المكتب الإعلامي الفلسطيني في أوروبا

وعاء الرسول ووعاء الآلهة:نظرات في فكر الاسلامويين ح4 (فهمي) كتب بكر أبو بكر

نكمل السلسلة في هذه الحلقة الرابعة من دراسة “وعاء الرسول ووعاء الآلهة:نظرات في فكر الاسلامويين” بعد أن تكلمنا سابقا، عن العقل القطعي اليقيني ومواصفاته الثلاثة، والاختلاف بين الخلاف الموقفي واليقيني، الى أن تحدثنا في الحلقة الثالثة عن إيماني أنا وما لهم هم، وبداية التعرض لنظرية الوهم المقدس

الأول هو ذات الخامس

الخطورة هي أن نكرر بمنطق [الربط] بما هو “وهم” برأينا، أو ايهام مقصود إذ لا ربط بالحقيقة، لكنها خيوط خمسة متسلسلة تأخذ من بعضها وليست نفس الشيء، حيث يوهمون هم الناس أن الأول بما يحويه من مطلق وتقديس وثبات وتنزيه عند الكافة يؤدي للتالي تلقائيا ، وهكذا لما يليه حتى الخامس، كرسالة تسقط في ذهن المتلقي الواثق بالمرسل برحابة، بمعنى لأنه يتم تعمد الخلط من قبل المرسِل ما نعيده كمعادلة مرة أخرى كالتالي:

1. (الإسلام = مقدس).

2. (فهم الإسلام) وهو فهم محدد

3. وبالتالي (حزب فهم الإسلام)

4. ثم (أصحاب حزب فهم الإسلام)

5. ثم (أفعال أصحاب حزب فهم الإسلام).

تسقط هذه المعادلة وهذا الفهم بردا وسلاما، وفق السلسة الخماسية المشبعة بالطاعة والولاء وعدم النقاش والتقديس للقادة لتتنقل القداسة الأولى ضمن السلسلة حتى الأخيرة كموج نوراني مريح فتغلفها جميعا، وهنا الخطورة ، فيتحول [الوهم] بالعلاقات بين الخمسة المختلفة إلى [إيمان] وثقة مطلقة.

أنظر لما يقوله حسن البنا في مقدمة “رسالة التعاليم” والأصول العشرين “للاخوان” نصا: (فهذه رسالتي إلى الإخوان المجاهدين من الإخوان المسلمين الذين آمنوا بسمو دعوتهم ، وقدسية فكرتهم ، وعزموا صادقين على أن يعيشوا بها ، أو يموتوا في سبيلها) لقد خص الاخوان بالحديث وهذا شأنه لكنه قدّس دعوته بافتراضه أنها كلها من الاسلام كما قال في سياقات أخرى، وافترض أن الفكرة أو الفهم الاخواني هو حياتهم لا الإسلام مثلا، ويكمل ليقول (أيها الإخوان الصادقون أركان بيعتنا عشر فاحفظوها: الفهم و الإخلاص و العمل و الجـهــاد و التضحية و الطاعة والثبات و التجرد و الأخـوَّة و الثقة).

مضيفا بتحديد قطعي ومغلق حول (الفهــم) ليقول (إنما أريد بالفهم : أن توقن بأن فكرتنا إسلامية صميمة و أن تفهم الإسلام كما نفهمه ، في حدود هذه الأصول العشرين الموجزة كل الإيجاز.)

أي أنه ويتطور بالعرض ليعتبر أن (الفهم) الذي يقول به هو (الفهم) الوحيد المطلوب وهو أول شروط بيعته العشرة ، والفهم للإسلام “كما نفهمه” نصا، و”بحدود” الأصول العشرين، ما يعني إغلاقا كليا للفكرة وتقييد للفهم في حدود العشرين نقطة، ورفض الانطلاق والتفكر إلا فيها ومن خلالها في رد لمقولات كل مفكري ومجتهدي المسلمين الذين آمنوا بالتعددية في الاجتهاد ومن هنا يصبح الأول أي النص المقدس هو الخامس، أي مقولات وأفعال من يظنون أنهم يمثلون الإسلام حكرا بجماعتهم وشخوصهم وأقوالهم وعبر أفهامهم.

في ذات السياق ينظّرون لما يحملونه من عقيدة على أنه الصواب “الأوحد” ، وبالتالي ما سواه شر وشيطان وباطل فيقع التنزيه والتضييق للفكرة في بوتقة واحدة رغم رحابة الإسلام التي أسست لقدرته على الانتشار والاتساع.

يحاول المؤدلجون أيضا أن يجعلوا من صلاح العقيدة أو الإيمان بدلالة العبادة، دلالة على صلاح الخلق، أو أن يجعلوا الإيمان يؤدي حكما إلى صلاح الرأي، وهي علاقات ثلاثة (أي العقيدة والسلوك والرأي) ليست بالضرورة تؤدي لبعضها البعض وفي الخوارج لنا خير مثال.

مثل هؤلاء في التيار القطبي في الإخوان المسلمين تحديدا كمثال استبدوا بوعي الناس وزيّفوا وعي الناس فأوهموهم أن [دعوة] الإخوان و [فهم الإخوان] للإسلام هو الإسلام ذاته، ولا دعوة أو فهم أو حق غيره.

يقول الشيخ عبدالرحمان الكواكبي في كتابه الثمين منذ ما يزيد عن 100 عام عن الاستبداد الديني السياسي أنه يصل بالناس (لنقطة يلتبس عليهم “فيها” الفرق بين الإله المعبود بحق وبين المستبد المطاع بالقهر، فيختلطان في مضايق أذهانهم من حيث التشابه في استحقاق مزيد التعظيم و الرفعة عن السؤال وعدم المؤاخذة على الافعال…)

ويضيف (وبعبارة أخرى يجد العوام معبودهم وجبّارهم مشتركين في كثير من الحالات و الأسماء والصفات) (وبناء عليه يعظمون الجبابرة تعظيمهم لله ، ويزيدون تعظيمهم على التعظيم لله لانه حليم كريم، ولأن عذابه آجل غائب)

ويكمل في أطروحته المبكرة ضد المستبد، الذي يتجلى اليوم في الدعوات الحزبية الضيقة الاستغلالية مطلقة الفكرة والأشخاص (ما من مستبد سياسي إلى الآن إلا و يتخذ له صفة قدسية يشارك بها الله ، أو يعطيه مقام ذي علاقة مع الله ، و لا أقل من أن يتخذ بطانة من خدمه الذين يعينونه على ظلم الناس باسم الله )

الفهم للإسلام غير قابل للاحتواء، في [فهم] أو تفسير أو مسار واحد كما أراده حسن البنا في التعاليم العشرين للإخوان المسلمين-وإن أحسن النية – وأصّله قطب ثم مصطفى مشهور، وإلا لما كان [اختلاف أمتي رحمة] كما قال عليه السلام والاختلاف هنا في [الأفهام=جمع فهم] وليس العقائد و الأصول.

يوهمك الإسلاموي أنه صاحب الرأي الصحيح حصراً، ضمن معادلته في استحضار الاستبداد بالرأي و إسقاط الوهم المقدس على الآخر المستقبِل، ليفترض أن صحة عقيدته، المعبر عنها بعباداته، أو إيمانه الروحي أدت به لصلاح قيمه وأخلاقه (ما لا يتم اختباره حقيقة إلا بالمعاملة كما حديث عمر بن الخطاب رضي الله عنه) وعليه فإن رأيه هو الصالح.

وفي هذا الشأن كان أول من فَصَل بين السلوك أكان فعلا أو قولا وبين الفكرة (العقيدة الأساسية) فترة الصراع السياسي العنيف كان الصحابي على بن أبي طالب رضي الله عنه في تعامله مع الخوارج.

وفي ذات السياق التقديسي ينشغل العقل السلفي الماضوي التقليدي بالتقليد الكلي و”النقل” تاركا العقل في منطقة الإخفاء او النسيان، ومقدما النص من القرآن الكريم او السنة النبوية أي كان على العقل كما يقرر ابن تيمية وفقهاء السلفية عامة بينما كان رأي الغزالي واضحا وهاما: “إن العقل بطبيعته عاجز عن إدراك حقائق الأمور في الإلهيات، وليس هذا ميدانه، بل ميدانه هو العالم المشاهد، والسبيل في فهمه ومعرفته هو التجربة والملاحظة، لا العقل بمجرده.”

الحواشي

ينقل الباحث أحمد أشقر عن الامام محمد بن عبدالوهاب قوله (من دخل في دعوتنا فله ما لنا وعليه ما علينا ومن لم يدخل معنا فهو كافر حلال الدم والمال)! وذلك في مقال له بعنوان ابن رشد بديلا عن ابن تيمية.

(اشار المراقب العام السابق لحركة الإخوان المسلمين في الأردن سالم الفلاحات ان عمر الاسلام حوالي 1450 عاما، وهو ليس ملكا لأحد للتحدث عنه، والمتحكم منذ عقود هو العقلية الليبرالية التي أنتجت المتطرفين والمتعصبين الذين يتحدثون باسم الإسلام أو المسيحية، داعيا على جميع الديانات السماوية إدانة الإرهاب بجميع اشكاله وصوره. ولا شك فان الدين كمفهوم هو مجموعة من القيم والمبادئالتي يتم تطبيقها من جانبين؛ الاول الاجتهاد البشري المعرض للنقد والتغيير والاستدراك حسب القدرة على تطبيق المبدأ.والاخر تاريخي والمقصود هنا ان تغير العصور يجب ان تتغير معها الاساليب والطرق، وما يحدث واقعيا على الساحة العربية مخالف تماما لما يدعو إليه الإسلام الذي هو براء منه.) تقرير حول “مؤتمر المراة وربيع العرب” عام 2014 المنعقد في عمّان بمشاركة 100 قيادية نسوية

أنظر في أراء الامام الغزالي في المعرفة والعقل موقع مركز أفاق للدراسات والبحوث على الشابكة.

وعاء الرسول ووعاء الآلهة:نظرات في فكر الاسلامويين ح3 (ايماني) كتب بكر ابو بكر

Exit mobile version