المكتب الإعلامي الفلسطيني في أوروبا

جمال.. والفنانين التعبيريين كتب موفق مطر

الفنون التعبيرية احد أهم رسائلنا الوجدانية للعالم، ننظمها كقصائد شعر، أو نكتبها كروايات، او حتى نرسمها كلوحات فنية تشكيلية، ولكن بابجدية الموسيقى، الغناء، المسرح، وهي لغة عالمية انسانية لاتحتاج المجتمعات الانسانية لاستيعابها، لحفظ الف باء لغة الشعب (ناظم الرسالة) لتصل الى عمق وجدانه ويتفاعل معها، كمؤثر فني بمقومات واخراج فني، ولعلنا نلخص ما نريد فنقول ان الجمال في الرسالة التعبيرية كاف لايصال مضمونها، لكن الابداع يضمن تأثيرها وتحديدا لدى المجتمعات الحضارية التي تعتبر الفنون التعبيرية والتشكيلية جزءا رئيسا من وجبة الغذاء الروحية اليومية للفرد.

شهدت رام الله -المدينة الجميلة- قبل يومين افتتاح المؤتمر الثاني للاتحاد العام للفنانين التعبيريين الفلسطينيين، حيث تألق الفنان الفلسطيني جمال الياس الذي غنى والى جانبه ابنته الشابة نغم بصوتها العذب والقوي، وزيها الفلسطيني المطروز برموز الفية، فسعدنا – رغم ضعف تقنيات الصوت في الصالة– ونحن نتلقى لوحات غنائية، من فلسطيني، حمل عطر الأرض، والنفس الطيب لانسانها العربي الفلسطيني، من حيفا وعكا ويافا وصفد والناصرة والرملة واللد، ليمتعنا باريجه ألحانا وكلمات، اكدت قدرة اللغة الموسيقية العربية على الانتصار، وازاحة صخب (قرقعة) و(جعجعة) السائد، المسمى بعضه زورا وبهتانا (الوطني) وكانه لا يستقيم النشيد او الغناء الوطني الا بمفردات الصراخ والنحيب، والايقاعات الاصطناعية المستحلبة قسرا من (ضرع التكنولوجيا).

قد اكون من الميالين الى احلال كلمات الغنية بمعاني الحياة، حتى ولو كان في سبيل استعراض التناقض والصراع او القضية التي يلفت اليها مؤلف القصيدة ومنشدها، واقصاء الكلمات المنفرة التي لا نحبها، حتى وان فرضت علينا قسرا كالدم والموت ومشتقاتهما، وقد وجت ضالتي بالمحبب سماعه عندما غنى جمال: “فيه خير بالعالم بكفي الكل، لو كل واحد ع قده أخد وفل”، “ما كان الذهب ولا الألماس، غلي وقّل”، “في ناس بتتغدى وبتتعشى كافيار، وجاره عقباله مشتهي الخيار”، “لابس ع الموضة فرساتشي ألماني، وكتير من الناس جوعانة وعطشانة”، “عندك عمارة بدك تنتين، وخيك ع قبالك لايص بالدين”، “العجين ما بيسوى إذا ما تخمّر، والطين ما بيعلا إذا ما اتعمّر”، “عطاء الإنسان يتجلى ويكبر، فيه خير بالعالم يكفي الكل”. المؤثر أن امرأة اتصلت به وأبلغته “كفالتها لطفلين” بعد سماعها الاغنية، فالضمير يحتاج احيانا الى محرض، وهذا ما يفعله الفنان الأصيل فينا.

جمال الياس صاحب الصوت الثلاثي الأبعاد، جمع بين رقة وقوة ورخامة وأصوات العمالقة: محمد عبد الوهاب، وديع الصافي، صباح فخري فافتخرت سخنين قضاء عكا به ملكا للأغنية (27) اغنية معظمها من تأليفه والحانه، فالادب الانجليزي والعلوم الاجتماعية علوم ومعرفة ساهمتا في صقل اختياراته الذهبية بلغة الضاد العربية واللهجة الفلسطينية، فالكلمة المغناة كما سمعناها منه، هي القصة النبيلة في الرسالة التعبيرية التي يغنيها للناس، ويلبسها لحنا منسوجا من (حرير الموسيقى العربية) فتلطف قلوبنا، وتثير ضمائرنا، برسالة تعبيرية من وحي الأرض والوطن، فـ (أنا فلسطيني العنوان) (بعدو المفتاح بالزنار) (بعدو بيلعب فينا الموج). يا (ام الدمعة السخية)، (محتار)، (وين الصبر ينباع)، (خلي راسك عا كتفي)، (في خير بالعالم)، (بعيد ميلادك)، (طلت العروسة)، بـ( عرس الغالي ).

انتهى مؤتمر الفنانين التعبيريين الفلسطينيين، لكنهم كما نعتقد سيبدأون انطلاقة جديدة، لرسم فلسطين في وجدان الانسانية، فان كان لنا شرف تقديم رموز للعالم: سياسية كياسر عرفات وثقافية كمحمود درويش، وفي الفنون التشكيلية كاسماعيل شموط ومصطفى الحلاج – رحمهم الله – فان أمام فناني فلسطين التعبيريين فرصة الشروق على الدنيا كأقمار وليس كنجوم وحسب، خاصة اذا ما زاوجنا كلمات ابن ترقوميا الخليل الشاعر ربحي محمود بالحان وغناء ابن سخنين عكا جمال الياس، فأبو الرائد قد كتب لـ (جمال الياس) ليغني: الكل الكل بينادي…. فلسطين يا بلادي.. يا أغلى من روحي… ترابك النادي.. جرحك علينا دين…. بفديك بولادي…. يا أرض أجدادي.

يبقى سؤال برسم الاجابة من الفنانين التعبيريين الفلسطينيين: هل وصل مارسيل خليفة الى قلوب الملايين من العرب لأنه غنى لنجوم فلسطين الشعراء، أم لأنه ابدع بغناء الكلمة البديعة اصلا، فنزلت على سمع وقلب المستمع اجمل واجمل. اذن فلنبحث عن (جمال) الطرب والفن التعبيري الملتزم، لأننا نغني لفلسطين، الوطن الأجمل. كما كتب ولحن وغنى جمال:

فلسطين يا أرض العرب…

اسمك على الشمس انكتب

بالكون ما منبدلك…

وترابك أغلى من الذهب

Exit mobile version