المكتب الإعلامي الفلسطيني في أوروبا

اتفاق إيران والغرب رسالة للعرب كتب د.جمال عبد الناصر محمد أبو نحل

السياسة ليست فيها عداوات دائمة ولا صداقات دائمة؛ إنما فيها مصالح دائمة؛ والقوي دائمًا يفرض شروطه، ومن يبذل العرق وقت السلم يوفر الدم وقت الحرب، فبعد مفاوضات شاقة استمرت 12 عاما، فقد ظهرت إلى النور خطة العمل المشتركة الشاملة بين إيران والسداسية الدولية، تلتزم طهران بموجبها بوضع قيود على برنامجها النووي مقابل رفع العقوبات عنها، ويعتبر الاتفاق النووي حدث تاريخي؛ وخصوصًا بعد أن بدأ الجدل حول برنامج إيران النووي يتصاعد منذ عام م2002 بعد الكشف عن منشأتين نوويتين سريتين في نطنز وأراك وسط طهران، وإثر ذلك وافقت إيران على أن تقوم الوكالة الدولية للطاقة الذرية بعمليات تفتيش لمواقعها النووية- عثر عقب ذلك مفتشو الوكالة الدولية للطاقة الذرية على آثار ليورانيوم مخصب، ومنحوا إيران مهلة تنتهي في سبتمبر عام 2003- وتعهدت إيران على أثر ذلك في أكتوبر عام 2003 بتعليق أنشطة تخصيب اليورانيوم خلال زيارة غير مسبوقة قام بها وزراء خارجية فرنسا وألمانيا وبريطانيا إلى طهران، وتم توقيع اتفاق بالخصوص في نوفمبر عام 2004 واستأنفت إيران انشطتها النووية في منشأة أصفهان في أغسطس من عام 2005 بقيادة رئيسها الجديد آنذاك محمود أحمدي نجاد، ما دفع الأوروبيين إلى مقاطعة المفاوضات. وقررت الدول الخمس الكبرى في يناير عام 2006 رفع القضية إلى مجلس الأمن، وردت طهران متحدية بالإعلان عن نجاحها في تخصيب اليورانيوم بنسبة 3.5% ورفضت فيما بعد دعوات السداسية الدولية المطالبة بوقف عمليات التخصيب وتقوم زيادة على ذلك بتدشين مصنع للمياه الثقيلة في أراك ,فرض مجلس الأمن في ديسمبر عام 2006 أولى عقوباته ضد إيران، وتم تشديدها لاحقا بانتظام، إضافة إلى فرض عقوبات أحادية ضد طهران من قبل الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي و رغم تلك العقوبات واصلت إيران الإعلان عن نجاحاتها النووية، وأكدت في عام 2007 أنها تخطت عتبة 3000 جهاز طرد مركزي، وهو معيار رمزي يتيح لها نظريا صنع المادة الأولية للقنبلة الذرية وفي عام 2009 دشنت إيران أول مصنع لإنتاج الوقود النووي في أصفهان، وأقامت موقع سري ثان لتخصيب اليورانيوم، وبدأت في فبراير عام 2010 في إنتاج اليورانيوم المخصب بنسبة 20 % في نطنز بعد فشل الاتفاق على تخصيب اليورانيوم خارج البلاد وعلى أثر ذلك جمد الاتحاد الأوروبي في عام 2012م أموالاً للبنك المركزي الايراني وفرض حظرا نفطيا، وتم استئناف المفاوضات بعد توقف تواصل أكثر من عام وعادت الروح إلى مفاوضات إيران والسداسية بعد تولي الرئيس الإيراني المنتخب حسن روحاني السلطة عام 2013 ، وحصل على موافقة من المرشد الأعلى لإجراء المفاوضات وأفضت مفاوضات جرت في جنيف في نوفمبر 2013 إلى اتفاق لمدة 6 أشهر يحد من أنشطة إيران النووية الحساسة مقابل رفع قسم من العقوبات. وفي شهر فبراير عام 2014م بدأت مفاوضات على مستويات مختلفة بين السداسية وإيران بهدف التوصل إلى اتفاق تسوية نهائي، وفشلت ومددت المفاوضات لمدة 11 شهرا، وبالتوازي مدد أيضا الاتفاق المرحلي وفي خاتمة المطاف، تم بالأمس في فيينا في 14 يوليو/تموز التوقيع على اتفاق بين إيران والسداسية بعد 21 شهرا من المفاوضات وجولة أخيرة استمرت 17 يوما –على أن يبدأ تطبيق الاتفاق النووي في غضون 90 يومًا بعد صدور قرار مؤيد وداعم له من مجلس الأمن الدولي وأن سريان بعض البنود سيستغرق 15 عامًا، فيما ستبقى بنود أخرى سارية المفعول لمدة 25 عاما. والاتحاد الأوروبي يمدد تجميد العقوبات المفروضة على إيران حتى 14 يناير القادم في ضوء الاتفاق النووي بين السداسية وطهران والاستعداد لتنفيذ خطة عمل مشتركة شاملة جديدة”على أن يتم الإبقاء على القيود المفروضة على الأبحاث الإيرانية في المجال النووي لمدة 8 سنوات, امتناع إيران عن إجراء بحوث علمية بشأن معالجة الوقود النووي ويعتبر نص الاتفاقية تقني ومفصل ومعقدة، ومتوازنة”، وأن هذا الاتفاق ليس نهاية العمل، بل هو بداية لمرحلة جديدة من التعاون المشترك بين إيران والأطراف الدولية.

ومن أهم بنود الاتفاقية هو رفع العقوبات المفروضة من قبل أوروبا والولايات المتحدة عن إيران وفرض قيود على البرنامج النووي الإيراني طويلة المدى مع استمرار تخصيب اليورانيوم بنسبة حددت بـ 3.67 في المئة وخفض عدد أجهزة الطرد المركزي بمقدار الثلثين إلى 5060 جهاز طرد ,التخلص من 98% من اليورانيوم الإيراني المخصب وعدم تصدير الوقود الذري خلال السنوات المقبلة، وعدم بناء مفاعلات تعمل بالمياه الثقيل ، وعدم نقل المعدات من منشأة نووية إلى أخرى لمدة 15 عاما والسماح بدخول مفتشي الوكالة الدولية للطاقة الذرية لكل المواقع المشتبه بها، ومنها المواقع العسكرية لكن بعد التشاور مع طهران والإبقاء على حظر استيراد الأسلحة 5 سنوات إضافية، و8 سنوات للصواريخ البالستية والإفراج عن أرصدة وأصول إيران المجمدة والمقدرة بمليارات الدولارات ورفع الحظر عن الطيران الإيراني وأيضا عن البنك المركزي والشركات النفطية والعديد من المؤسسات والشخصيات وتعزيز التعاون في مجالات الطاقة والتكنولوجيا والتبادل التجاري؛ وبذلك يعتبر الاتفاق يفتح “فصلا جديا” في علاقات إيران مع العالم ويتوج هذا الاتفاق مفاوضات وصفت بالماراثونية بين القوى الدولية (مجموعة بي 5 + 1) مع إيران بدأت منذ عام 2005.

إن إيران وبرغم العقوبات التي فرضها الغرب عليها وبرغم الضغط الاقتصادي والحصار الشديد الذي فُرض عليها، فلقد استطاعت أن تقلب المعادلة وتجعل من المحنة منحة، وأن تطور أسلحتها بكافة أشكالها العسكرية والدبلوماسية والسياسية، وفرضت واقع مغاير وكانت لإيران تداخلات وتدخلات إقليمية في اليمن والبحرين ولبنان وفلسطين وسوريا وبعض الدول الأخرى وأصبحت لاعب رئيسي في المنطقة كلها؛ وحققت الكثير من الانجازات؛ واقتربت من صنع القنبلة الذرية بل أصبحت دولة شبه نووية و لازالت تسعي لتحقيق حلم الامبراطورية الفارسية؛؛ وبالمقابل ماذا فعلنا نحن العرب أهل السنة، أين إنجازاتنا وأين مفاعلاتنا النووية وأين الانجازات التي حققناها على مدار نصف قرن من الزمان غير مزيدًا من الدماء والدمار والخراب والتراجع، والدخول في نفق مظلم في اليمن وسوريا وتونس وليبيا وغيرها من الدول العربية السنية؛ والعلاقات الدولية من اليوم ستدخل مرحلة جديدة، بعدما صار الاتفاق أمراً حتمياً واقعيًا؛ فهل استوعب العرب الدرس وعلموا أن منطق القوة والاعداد والعمل بالندية هو ما يفهمه الغرب؛ وهم يحترمون القوي؛ وهو الذي يستطيع أن يفرض شروطه؛ فأين نحن اليوم مما يحدث من حولنا؟ هل نفيق من سباتنا العميق ويتوحد العرب في جبهة واحدة وتحت راية واحدة اسوةً بالاتحاد الأوروبي؛ ونستشعر الأخطار المحدقة من حولنا؛ وكم نحن بحاجة لبناء استراتيجية قومية عربية موحدة والتوحد بين الجيوش العربية والعالم العربي في خندق واحد؛ لأن الغرب والعالم اليوم لا يفهم إلا لُغة المنفعة والمصالح المشتركة ويا حبذا لو فهمنا الدرس.

الكاتب الدكتور/ جمال عبد الناصر محمد أبو نحل

نائب رئيس المركز القومي للبحوث

رئيس وحدة الرصد والمتابعة الإعلامية

Exit mobile version