المكتب الإعلامي الفلسطيني في أوروبا

ابنتا الجنرال تكشف كواليس وفاته ..و”مبارك” قال له “حشيّلك الشيلة كلها.. وأمشى”

فى التاسع عشر من شهر يوليو الحالى مرت الذكرى الثالثة لرحيل اللواء عمر سليمان نائب رئيس الجمهورية الأسبق ورئيس المخابرات العامة منذ عام 1993 وحتى 29 يناير 2011.

لقد ظلت وفاة اللواء عمر سليمان لغزاً محيراً لدى الكثير من المحللين والكتاب، بل وقطاعات عريضة من الشعب المصرى والعربى، وهو ما حدا بالبعض إلى ترديد شائعات عديدة وكاذبة حول مكان وطريقة وفاته، حتى وصلت هذه الشائعات إلى القول بأن الرجل لا يزال حياً، وأنه سيظهر فى اللحظة المناسبة. ومنذ فترة من الوقت، كنت قد التقيت كريمتى اللواء عمر سليمان رانيا وداليا فى منزل المهندس فرج أباظة زوج السيدة داليا وبحضور المهندس عبدالحميد نجل الشهيد أحمد حمدى وزوج السيدة رانيا. كنت فى هذا الوقت أعد كتاباً عن «الصندوق الأسود عمر سليمان»، وكنت أبحث وأدقق فى كل معلومة حول وفاته وبعض من الوقائع التى استقيتها منه خلال لقاءات متعددة فى عامى 2011 و2012. ونظراً لأهمية هذه الحوارات والأسرار التى حوتها استأذنت من أسرة الراحل العظيم فى نشرها، فكان هذا الحوار مع كريمتيه رانيا وداليا وبحضور المهندس عبدالحميد حمدى والمهندس فرج أباظة.. والذى يُنشَر بالتوازى مع صحيفة «الأسبوع». كانت تلك هى المرة الأولى التى ألتقى فيها كريمتى اللواء عمر سليمان وجهاً لوجه، له من البنات ثلاث هن: رانيا وداليا، وعبير التى تسكن فى لندن، طلبت اللقاء من المهندس عبدالحميد حمدى زوج السيدة رانيا، اتفقنا على أن نلتقى فى منزل المهندس فرج أباظة زوج السيدة داليا فى شقته بمنطقة الدقى. وفى السابعة من مساء اليوم المحدد، كان اللقاء الخماسى، قلت للحاضرين، إننى أعد كتاباً عن «الصندوق الأسود.. عمر سليمان» وأريد الاستفسار عن بعض الأمور.

كان الكتاب قد أصبح فى طور الانتهاء، وهو عبارة عن مجموعة لقاءات ومعلومات كنت قد حصلت على الكثير منها من السيد عمر سليمان خلال حوارات متعددة جرت بينى وبينه فى أعوام 2010، 2011، 2012، بعضها كان يجرى فى مستشفى وادى النيل، حيث كان يقوم بإجراء تدريبات العلاج الطبيعى والكشوفات الطبية عصر كل أربعاء.

قال لى عبدالحميد حمدى: لقد حكى لى الجنرال عن هذه اللقاءات، وقد حدثنى كثيراً عنك. قلت له: نحن بلديات، ونظرت إلى داليا ورانيا وقلت: لا تنسوا أنكم صعايدة، لقد كان السيد عمر سليمان ينتمى إلى أسرة عريقة فى مركز قفط، محافظة قنا، إلا أنه غادر البلدة فى وقت مبكر وسافر مع أسرته إلى الإسماعيلية، لكنه كان دوماً يحن إلى قنا وإلى الصعيد.

عندما كان يقابلنى فى المناسبات أو فى مكتبه، كان يرحب بى ببشاشة وجهه ويقول: «أهلا يا أبوالبلديات»، وكان دائماً يعتز بصعيديته وبأهله وناسه فى عمق الجنوب.

كان حديثى الأول عن المرض، وعن الوفاة، فمن يمكن أن يحدثنى عن اللحظات الأخيرة أكثر من ابنتيه اللتين رافقتاه فى رحلة العلاج من أبوظبى إلى ألمانيا إلى لندن وأخيراً فى مستشفى كليفلاند بالولايات المتحدة؟!

* قالت رانيا: لم يكن الأمر جديداً فى منتصف عام 2012 لكننا لم نعلم بخطورة المرض وتداعياته، كان والدى يعانى فى فترات سابقة، ولكن كنا نظن أنه حتى هذه اللحظة، الأمر عادى، ولا يخرج عن المألوف فى مثل هذه الحالات، كان والدى يمارس رياضته المعتادة، صحيح أنه لم يمارس لعبة «الاسكواش» منذ فترة، إلا أنه كان يمارس الرياضة بين الحين والآخر. وكان يتردد على مستشفى وادى النيل لإجراء بعض الفحوصات ويتلقى العلاج الطبيعى بشكل منتظم.

عندما قلت لها إنه سافر إلى ألمانيا أكثر من مرة، وأنه دخل المستشفى فى ميونيخ وأن آخر مرة كانت يوم 24 مايو 2012، أى بعد إبعاده من الترشح لرئاسة الجمهورية، قالت رانيا: بالفعل لقد سافر والدى إلى ألمانيا فى هذه الفترة، لقد تزايدت حدة المرض لديه، كان لديه قلق شديد على مصر بعد أن لاحت فى الأفق إمكانية سيطرة الإخوان على شئون البلاد، وترشحهم لانتخابات رئاسة الجمهورية.

وفى هذه الفترة سافر والدى إلى ألمانيا وكان برفقته د.علاء العزازى طبيبه الخاص الذى كان يتابع حالته جنباً إلى جنب مع د.حازم عبدالمحسن الذى كان يشرف على علاجه.

عادت رانيا بذكرياتها إلى الخلف فى هذه اللحظات وقالت: لقد سبق لوالدى أن أجرى عملية «قسطرة» فى القلب فى شهر يونيو عام 2011، ولكن حتى هذا الوقت كان المرض عارضاً، والدى لم يفقد أبداً التفاؤل، رغم حزنه وألمه الشديد على مصر بسبب الفوضى التى سادت البلاد فى هذا الوقت، وكان يرى أن الحالة التى تعيشها مصر حالة مؤقتة، وأن البلاد سوف تتعافى من أزمتها بعد تحقيق الأمن والاستقرار.

عندما تحدثت معها عن المؤامرة التى تتعرض لها مصر، قالت رانيا: والدى كان يحدثنا دوماً عن المخاطر التى تتعرض لها البلاد من جراء المخططات الدولية والمحلية، كان يعرف أن البعض لن يترك مصر وحالها، وكان يقدم النصائح فى كثير من الأحيان بهدف تفويت الفرصة على الأعداء، ولكن حجم المؤامرة كان كبيراً.

كانت داليا تتابع أطراف الحديث جنباً إلى جنب مع المهندس عبدالحميد حمدى والمهندس فرج أباظة، كنت أعرف أنها لم تكن راضية عن قبول والدها لمنصب نائب رئيس الجمهورية فى هذا الوقت، فقالت: المخاطر كانت كبيرة والشارع كان ساخطاً والأوضاع الأمنية كانت صعبة، ولذلك كان الخبر بالنسبة لى صادماً، لقد عرفت بخبر اختيار والدى فى منصب نائب الرئيس بعد أدائه يمين القسم، كنت ذاهبة إلى منزل والدى فى التجمع الخامس يوم 29 يناير وفى الساعة الخامسة بدأت أتلقى العديد من الاتصالات، الكل يقول لى إن والدى أدى يمين القسم كنائب لرئيس الجمهورية، ولم أكن أنا أو زوجى فرج أباظة لدينا علم بذلك، بعدها تكمل داليا وتقول: اتصلت بى شقيقتى رانيا وتأكدت منها من صحة الخبر، وكنت فى حالة ذهول، وتوقعت أن يتسبب هذا القرار فى مشاكل كثيرة، لكننى احترمت قرار والدى، الذى كان يعرف أن الوطن يحتاج إليه فى هذا الوقت تحديداً أكثر من أى وقت مضى، وقالت داليا: لقد عرفت فيما بعد أن والدى كان يتمنى أن يبقى فى منصبه كرئيس للمخابرات المصرية، فقد أمضى فيها أحلى سنوات عمره، وكان سعيداً بدوره فى الجهاز، وعرفت أيضاً أنه أبلغ الرئيس مبارك بأن بقاءه فى منصب رئيس الجهاز أفضل، إلا أن الرئيس مبارك قال له فى هذا اليوم 29 يناير «أنا حشيّلك الشيلة كلها، وأمشى بحد أقصى يوم 30 يناير، ولن أرشح نفسى مرة أخرى، وعاوزك تمسك البلد الـ6 شهور المقبلين لحين إجراء انتخابات الرئاسة».

واستكملت داليا حديثها بالقول: لقد عرفت من والدى بعد ذلك أن الرئيس مبارك جاء بالدكتور فتحى سرور رئيس مجلس الشعب والسيد صفوت الشريف رئيس مجلس الشورى فى هذا الوقت وأخذ موافقتهما القانونية على تفويض والدى بكامل سلطات رئيس الجمهورية، إلا أن جمال نجل الرئيس رفض ذلك وثار عليه، وقال له: «هناك 80 مليون عاوزينك ولا يجب أن تتنازل عن سلطاتك لأحد».

الأسرة لم تكن تدرك خطورة المرض قبل 2012 لأن الوالد كان يمارس الرياضة بين الحين والآخر ويتردد على مستشفى وادى النيل للفحوصات وتلقى العلاج الطبيعى.. وسافر إلى ألمانيا للعلاج بعد إبعاده عن الترشح للرئاسة

وبعدها تم وضع سيناريو جديد يقضى باستمرار الرئيس فى موقعه وتأجيل نقل صلاحياته لحين معرفة تطورات الأمور فى البلاد.

هنا تدخل المهندس فرج أباظة فى الحديث وقال: ولكنه كان يعرف أن هناك من يستغل المظاهرات البريئة والتى استهدفت تحقيق الإصلاح، وكان دائماً يسألنى عندما يعود فى التاسعة مساء كل يوم عن أخبار ميدان التحرير وكنت أحكى له ما يحدث بصراحة والهتافات التى كانت تتردد فى الميدان، وقال: عندما اقترح السيد عمر سليمان على الرئيس مبارك فى هذا الوقت تفويض رئيس مجلس الشعب أو رئيس المحكمة الدستورية لتولى مهام الحكم فى البلاد لفترة مؤقتة قال مبارك: إذا فوضت فأنا سأفوض المجلس العسكرى، لأنى واثق أن الجيش هو الذى سيحافظ على أمن البلاد واستقرارها وسيجرى انتخابات تؤدى إلى اختيار رئيس جمهورية جديد.

أما رانيا فاستكملت حديث داليا وقالت: عندما كان المتظاهرون يزحفون إلى القصر الجمهورى فى الاتحادية كانت هناك مخاوف وقلاقل عديدة من احتمال حدوث الصدام يوم الجمعة 11 فبراير، وكنا قلقين جداً على مستقبل البلد، لكن كانت ثقتنا فى الجيش كبيرة، وعندما سألت والدى عن احتمالية حدوث الصدام قال لى: متخافيش الحرس الجمهورى ليس معه طلقة واحدة من الرصاص، كما أن التعليمات الصادرة تقضى برفض أى اعتداء على المتظاهرين أياً كانت النتيجة.

تحدثت مع رانيا عن وقائع ما جرى يوم الجمعة 11 فبراير 2011 وقلقها على والدها فى هذا اليوم فقالت: لقد تحدثت مع والدى فى هذا اليوم، حيث كان المتظاهرون يتجهون إلى القصر الجمهورى فى مصر الجديدة، وسألته عن الأحوال فقال لى: «لا تقلقوا.. كل شىء حيبقى تمام إن شاء الله، والأمور حتمشى كويس، ومصر حتعدى هذه الأزمة ولن تحدث أى اشتباكات». وقالت رانيا: فى هذا اليوم طلب منى والدى أن نذهب جميعاً إلى منزل المهندس فرج أباظة زوج شقيقتى فى الدقى، حيث كنت أقيم أنا وزوجى والأبناء مع والدى ووالدتى فى التجمع الخامس.

وقالت: انتقلنا بالفعل إلى هناك، وظللنا نتابع الأحداث بقلق شديد، وبعد أن اتخذ الرئيس مبارك قرار التنحى عن السلطة فى مساء نفس اليوم حدثنا والدى ليطمئن على أحوالنا، فسألناه ماذا سيحدث بعد رحيل مبارك عن الحكم، فقال لى سيكون لنا دور مع المجلس العسكرى، وغداً سوف نجتمع لبحث تشكيل مجلس رئاسى يتولى إدارة شئون البلاد جنباً إلى جنب مع المجلس العسكرى. واستكملت حديثها بالقول: فى هذا المساء طلب منا أن نعود غداً إلى التجمع الخامس، وبالفعل فى تمام الساعة الثالثة من عصر يوم السبت 12 فبراير، كان والدى لا يزال موجوداً فى المنزل، فاندهشت وسألته عن أسباب وجوده وعدم ذهابه فى الموعد المحدد للقاء مع المجلس العسكرى فى صباح نفس اليوم، فقال لى: لقد تم تأجيل اللقاء إلى السابعة مساء.

وقالت رانيا: لقد ظللنا إلى جواره نتابع الأحداث فى هذا اليوم، وقبيل السابعة مساء غادر المنزل وذهب هو والفريق شفيق لمقابلة المشير حسين طنطاوى لكنه فوجئ برفض فكرة المجلس الرئاسى، ثم عاد مرة أخرى إلى المنزل ولم يتحدث معنا فى التفاصيل، فقد كان والدى كتوماً، ونادراً ما يتحدث معنا فى أمور العمل أو العلاقات أو غيرها، ولكننا عرفنا أن المجلس العسكرى قرر صرف النظر عن فكرة المجلس الرئاسى وعرفنا أيضاً فى هذا الوقت أنه تم سحب الخط الهاتفى المشفر بين والدى ورئيس الجمهورية، فأدرك ساعتها أن الموضوع قد انتهى، ولم يعلق ولو بكلمة واحدة، بل دخل إلى غرفته والتزم الصمت، فقد كان كل ما يهمه هو أن تمضى الأمور إلى الأمام.

وعندما سألت داليا عن محاولة الاغتيال التى تعرض لها والدها يوم 30 يناير، قالت: الحقيقة أنه لم يبلغنا بشىء، ولكن الشائعات كانت تتردد عن تعرضه لمحاولة اغتيال من مجهولين، بينما كان متجهاً للقصر الرئاسى فى مساء نفس اليوم، ولكنه أبلغ والدتى فقط بما حدث، وطلب منها عدم إبلاغنا بأى شىء، فى هذا اليوم عندما عاد والدى إلى المنزل كان كل شىء طبيعياً، وكان هادئ الأعصاب، بل وراح يلعب مع الأحفاد، وكأن شيئاً لم يحدث، وقد اقتنعنا أنه لم يحدث أى شىء بالفعل وأن ما تردد لم يكن سوى شائعات كاذبة، ولكننا عرفنا بعد ذلك أن هناك محاولة بالفعل جرت لاغتياله، ولم نعرف من كان يقف وراءها.

وقالت داليا: سارت الحياة بعد ذلك بشكل طبيعى كان والدى يذهب فى بعض أيام الأسبوع إلى مكتبه فى المبنى القديم للمخابرات العامة، يذهب ليقضى بعض الوقت، ويلتقى بأصدقائه، ثم يعود إلى المنزل.

سألت رانيا عن هوايات الوالد فقالت: كانت القراءة أهم هواياته، وأيضاً رياضة «الاسكواش»، وكان يهوى السير على الأقدام وبالذات على الكورنيش بمدينة الإسكندرية، كان السائق يذهب به إلى محطة الرمل وكان يترك السائق للسير على الكورنيش وحيداً.

وقالت: فى إحدى المرات قابلته سيدة مصرية نظرت إليه جيداً، وقالت له: أنت عمر سليمان، فصمت ولم يرد عليها، ثم عادت مرة أخرى لتلحق به وتقول له: «أنا متأكدة أنك أنت عمر سليمان شخصياً»، ابتسم فى هدوء وصافحها وتركها وواصل السير على الكورنيش.

وتتابع رانيا الحديث وتقول: كان والدى يعود إلينا يوم الخميس من كل أسبوع مبكراً، وكان يطلب من السائق أن يصطحبه إلى منطقة وسط البلد فى القاهرة، وكان أيضاً يواصل السير على الأقدام وحيداً من شارع قصر النيل وحتى شارع فؤاد، وفى إحدى المرات ذهب والدى إلى منطقة درب البرابرة القريبة من هناك وكان فى هذا الوقت يشغل منصب رئيس المخابرات العامة، وظل يتجول ويتفرج على النجف والأنتيكات، وأثناء ذلك تعرف عليه صاحب المحل، فتجمهر الناس من حوله، وكان والدى وحده، فخاف عليه صاحب المحل، وطلب منه أن يختبئ لحين انصراف الناس لكن والدى أصر على أن يصافح الناس، ثم مضى بعد ذلك.

زوج ابنة «سليمان»: كان يعرف أن هناك من يستغل المظاهرات البريئة وسألنى يومياً عن أخبار ميدان التحرير طوال أيام الثورة

قالت رانيا: نعود مجدداً لحكاية المرض، وسألتها عن أسباب التدهور السريع فى صحته فقالت: عندما كان والدى فى القاهرة تزايدت حدة المرض عليه خاصة بعد أن قام بترشيح نفسه للانتخابات الرئاسية استجابة لرغبة الكثيرين وخوفاً على مستقبل البلاد خاصة بعد أن قدم الإخوان خيرت الشاطر ومحمد مرسى للترشح فى الانتخابات فحسم أمره ورشح نفسه فى اللحظات الأخيرة، يومها قال والدى: «لن أدخل الانتخابات إلا بضمانة 100٪»، وبالفعل فى 48 ساعة تم جمع نحو أكثر من 47 ألف توكيل من العديد من المحافظات، ساعتها عندما علمت داليا بدخول والدى الانتخابات قلقت كثيراً، لأنها كانت تعرف أن الأمر ليس سهلاً، كما أن الحملة من الإخوان وبعض أنصارهم ضد والدى كانت عنيفة وظالمة، المهم فى الأمر حدث نقص فى التوكيلات وقد طلب والدى من المشير طنطاوى أن يطلب من اللجنة أن تمد ساعتين لحين وصول السيارة المقبلة أسيوط، إلا أن ذلك لم يحدث وعندما أعلنت اللجنة العليا للانتخابات خروج والدى من السباق الرئاسى، وعندما احتشد الناس رافضين، قال لهم: أنا متشكر جداً، وأرجو أن تعودوا إلى منازلكم، كل شىء قد انتهى وعسى أن تكرهوا شيئاً ويكون فيه خيراً كثيراً».

وفى اليوم التالى التقى والدى بحملته الانتخابية وأوصاهم وقال لهم: «احرصوا على مصر وحافظوا على البلد وهو كان يعرف منذ البداية أن النار ستفتح ضده من خصومه، ولكنه لم يخف أو يتراجع، بل كان مستعداً لكل شىء من أجل مصر».

وقالت: كان والدى يشعر بالخطر على مصر إذا تولى الإخوان حكم البلاد، وساعتها بدأت تتزايد حدة المرض، فقرر السفر إلى ألمانيا يوم 24 مايو وبصحبته د.علاء العزازى طبيبه الخاص، وعندما عاد من ألمانيا قرر السفر إلى أبوظبى فى 6 يونيو 2012، وذلك لاستكمال الكشوف الطبية فى مستشفى الشيخ زايد العسكرى، حيث اصطحب معه حفيده زياد عبدالحميد، ثم سرعان ما سافرت أنا وماما وداليا وزوجها المهندس فرج أباظة للحاق به يوم 21 يونيو.

وقالت رانيا: عندما بدأنا نسمع عن نتائج الانتخابات الرئاسية واحتمالية فوز محمد مرسى لم نصدق ذلك، وانهمرت الدموع من أعيننا، وقلنا لوالدى: كيف ذلك؟ إن كل الدلائل تقول إن أحمد شفيق هو الفائز وليس محمد مرسى، فقال لنا.. يجب أن تعرفوا أن الأمريكان يريدون الإخوان.

ساعتها سادت حالة من الوجوم، فبادرت داليا بالقول: «ولكن أحد الأشخاص المقربين من لجنة الانتخابات أبلغها أن أحمد شفيق هو الفائز، إلا أن والدها رد عليها بالقول: مهما حدث محمد مرسى هو الفائز».

قالت داليا: كان والدى يتحدث بلغة الواثق، ربما كان ذلك هو توقعه، أو معلوماته من خلال قراءة الأحداث، ولكن فى كل الأحوال كان الحديث مذهلاً لنا، وكان والدى خائفاً علينا وعلى مستقبل مصر فى ظل هذه الأجواء.

فى هذا الوقت قال لنا إنه لا بد من تقبل الأمر الواقع حالياً، وعليكم أن تكونوا على ثقة أن من جاءوا بالإخوان هم الذين سيسقطونهم فى يوم ما، لأن الإخوان لن يستطيعوا حكم مصر، لأن مواقفهم وأفكارهم تتصادم مع المصريين.

وتكمل رانيا الحديث بالقول: بعدها ساءت حالته النفسية، وظل فى المستشفى، ولم يخرج منه سوى يوم عيد ميلاده فى الثانى من يوليو، وفى هذا اليوم احتفلنا بعيد ميلاده فى الفندق الذى كنا نقيم فيه، وكانت نصيحة الأطباء هى ضرورة أن يسافر الوالد إلى ألمانيا لإجراء المزيد من الكشوفات.

وقالت داليا: «أنا ورانيا كنا بنتخانق» من منا تذهب معه إلى ألمانيا، واضطررنا لعمل قرعة، وأنا كسبت الرهان، وبقيت رانيا فى هذا الوقت لمتابعة الأولاد والأسرة، سافرنا أنا ووالدى على الطائرة الإماراتية المتجهة إلى ألمانيا، وعندما جاءت المضيفة بقائمة الطعام رفض والدى تناول أى شىء، وعندما وصلنا إلى ألمانيا كانت شقيقتى عبير فى انتظارنا، وأيضاً كان موجوداً د.حازم عبدالمحسن المشرف على علاج والدى، بقينا يومين فى ألمانيا، وقد أجرى والدى كشوفاً عديدة، وبعد الانتهاء من إجراء الفحوص، طلب الدكتور منه العودة إليه فى منتصف شهر سبتمبر لإجراء عملية جراحية فى القلب، وكان التشخيص الطبى للمرض فى هذا الوقت هو «ضعف فى عضلة القلب».

وفى ضوء ذلك قررنا السفر إلى بريطانيا، انتظرنا فى مطار ميونيخ لمدة 4 ساعات، وفكرنا فى العودة مرة أخرى إلى الفندق، إلا أن أبى صمم على الانتظار، وعندما وصلت الطائرة صعد السلم بصعوبة بالغة، وجلسنا ثلاث ساعات فى الطائرة حتى وصلنا إلى لندن، وبقينا هناك من 6 إلى 15 يوليو، وقد لاحظنا فى هذا الوقت تدهوراً سريعاً فى صحته، مما استدعى دخوله أحد مستشفيات لندن، كان والدى مهتماً بالجلوس مع شقيقتى عبير وأولادها أكبر وقت ممكن، لأنها كانت مقيمة فى لندن مع زوجها فى هذا الوقت السفير أيمن القفاص.

وقالت: عندما رأينا صحته تتدهور، كان القرار بالسفر إلى أمريكا للعلاج، أجرينا الاتصالات وتم الحجز فى مستشفى كليفلاند، وبدأنا نعد العدة للسفر، خاصة بعد أن رفض والدى دخول مستشفى لندن، رغم أن نتائج التحليلات لم تكن مطمئنة.

وقالت: لقد اتصل بى د.علاء العزازى وطلب منى عدم السفر لأن الرحلة طويلة وحذرنى من احتمال تعرض والدى لأزمة قلبية فى الجو، وعندما أبلغت والدى برأى د.علاء العزازى قال: «أنا حطلع الطيارة وأسافر أياً كانت النتيجة»، فقد كان يشعر فى هذا الوقت بضيق شديد فى التنفس، ولكن كان لديه إيمان قوى وحب للحياة، وكان لديه إيمان بأن كل شىء قضاء وقدر، وأتذكر يومها قال للدكتور علاء العزازى: «أنا عمرى لم أؤذ أحداً، وسأموت على السرير مثل أخى جمال أو سأموت شهيداً».

وقالت رانيا: عندما وصلنا إلى أمريكا يوم الأحد 15 يوليو، نزلنا فى فندق ملحق بمستشفى كليفلاند، والليلة الأولى قضاها والدى معنا فى الفندق، وكانت غرفتى أنا وداليا ملحقة بغرفته، وعندما أصيب بالتعب فى هذا المساء، أعطيناه أكسجين وتناوبنا أنا وداليا متابعة حالته الصحية.

وقالت رانيا: فى يوم الاثنين 16 يوليو عملنا دخولاً للمستشفى، وبدأنا رحلة الفحوصات، وكان هناك اثنان من الأطباء الكبار يتوليان متابعة حالته الصحية، أحدهما طبيب من أصل سورى فقال لنا: «أريد أن أتعرف على المريض»، فعندما قال له والدى «أنا كنت رئيس المخابرات العامة ونائب رئيس الجمهورية فى مصر»، رد عليه الطبيب وقال: إذن المريض شخص مهم جداً، وطلب منه أن يحكى عن نفسه، فقال والدى «أنا أمارس الرياضة طول عمرى، بلعب الاسكواش، وأعوم ولا أعانى الأمراض إلا منذ فترة قصيرة، سأله الطبيب عن تاريخ العائلة والمرض، وقابلنا فى هذا الوقت د.راندل ستارينج طبيب القلب المعروف، أما المسئول الإدارى بالمستشفى فقد اتضح أنه من أصل مصرى ويدعى «بشاى» وكان والده قسيس الكنيسة فى كليفلاند ويدعى «القس بيشوى».. وعندما علم بهوية والدى ظل يتابعه فى كل كبيرة وصغيرة.

ابنته: والدى أبلغ والدتى فقط بتفاصيل محاولة اغتياله أثناء توجهه للقصر الجمهورى وطلب منها عدم إبلاغنا وظل هادئ الأعصاب

وتقول رانيا: «قبل وصولنا إلى أمريكا بيوم واحد، جاءتنى مكالمة من الطبيب المختص فى مستشفى زايد العسكرى، وقال لى: «لقد وصلتنا نتيجة المرض من ألمانيا، وأن النتيجة أكدت أن المرض المصاب به والدى هو مرض «إميلويدوزيس» الذى من شأنه أن يقلل المناعة، كما أن تأثيره على الجسم لا يظهر إلا بعد سنوات من الإصابة به، وأن هذه الفترة قد تستمر لعشر سنوات».

وتقول داليا: عندما علمنا بالمرض وتأثيراته ازداد قلقنا على حياة والدى، وأبلغنا الطبيب المختص بنتيجة التحاليل الألمانية للمرض، وكنا نذهب بشكل منتظم للجلوس مع والدى من 6-9 مساء يومياً.

وتقول رانيا: فى يوم الأربعاء 18 يوليو، جلس المسئول الإدارى «بشاى» مع والدى للتخفيف عنه، فحكى له والدى عن ذكرياته فى حرب 67، وعن حرب 73، وعن الأوضاع فى مصر خلال الفترة الأخيرة. وفى هذا الوقت بعد أن علم د.علاء العزازى بنتيجة التحليل الألمانى، اقترح إجراء عملية زرع قلب فقال الأطباء: إن المرض خطير وإن هناك صعوبة فى إجراء العملية رغم أن «كونسولتو» من الأطباء كان قد أجرى الكشف عليه يوم الثلاثاء وقال إنه سوف يعيش بهذه الحالة، ولكن بشرط أن يكون المجهود محدوداً.

وتقول داليا: عندما ذهبنا يوم الأربعاء 18 يوليو إلى غرفة والدى بالمستشفى، وكان معنا السفير أيمن القفاص وراجى سليمان ابن شقيقه، ظللنا معه فى هذا اليوم حتى الثانية عشرة مساء على غير العادة، وكان الوالد سعيداً جداً فى هذا اليوم، وكان يتحدث معنا بشكل طبيعى.

وتقول رانيا: فى هذا الوقت اتصل والدى بزوجى المهندس عبدالحميد أحمد حمدى وطلب منه الاهتمام بمائدة الرحمن فى شهر رمضان وزيادة الأعداد فى هذا العام عن أى مرة سابقة، وعندما علم والدى بالمرض من طبيبه الخاص لم يهتز، بل تلقى الخبر بهدوء كامل، حتى إن الطبيب المعالج قال: «هذا رجل عظيم ولديه إيمان حقيقى».

وبعد أن انتهينا من زيارته ذهبنا إلى الغرفة فى الفندق المجاور، وكان أيمن القفاص قد ترك رقم هاتفه فى المستشفى لاستدعائه فى حال حدوث أى طارئ، وفى نحو الثانية صباحاً اتصلت به إدارة المستشفى، وفوجئ بوالدى فى حالة صحية سيئة، وقالوا له إنه يحتضر، ففوجئنا به يطلب منا الحضور سريعاً، وعندما ذهبنا إلى هناك كان الأطباء يجرون صدمات كهربائية لتنشيط عضلة القلب، وقد استمرت الصدمات لنحو ثلث ساعة على غير المعتاد، ولكنه كان قد أسلم الروح، ولم نصدق ما حدث، فانهرنا جميعاً وكنا فى حالة من الصدمة، ثم بعد أن شاع الخبر بدأت الاتصالات تتوالى علينا، فقد اتصل جورج تينت رئيس المخابرات الأمريكية الأسبق وقدم لنا العزاء، لأنه كان يعرف والدى جيداً، ويومها تولى المهندس عبدالحميد أحمد حمدى إبلاغ المشير طنطاوى واللواء مراد موافى مدير المخابرات العامة بخبر الوفاة، وأبلغونا بأن السفارة سترتب كل شىء، بحيث يتم نقله من مستشفى كليفلاند إلى نيويورك ومن هناك يتم نقله إلى القاهرة ورفضنا ذلك وقلنا هذه بهدلة لن نقبل بها، وصممنا أن يعود إلى أرض بلاده بكرامته مباشرة من المستشفى إلى القاهرة.

الوطن المصرية

Exit mobile version