المكتب الإعلامي الفلسطيني في أوروبا

وكيل المخابرات المصرية السابق يكتب عن: معبر رفح المفترى عليه

يؤسفنى للغاية، أن أشير إلى أن موضوع معبر رفح أصبح لدى البعض، يمثل أولوية تفوق فى أهميتها القضية الفلسطينية فهذه القضية تتقزم فى بعض الأحيان بفعل فاعل، ليكون عنوانها وجوهرها معبر رفح، وهو أمر يجافى الحقيقة تماماً، فالمعبر مجرد ممر للعبور بين قطاع غزة ومصر تنظمه اتفاقات ولوائح، بينما القضية الفلسطينية تمثل قضية شعب يبحث عن حريته واستقلاله، وعليه أن يخوض معركة طويلة يتفاوض فيها على قضايا رئيسية مثل القدس واللاجئين والمستوطنات والحدود والأمن .

لقد سيطرت إسرائيل على معبر رفح حتى انسحابها من غزة فى سبتمبر 2005, ولا بد أن أتعرض فى هذا المجال لما قامت به مصر من جهد مؤثر, حيث كان المخطط الشارونى يشمل الانسحاب من القطاع فيما عدا معبر رفح لضمان السيطرة على حركة العبور, ومحور صلاح الدين (أو محور فيلاديلفيا ) لتأمين خط الحدود المصرية الفلسطينية مع غزة, إلا أن القيادة المصرية آنذاك أصرت على أن يكون الانسحاب الإسرائيلى شاملاً كل القطاع بما فى ذلك معبر رفح ومحور صلاح الدين وإلا ستقف مصر ضد هذا الانسحاب المنقوص بقوة ولن تقدم أى مساعدات لتسهيل, وهنا رضخت إسرائيل للضغوط المصرية ووافقت على الانسحاب الشامل من كل غزة . عقب هذا الانسحاب بدأت المفاوضات بين السلطة الفلسطينية وإسرائيل (برعاية أمريكية) لبلورة اتفاق ينظم حركة المرور من معبر رفح، إلا أن هذا الاتفاق المعروف بإسم اتفاق الحركة والمعابر AMA لم يكتف فقط بوضعية معبر رفح وإنما شمل أيضاً الربط بين غزة والضفة الغربية وتسهيل تحركات الأفراد والبضائع بينهما والبدء بإنشاء ميناء غزة دون تدخل إسرائيل والعمل على إعادة تشغيل مطار غزة , وتم توقيع الاتفاق فى 15 نوفمبر 2005 ودخل الاتفاق حيز التنفيذ فى 25 نوفمبر بعد بدء بعثة مراقبة الاتحاد الأوروبى المعروفة باسم EUBAM عملها فى المعبر لمتابعة سير العمل فيه ورفع تقارير تقييم الأداء .

ولابد أن أشير هنا إلى أن مصر شاركت بوفد رفيع المستوى فى مراسم افتتاح معبر رفح برئاسة الوزير الراحل عمر سليمان وبحضور الرئيس الفلسطينى محمود عباس وبمشاركة أمريكية وأوربية كما من الضرورى أيضاً أن أؤكد نقطة شديدة الأهمية قد تغيب عن البعض, وهى أن مصر لم تكن طرفاً فى هذا الاتفاق بأى شكل من الأشكال ولكن احترمت هذا الاتفاق لأنه ينظم العمل على المعبر من الجانب الفلسطينى وتم النص على أن التشغيل يتم على أساس المعايير الدولية, وبالرغم من أن الاتفاق نص على بعض الأمور الإجرائية فى محاولة لتقييد تحركات بعض الشخصيات الفلسطينية ذات الأهمية الأمنية، فإنه لم يتم منع أى منهم من العبور رغم الاعتراضات الإسرائيلية على بعضهم وقد تدخلت مصر مراراً للضغط على إسرائيل للسماح بمرور كل العناصر الفلسطينية التى كانت ترغب فى العبور إلى مصر ثم وصل الأمر فى النهاية إلى عبور الفلسطينيين أياً كانت انتماءاتهم دون اكتراث بالاعتراضات الاسرائيلية.

العمل فى المعبر بطريقة منتظمة فى ظل التزام الجميع بما تم الاتفاق عليه كأسس لتشغيله ووجود ثلاثة عناصر رئيسية (المراقبون الأوربيون ـ الحرس الرئاسى الفلسطينى ـ هيئة المعابر التابعة للسلطة الفلسطينية)، وبإختصار فإن المعبر كان يعمل بشكل طبيعى مادام يخضع للسلطة الفلسطينية ومؤسساتها، لكن فى ظل ما طرأ من تغيرات قلبت الأوضاع رأساً على عقب تمثلت فى سيطرة حماس على غزة فى يوليو 2007 وطرد السلطة الفلسطينية من القطاع، هنا سقطت شرعية العمل باتفاق المعابر فى ظل غياب عناصر تشغيله الثلاثة بل وسيطرة حماس على المعبر أيضاً, وفى ضوء ذلك لم يكن هناك مفر من وقف العمل باتفاق المعابر على الجانب الفلسطينى, وبالتالى كان من غير المنطقى أن يعمل المعبر من الجانب المصرى بالشكل المعتاد نظرا لغياب السلطة الشرعية عن الوجود فى الجانب الفلسطينى .

وبالطبع كان أكثر المتضررين من إغلاق معبر رفح, بعد سيطرة حماس على القطاع, هم سكان غزة الذين تقتضى مصالحهم التوجه إلى مصر لأسباب مختلفة, وبالرغم من ذلك أخذت مصر على عاتقها مسئولية فتح المعبر على فترات لتسهيل حركة أبنائها الفلسطينيين بل وإدخال المعونات الغذائية والطبية واستقبال الجرحى من جراء العمليات الإسرائيلية, واستمر هذا الوضع حتى حادث السفينة التركية (أسطول الحرية) وهنا اتخذت القيادة المصرية قراراً فى أول يونيو 2010 بفتح معبر رفح بصورة دائمة , وتواصل هذا الوضع حتى ثورة يناير 2011 حيث تم إغلاق المعبر لأسباب أمنية، ثم أعيد فتحه على فترات طال بعضها، ولا بد هنا أن أشير إلى أن جميع قيادات الفصائل الفلسطينية,على رأسها حماس والجهاد الإسلامى وفصائل المقاومة، استخدمت معبر رفح للعبور إلى مصر بحرية تامة ودون معوقات إلا ما ندر لأسباب أمنية .

والسؤال هنا ما هى الأولوية التى يجب أن تكون حاضرة لدى الجانب الفلسطينى ومصر والأطراف المعنية.. هل هى معبر رفح؟ أم القضية الفلسطينية؟ وهل من المنطق أن نختزل القضية الأشمل فى قضية فرعية مثل معبر رفح؟

صحيح أنه المعبر الوحيد بين القطاع ومصر نظرا لأن معبر الأفراد الآخر وهو معبر بيت حانون (إيريز) يقع شمالاً بين غزة وإسرائيل التى لا تسمح للأفراد بالمرور منه، إلا بعد إجراءات أمنية معقدة تحرم مئات الآلاف من الفلسطينيين من استخدامه، ولا يمكن لى أن أنكر أن هناك مئات الألاف أيضاً تتعلق مصالحهم بالمرور من معبر رفح , ولكن يجب أن تبقى القضية الفلسطينية لدينا جميعاً هى الاهم خاصة أن مصر تقوم بفتح المعبر على فترات لأسباب أمنية بحتة ولم نتوان عن فتحه مؤخراً لعبور أبنائنا الحجاج .

ويبقى لى أن أحدد إطار التحرك المصرى فى المرحلة القريبة المقبلة ارتباطا بوضعية معبر رفح وهو ما أراه فى أن العامل الوحيد لفتح معبر رفح بصورة دائمة وطبيعية يرتبط بعودة السلطة الشرعية بمكوناتها لتعمل فى المعبر سواء من خلال إنجاز المصالحة أو سيطرة الحكومة الحالية تماماً ووحدها على المعابر فتح معبر رفح على فترات متقاربة لتسهيل عبور أصحاب المصالح وذوى الحاجات دون الإخلال بمقتضيات الأمن القومى المصرى . وكذلك العمل على دفع عملية السلام باعتبارها الوعاء الذى سيتم من خلاله حل كل المشكلات الرئيسية والفرعية.

كتب اللواء. محمد إبراهيم – وكيل المخابرات المصرية السابق

عن الاهرام

Exit mobile version