المكتب الإعلامي الفلسطيني في أوروبا

انتصار علمانية أردوغان (شئ طبيعي) كتب بكر أبوبكر

منظمة الأمن والتعاون في أوروبا التي راقبت على الانتخابات التركية الأخيرة في نوفمبر من العام 2015 رصدت أجواء العنف التي سادت الانتخابات ومع ذلك فإنها أشادت (بالهامش السياسي الواسع)، ومن هنا تصبح انتقادات المنظمة ذاتها بأن الحملة جرت بشكل (غير متساوي) بين أحزاب المعارضة وشابها(قدر كبير من الخوف) وأنه حصل فيها (تدخل في استقلالية خط تحرير وسائل اعلام) وما الى ذلك مما أوردته المنظمة تصبح مثل هذه الانتقادات على أهميتها غير ذات بال لأنها لم تؤدي بالمنظمة للطعن في النتيجة في هذا البلد العلماني الدستور.

أن يفوز حزب “الحرية والعدالة” القريب من “الاخوان المسلمين” أو ذو المرجعية الاخوانية في بلد(شبه أوروبي) يسعى لعضوية المجموعة الاوروبية وجزء أصيل من حلف الناتو الذي تقوده امريكا، والذي ينص دستوره على علمانية وديمقراطية فهذا شأن متروك للشعب التركي الذي استطاع أن يرفع كفاءة المشاركة في الانتخابات لأرقام غير مسبوقة تعبر عن وعيه وإدراكه لأهمية الصوت بل وإدراكه لأهمية التعددية والديمقراطية والنظام العلماني (المدني إن شئت لحساسية اللفظة وتعدد معانيها لدى الكثيرين) الذي تسود فيه الحرية للجميع(ومنه حرية التدين من عدمه) وبالتالي تداول السلطة ذاتها لا فرض فكر أو فكرانية (ايديولوجية) محددة على الدولة ومؤسساتها، فما بالك على الأفراد.

لا نعجب ولا نستغرب ولا نرفض أو نهلل لخيارات الشعب التركي فهو قد عرف طريقه ويستطيع ان يقرر علانية ما هي مصلحته وما هو مسار بلاده، وعليه نبارك لهذا الشعب قدرته على المشاركة الديمقراطية والتعددية في ظل لهيب المنطقة التي تحيط بتركيا اليوم.

أما العجب والاستغراب وربما الاستهجان فيأتي من خارج تركيا حيث تبارزت شخصيات من قيادات “الاخوان المسلمين” وخاصة التيار المتطرف فيها بتحريض أردوغان الذي سموه (الرئيس المؤمن) أو (حفيد العثمانيين) ليقوم بتغيير الدستور ضمن أحلام وأوهام يظنوها قد أزفت ستؤدي بأردوغان لتغيير شكل الدولة التركية لتصبح “اخوانية” وهو مالم يقله أو يسعى له أردوغان وحزبه – الذي قد نختلف في التعاطي مع سياساته أو نتفق – ولكل هؤلاء نذكرهم بآراء الرئيس أردوغان بوضوح كي لا يتوهموا أو يتوهوا.

أردوغان في 14/9/2011 وعلى قناة العربية قال التالي نصا: (إن العلمانية تعني حسب دستور تركيا عام 1982 وقوف الدولة على مسافة متساوية من جميع الأديان، أما الأشخاص فلا يكونون علمانيين ، اذ يستطيعون أن يكونوا متدينين أو ضد الدين أو من أديان أخرى …. فهذا شئ طبيعي .) هذا شيء طبيعي!

وهذا “الشئ الطبيعي” وهو علمانية المسافة المتساوية هل يراه الشيخ القرضاوي أو القادة من “الأخوان المسلمين” الذين هللوا لفوزه وفرحوا هل يرونه شئ طبيعي؟!

وهل أولئك الذين رفضوا احياء ذكرى الخالد ياسر عرفات في غزة بينما أقاموا الأفراح في قطاع غزة لانتصار تركيا يرون ماقاله أردوغان “شئ طبيعي” أم كانوا يحتفلون بأوهامهم؟! ما لا يشاركهم بها حزب أردوغان؟

ولمن لا يريد أن يفهم عاد أردوغان ليكرر في ذات المقابلة ومخاطبا الشعب المصري حينها قائلاً أنهم أي المصريين (سوف يكتشفون أن الدولة العلمانية لا تنشر اللادينية ولكنها تحترم كل الأديان) فهل اكتشف الفرحون بفوزه ذلك واعتبروه (شئ طبيعي)أم ماذا ؟

ورغم تصريحاته الصريحة هذه استقبله المصريون من “الاخوان المسلمين” بالقاهرة بلافتات تدعو لعودة الخلافة الاسلامية من مثل (مصر وتركيا عاوزنها خلافة اسلامية) كما يفهمونها، بل وخاطبهم من دار الأوبرا لا من الأزهر في اشارة كبيرة الدلالة.

وفي سؤال وجهه اخواني في مصر لأردوغان حينها حيث وصف حزب أردوغان أنه اسلامي، كان رد رئيس الوزراء التركي تلك الفترة حازماً حيث قال (إن حزب العدالة والتنمية ليس حزبا اسلاميا) مضيفاً (لا يوجد ما يسمى حزب اسلامي ديمقراطي ،فهذا تعريف خاطئ)

وكي لا يظن ظان أن هذا الرجل ذو الخلفية الإخوانية يعد العدة للتخلي عن علمانية تركيا عندما يفوز بالأغلبية ضمن عقلية الانقلاب والمؤامرة التي تعشعش في أذهان الكثيرين فهو قد قال حديثاً في العام 2015 بوضوح أن بلاده (ستظل علمانية وديمقراطية) وذلك في زيارة له للأكاديمية الحربية التركية موضحاً أن: (تركيا لن تتراجع عن العلمانية التي تضمن حرية العقيدة لمواطنيها … والرفاهية … والقانون)

إن “المفهوم” الذي يطرحه أردوغان للعلمانية (السياسية) كمسافة واحدة تتخذها الدولة بين الأديان والطوائف والتدين من عدمه، أي بين كل المواطنين “شيء طبيعي” حيث لا تتدخل هذه (العلمانية) بفهمه وتعريفه لها بتدين أو ايمان الشخص مطلقاً، وإنما الهدف هو حفاظ الدولة والنظام على (المسافة المتساوية) مع يعني اطلاق الحرية والتعددية والديمقراطية وتداول السلطة، وهي القريبة من فهم الشيخ راشد الغنوشي ود.عبد الوهاب المسيري والشيخ أحمد الكبيسي ومجموعة من المتنورين الاسلاميين لما يسمونه العلمانية الجزئية أو العلمانية المؤمنة أو الدولة المدنية.

إن فوز حزب العدالة والتنمية التركي ذو الجذور الإخوانية وبالوعي المستنير لا يعطى للمهووسين من التيارات الظلامية الاسلاموية أي فرصة ليسقطوا أوهامهم وأحلامهم الماضوية على هذا الحزب الذي يرعى العلمانية باعتبارها (شئ طبيعي) لأنني -أي أردوغان- “شخص مسلم يحكم دولة علمانية” كما قال، ويرى مصلحة بلاده وحزبه وشخصه أولا امامه متمثلة في مقاصد الحرية والرفاهية والقانون والديمقراطية التي لا يريدها الذين يفهمون الاسلام أوهاما تاريخية واستنساخا دون تعقل وتدبر وتفكّر امرنا الله سبحانه وتعالى به .

Exit mobile version