المكتب الإعلامي الفلسطيني في أوروبا

النوبة الهستيرية الثالثة كتب محمد حبيب

المتابع لأحوال الإخوان، خاصة خلال السنوات الأخيرة، يلاحظ أنه مرت بهم مجموعة مظاهر خطيرة؛ لوثة عقلية ونوبتان هستيريتان، وأتصور أنه سوف تكون هناك نوبة هستيرية ثالثة مقبلة فى الطريق. والمطلوب أن نستعد لها بالأسلوب المناسب الذى يقلل من تأثيرها، إن لم يمنعه بالكلية. فى عهد مبارك كانت أقصى أمانى الإخوان أن يتهيأ لهم قدر من الراحة والحرية ليمارسوا فيه دعوتهم، فقد كانت الملاحقة والمطاردة تشتد حيناً وتفتر أحياناً، إلا أن هذا التذبذب كان يربك الإخوان.. لم يكونوا يحلمون بتولى مسئولية إدارة حى، ناهينا عن مسئولية محافظة أو وزارة. وحدثت ثورة يناير، وبدلاً من أن تمضى فى طريقها المأمول، إذا بها تنحرف إلى مسار مكّن الإخوان من صدارة المشهد السياسى كله؛ من سيطرة على المجلس النيابى، إلى سيطرة على الحكومة، إلى سيطرة على رئاسة الجمهورية.. وكان من نتيجة ذلك كله إصابة الإخوان بلوثة عقلية أفقدتهم اتزانهم وصوابهم وعدم قدرتهم على النظر إلى الأمور بشكل صائب، فانطلقوا يتصرفون دون وعى أو إدراك، فضلاً عن الكبر والغطرسة والغرور.. وقد انعكس ذلك على كل المشاهد التى رأيناها بما يؤكد فشل الإخوان وسوء إدارتهم للبلاد، الأمر الذى أدى إلى الانقسام المجتمعى الحاد، والاحتراب الأهلى.
وكان خروج الملايين فى ثورة يونيو ، رفضاً وغضباً واحتجاجاً على «حكم المرشد»، ثم انحياز الجيش لإرادة الشعب والإطاحة بحكم الإخوان فى يوليو، أقول كان ذلك سبباً فى إصابة الإخوان بنوبة هستيرية.. لقد زالت السلطة عنهم تماماً، وزالت معها الأمانى والأحلام، فقد تصوروا أنهم سوف يمكثون فى الحكم، ليس لعقود وإنما لمئات السنين.. وكان من جرّائها اعتصامى رابعة والنهضة، وما واكبهما من أحداث عند الحرس الجمهورى، والمنصة، ومسجد الفتح، وبين السرايات.. ثم كان فض الاعتصامين، وما تبعهما من أعمال العنف والاغتيال والحرق والتخريب والتدمير.. لقد تخيل الإخوان أنهم سوف يعودون إلى السلطة مرة ثانية، وأن الإدارة الأمريكية ومن لفّ لفها سيقدمون الدعم اللازم لهم، سياسياً وإعلامياً ومادياً لإعادتهم، حتى يظل المخطط الأمريكى الصهيونى قائماً.. وكان مطلوباً من الإخوان وأنصارهم أن يبذلوا قصارى جهدهم للعمل على زعزعة استقرار نظام الحكم، أمنياً واقتصادياً واجتماعياً، كى يتحقق لهم يريدون.
وكان صدور أحكام الإعدام والتأبيد على قيادات الإخوان هو عنوان النوبة الهستيرية الثانية، فهم لم يتخيلوا هذا الحشد من القضايا المرفوعة ضدهم.. ومن هنا ازدادت وتيرة أعمال العنف والاغتيالات. نذكر منها على سبيل المثال استشهاد ثلاثة من المستشارين فى مدينة العريش بشمال سيناء، وحادثة الكرنك بالأقصر.. وكان آخر هذه الأعمال اغتيال الشهيد النائب العام المستشار هشام بركات صبيحة يوم يونيو .. ولا شك أن هذا الاغتيال الأخير يمثل ذروة التصعيد ضد المؤسسة القضائية، بل ضد الشعب المصرى كله، وأعتقد أن الإخوان وأنصارهم سيدفعون ثمن هذا غالياً من حياتهم وحريتهم، وسوف يندمون على هذه الفعلة كما لم يندموا من قبل.. لا أدرى من اتخذ هذا القرار؟ هل هو شاب أو مجموعة من الشباب الموتورين، أم بعض قيادات الجماعة؟ أياً كان الأمر، فإن هذا القرار، ومن قبله بقية القرارات التى اتخذت العنف والاغتيال سبيلاً، تدل على الغيبوبة ونوبة الهستيريا التى يعيشها الإخوان وأنصارهم..
إن الأصل فى القانون هو إرساء قواعد العدل بين الناس، وأن يكون رادعاً وزاجراً.. فإذا لم يحقق لا هذا ولا ذاك، بسبب قصور أو ثغرات فيه، أو عدم ملاءمته للظروف فلابد من إجراء تعديلات عليه أو تغييره.. وقديماً قالوا: «من أمن العقاب، أساء الأدب»، وهو مثل صحيح.. إن غياب القانون المناسب، وعدم تنفيذ الأحكام النهائية أو البطء الشديد فى تنفيذها، يغرى السفلة والمجرمين والقتلة بارتكاب المزيد من الجرائم.. ومن هنا كان لا بد من إصدار قانون للإرهاب، أو عمل إصلاح تشريعى يوائم متطلبات المرحلة بحيث يمكن القضاة من تحقيق العدالة الناجزة، وبما لا يخل بضمانات التقاضى.. إذ مع موجة الإرهاب التى تواجهها مصر، أصبحت التشريعات المصرية القديمة غير صالحة بالمرة..
من غير المعقول أن يظل حكم الإعدام معلقاً هكذا دون تنفيذ لسنوات طويلة، فهذا لا يردع الذين تسول لهم نفوسهم الإقدام على ارتكاب جرائم إرهابية.. يزيد من احتمالية ذلك إثارة شائعات وأقاويل تدعى عدم تنفيذ نظام الحكم المصرى لأحكام الإعدام، تجنباً للضغوط التى تمارسها حكومات الدول الكبرى، والمنظمات الحقوقية التابعة لها والمؤتمرة بأوامرها.. والحقيقة أن تجاوب نظام الحكم مع هذه الأقاويل يعطى انطباعاً بانهزامه وضعفه وهشاشته، والمطلوب أن يثق بنفسه وأنه يقف على أرضية صلبة.. مطلوب أيضاً أن يرد على هذه المنظمات مع تفنيد ادعاءاتها، بل توجيه اتهامات لها بتبنيها خطابات مزدوجة المعايير، والأمثلة على هذا أجلّ من أن تحصى.
مع البدء فى تنفيذ أحكام الإعدام، أتوقع أن تحدث نوبة هستيرية ثالثة، الأمر الذى يستلزم سد كل الثغرات التى ينفذ منها الإرهابيون، مثل توفير التأمين والحماية اللازمين للمواطنين، خاصة المستهدفين منهم، وكذا المنشآت العامة والخاصة.. كما يستلزم أيضاً أن تكون قوات الأمن على درجة عالية من القدرة والكفاءة، علمياً وتقنياً وتدريباً ومهارة.
*نقلاً عن “الوطن”

Exit mobile version