المكتب الإعلامي الفلسطيني في أوروبا

مئوية سايكس بيكو كتب عمر حلمي الغول

لم يعد موضوع إعادة تقسيم شعوب ودول الامة العربية جديدا بعد مضي مائة عام على إتفاقية سايكس بيكو الفرنسية البريطانية الروسية، التي أبرمت بين نوفمبر 1915 ومايو 1916، التي قسمت شعوب المنطقة في اثناء الحرب العالمية الاولى 1914/1917 على أنقاض الرجل المريض، تركيا العثمانية بعدما أدبر دورها كامبراطورية.
طيلة القرن الماضي لم يتوقف الغرب الاستعماري عن التخطيط لمواصلة تمزيق شعوب الامة. فالولايات المتحدة الاميركية وضعت خرائط جديدة لاعادة تقسيم المنطقة وفق معايير جديدة عنوانها الاساسي إقامة إمارات ودويلات بخلفيات دينية وطائفية ومذهبية، وزرعت مع باقي دول الغرب الرأسمالي إدوات لها منذ عشرينيات القرن الماضي كما جماعة الاخوان المسلمين، وأوجدت إسرائيل في قلب المنطقة عام 1948، التي مهدت لها بوعد بلفور مباشرة بعد إبرام اتفاقية سايكس بيكو في نوفمبر 1917، ورسخت الطابع الديني والطائفي في لبنان قبل إستقلاله في 1946، ومازال يعاني حتى الان من آثار ذلك البناء الفوقي والتحتي، ورعت وحمت مشيخات وامارات عائلية بنظم دينية في الخليج العربي وبعض دول الهلال الخصيب، ولاحقت بسيناريوهات متعددة نظام الدولة الوطنية عبر حلف الناتو وحرب السويس وحروب إسرائيل المتواصلة ضدها وخاصة التجربة الناصرية واخيرا حروب الخليج والتحالف الثلاثيني بقيادة اميركا ضد العراق، لتبديد التنمية والتطور في الساحات العربية، وتكفير الشعوب بالتجارب القومية لضرب وحدتها وتطورها، وملاحقة الثورة الفلسطينية وظاهرتها العلنية في الساحات العربية وتقزيم اهدافها الوطنية.
الحرب على نهوض وتطور المشروع القومي النهضوي العربي، لم تكن منعزلة عن ضرب حركة التحرر العالمي بقيادة الاتحاد السوفيتي ومنظومته الاشتراكية 1989، حيث لعبت الحركة الصهيونية وادواتها في تلك الدول رأس الحربة، بالاضافة إلى المثالب الداخلية، الناجمة عن غياب الديمقراطية، وعدم التمكن من مواصلة المنافسة مع الغرب الرأسمالي. وبعد ان فرضت العولمة الاميركية سيادتها على القرار الاقتصادي المالي والسياسي الدولي، باتت الطريق امامها مفتوحة لاعادة تمزيق وحدة شعوب ودول الامة العربية، وبناء شرق اوسطها الجديد، رغم التراجع في مكانة الولايات المتحدة العالمية، غير أنها مازالت تمسك بقرون المنطقة من خلال إسرائيل وادواتها الاسلاموية التكفيرية، وتراجع وانهيار القوى الوطنية والقومية، وشل الدول المركزية في المنطقة، وبالاعتماد على تحالفاتها مع دول اقليمية (إيران وتركيا وبعض العرب) مستغلة حساباتها ومصالحها الضيقة، واستخدمت اموال العرب بعد ان ادخلتهم في متاهة الحروب البينية العربية العربية. كما واستغلت الثورات العربية لفرض ادواتها في المشهد السياسي، التي لعبت دورا رئيسيا في تشظي العديد من الدول العربية (العراق وسوريا وليبيا واليمن) ولم تنجح حتى الان في مصر وتونس.
مئوية سايكس بيكو تحمل رياحا سوداء على شعوب ودول الامة، لان اميركا وحلفائها الاوروبيين والدول الاقليمية وفي مقدمتها إسرائيل والقوى السياسية وخاصة جماعة الاخوان المسلمين وفروعها ومن خرج من رحمها، مصممة على تكريس خرائطها الجديدة البشعة . ولكن وفق معاييرها، التي تحول دون تطور ونهوض الشعوب العربية . ويجري الصراع بين الاقطاب الدولية لاعادة تقاسم المنطقة إستنادا لموازين القوى الراهنة.
لكن المشروع الاميركي الاوروبي الاسرائيلي ليس قدرا على شعوب الامة، إذا ما أحسنت القوى الوطنية والقومية الديمقراطية من الامساك بزمام الامور او على الاقل فرضت نفسها كإحدى القوى المقررة في المشهد السياسي. وفي فلسطين تملي الضرورة على القيادة الشرعية العمل على تعزيز عوامل الصمود عبر إعادة الاعتبار لوحدة الارض والشعب والقضية والاهداف الوطنية لفرض نفسها في الجيوبوليتك الجديد، رغما عن إسرائيل ومخططها الجهنمي، الذي تسعى من خلاله لتصفية المشروع الوطني بالدفع قدما بمشروع الدويلة القزمية او الامارة الغزية، التي أصلت له حركة حماس بانقلابها على الشرعية اواسط عام 2007.
التاريخ لا يعود للوراء. ولكن للصعود مع حركة التاريخ على القوى الوطنية والقومية الديمقراطية في اوساط شعوب الامة النهوض بمسؤولياتها تجاه نفسها ودورها ووحدة شعوبها ودولها وقطع الطريق على الغرب عموما واميركا وإسرائيل خصوصا، ووقف التطبيع معها قبل فوات الاوان.

Exit mobile version