة إسلامية إلى أرض فلسطين باعتبارها “أرض وقف إسلامي على أجيال المسلمين لا يصح التفريط بها أو بجزء منها، أو التنازل عنها أو عن جزء منها، واعتبار ” التفريط في أي جزء من فلسطين تفريطا في جزء من الدين”, وعليه فإن حماس عارضت المشاريع السياسية المقترحة لحل القضية الفلسطينية باعتبارها مشاريع تتضمن تنازلاً عن جزء من أرض فلسطين لإسرائيل، وكونها ترى أن مشاريع التسوية المقترحة لا تلبي طموحات وآمال الشعب الفلسطيني ولا تعيد له حقوقه المشروعة، لذلك نظرت حماس إلى اتفاق أوسلو على أنه مؤامرة كبرى تستهدف شعبنا وقضيتنا وأمتنا.
ولكن وبعد اقل من عشرة اعوام تبدلت الصورة والمواقف، فكلام الدين أكلته افواه السياسة، ولم يعد اتفاق اوسلو مشروع تفريط بالارض، ولم تعد المشاركة في انتخابات مجلسها التشريعي حراما، ولم تعد تشكل شهادة زور على مشروع تسوية كان بالاصل حراماً، بل كانت الفتوى بان المشاركة في الانتخابات والتصويت لحركة حماس واجب شرعي، ومن يتخلى عن الواجب لصالح التصويت لها يكون خارجا عن الملة.
ورغم ان اتفاق اوسلو بقي بنصوصه لم يتغير، ان لم يكن في اسوأ حالاته من حيث التطبيق، والاحتلال هو ذاته اسرائيل، بل ازداد عجرفة وتغولاً على أرضنا، وموازين القوى في العالم لم تعد لصالحنا، ولم يعد العالم يخطب ودنا كما كان. ولهذا فان مشاركة حماس في الانتخابات الثانية ليست الا دلالة واضحة على ان موقفها من الانتخابات التشريعية الاولى عام 1996 بالمقاطعه، لم يكن مستند الى رأي فقهي قائم على مبدأ الحلال والحرام، بل كان مسـتنداً إلـى رأي سياسي صرف، تحكمه مسوغات سياسية بالمقام الأول، ويستند إلـى مصـلحة الحركـة والمكاسب التي يمكن ان تحققها أو الخسائر التي ستلحق بها في حال قرارها بالمشاركة في الانتخابات او المقاطعة.
وبعد فوزها في الانتخابات التشريعية الثانية عام 2006، وعلى غير ما كانت تشيع، فقد تهافتت لتسلم الحكومة، التي كانت تنظر اليها وفق خطابها السياسي المعلن، بانها حكومة لسلطة وظيفية لخدمة مصالح الاحتلال، وحماية امنه، وانها من غير المعقول ان تشارك فيها، وتقوم بهذا الدور، وهي من تسمي نفسها حركة مقاومة. الا ان الوقت لم يتأخر كثيرا حتى بدأت الاجتماعات على معبر بيت حانون “ايرز” بحضور قادة من الحركة كمحمود الزهار وغازي حمد، وغيرهم الكثير، بحجة التنسيق لمصالح حياتية والحقيقة كانت تعزيز اوراق الاعتماد بانها حركة قادرة ان تكون شريكا قويا قادرا على ضبط الامن على الحدود، بدلا من السلطة السابقة. وفعلا صدقت سلطة حماس وعدها، ولذلك لم يرجف لاسرائيل جفن حينما كانت حماس تنقلب على السلطة في غزة، فقد كانت الرسائل لاسرائيل تصل تباعا من خلال الاصدقاء المشتركين، بان حدودكم آمنة، وما قيام شرطة حماس الحدودية بقتل المجاهدين من ابناء حركة الجهاد الاسلامي بحجة خرقهم للهدنة المعقودة مع اسرائيل الا دليل على صدق وعدهم، بأن الحدود ستكون آمنة في ظل حكمنا. وما كان يسمى التنسيق الامني الفاجر، اصبح يسمى بعلاقة المصلحة لصالح الجمهور، بل واضافت لضبطها للحدود بالقوة غطاء شرعيا بأن اطلقت الفتاوى بان خرق الهدنة انما يشكل اعتداءً على مصالح المسلمين ومساً بحياتهم، والإضرار بمصالح المسلمين حرام شرعا، ” فلا ضرر ولا ضرار “.
حيث صدرت عن وزارة الأوقاف والشؤون الدينية في سلطة حماس فتوى تحرم خرق الهدنة مع الاحتلال، وكتب د. سلمان نصر الداية في فتواه الصادرة عن الوزارة “إن احترام هذه الهدنة التي رعاها إخوتنا في مصر الشقيقة، واجبٌ على كل واحد منا، وأن الَتهاون بها بالخرق والمجاوزة كبيرة مُؤَثّمة”. ويكمل د. الداية في فتواه قائلا ” إني إذ أُذَكر بهذا لَأَربأُ بإخوتي وأخواتي النبلاء في قطاع غزة الصابرة أن يستفزهم الشيطان لشيء من هذا، وأرجو أن نحافظ على ما أنجز إخوتنا، وما صار إليه قادتنا؛ رجاء ألا يفوتنا شرف العمل بقول النبي: (مَنْ أطاعني فقد أطاع اللَّه، ومن عصاني فقد عصى اللَّه، ومن أَطاع أَميرِي فقد أَطاعني، ومن عصى أَميرِي فقد عصاني ). وبالتالي وحسب نص الفتوى، هو تحذير من الانجرار باستفزاز الشيطان ومن ثم مقاومة الاحتلال. تخيلوا لو صدرت تلك الفتوى عن د. محمود الهباش لصالح الرئيس ابو مازن، ماذا سيحل به؟ ! وبالطبع نذكر عندما وصف الرئيس ابو مازن صواريخهم بالعبثية نظرا لما احدثته من دمار بسبب ردة فعل اسرائيل، فتم تخوينه، في حين حق لهم قتل من يخترق الهدنة، وتخوين من ينتقدها !! فهي حلال لهم، حرام على غيرهم.
فيما التفاوض مع اسرائيل، فلم يكن برعاية حتى اصغر دولة في العالم، جمهورية مولوسيا, البالغ عدد سكانها ثلاثة أفراد، بل وصل الامر بهم للتفاوض عبر الدردشات، كما يحدث بين الاصدقاء.
والحرام الاخير الذي اغتسل وتاب واصبح حلالاً, هو ما يتعلق بمال السلطة الذي سبق وقالت عنه حماس إنه ” سحت “، والسحت وفق تفسير الجلالين هو ” المال الحرام، وكل ما لا يحلُ تناولُه، وكل حرام يقبح ذكرُه، خَبُث من المكاسب أو الحرام الذي لا يحل كسبه”. ولكن السحت استطعم اهل السلطة المحرمة سابقا طعمه، ليحل اليوم، بل ويصبح استحقاقاً، يجوز الدفاع حتى القتل من أجله.
قائمة المحرمات التي تغتسل كلما اقتضت الحاجة طويلة، والتوبة في الاسلام محببة الى الله، لكن من اهم شروطها عدم العودة عنها، فهل تتوب حماس عن التحريم، لتعود وتحلل كلما اقتضت المصلحة ؟.

Exit mobile version