المكتب الإعلامي الفلسطيني في أوروبا

كاتبة فلسطينية: “فرانس 3” تستعيد إسطورة عرفات ومراسل “فرانس 2” مهدد بالقتل!

كتبت أسمى العطاونة*: مرت عشر سنوات على موت الرئيس الراحل ياسر عرفات، وما زال لغز موته يشغل المحطات العربية والغربية. فخلال هذا الإسبوع قامت محطة «فرانس 3» الفرنسية بتخصيص وثائقي يتحدث عن لغز موت الرئيس الفلسطيني. الفيلم الوثائقي من إخراج الفرنسي باتريك فوريستير، ينقل شهادات حية لخبراء ومختصين إسرائيليين وفلسطينيين، وكذلك دوليين، يتحدثون عن هذا الغموض. تنتقل بنا التحقيقات في الفيلم الوثائقي ما بين أراضي الضفة الغربية، سويسرا وإسرائيل ليتحدث أعداؤه كما مقربوه عن الأسطورة. هذا الرجل، الذي التصق اسمه بالقضية الفلسطينية، سواء كنا من المتفقين معه أم المخالفين لآرائه وطريقة تعامله مع قضية شعبه.

الرجل الذي عشق الإعلام وعشقه، يتفق الجميع على أنه ذاك الرئيس، الذي أوصل القضية الفلسطينية إلى آذان العالم أجمع وفرض على العالم إسم فلسطين. هو الذي كان يضحك الجميع بقبله الطائرة وجملته الشهيرة «اللي عاجبو، عاجبو.. واللي مش عاجبو يشرب من بحر غزة».

من الذي صفى عرفات، ومن الذي كان خلف اغتياله، هل قُتل مسموما، وسبب هذه الوعكة الغامضة، التي رافقته لرحلته الأخيرة؟ هذا ما سيظل العالم ينتظر لمعرفته، رغم مضي السنوات العشر، وهذا ما تحاول المحطات العربية والفرنسية الإجابة عليه.

تنافس على حل اللغز

قامت قناة «الجزيرة»، ومنذ ثلاثة أعوام تقريبا ببث فيلم وثائقي خاص عنونته حينها «مقتل عرفات.. الجزيرة تكشف سر موته». بدأت القصة، وكما يتحدث عنها البرنامج في تشرين الأول/ أكتوبر من عام 2004، حيث بدأت أعراض المرض الغامض تظهر على الرئيس الفلسطيني.

ورغم محاولات عدة لاغتياله وحصاره، إلا أنه ظل ينجو منها باعجوبة دون أن يمسه شيء. لم يمض أكثر من شهر حتى توفي هذه المرة بعد محاولات فاشلة في المستشفى العسكري الفرنسي لإنقاذه. توفي دون أن يعرف العالم أسباب الوفاة، ولكن شكوك الفلسطينيين بأن رئيسهم مات اغتيالا من قبل «الموساد» الإسرائيلي، لم تدع مجالا لتصديق حادثة موته من دون التحقيق في الأمر كما يجب. ظن الكثيرون بأنه اغتيل سياسيا، ليزيد الشك بعد أن حصلت قناة «الجزيرة» على نسخة من تقرير خبراء سويسريين ليتأكد العالم بأن عرفات مات مسموما بمادة البولونيوم.

الفيلم والذي نستطيع مشاهدته حتى اللحظة، على موقع محطة «الجزيرة نت»، والذي لا تزيد مدته عن أربعين دقيقة، يتشكل من شهادات مختلفة من شخصيات مقربة من الرئيس ومن الحدث ذاته. يورد الشريط الوثائقي أيضا تصريحات الطبيب الشرعي البروفيسور ديف باركلي وتأكيده على أن «البولونيوم، هو الذي أودى بحياة الرئيس»، ويبقى أن «نعرف من الذي قتله». ورغم مرور السنين إلا أن زوجة الرئيس «سهى عرفات» وابنته «زهوة» لم تكلا عن البحث والتحقيق في الأمر، ولم يبق لديهما أمل سوى في القضاء الفرنسي للتحقيق الجنائي وكشف الجاني «اللغز» الذي قتل الرئيس!

فوضى إعلامية

كيف يمكن أن يصمت الإعلام العالمي المهووس بهكذا قضايا ويشيح بنظره عن حادثة إغتيال أشهر رؤساء العالم، والذي لاحقته المحطات طوال فترة حياته أينما رحل وحل؟ هل نسيت صاحب الكوفية المرسومة على هيئة خارطة فلسطين، والبدلة العسكرية، هو الذي أقام المحطات العالمية ولم يقعدها بعد مصافحته لرابين بعد معاهدات أوسلو. وهو الرئيس الذي حوصر ولاحقته عدسات المحطات العالمية أينما ولى ناظريه، كيف للمحطات أن لا تتسابق في كشفها عن قضايا تحقيق في اغتياله، وكيف للعالم أن يقلب الصفحة وكأن شيئا لم يكن؟

هنا في فرنسا توجد شوارع في مدن مختلفة تحمل إسمه. وفي أماكن عديدة يتم ذكره كرجل شجاع وكرئيس ارتبط اسمه وشخصيته بقضيته وقضية شعبه. هو رئيس أخطأ كالعديد من غيره، وانقسم شعبه بين مؤيد ومعارض له ولقراراته في ما يتعلق بقضيتهم ومصيرهم.

وبعيدا عن محطة «الجزيرة» وتفاصيل وشهادات الإغتيال في الوثائقي، الذي عرضته، تقوم المحطة الفرنسية «فرانس تروا» أو المحطة الفرنسية الثالثة، بعرض وثائقي يتبع تقريبا نهج فيلم «الجزيرة» الوثائقي من أرشيف ومن تحقيقات جنائية وشهادات لمقربين من الرئيس الراحل.

تسلط الضوء على تحقيق سهى عرفات زوجته وإصرارها على معرفة الحقيقة، وخاصة بعد حصولها على نتائج من المختبر السويسري، والذي يؤكد الشكوك حول حادثة اغتياله مسموما. قامت أرملة الراحل وابنته الوحيدة، برفع قضية تحقيق بشأن قضية اغتياله في محكمة «نانتير» في فرنسا، والتي انتهت بقرار «رد القضية» لعدم وجود «وجه حق» لهذه الدعوى.

يأس مراسل «فرانس 2» في إسرائيل!

سلم الصحافي والمراسل الإسرائيلي شارل أندرلان مفاتيح مكتبه ليتنحى عن منصبه كمراسل صحافي للمحطة الفرنسية الثانية بعد قضائه لما يزيد عن السبعة وعشرين عاما في نقل الأحداث والأخبار لفرنسا من اسرائيل وفلسطين. شارل أندرلان يبلغ من العمر السبعين عاما، ألف كتبا عديدة وأخرج أفلاما وثائقية تسلط الضوء على الصراع في الشرق الأوسط. غطى المراسل الإسرائيلي أهم الأحداث، التي مر بها الشرق الأوسط تاريخيا، من حادثة إغتيال رابين وفشل أوسلو، إلى الثورة المصرية.

يغادر المراسل المحطة قائلا أنه «يشعر باليأس» لأن «داعش» سرقت الأضواء، التي كانت مسلطة على القضية الفلسطينية وبرأيه «لم يعد العالم مهتما»، وقارن ذلك بالوقت الذي تخصصه المحطات الإخبارية الفرنسية للصراع العربي ـ الإسرائيلي، والذي كان يزيد عن العشرين دقيقة ليختفي تماما من الواجهة حاليا، وخاصة بعد الأحداث الحالية والثورات العربية ومجازر وحروب «داعش». شارل أندرلان رجل دبلوماسي لا بد من اللجوء إليه واستشارته، في حالة انتقال أو تعيين مسؤولين فرنسيين جدد للعمل في إسرائيل.

كان صحافيا ومراسلا مهنيا لا يقبل بنقل الأخبار السريعة لتغذية شريط أخبار قصير، بل كان يزود محطته بتقارير إخبارية ساعدته في إخراج أفلام وثائقية حصرية كـ»الحلم المنكسر» نقل من خلالها محادثات «كامب ديفيد» في صيف عام 2000 ما بين الراحل عرفات وإيهود باراك.

الأسوأ لم يحدث بعد للشرق الأوسط

هو المراسل الذي دافع عن الطفل «محمد الدرة»، والذي قتل أمام عدسات المحطات العالمية وقتها ورفضت اسرائيل الإعتراف بجريمتها قائلة بأن الفيديو، الذي يوضح مقتل الطفل في حضن والده ما هو إلا «فيلم فلسطيني على الطريقة الهوليودية». لقد دافع أندرلان عن الطفل، وكان من أوائل الصحافيين الإسرائيليين، الذين وصفوا «إسرائيل قاتلة الأطفال» ليتهم وفورا بـ«معاداة السامية» ويهدد بالقتل ويحقد عليه من قبل الفرنسيين في إسرائيل واليهود في فرنسا! لم يتراجع عن وصفه وعن تضامنه مع الفلسطينيين وعن رأيه المتضامن مع حل الدولتين. وفي الوقت الذي تراجع صحافيون ومحطات وصحف عن مواقفهم لم ير المراسل الراحة بعد دفاعه عن زميله المصور الفلسطيني، الذي التقط الصورة وأصر على وصف اسرائيل بقاتلة الأطفال لتنهال عليه تهديدات بالقتل، بالإضافة إلى الإهانات والشكاوى وطلب توقيفه عن عمله وسحب بطاقته الصحافية.

لا يعبر شارل أندرلان إلا عن تشاؤمه مما سيصبح عليه الشرق الأوسط وخاصة في ما يتعلق بالصراع الفلسطيني – الإسرائيلي. هو إسرائيلي لا يجد نفسه متفقا مع إسرائيل حالية ولا مع عاداتها وشعائرها، يعرف عن نفسه باليهودي العلماني واليساري، الذي يؤمن بحل الدولتين، ولا يثق بأن الأمل يحلق في الأفق في ما يتعلق بحل القضية الفلسطينية ويصرح قائلا بأن «الأسوأ لم يحدث بعد» في ما يتعلق في الشرق الأوسط.

٭ كاتبة فلسطينية تقيم في باريس

عن القدس العربي

Exit mobile version