المكتب الإعلامي الفلسطيني في أوروبا

نكبة و نكسة ثم انقسام ونكبات ثم ماذا ؟! كتب أ . سامي ابو طير

يا لسخرية الأقدار ! بالأمس القريب استذكرنا مرور ذكرى النكبة الكبرى الاّليمة السوداء التي نتج عنها ضياع الأرض والإنسان معا في اّن واحد ، وفي هذه الأيام نستذكر ذكرى نكسة الخامس من حزيران التي لا تقل ألماً و مرارة عن سابقتها لأنه نتج عنها ضياع المقدسات الدينية سواء الاسلامية أو المسيحية على حدٍ سواء .

ناهيك عن ضياع ما تبقى من أرض فلسطين الأم لتستمر التغريبة الفلسطينية و رحلة العذاب والمعاناة والتشريد والخراب و …

وهكذا فقد ضاعت فلسطين ابتداءً من النكبة و انتهاءً بالنكسة حيث تم تهويد كل شبر من أرض الوطن الحبيب ، بالإضافة إلى احتلال أراضي دول الجِوار العربية بفعل فاعل و في غفلةٍ من الزمن بعد أن كانت النفوس تتُمنّى وتحلم بقرب العودة للديار من جديد ، ولكن !

لذلك فقد كانت الحسرة والمرارة في النفوس أشد وطأةً من سابقتها لأنها عوّلت كثيراً على “جيوش ورقية” لتحقيق الحلم بالعودة من جديد، ولكن تمت هزيمتها بصدى رصاصة واحدة لنفس الفاعل السابق .

النكسة قضت على بصيص الأمل بقرب العودة إلى الديار والبيوت التي لا زال يحتفظ الآباء والأبناء بمفاتيحها الجميلة ويعملوا على ازالة الغبار عنها تخليداً لأهميتها في القلوب قبل العقول ، ولاستذكارها جيلا بعد جيل من أجل العمل الدؤوب على تحقيق ذلك الحلم الغالي الذي باعدته النكسة المريرة .

وهكذا لا نزال بين نكبة ونكسة “محلك سر” نستيقظ ونصحو على الواقع المرير للاحتلال المُدمر لشتى أنواع الحياة ، لأن كابوسه المقيت و الأليم لا زال جاثماً فوق الصدور ويعيث في الأرض فسادا وتدميرا وتقتيلا .

إن سُخرية القدر تتمثل هذا العام بالذات بالغرابة الشديدة نظراً للتزاوج النكبوي النكسوي الرقمي العجيب للنكبة والنكسة معا، حيث تبادلت الاثنتان رقم كل منهما ليصبح الرقم عاما لذكرى المعاناة والألم للأخرى ، ورغم ذلك لا نزال نراوح أماكننا في ظل ما نعيشه من تشرذم وانقسام وفئوية قاتلة .

بالأمس كنا نستذكر الذكرى الـ 67 لنكبة عام 48 واليوم نستذكر الذكرى الـ 48 لنكسة عام 67 وهكذا في كل عام سنستذكر الذكريات الأليمة ، ولكن إلى متى ؟

أليس ذلك غريباً وعجيباً واستهزاءً من الأقدار بنا ؟! وكل ذاك الاستهزاء القدّري في عهد الانقسام الملعون ، وكأن القدر يدفعنا باستهزائه نحو قتل غول الانقسام الذي صنعناه بأيدينا ، أليس كذلك يا قـوم ؟!

يا ليتها كانت نكبة أو نكسة واحدة ولكنها مصائب و نكبات مستمرة ، ولذلك فإن النكسات والنكبات لم تُصبح يوما ما ذكرى بل تُعـتبر واقعاً ملموساً نعيشه كحقيقة مؤكدة على الأرض ، ويُعتبر التمترّس والتجذر في الأرض والصمود عليها في وجه الغطرسة والوحشية الإسرائيلية هو الفرق الجوهري الوحيد بين نكبات الماضي والحاضر .

أي أننا صامدين على الأرض ومتمسكين بها لأبعد الحدود رغم الحروب الطاحنة والقتل والدمار والخراب والجدران العنصرية والتجريف والاقتلاع وهدم البيوت على رؤوس ساكنيها ، ورغم ذلك صامدين ولم …

وبالرغم من كل ما تفعله إسرائيل حاليا ضد أبناء شعبنا الفلسطيني البطل من الممارسات الهمجية الغير مسبوقة لاّلة الدمار الوحشية الصهيونية إلا أننا صامدين على أرضنا ، ولن نركع للعدو الصهيوني حتى تتحقق أمانينا بزوال الاحتلال وإقامة دولة فلسطين المستقلة وعاصمتها القدس الشريف .

ما زاد الطين بلة على ويلات النكبات المتتالية بفعل الاحتلال هو اختراع “أم النكبات” الذي يُطلق عليه لقب الانقسام الأسود بين شطري الوطن والذي حدث بأيدي فلسطينية ، و ذاك الانقسام لم نعرف أو نسمع له مثيلا من قبل لدى الشعوب الباحثة عن الحرية من ظلم المحتل الغاصب .

إن مرارة ونكبة الانقسام تتمثل في تدمير مقدراتنا الوطنية و إلهائنا عن محاربة العدو الأساسي الذي اغتصب الوطن ، وكأن من يعشقون استمرار الانقسام البغيض تناسوا أننا لا زلنا نعيش تحت ظلم الاحتلال .

لذلك فإن نكبة الانقسام تُدمي القلوب والنفوس أكثر بكثير مما تركته حسرات النكبة أو النكسة مجتمعتين .

إن الانقسام البغيض يُعـتبر نكبة حديثة وحقيقية على أبناء الشعب الفلسطيني في كل مكان ، “ولا عزاء لمن يتمسك به تحت حجج واهية” ، لأن الانقسام يقدم خدمات جليلة لمصلحة العدو الاسرائيلي فقط لأنه فعل بنا جميع الأفاعيل التي عجزت عنها اسرائيل منذ نشأتها ضد الشعب الفلسطيني .

القاصي والداني يعلم بأن الانقسام دمر النسيج الوطني الأخوي وأصاب اللُحمة الوطنية بالتهتك والتدمير ، وقضى على كل شيء جميل من أواصر المحبة والترابط بين الأسرة الواحدة واستبدلها بالحقد والكراهية بين الأشقاء.

لقد شتّت الانقسام شملنا وفرقنا شيعاً وأحزابا تحقيقاً للقاعدة الصهيونية القديمة والحديثة ، و التي تبحث اسرائيل عن تكريسها و تعمل جاهدةً لتحقيقها ونشرها بين الأخوة منذ نشأة كيانها المسخ وهي ” فرق تسد ” ، ولكنهم لم ينجحوا أبداً إلا عندما حدث الانقسام البغيض بسبب حب التربع على كرسي الحكم المقيت .

لذلك تعـتبر لعنة كرسي الحُكم هي السبب الرئيسي لنجاح اسرائيل في تحقيق ماّربها التي عجزت عنها سابقا .

إذا كان ذلك أدنى تأثير للانقسام، فما بالك بما فعله على صعيد المجتمع الفلسطيني وتأثيره على قضية فلسطين الرئيسية لتحقيق الحرية والاستقلال ؟

لأجل ذلك تقوم اسرائيل بتغذية الانقسام ونشر السموم بين الأخوة ، ناهيك عن التفنن في نصب الفِخاخ وإلقاء الطعُوم المختلفة أمام رُعاة الانقسام حتى تجعلهم يحافظون عليه بأي ثمن ! “علماً بأنه لا يوجد ثمناً على وجه الأرض أغلى من الوطن الذي روينا أرضه بالدماء لا بالماء” .

وتزداد قيمة وحلاوة الطُعم كلما استشعرت اسرائيل اقتراب تحقيق الوحدة بين شطري الوطن لتضمن استمرار بقاء الانقسام كحقيقة راسخة على الأرض ، وخوفا من تحقيق الوحدة بين الأخوة لأن الوحدة الحقيقية تعني أن البوصلة الفلسطينية ستتجه نحو العدو الاسرائيلي فقط لاسترداد الحق السليب .

الغريب والعجيب أن الجميع يعلم بأن الانقسام لصالح اسرائيل ومع ذلك لا نشاهد أو نسمع إلا أكاذيبا اعلامية جوفاء لتحقيق الوحدة ، وما يجعلنا نؤكد بأنها أكاذيب وشعارات رخيصة هو ما يحدث على الأرض من مؤامرات رخيصة تستهدف دولة فلسطين بالدرجة الأولى للقضاء على المشروع الوطني الفلسطيني بالكامل.

القضاء على المشروع والحلم الوطني الكبير يتمثل بقبول البعض أو مجرد التفكير في قبول ما يُسمى بقيام “كنتونة” خاصة به ثم يُطلق عليها اسم دولة ما على بقعة ما من الأرض التي يحكمها رغم أنه لا زال محكوما تحت قبضة الاحتلال الاسرائيلي ويخضع لقوته وجبروته التدميري . .

لذلك أؤكد بأن تلك “الكنتونة” إن حدثت فإنها لن تكون سوى حظيرةً يرتع ويمرح فيها الاحتلال بمؤامراته ودسائسه تسخيراً لأهدافه الاستراتيجية العليا فقط ، ومن ثم تُصبح فـلـسـطـين في خبر كان !!

لأجل ذلك فإن النكبات لا زالت متواصلة ومستمرة على اختلاف مُسمياتها لأن الواقع المرير الذي نعيشه يؤكد بأننا لا نزال في عهد النكبات سواء بما نتعرض له بفعل العدو الصهيوني أو بما جنته أيدينا الظالمة على أنفسنا وعلى أمنا الكبرى فلسطين .

أؤكد للقاصي والداني بأن مرارة النكبات وحسرتها لن تزول إلا بزوال وإنهاء الاحتلال الإسرائيلي وتحقيق الحرية والعودة وإقامة دولة فلسطين المستقلة وعاصمتها القدس الشريف .

دون إنهاء الاحتلال الإسرائيلي فإن النكبات سيستمر سقوطها فوق رؤوسنا تِباعا ، وستتعدد الأسماء لتلك النكبات من كثرتها حتى نعجز عن تسميتها سوى بالنكبة والنكبة و …. ولكن إلى متى ؟

سئمنا النكبات وكرهنا الانقسام … كفانا تشرذماً وانقساما … كفانا ذُلاً وهوانا … كفانا خنوعاً وتبعية للأخرين كفانا … وكفانا … ، ولذلك يجب فرض الوحدة بأي ثمن لأن فلسطين أغلى من كل الأثمان ، ولهذا يجب تحقيق الوحـدة الوطنية لنكافح و نقاتل ونموت على أرضنا شهداء حتى يزول الاحتلال للقضاء على النكبات السوداء .

ألا تفقهون يا قـوم أم أنكم تتلذذون أكثر كلما زادت الالام والنكبات ؟

إن النكبات أو المصائب عندما تحلّ بالشعوب الحيّة فإنها تعمل على توحيدها ضد الأعداء و زيادة ترابطها وتماسكها مع بعضها البعض لتحقيق النصر على أعداء الوطن .

لأجل فلسطين أفيقوا بالله عليكم للقضاء على أم النكبات ، وليكن قرارنا الوطني الفلسطيني المستقل هو الخيّار الوطني لتحقيق الوحـدة الحقيقية بين شطري الوطن لإفشال مؤامرات العدو الصهيوني ، و الانتصار لأرواح ودماء الشهداء الغوالي الذين ضحوا بأرواحهم فداءً لفلسطين .

لأجل فلسطين أتوجه بالنداء الأعظم إلى جميع أبناء الشعب الفلسطيني على اختلاف ألوان الطيف الوطني الذي ينتمون له ليعملوا من أجل مصلحة فلسطين أولا وأخيرا ،وأتمنى عليهم العمل الصادق لتحقيق الوحدة الوطنية وفرضها كأمر واقع و حقيقة راسخة على الأرض لتحقيق النصر المؤزر علي الاحتلال في شتى الميادين .

لذلك إن القضاء على النكبات سيتحقق فقط بإنهاء الاحتلال وإقامة دولة فلسطين المستقلة لترفرف رايات فلسطين خفاقة عالية فوق مآذن وكناّئس القدس الشريف .

أ . سامي ابو طير

كاتب ومحلل سياسي

Exit mobile version