المكتب الإعلامي الفلسطيني في أوروبا

غزة من الانتصار للانتحار! كتب اكرم عطالله

لا أحد يحنو على غزة ولا أحد يعتبر أن أهلها يستحقون الحياة وإلا لما استمر كل هذا العقاب كل تلك السنوات الماضية، فما حدث ويحدث من قسوة لم يمر بها شعب في التاريخ، لقد حوربت الشعوب وحوصرت لكنها لم تكن محرومة من الحركة وتتحرك فقط في داخل قرية صغيرة كمساحة غزة ولسنوات طويلة، يبدو أن الجميع لا يعرف العواقب الوخيمة جداً لانعزال شعب وإلا لكان الأمر غير ذلك.

ليس معقولاً أن تخوض غزة كل هذه الحروب وتدار بهذا الشكل، ليس معقولاً أن نرفع كل هذه الشعارات فيما الواقع معاكس تماماً لا يحق لنا الحديث عن انتصارات فيما المواطن الفقير البائس بلا كرامة وبلا انسانية حتى بتنا نسمع عن أحداث وجرائم هي انسياق للمسار الخاطيء الذي سارت به غزة من مغامرات لا لزوم لها منذ الفشل في توزيع السلطة والثروة بعد انتخابات 96 وهي سلطة تحت الاحتلال وثروة يقررها الاحتلال والدول المانحة.

الظاهرة الجديدة التي تعبر عن كل هذا البؤس هي اقدام بعض الشباب على الانتحار في الأونة الأخيرة حيث لا خيار أمامهم سوى وضع حد لحياتهم التي أصبحت بنظرهم أصعب من الموت فيفضل الخلود للموت على حياة لم تعد تحتمل فماذا يفعل شاب لم يعد له أمل بالحياة سوى انتظار الموت ولا يشعر بأن له قيمة سوى باعلان موتاً صارخاً يجلد كل الفصائل ويضع الجميع أمام حساب عسير حيث تركوه بلا رحمة بل وتواطأ الجميع عليه حتى يوصلوا غزة إلى هذا الحد من حياة بالنسبة لجيل من الشباب فقدوا مستقبلهم ولا شيء يفعلونه سوى انتظار الموت.

ماذا يفعل شاب أنهى دراسته منذ سنوات وألقي على قارعة الطريق بلا وظيفة ولا بيت ولا زواج ولا أمل بواحدة من هذه بل أن الوضع يزداد انهياراً وحصاراً ولا شيء سوى أزمة الكهرباء المتكررة ودردشات مصالحة لم يعد منها أي أمل ومع الزمن بات الجميع يدرك أن لا حل لما حل بغزة سوى استمرار المعاناة فيختصر الطريق بالتخلص من الحياة وهنا يبدو النقاش حول يجوز أو لا يجوز حرام أو حلال هو نقاش المترفين الذين استطاعوا تأمين ذاتهم وأبنائهم ونقاش منفصل عن الواقع الصعب.

وفي الأسابيع الأخيرة بتنا نسمع عن موت فجائي لشباب في منتصف العمر ولا أحد يعرف السبب ولا أحد يسأل إن كان هناك علاقة بتلك التراجيديا مع ظروف غزة الاقتصادية والنفسية والاجتماعية أو ما يتناوله أهل غزة من أدوية أو مأكولات وخضار تستخدم فيها مواد سامة بلا ضمير فماذا يمكن أن ينتج هذا الواقع من ضغوطات نفسية وانكسارات اجتماعية وماذا ستكون تداعياتها؟ الانحدار كبير والخسارة أكبر إن استمر هذا الوضع لا أحد من كل الذين يراقبون هذه المنطقة ويجعلون أهلها كفئران تجارب سيكسب من هذه التجربة التي أصبحت تجد في الانتحار أحد الحلول لأن اليأس فاق الحدود لجيل كامل.

تسع سنوات على هذه العزلة وقد تستمر ، وحركة حماس تحاول تصوير الواقع بوردية حالمة تقارن مع الصومال واليمن وليبيا وتتحدث عن الأمن والأمان متناسية أن الأمن متكامل وهو حاصل جمع الأمن الاقتصادي والأمن الاجتماعي والأمن النفسي والأمن الغذائي، وهذا كله منعدم على حركة حماس التي تحكم غزة أن تبحث عن حلول أن تجد مخرجاً لهذا الواقع أغلب الظن أنها تعرف أكثر مما نعرف عن خفايا المآسي والأمراض الاجتماعية التي استولدها هذا الحصار والانهيار لسنوات ونحن نسمع عن حلول الكهرباء مع قطر وحلول مع تركيا والنتيجة أن كل ذلك لم يكن سوى جرعات تحذير لجسد يصاب أكثر بالوهن فلم تعد الناس تحتمل.

كيف يمكن أن تجمع غزة بين فعل الانتصار وفعل الانتحار هناك خطأ ما لأن كل منهما على النقيض تماماً مع الآخر، ما الذي يحدث وكيف يمكن فهمه؟ كيف وصل الناس إلى هذه الدرجة من اليأس؟ هذا هو السؤال الذي يجب اجابته، أما إن بقينا متواطئين بالصمت واخفاء الحقائق هذا يعني المساهمة في حالة الدمار وهنا الأخطر فالمباني يعاد ترميمها لكن ترميم البشر هي المهمة الأصعب بل المستحيلة وهناك جيل كامل يتم تدميره وهنا المسئولية الحقيقية لمن تربع على سدة الحكم سواء بالصندوق أو بعدها بالقوة المسلحة وهي تمكين الناس من الحياة بكرامة والكرامة هنا ليست شعارات بل تأمين لقمة العيش وفك الحصار..!!

Exit mobile version