المكتب الإعلامي الفلسطيني في أوروبا

حديث القدس: سياسات اسرائيلية لا تتغير

يمكن القول الآن إن حكومة بنيامين نتنياهو الثالثة لم يكن على أجندتها سوى ثلاثة بنود: محاولة عرقلة الاتفاق النووي الإيراني الغربي، وتنفيذ مخططاتها الاستيطانية، وتكريس سلطة نتنياهو. باختصار كان عمل تلك الحكومة يختصر بما يسمى «الحفاظ على الوضع القائم».
فبالنسبة إلى الاتفاق النووي، لا يزال نتنياهو في تصريحاته يحرض ضده في انتظار تصويت الكونغرس الأمريكي عليه، بالرغم من كل محاولات الإدارة الأمريكية لاسترضائه. في الوقت نفسه، يستمر تنفيذ عمليات الاستيطان وسط تسريبات ومزاعم يطلقها المستوطنون عن «تجميد غير معلن» للبناء في المستوطنات، فيما تثار شائعات بين حين وآخر عن قرب توسيع الحكومة أو حتى عن إجراء انتخابات مبكرة. لكن من لا يغرق في تفاصيل المزاعم يكتشف بسهولة أن سياسة نتنياهو القائمة على هدف «الحفاظ على الوضع القائم» تكرس في واقع الأمر هدفه الأسمى وهو تكريس سلطته.
فبالرغم مما يبدو من هجوم للمعارضة الإسرائيلية لا ينقطع على الحكومة، وما يقال عن هشاشة وضعها، والأحاديث التي تعلو ثم تخبو عن إعادة تشكيلها وضم «المعسكر الصهيوني» إليها، فإن برنامج هذه الحكومة لا يختلف في شيء عن برنامج سابقتها، بل إنه يمكن القول إنه لو تم تشكيل «حكومة الوحدة الوطنية» فإن ذلك لن يغير من برنامج نتنياهو شيئاً.
فمنذ أسابيع، وقادة المستوطنين يشنون حملة اتهامات ضد حكومة نتنياهو، زاعمين أنه ينفذ سياسة تجميد غير معلنة ضد الاستيطان في الضفة الغربية، وذلك في رأيهم لمواجهة رد فعل الأمريكيين والأوروبيين على عمليات الاستيطان، واستباقاً لتهديداتهم لفرض عقوبات على اسرائيل. وفي مناسبة مرور عشر سنوات على تفكيك وإخلاء مستوطنات (غوش قطيف) في غزة قبل أيام، اجتاحت الصحافة الإسرائيلية موجة من المقالات والتصريحات لمسؤولين إسرائيليين ركزت الضوء على إظهار «الخطأ» الذي تمثل في قرار إخلاء تلك المستوطنات من طرف واحد. ونشر مركز (بيغن السادات) و(مجلس الأمن القومي “الإسرائيلي”) نتائج استطلاع أجري حول الموقف من الاستيطان، وأظهر أن 63% من المستطلعة آراؤهم يقولون إنهم عارضوا إخلاء مستوطنات (غوش قطيف) في حينه، وأن 51% منهم يطالبون بإعادة احتلال تلك المنطقة وإعادة بناء المستوطنات فيها.
وفي الأسبوع الأخير من الشهر الماضي، وبحسب صحيفة (هآرتس-23/7/2015)، أقرت حكومة نتنياهو بناء مئات الشقق الجديدة للمستوطنين، وذكرت أن هذا القرار يأتي ردّاً على الاتفاق النووي الإيراني الغربي. وطبقاً للقرار، فإن (مجلس التخطيط في الإدارة المدنية) وافق على بناء (886) وحدة سكنية جديدة، وتبييض (179) وحدة كانت قد بنيت من دون ترخيص قبل عشرين عاماً.
وفي تقرير نشرته (هآرتس-21/7/2015) لحاييم لفنسون جاء قوله: إن رزمة قرارات البناء هذه «تستهدف مصالحة المستوطنين» الذين احتجوا على قرار الحكومة المزعوم وقرارات المحكمة العليا المتعلقة بالاستيطان. ولم يتوقف الأمر عند هذا الحد، بل وإمعاناً في الالتفاف على بعض قرارات المحكمة العليا وبعض توجهات الحكومة لإخلاء بعض البؤر الاستيطانية المنعزلة التي لا أهمية لها، قررت وزيرة العدل ايلييت شاكيد (البيت اليهودي) تشكيل لجنة لشرعنة تلك المستوطنات في الضفة. يذكر أن قرار شاكيد هو أحد بنود الاتفاق الائتلافي لتشكيل الحكومة بين (الليكود) و(البيت اليهودي).
ففي تقرير ل (حركة السلام الآن)، جاء تأكيدها أنه «لا تجميد على الإطلاق، لكنها خدعة نتنياهو الجديدة». وفندت الحركة مزاعم المستوطنين القائلة إن الشهرين الأولين من حكومة نتنياهو الرابعة لم يشتملا على مناقصات جديدة، قائلة إن ذلك ليس دليلاً على تجميد الاستيطان، مشيرة إلى أن الشهرين الأولين من عمر الحكومة السابقة لم يكن فيهما مناقصات، بل إن الأمر استغرق خمسة أشهر حتى فتح الباب على مصراعيه وصدرت العطاءات لبناء آلاف الوحدات السكنية. كما بينت الحركة أن “البيانات الرسمية للمكتب المركزي «الإسرائيلي» للإحصاء للعام 2015، تظهر أن أعمال البناء في المستوطنات وصلت هذا العام إلى الضعف مقارنة مع الفترة المماثلة من العام 2014”.
ومن ضمن القرارات التي تمت المصادقة عليها مؤخراً مشروع قرار تقدم به عضو الكنيست يانون ميجيل (البيت اليهودي) يقضي بسريان مفعول أي قانون يقره الكنيست بشكل تلقائي على المستوطنين في الضفة الغربية، خلال (45) يوماً من إقراره في الكنيست، ويلزم (قائد المنطقة الوسطى) بتطبيقه بشكل أوتوماتيكي.
لقد أصبح معروفاً وواضحاً أن الجانب الاسرائيلي ليس أكثر من مستوطنة كبيرة، وأنه في ظروف أقل مواتاة لم تتوقف يوماً عمليات الاستيطان، وأن من هم أقل تطرفاً ممن هم اليوم في السلطة الإسرائيلية لم يتخلوا عن بناء المستوطنات. إن آخر عروض نتنياهو لاستئناف المفاوضات، التي عرضها أثناء زيارات وزراء الخارجية الغربيين، اشتمل على شرط ألا تكون المستوطنات ولا الاستيطان موضوعاً للبحث في المفاوضات. برنامج نتنياهو لا يتغير، بل يتواصل وبتصميم أشد.

Exit mobile version