المكتب الإعلامي الفلسطيني في أوروبا

الصحفي الإنسان

بسام أبو الرب

أدت صورة التقطها المصور الصحفي نيك أوت في 8 حزيران/ يونيو 1972 خلال حرب فيتنام لفتاة تدعى ‘كم فوس’ كانت تجري عارية من هول المصيبة وسط الطريق هاربة من النيران، تحاول اللجوء لمأوى تكون فيه بعيدة عن الموت والدمار، بعد أن أحرقت النيران جسدها بقنابل النابالم، إلى تغيير نظرة العالم وكانت السبب الرئيسي في وقف الحرب، وبينت هول الكارثة نتيجة الحروب.

عدد من الصور التي كشفت حقائق مذهلة والتقطت خلال أحداث دامية، تعرض الصحفي ذاته للخطر، من اجل نقل الحقيقة بكل موضوعية وحيادية، خاصة في فلسطين التي تعاني من جرائم الاحتلال الإسرائيلي، ولكن يبقى السؤال، أين الدور الانساني للصحفي؟ هل تكمن في التقاط الصور في المواقف الحساسة التي ربما تنقل موت احدهم امام الكاميرا ام ممارسة دوره الانساني وانقاذ حياة البعض؟ .

القانون الدولي الانساني شدد على ‘ضرورة احترام وحماية الصحفيين المدنيين العاملين في مهام مهنية في مناطق نزاع مسلح، ما داموا لا يقومون بجهد مباشرة في الأعمال العدائية’، ولكن اكثر من 40 صحفيا أصيبوا باعتداءات متفاوتة منذ بداية شهر أيلول حتى اليوم، بحسب نائب نقيب الصحفيين ناصر أبو بكر، تركزت معظمها في مدينة القدس المحتلة، حتى باتت عدساتهم تشكل ‘بعبعا لجنود الاحتلال، كونها تفضح جرائمهم’.

بعض رواد مواقع التواصل الاجتماعي انتقدوا دور الصحفيين المصورين وعدم تدخلهم لحماية الشبان، خاصة احداث المواجهات قرب الحاجز العسكري ‘بيت ايل’ المدخل الشمالي لمدينة البيرة، عندما كانوا يوثقون بكاميراتهم لحظة الاعتداء على المتظاهرين بطريقة وحشية من قبل قوات الاحتلال.

مصور الوكالة الأوروبية في شمال الضفة الغربية علاء بدارنة، الذي أنقذ طفلا كان يرقد في بيته عقب استهدافه بقنابل الغاز، وتعرضه لاختناق شديد بعيدا عن المواجهات الدائرة في قرية كفر قدوم بمحافظة قلقيلية .

ويقول بدارنة ‘إن من يعتقد أنه لا وجود لدور إنساني للصحفي فهو مخطئ، وهو موضوع لا يحتمل النقاش، الإنسانية موجودة خاصة لدى الصحفي الفلسطيني، الذي ينقل واقع وأحداث قضيته ويعايش ظروفها وهو جزء منها، بالتالي عملية فصل الانسانية عن المصور الصحفي لمجرد انه هو انسان يقوم بالتصوير فهذا شيء خاطئ’.

ويضيف ‘إنه يجب أن نفرق بين الإنسانية والشعور بها، وبين ممارستك للإنسانية، وبين انك تلغي عملك الصحفي وتتحول الى مسعف او منقذ، الانسانية ان تشعر مع الناس وتساعدهم ضمن الحدود المهنية، لكن بالأصل ليست مهنتك ان تترك الكاميرا من اجل إسعاف الناس، وذلك لوجود أصحاب الاختصاص، وبالتالي هناك فرق بين مساعدة الناس في ظروف معينة ومحددة، وبين الغاء مهنتك كمصور’ .

ويؤكد ان الاساس هو التصوير ونقل الحقيقة، لكن هناك حالات معينة يمكن مساعدة أناس بالوصول لسيارة الاسعاف اذا لم يكن هناك أي بديل لإنقاذ حياتهم.

ويتابع، ‘في العام 2013 بشهر نوفمبر خلال تواجدنا في قرية كفر قدوم، قمت وصحفيا آخر، بإنقاذ طفل (لم يكن بالمواجهات)، بل كان موجودا بمنزله وبغرفة نومه، وهذا حصل عندما وقفنا عند باب منزله بالصدفة، وكانت هناك كمية غاز كبيرة ضربها الاحتلال على المنطقة، جزء كبير منها سقط في المنزل، وقتها هاجس جعلني افتح باب المنزل، فوجدت سيدة تطلب مساعدة دون وجود سيارة إسعاف، ولم افكر لحظة بالتصوير، توجهنا للغرفة فوجدنا طفلين بحالة اختناق صعبة، وعملنا على إخراجهما، كي لا يؤدي ذلك إلى فقدان حياتهما، وسلمناهما إلى الإسعاف، وهنا انتهى دورنا.

ويعلق بدارنة على صورة الفتاة الفيتنامية قائلا، ‘في فيتنام الفتاة لم تكن تحترق، هي كانت هاربة من البيت بعد ان حصل القصف، وبالتالي لو لم تكن هذه الصورة لما وقفت الحرب، ووجود الفتاة وبقاؤها على قيد الحياة حتى اليوم يدل على أن ما قام به المصور هو شيء صحيح، وهي اصلا لم تكن بحاجة لمساعدته بالنهاية’.

وتحدث عن موضوع اخلاقيات الصحفي وما يجب ان ينشره وكيف ينشره مع مراعاة الخصوصية، مؤكدا ان المصور هو ذاته محرر صحفي بنفس الوقت، وهناك بعض الصور التي يجب عدم نشرها، خاصة على الساحة الفلسطينية، ويجب تحديد آلية النشر لها مثل حالات الوفاة الصعبة او الاصابات التي فيها تعرٍ .

في حين يرى الإعلامي عماد الأصفر، أن تدخل الصحفي الفلسطيني في بعض الامور قد يحرف مهنة الصحافة عن مسارها ويشوهها، وان يستغل الاحتلال الامر ضد الصحافة الفلسطينية بشكل كبير، على انها اصبحت ضمن المعركة .

واشاد الاصفر بالمجهود الذي يبذله الصحفيون في الميدان، وهم يخاطرون بأنفسهم وحياتهم من اجل نقل صورة ما يجري من أحداث ووقائع على الارض الفلسطينية، وهذه مهمة في غاية الإنسانية والنبل، داعيا الصحفيين لمزيد من الدقة والحذر، كي لا تكون هناك معلومات مشوهة او انصاف حقائق او شائعات .

وقال، الظروف الفلسطينية وما تشهده الساحة من مواجهات لا تحتم على الصحفي التدخل في حمايه ابناء شعبه لعدم ضمان النتائج، وقد تؤدي الى اعتقاله او الاعتداء عليه كما يتم الاعتداء على المتظاهرين، وقد يتم حرمانه وحرمان وسيلة الاعلام التي يعمل بها من الصورة التي يقوم بنقلها والتي توثق هذه الممارسات، وبالتالي اصبحت الصورة اهم من ان يتدخل ويساعد أي شخص بالميدان، الا في حالات معينة طبعا .

وأضاف، ‘إن المجتمع بدأ بتوجيه الاتهامات إلى الصحافة من دون وجه حق، ومن دون مبرر، هناك بعض الاخطاء والتسرع وعدم نقل الاخبار بالشكل الصحيح لبعض الأحداث، وبعض الإجراءات لا يمارسها صحفيون محترفون، ولكن يمارسها هواة وينشطون على وسائل التواصل الاجتماعي، وهؤلاء لا توجد ضوابط لعملهم ونشاطهم، فهم ليسوا صحفيين، لكنهم يؤثرون على عمل وسمعة الصحفي الحقيقي بالميدان .

Exit mobile version