المكتب الإعلامي الفلسطيني في أوروبا

كلمة الحياة الجديدة: المال السياسي

ينسى البعض أو لعله يتناسى بوعي وقصد، الواقع الاستثنائي، الجغرافي والسياسي لحركة التحرر الوطني الفلسطينية، الواقع الذي جعلها بحق تسير دوما في حقول الالغام من كل لون ونوع .

وكما تشير التجربة، وحسب ما نعرف ، فانه لم تتعرض اية حركة تحرر وطني في هذا العالم، وفي هذا التاريخ المعاصر، لمحاولات التدخل في شؤونها، كما تعرضت وتتعرض له حركة التحرر الوطني الفلسطينية، وبأشكال ومسميات وخطب وشعارات مختلفة ..!! وكان التداخل بين ما هو قومي عربي، وما هو وطني فلسطيني، يحتمل وجهين كمثل وجهي العملة الواحدة، فالفلسطينيون يؤمنون بالبعد القومي لقضيتهم الوطنية، ويقدرون بوفاء شديد مساعدات وتضحيات اشقائهم العرب من اجل فلسطين، لكنهم في ذات الوقت أدركوا مبكرا ضرورة القرار الوطني المستقل من اجل سلامة مسيرتهم التحررية إن بدأت، وكان الواقع الذي نتج عن نكبة عام 1948 ادى حينذاك الى غياب او تغييب قيادة شرعية للشعب الفلسطيني، ما انتج تاثيرا واسعا للعديد من الانظمة العربية في الشأن الفلسطيني، تأثيرا سياسيا وحزبيا بهذه الصورة او تلك، وأينما كان هناك لاجئون فلسطينيون، كان النظام العربي يحاول صياغة الشأن الفلسطيني على نحو ما يخدم قضاياه الامنية وغيرها، وإن كان احيانا باخلاص عقائدي قومي للقضية الفلسطينية وسبل انتصارها، ولذلك فان قيام منظمة التحرير الفلسطينية، وصولا الى الاعتراف بها ممثلا شرعيا ووحيدا للشعب الفلسطيني لم يكن قياما سهلا، حيث انه شهد مخاضا في غاية الصعوبة والتعقيد للقرار الوطني المستقل، بل ان معارك مسلحة فرضت على المنظمة، وقد خاضتها مرغمة، من اجل سلامة هذا القرار دون اية ملابسات، قد تجعله رهينة في هذه الساحة العربية او تلك .

والحقيقة ان استقلالية القرار الوطني الفلسطيني لم تكن ممكنة، لولا وعي القيادة الفلسطينية بأهمية وضرورة الوحدة الوطنية، وحيث حرصت قيادة حركة فتح التي فجرت الثورة، على استيعاب واحتضان وقبول كل التيارات الوطنية والقومية، حتى انها ولتحصين هذه الوحدة، فتحت القيادة ابواب منظمة التحرير لفصائل وتنظيمات كان معروفا للجميع ارتباطها بأنظمة عربية معينة، لأن الثورة، فلسطينية الوجه، عربية العمق، عالمية الابعاد الانسانية .

والى جانب ذلك فان فتح التي قادت وتقود منظمة التحرير، حرصت على ان يكون الصندوق القومي الفلسطيني، هو الجهة الرسمية الوحيدة لتلقي مساعدات والتزامات الفلسطينيين والعرب المالية، دعما لنضال شعبنا الفلسطيني، لاسترداد حقوقه المسلوبة، وتحقيق اهدافه العادلة، وفي السياق أقرت القيادة الفلسطينية، موازنة لكل فصيل من فصائل منظمة التحرير، ادراكا منها بان تحقيق اكبر قدر من استقلالية القرار الوطني، يتطلب عدم الارتهان للمال السياسي من هذا الطرف او ذاك النظام.

وفي تاريخ التجربة، وكما يعرف الجميع، فان المنظمة استطاعت ان تنجو بقرارها المستقل، من سطوة دكتاتورية الجغرافيا الى حد كبير، ومن دكتاتورية المال السياسي ايضا، وكان ذلك مصدر قوة جعلت منظمة التحرير الفلسطينية الهوية والبيت المحصن لكل فلسطيني، فأمنت له التعليم والعلاج ومختلف اشكال الخدمات الاجتماعية، وهكذا راح المواطن الفلسطيني وحتى قيادات الفصائل والتنظيمات، كلما احتاجوا امرا توجهوا الى منظمة التحرير، وكان ومازال من يخرج على هذا النهج يدفع بالفلسطينيين جميعا الى التساؤل المشروع حول ولائه الوطني على اقل تقدير، في الوقت الذي كان مصير كل من يخرج عن هذا النهج معروفا، حيث التلاشي والنسيان، ولذلك فان فصائل عدة دعمتها انظمة عربية، ورغم كل ما للجغرافيا وغيرها من تأثير، تلاشت وما بقي منها بقي بقوة منظمة التحرير الفلسطينية، بقوة قرارها المستقل داخل بيتها الشرعي .

وفي تاريخ التجربة الوطنية، ثمة حقيقة واقعية باتت مثبتة، وتلك هي انه لا الجغرافيا بسطوتها الدكتاتورية، ولا المال السياسي بذات السطوة، استطاعا ان يؤلفا قاعدة جماهيرية بين اوساط شعبنا الفلسطيني، وتاليا فان اي مال بعيدا عن الصندوق القومي الفلسطيني وموازنة السلطة الوطنية، هو مال ضائع سدى في افضل مصائره، وهذا يعني ان من يريد ان يدعم مسيرة شعبنا التحررية، فليس هناك سوى عنوان واحد أمامه هو: منظمة التحريرالفلسطينية كي لا تذهب امواله سدى، ومن يريد ان ينشط سياسيا لصالح المشروع الوطني، عليه ان يتجنب الحصول على اموال بعيدا عن المنظمة مهما كانت النوايا وايا كانت المجالات التي ينوي العمل بها، ومن يدفع مالا متجاوزا المؤسسات الشرعية الفلسطينية لاشك أن له اهدافا اخرى، ليست ” تنموية ” تماما ، فالمال من دول مرتبط موضوعيا باهداف سياسية، لأن الدول في الواقع العملي وفي افعالها السياسية، ليست هيئات خيرية، ودفوعاتها ليست دفوعات الزكاة او الصدقات التي اجرها عند الله العلي القدير.

ومن التجربة ايضا اتضح لنا، إن كل من سعى للحصول على تمويل ذاتي، سواء كان فصيلا او فردا، كان له مشروع فئوي أو ادت به سطوة المال السياسي لأن يكون له هذا المشروع الفئوي، واوضح دليل على ذلك، حركة حماس التي مازالت مصرة على ان تبقى خارج اطار منظمة التحرير، وحيث ان مجمل حركتها وسياساتها وعلاقاتها وتحالفاتها، التي تنوعت حسب التمويل، واليوم دردشاتها الاسرائيلية، تؤكد على فئوية مشروعها فتمويلها مازال بشروطه السياسية يفرض عليها هذا المشروع الذي لا علاقة له بالمشروع الوطني .

باختصار شديد وفي كلمة اخيرة، فان المال السياسي حتى مع حسن الظن، هو مال النوايا التي تظل غامضة كلما انساب من وراء ظهر منظمة التحرير الفلسطينية، لكن هذا الظهر، ظهر بصير بحكم أنه ظهر الشعب وقواه الوطنية الحية، والمصرة على المضي في طريق الحرية والتحرر، ايا كانت الصعوبات والعراقيل، ومهما تعددت وتنوعت .

رئيس تحرير صحيفة الحياة الجديدة

Exit mobile version