المكتب الإعلامي الفلسطيني في أوروبا

الخليل.. “تواجد دولي” على صفيح ساخن

جويد التميمي

في الخليل أقصى جنوب الضفة الغربية، ثمة مفارقات وقصص موجعة تفيض بها خزانة الذاكرة الجماعية عن الصراع مع الاحتلال الإسرائيلي.. حكايات وأحداث ربما تحدث الآن وفي هذه اللحظة، وأخرى تتحدث عن مجزرة الحرم الإبراهيمي، وعن المدارس التي تحولت إلى معسكرات، وعن البيوت العتيقة التي هدمت، والمتاجر التي أغلقت.

ولعل جريمة إعدام الشاب عبد الفتاح الشريف، ورمزي القصراوي التميمي (21 عاما) في الرابع والعشرين من الشهر الجاري في حي تل الرميدة الخاضع للسيطرة “الأمنية” الاسرائيلية وسط الخليل، تكشف عن فداحة المحنة التي منيت بها المدينة منذ احتلالها عام 1967، وما بعد ذلك مع أول وجود استيطاني فيها عام 1972 عندما تم تشييد مستوطنة «كريات أربع» على أراض منهوبة شرق المدينة، وتشييد «بيت هداسا» النقطة الاستيطانية الأولى في شارع الشهداء وسط المدينة في العام 1979.

جريمة إعدام أحد جنود الاحتلال للشاب الشريف في تل الرميدة، قبل أسبوع، والتي فضحها الناشط عماد أبو شمسية، الذي تسلح بكاميرا مملوكة تجمع “مدافعون عن حقوق الإنسان” وصور مقطع فيديو إعدام الشاب الشريف، قبل نحو أسبوع وزوده لمنظمة “بتسيلم” لحقوق الانسان الاسرائيلية، فتحت الباب واسعا على أسئلة مواطني المدينة الذين ينشدون الأمان، والمتعلقة ببعثة التواجد الدولي المؤقت (TIPH)في المدينة .. دورها ومهامها، وأكثر من ذلك صلاحياتها في حماية الأهالي العُزل.

“لو تواجد أفراد البعثة الدولية في المكان هل كان بإمكان الجندي الاسرائيلي ان يعدم الشاب الشريف؟؟” تساءل الحاج بسام أبو عيشة (55عاما) الذي يقطن حي تل الرميدة. وأضاف لــ”وفا” الجنود والمستوطنين يحجمون عن ارتكاب اعتداءاتهم في ظل تواجد أحد أفراد البعثة الدولية، لذلك نطالب بزيادة أعدادهم لتكثيف تواجدهم خاصة في تل الرميدة وشارع الشهداء والبلدة القديمة.

ومن جانبه قال المواطن سعد الشرباتي الذي يقطن شارع الشهداء، “إن عدة اعتداءات قام بها المستوطنون وجنود الاحتلال، كان آخرها مطاردة طفلي فتحي (16عاما) من قبل الجنود ومستوطنيهم في محيط منزلنا، وقدمنا مرارا وتكرارا شرحا مفصلا للمراقبين العاملين في بعثة التواجد الدولي المؤقت TIPHغير أننا لم نلمس أي تحسن بخصوص الوضع على الصعيد الأمني في المنطقة”.

ويستدرك الشرباتي حديثه “إنه يعي مهمة المراقبين الدوليين التي تتلخص في كتابة التقارير وتصوير وتوثيق مشاهد اعتداءات الجيش والمستوطنين في البؤر الاستيطانية والثكنات العسكرية المنتشرة كالسرطان في قلب مدينه الخليل، بيد أن الحال لم يتغير!!” ويقول: “الدول الأعضاء المشاركة في البعثة عليها القيام بدورها ومتابعة تقارير مراقبيها واتخاذ قرارات بشأن رفع الظلم عن الضحية ومعاقبة المعتدي”.

ويقول الخبير في مجال الأراضي والاستيطان عبد الهادي حنتش: “يظهر جليا ان التقارير التي ترفعها بعثة التواجد الدولي المؤقت في الخليل ليس لها أي مردود ايجابي بخصوص ما يعانيه مواطنو مدينة الخليل جراء ممارسات واعتداءات قوات الاحتلال الاسرائيلي والتي ارتفعت حدتها في الآونة الأخيرة خاصة في البلدة القديمة ومحيط الحرم الابراهيمي”. ويضيف “.. في كثير من الاوقات يظهر جنود الاحتلال خاصة المتواجدين على الحواجز في الخليل القديمة بصورة إنسانية ودبلوماسية أمام المراقبين الدوليين الذين يعملون في البعثة وعقب مغادرتهم المكان ينكلون بالمواطنين الفلسطينيين، وهذا ما توضحه الاعدامات الميدانية الأخيرة في محيط الحرم والبلدة القديمة وتل الرميدة، والتي ارتقى خلالها عشرات الشهداء من مدينة الخليل، حيث استشهد منذ مطلع شهر تشرين أول الماضي ما يزيد عن 18 فلسطينيا في المنطقة المسماة H2 من المدينة.

وتابع، من المؤكد أنه لن يكون هناك استقرار في قلب الخليل الا بإخلاء المستوطنين منها والذين يتخذ جيش الاحتلال من حمايتهم مبررا لممارسة جرائمه بحق أبناء شعبنا…

ويعتقد حنتش ان الجهات الدولية التي تُرفع بعثة التواجد الدولي تقاريرها لها لا تحقق في هذه التقارير، ولذلك لم يلمس سكان الخليل أي محاسبة او اجراءات دوليه تصب في مصلحة العدالة ورفع الظلم الذي يرتكبه المستوطنون وجنود الاحتلال يوميا بحقهم.

ومن جانبه بين نائب محافظ الخليل مروان سلطان، ان بعثة التواجد الدولي المؤقت شكلت من مدنيين وأمنيين ينتمون لست دول هي “الدنمارك والنرويج وتركيا وإيطاليا والسويد وسويسرا”، والهدف من وجودهم رصد الانتهاكات وتوثيق الاعتداءات وعمل مسح شهري وتقديم تقارير دورية عن الواقع الذي يعيشه سكان مدينة الخليل كي تسلم إلى دولهم، بالإضافة إلى الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي.

وطالب سلطان أفراد “بعثة التواجد الدائم” التواجد في مناطق التماس الواقعة في قلب مدينة الخليل، وقال لــ”وفا” “هذا فريق ينبغي زيادة أعداده لا أن تنقص في هذه الظروف العصيبة التي يمر بها أبناء شعبنا جراء اعتداءات الاحتلال ومستوطنيه المدججين بالسلاح”.

وتابع، نشكر البعثة على ما تقدمه من مساعدات انسانية لمواطنينا، لكن الظروف في الخليل تحتاج الى تدخل دولي جدي للجم ممارسات الاحتلال واعادة الهدوء الى المنطقة التي يمارس فيها القتل بدم بارد بشكل شبه يومي، وهذا ما نردده دوما ووثقته عين كاميرات المتطوعين والصحفيين الفلسطينيين”.

وكان رئيس بعثة التواجد الدولي المؤقت اللواء “إينار جونسن” قال خلال جوله قام بها برفقة ممثلين عن المحافظة في البلدة القديمة بالخليل: “تساعد بعثة التواجد الدولي المؤقت في الخليل الجهود المبذولة لتعزيز الاستقرار والتنمية الاقتصادية والرفاه الاجتماعي للفلسطينيين في مدينة الخليل، ولهذا السبب، يقوم قسم العلاقات المجتمعية بدعم العديد من المشاريع التي تهدف الى تحسين الرفاه الاجتماعي للمجتمع المحلي، وتنفذ المشاريع بالتعاون مع المؤسسات المحلية غير الربحية العاملة في التعليم والصحة والرياضة والثقافة وحقوق الإنسان وغيرها”.

والى أن تُناط الى مهام افراد بعثة التواجد الدولي المؤقت في الخليل، صلاحيات أوسع تمكنهم من حماية الأهالي العُزل، وتجنبهم خطر الاعدامات والقتل بدم بارد، خصوصا في البلدة القديمة، ستظل قصصهم وحكاياتهم مليئة بالدموع والإهانات التي تفرض نفسها على حياتهم عبر الهجمات المنظمة التي تشنها المجموعات المسلحة من المستوطنين على البيوت، ومن خلال سلسلة الأوامر العسكرية القاضية بإغلاق عشرات المتاجر، واستمرار إغلاق شارع الشهداء، واحتلال المباني بقوة السلاح، ومحاصرة الأسواق والأحواش القديمة.. وفي تفاصيل كثيرة ويومية تطال كل ما يتعلق باستمرار تواجد أهالي المدينة في “منطقة محرمة!!”.

Exit mobile version