المكتب الإعلامي الفلسطيني في أوروبا

وليد عبد السلام: الأغنية الوطنية يجب أن تبقى

– ضيف وفا (1)

يامن نوباني

‘بدأت مع عودي وحدنا في نهايات سبعينيات القرن الماضي، متوجها لفكرة الأغنية الوطنية والسياسية، ومتأثرا بالشيخ إمام والفنان والمسرحي المصري عدلي فخري وفرقة الطريق العراقية’، يقول المسرحي والموسيقي الفلسطيني وليد عبد السلام هنية، المولود عام 1956 في مدينة رام الله، ويشغل الآن منصب الوكيل المساعد لشؤون الثقافة في وزارة الثقافة الفلسطينية.

من دون حماسة في الحديث أو حركة في اليدين كان يتحدث لـ’وفا’.. هادئ جدا، بينما تُعد أغنياته نبض عنيف في الشارع الفلسطيني، راوي يعرف كيف تُسرد الحكاية الأصلية، بأغانيه وأدواره المسرحية ومشاركاته الثقافية والاجتماعية.

درس وليد عبد السلام التمثيل والإخراج المسرحي في أكاديمية الفنون الجميلة في القاهرة، وأكمل دراسته في بغداد، بدأ الغناء في جلسات شبابية في عمّان، مع عوده، بعد أن تعلم الغناء والتلحين بمفرده، قبل أن يُشكّل مجموعة غنائية من ستة أعضاء منهم نجاح مخلوف، التي تعاني من فقدان البصر، لكن الله وهبها صوتا عذبا.

حكاية أغنية ‘انزلنا عَ الشوارع’

يقول عبد السلام: عام 1982 شاركت مع مجموعة مثقفين في مؤتمر تضامني مع الشعب الفلسطيني في بلجيكا، كان منهم أسعد الأسعد. أثناء توجهنا من بلجيكا الى هولندا في القطار كنا تشاور حول ماذا يفعل الناس هنا في حال حدوث تظاهرة؟ فتذكرنا الإطارات المشتعلة والمتاريس وشعارات الجدران ورفع الرايات والحجارة والحرب الشعبية، وكافة أشكال النضال عندنا، وبدأنا سوية صياغة وتصور أغنية ‘انزلنا عَ الشوارع’. عدت الى عمان وعاد أسعد الى رام الله، واستمرت المراسلات بيننا حتى العام 1983 وأكملنا كتابة الأغنية عبر المراسلات، وغنيتها في المرة الأولى في جامعة بيرزيت عام 1984، وكانت الأغنية المبشرة بانتفاضة الحجارة عام 1987.

ويرى عبد السلام أهمية الموسيقى والفن والشعر والغناء في قضايا التحرر في العالم بشكل عام، وفي قضيتنا الفلسطينية بشكل خاص، ولأن الموسيقى وسيلة نضال واحتجاج، خرج وليد مع أصدقائه في تظاهرة ثقافية احتجاجا على وجود حاجز قلنديا العسكري، والذي يفصل القدس عن رام الله، وفي مشهد نادر التقطت صورة لوليد وهو يعزف على عوده أمام الجنود من مسافة قريبة جدا، وفي المقابل من الجهة الأخرى للحاجز خرجت مسيرة يترأسها فيصل الحسيني، في محاولة لالتقاء المسيرتين.. التقاء الفلسطيني بالفلسطيني، يومها كسرت الأغنية والفن الشعبي الحد الوهمي ودخلت بضع أمتار الى داخل الحاجز ورأى شقا المسيرتين بعضهما البعض.

يكتب عبد السلام ويلحن أغنياته، وأحيانا تكون الكلمات من شعراء كتبوا للوطن والقضية، فيقول: حين شاهدت كاريكاتير ناجي العلي، قررت تحويل بعض رسوماته وكلماتها الى أغنيات، كأغنية ‘طاق طاقية’، فرح ناجي بذلك، وقال إنه لم يكن يتوقع أن تصبح رسوماته أغنيات.

ويرى عبد السلام أن الأغنية الوطنية الحديثة في أغلبها ردات فعل على أحداث جارية، أما الأغنية الوطنية القديمة فكانت تعبر عن حالة عامة ومضامين طويلة الأمد، مضيفا: أغنياتي تحمل كلماتي وكلمات شعراء فلسطينيين كبار أثروا القضية بأشعارهم، أمثال توفيق زيّاد، ومحمود درويش، وسميح القاسم، وابراهيم نصر الله، وكان ألبومي الأول ‘ننشد في الشوارع’ وصدر عام 1982 في الأردن.

كان شعوري حين أؤدي أغنية شعور نضالي، بدءا من كتابة كلماتها وتلحينها وإخراجها. الشعور بالوطن والقضية، وكانت الأغنية وسيلة تعبير لها تأثير كبير على الناس والشارع.

الأغنية الوطنية لا تمر بسلام

قبل العام 1994 لم يكن سهلا على الأغنية الوطنية أن تكون حاضرة بقوتها وتأثيرها على الشارع والناس، كانت محاصرة وممنوعة، يُهاجم من يكتبها ومن يغنيها ومن ينشرها، ولعبد السلام تجربته مع قمع الأغنية، فيقول: في العام 1990 فرضت عليّ الإقامة الجبرية لمدة عام ونصف بسبب الأغنية الوطنية، التي حاربها الاحتلال، ومنع انتشارها، واعتقل من يوزعنها، وداهم العديد من أمسياتي، في جامعة بيرزيت، وفي نادي سلوان بداية التسعينيات، وكان يغني بجانبي فيها راجح السلفيتي. كان الاحتلال يتعامل مع الأغنية الوطنية والسياسية كسلاح مهرب ويجب ضبطه، لكن الأغنية استمرت.

ويرى عبد السلام أن الأغنية تعبير عن الحرية والاستقلال والسجون والحالات الإنسانية والنضالية، أغاني عامة تروي حكاية الشعوب وحالها، وأصبحت تُردد في المناسبات والتظاهرات.

زمن ‘النقيفة’

يعود عبد السلام إلى زمن الوسائل التقليدية في مقارعة الاحتلال، زمن ‘النقيفة’، بأغنية ‘شدّلي النقيفة’ من ألبومه الثاني ‘من دار لدار’، والنقيفة عبارة عن عود من الخشب بشعبتين، يتم ربط كل طرف منهما بمطاط، وتوضع في آخر المطاط قطعة قماش صغيرة تجمع طرفي المطاط، وبداخلها يوضع الحجر ويتم شدّ المطاط للوراء وتركه بسرعة لينطلق الحجر، وجاءت ‘شدّلي النقيفة’ ردا على مؤتمر القمة العربية الذي لم يكن بحجم التوقعات بشأن دعم انتفاضة الحجارة، وأردت من خلالها إيصال فكرة أن الفلسطيني لم يعد له إلا حجره يحمي به نفسه.

حكاية أغنية ‘يلا يا يما’

يقول وليد عبد السلام: غنيت مع نجاح مخلوف، للشهيد مؤيد الشعّار، من بلدة عنبتا، الشاب الذي كان يطلب من أمه أن توقظه ليلا ليكتب شعارات الانتفاضة على الجدران، ويشارك في الفعاليات التي تجري في الخفاء والليل، وذات ليلة خرجت مسيرة في عنبتا لمواجهة اقتحامها من قبل قوات الاحتلال، وكان مؤيد نائم، فأيقظته أمه ليشارك في صد الهجوم، فعاد إليها شهيدا. فكانت أغنية ‘يلّا يا يما’، من ألبوم ‘سلام لَولاد البلد’ وصدر في العام 1990، وتقول الأغنية: يلا يا يما قوم بحياتك.. طلع الصبح والنوم ما فاتك، رب الوطن يحميك، يحميك لولادك، حاول يا يما قوم والحقك برفقاتك، لا تخاف يا يما من الحرس والجيش، هذا احنا يا يما والخوف ع ليش، صرنا بوقت يما ما فوته بيفوتك، عشنا بحكم يا يما ما دسته بيدوسك.

ويعتبر وليد عبد السلام من المهتمين بالتراث الشعبي وحفظ الحكاية الشعبية وتطويرها دراميا، وأحد رواتها للأطفال، وأصدر البومين للحكايات بعنوان ‘نُص نصيص’، و’حكايات من فلسطين’، شارك في التمثيل في ستة مسلسلات تلفزيونية، وفي مجال السينما شارك في 11 فيلما سينمائيا، عمل معدا لبرامج ثقافية واجتماعية وحلقات رواية للأطفال، وفي أكثر من 12 دورا تمثيليا في المسرح، وعشرات ورش العمل والندوات والمشاركات الدولية.

ويرجع عبد السلام اهتمامه بأغاني الأطفال، الى افتقار الحالة الثقافية الفلسطينية للأغنية الخاصة بالأطفال، إضافة إلى تحويل الأهازيج الشعبية والحكايات التراثية الى أغنيات.

ويختتم عبد السلام حديثه: الأغنية الوطنية يجب أن تبقى، وهي مطلوبة في كل وقت، ولا يجب التعامل معها في أوقات الحرب، فهي إنسانية وتطرح حال الشعوب، وتناضل من أجل الحقوق والمساواة.

Exit mobile version